مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

يا ليتني كنت مدرّسًا لها

في ظني أن الحضارة العربية الإسلامية عبر التاريخ لم تبلغ أوجها إلاّ في مرحلتين:
1- في عهد (المأمون)، ابن هارون الرشيد، عندما كان هناك شبه انفتاح فكري تمثل في ترجمات المخطوطات اليونانية اللاتينية، وإنشاء ما يسمى بـ(دار الحكمة) التي حوت المخطوطات الإفرنجية والعربية، لهذا سطعت أسماء لامعة كالكندي والخوارزمي والطبري والمسعودي، الذي لقبه المستشرق كريمر بـ(هيروديت) العرب، وكان هناك سجال بين المعتزلة والجبرية، وكذلك تطور الطب، والفلك، والعمارة.
وبعد وفاة المأمون بدأ الانحدار.
2- المرحلة الحضارية في (الأندلس) التي استمرت إلى عهد (هشام الثالث)، صاحب الرسالة المنشورة في هذا المقال، وأسلوب الرسالة وفحواها يدلان على ما وصلت إليه تلك الحضارة من التشييد والفلسفة والشعر والفن، وظهور أسماء كابن حزم وابن مسرّة القرطبي وابن رشد، وما وصلت إليه كذلك مكانة الحاكم في ذلك الوقت، وما إن مات (هشام) حتى بدأت مرحلة ما يسمى بـ(ملوك الطوائف). أما ما عدا ذلك سابقًا ولاحقًا، فقد كان أكثره مجرد صراعات وحروب وفتوحات وانتصارات وهزائم لا أول لها ولا آخر. واقرأوا معي الرسالة لو سمحتم:
من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام، بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم، لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان، ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأمير دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحاشيتكم الكريمة اللاتي سيتوفرن على تعليمهن، ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص من خادمكم المطيع جورج الثاني سيد إنجلترا.
سنة 1028 من ميلاد المسيح.
ورد عليه هشام:
إلى ملك إنجلترا وإيكوسيا وإسكندنافيا الجليل المقام، اطلعت على التماسكم فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي.
أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتنا ومحبتنا والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس سنة 419 من هجرة أشرف المرسلين، انتهى.
تخيلوا ابنة ملك الإنجليز تطلب العلم في الأندلس. يا ليتني كنت مدرّسًا خصوصيًا لها.