ويليام بار
النائب العام الأميركي بين عامي 1991 و1993
TT

ترمب اتخذ القرار الصائب بخصوص كومي

بعدما توليت منصبي النائب العام ونائب النائب العام داخل وزارة العدل، تحملت مسؤولية الإشراف على مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، واقتضى عملي التواصل بصورة يومية مع كبار قيادات المكتب. ومن واقع خبرتي، خلصت إلى تفهم لكيفية كم أننا كأمة أميركية محظوظون بامتلاك أفضل مؤسسة في مجال فرض القانون على مستوى العالم متمثلة في «إف بي آي»، مؤسسة تتسم بمهنية كاملة وتخلو من التحيزات الحزبية. وفيما يلي سأعرض وجهة نظري بخصوص قرار الرئيس ترمب بفصل مدير «إف بي آي»، جيمس بي. كومي.
في الواقع، يتميز كومي بمواهب استثنائية؛ قدم إسهامات كبيرة خلال السنوات الكثيرة التي قضاها في مجال الخدمة العامة. بيد أنه للأسف بداية من يوليو (تموز)، عندما أعلن عن نتيجة التحقيق الذي أجراه المكتب بخصوص استخدام هيلاري كلينتون جهاز خادم شخصياً لرسائل البريد الإلكتروني أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية، فإنه تجاوز بذلك خطأ يشكل أهمية محورية فيما يتعلق بتوزيع السلطات تحت مظلة وزارة العدل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الوقت الذي يجري «إف بي آي» تحقيقات، فإن مسؤولية الإشراف والتوجيه وتحديد النتيجة الأخيرة للتحقيقات تقع حصريا على عاتق محققي وزارة العدل. وبالنظر إلى تحقيق ينطوي على هذا القدر البالغ من الحساسية كذلك المتعلق بكلينتون، فإن حق صنع القرار الأخير يبقى محفوظا للنائب العام، أو حال إعفاء النائب العام من منصبه، نائب النائب العام. وعليه، فإنه من خلال إقدامه على نحو انفرادي على إعلان النتائج التي خلص إليها بخصوص كيف ينبغي تسوية القضية، فإن كومي بذلك افتأت على سلطة النائب العام.
لقد سبق وأوضحت في مقال نشرته في «واشنطن بوست» في أكتوبر (تشرين الأول)، بأن النائبة العامة لوريتا إي. لينتش خلفت وراءها فراغا في أعقاب اجتماعها الأول مع بيل كلينتون، بسبب عدم إقدامها على تنحية نفسها رسميا، أو ممارسة سلطتها الإشرافية على القضية. إلا أن حل هذا الوضع كان يستلزم من كومي عرض النتائج الموضوعية التي خلص إليها التحقيق على نائب النائب العام، وليس ممارسة سلطة الادعاء العام بنفسه في أمر على هذا القدر الخطير من الأهمية.
وحتى الشهادة التي أدلى بها كومي الأسبوع الماضي، كنت أفترض أن لينتش فوضت كومي بالتصرف بصورة انفرادية. الآن، أصبح واضحا أنه جرى التعدي على قيادة وزارة العدل. في الواقع، لا أعرف أي مسؤول سابق بوزارة العدل – سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً - لا يرى في التصرف الذي أقدم عليه كومي في يوليو (تموز) افتئاتاً خطيراً على السلطة.
الواضح أن سوء التقدير الذي وقع به كومي في البداية ورطه على نحو أكبر، ودفعه إلى اتخاذ مزيد من التصرفات المثيرة للجدل من خلال إثارة انطباع بأن «إف بي آي» منغمس بالحقل السياسي. وبمجرد أن أعلن كومي عن موقف محدد في يوليو، لم يكن أمامه ثمة خيار قرب عشية الانتخابات سوى إعادة فتح التحقيق لدى ظهور دليل جديد.
إلا أنه للأسف الشديد كان من شأن هذا النهج تحويل كومي ذاته إلى شخص مثير للجدل، ووضعه في قلب الخطاب السياسي العام، الأمر الذي أفقده مصداقيته على الصعيدين الجمهوري والديمقراطي. وسادت قناعة على نطاق واسع بأن منصب كومي أصبح يتهدده الخطر بغض النظر عمّن سيفوز في الانتخابات.
وعليه، من غير المثير للدهشة أن يسعى ترمب لإطلاق بداية جديدة داخل «إف بي آي»، وأن يتشاور مع قيادات وزارة العدل حول ما إذا كان ينبغي الإبقاء على كومي. ولم يكن من الممكن أن تبدأ هذه المداولات حتى التصديق على تعيين النائب العام الجديد، رود جيه. روزنستاين، الذي من المقرر أن يرفع إليه كومي تقاريره، وأصبح في موقع يمكنه من تقييم أداء كومي. وبغض النظر عن الفترة التي قضاها الرئيس في التفكير بشأن هذه الخطوة، يبقى تقييم روزنستاين لكومي مقنعا للغاية ويثبت صحة قرار الرئيس.
في الواقع، أوضح روزنستاين خلال البيان الذي قدمه أن قلقه الرئيسي انصب ليس على افتئات كومي فيما مضى على السلطة، رغم فداحته، وإنما على رفضه المستمر للإقرار بالأخطاء التي سقط فيها. من جانبي، لا أشكك في أن كومي يؤمن بصدق بأنه تصرف بصورة لائقة على النحو الأمثل لخدمة مصالح البلاد. إلا أنني في الوقت ذاته أعتقد أنه من المتفهم تماما رغبة الإدارة في عدم استمرار مكتب لـ«إف بي آي»، لا يدرك حقيقة حدود سلطاته.
ومن اللافت أن أحداً من منتقدي الرئيس شكك في صحة هذا القرار، ولم يقدم أي منهم على إعلان أن أداء كومي يجعل من الواجب الإبقاء عليه مديرا للمكتب. بدلا من ذلك، ركزت سهام النقد على دوافع الرئيس، وادعى منتقدو القرار أن الرئيس أراد من وراء قراره بطرد كومي التأثير على التحقيق الجاري بخصوص دور روسيا في الانتخابات الرئاسية.
حقيقة الأمر، فإن فكرة أن نزاهة هذا التحقيق تعتمد على وجود كومي لا تصمد أمام التفحص الموضوعي. وعلى النقيض من الآراء التي يطرحها النقاد، فإن كومي لم يكن «مسؤولاً» عن التحقيق. داخل وزارة العدل، تقع مسؤولية الإشراف على توجيه التحقيقات على عاتق محققي الوزارة. ونظرا لتنحي النائب العام جيف سيشنز، فإن التحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية يجري الإشراف عليه من جانب كل من روزنستاين، ودانا بونتي، القائم بأعمال رئيس قسم شؤون الأمن الوطني بوزارة العدل. ويتميز الرجلان بتاريخ مشرف كمحققين داخل الوزارة، وجاء اختيارهما للعمل نائبين من قبل الرئيس باراك أوباما.
موجز القول إن مسؤولية نزاهة التحقيق الروسي تقع على كاهل اثنين من أبرز المسؤولين اللذين اختارهما أوباما. من جانبهم، كان الديمقراطيون داخل مجلس الشيوخ يدركون جيدا أن روزنستاين سيتولى الإشراف على التحقيق الجاري بخصوص روسيا عندما انضموا بأعداد غفيرة إلى زملائهم بالمجلس من الجمهوريين في التصديق على تعيينه بأغلبية 94 صوتا مقابل 6 أصوات.
علاوة على ذلك، فإن الإجراءات اليومية للتحقيق لم يكن يضطلع بها كومي، وإنما محققون مهنيون وعملاء لدى «إف بي آي»، الذين لا تعتمد مهنيتهم ونزاهتهم على هوية مدير المكتب. من جانبه، أكد القائم بأعمال المدير، أندرو مكابي، لتوه خلال شهادة أدلى بها، أن عملاء الـ«إف بي آي» المسؤولين عن التحقيق سيضطلعون بعملهم بصورة مهنية ودقيقة بغض النظر عن اسم مدير المكتب.
وتبعا لما أوردته تقارير إعلامية، فإن التحقيق يجري بالفعل على قدم وساق، مع استعانة وزارة العدل بهيئة محلفين كبرى لإصدار أوامر الإحضار والاطلاع على المعلومات، ما ينبئ عن مستوى من الدقة لم يكن متوافرا في التحقيق الذي جرى بشأن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون. موجز القول إن فصل كومي لا علاقة له بنزاهة التحقيق حول صلة روسيا بالانتخابات الرئاسية.
*النائب العام الأميركي بين عامي 1991 و1993
*خدمة: «واشنطن بوست»