جوناثان برنستين
TT

حفل تنصيب ترمب رئيسًا... العدد ليس مهمًا

حين يتعلق الأمر بشعبية الرئيس، قد تمثل الإدراكات أهمية على نحو يبتعد قليلاً عن البديهية. يمكن أن يشكل أي شيء يؤثر على الإدراك فرقًا في ما يتعلق بنجاح الرئيس الجديد في التعامل مع الكونغرس، وكيفية أداء حزبه في الانتخابات النصفية، حتى إذا كان هذا لا يمثل أي فرق من الناحية المنطقية.
الحجة الأسهل في العالم هي القول بعدم أهمية عدد المشاركين في حفل تنصيب دونالد ترمب رئيسًا يوم الجمعة الماضي، أو في المظاهرات التي تم تنظيمها ضده يوم السبت الماضي؛ ففي نهاية الأمر في كلتا الحالتين عدد الأشخاص أقل قليلاً من عدد الذين صوتوا له (نحو 63 مليونًا) أو ضده (نحو 74 مليونًا يشمل نحو 66 مليونًا صوتوا لهيلاري كلينتون). كذلك لا يوجد أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن عدد الحضور يعد مؤشرًا على نتائج الانتخابات المتوقعة في المستقبل. رغم عدد الحضور في حفل تنصيب باراك أوباما، الذي كان يمثل رقمًا قياسيًا، كانت النتيجة هي غياب الشعبية، ونجاح الحزب الجمهوري الكاسح في انتخابات عام 2010. ولم تمنع الاحتجاجات الحاشدة ضد حرب فيتنام خلال عامي 1969 و1970، وهي أول عامين من فترة رئاسة ريتشارد نيكسون، فوز الرئيس نيكسون بـ49 ولاية عام 1972.
كل هذا صحيح وحقيقي، لذا قد يرى المرء أن هوس الرئيس الجديد بالأعداد، وتصريحات سكوت سبايسر، مسؤول الإعلام بالبيت الأبيض، غير الحقيقية بشأنها، ما هو إلا ترهات إذا نحينا الزيف والإفك جانبًا.
مع ذلك لم تكتمل القصة بعد.
سوف تقرر الصحافة السياسية المحلية مدى الجدية في التعامل مع الاحتجاجات المنظمة ضد ترمب. لقد اختاروا خلال عامي 2009 و2010 التعامل مع احتجاجات حزب الشاي ضد أوباما بجدية كبيرة بالفعل، وهو ما عزز بدوره تلك الأفعال، وساعد في إقناع أعضاء الكونغرس بالتعامل معها باعتبارها حركة شعبية كبيرة.
بالمثل، سيكون على الصحافة السياسية المحلية أن تقرر ما إذا كانت سوف تصور ترمب على أنه يحظى بشعبية بوجه عام أم لا، وهو ما قد يؤثر على إدراك أعضاء الكونغرس للأمر. ما ينتظر ترمب دون النظر إلى ما تخبره بنا استطلاعات الرأي، هو استنتاج طبيعي يتشارك فيه الجميع تقريبًا، مفاده أن أي مرشح يفوز بانتخابات رئاسية يجب أن يكون متمتعًا بشعبية. إن هذا توقع يتسم بقوة كبيرة إلى حد جعله يتجاوز أحيانًا، على مدى الأشهر الماضية منذ 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، الحقيقة الواضحة أن 3 ملايين آخرين قد صوتوا لكلينتون، وأنه تم تسجيل مستوى متوسط أو أقل لشعبية ترمب، ولإحصاءات الموافقة على المرحلة الانتقالية. إنه أمر يدفع تحليلاً ذكيًا، مثل نتائج نيت كوهين، للتساؤل عما إذا كان هناك شيء ما في قبول وجاذبية ترمب لم تنجح تقييمات الموافقة التقليدية، أو الأسئلة الخاصة بالشخصية، في رصده؛ شيء هو، وغيره ممن شاركوا في تحليلات مماثلة، لم يكن ليفعله أبدًا في حال حصول ترمب على عدد الأصوات نفسه ولكن موزعة بشكل مختلف، بحيث يحصل على عدد أكبر من الأصوات في كاليفورنيا، وتكساس، بدلاً من فلوريدا، وبنسلفانيا، وميشيغان، وويسكونسن.
إنه مناخ يبحث فيه الناس عن دليل يدعم الفكرة التي تبدو بديهية، وهي أن الفائز بالانتخابات الرئاسية يتمتع بشعبية. لذا في حين لا يقدم الحضور الضعيف نسبيًا لحفل التنصيب دليلاً ذا معنى، ناهيك عن تقديمه لبرهان يدعم فكرة عدم شعبيته، لا يقدم في الوقت ذاته أي شيء يدعم فكرة عدم التفات استطلاعات الرأي لشيء ما.
ويتسم إدراك الشعبية، وإدراك حماسة المعارضة، بأهمية كبيرة، ليس في ما يتعلق بتأثير الرئيس. وأوضح غاري جاكوبسون، الباحث في انتخابات الكونغرس، أن التوقعات الخاصة بالانتخابات قد تكون مثل النبوءة التي تحقق ذاتها، حيث سيستخدم حزب يتوقع تحقيق مكاسب كبرى كل موارده في دورة الانتخابات المقبلة. الأهم من ذلك هو التأثير على عملية اختيار المرشح. في هذه الحالة يكون من المرجح اختيار المرشحين المميزين، مثل السياسيين الذين يتمتعون بخبرة، ويعرفون كيفية إدارة حملات انتخابية ناجحة، حين يعتقدون أن الاتجاه القومي لصالح حزبهم، مما يعزز فرص فوز أولئك المرشحين، لأنهم ماهرون في مجال السياسة، حتى إذا لم تفلح تلك الاتجاهات أبدًا. يفكر السياسيون المحترفون حاليًا فيما إذا كانوا سيترشحون لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي، أم لانتخابات اختيار المحافظ، وقريبًا سيبدأ المرشحون في اتخاذ قرار بشأن انتخابات مجلس النواب. كلما ازداد عدد الديمقراطيين الذين يرون أن موقف الجمهوريين ضعيف بسبب عدم شعبية ترمب، وكلما لمسوا طاقة قوية استثنائية بين النشطاء والناخبين الليبراليين، تشجعوا على الترشح خلال عام 2018.
لذا من المؤكد أن العدد المحدد للمشاركين في حفل التنصيب يوم الجمعة الماضي، وللذين خرجوا في مظاهرات هنا وفي مئات المدن الأخرى يوم السبت الماضي، ليس هو الأمر الأهم، لكن من السهل إدراك سبب رغبة الناس المحتملة في الجدال بشأنه على أي حال.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»