مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

(الوصايا العشر)

قرأت بحثًا عن (فن الكلام)، فليس كل صاحب منطق مقنعًا إذا لم يحسن ذلك الفن، وثبت أن أكثر من 75 في المائة من الناس لا يعرفون عن نبرات أصواتهم أي شيء، ويقول (بول ميلز)، وهو عالم في الأصوات: «إننا نسمع الجزء الأكبر مما نقول، عن طريق عظام رأسنا، لا عن طريق آذاننا، ومن ثم فإنك إذا ثنيت أذنًا واحدة إلى الأمام والأخرى إلى أعلى وألصقتها على الرأس بقوة فإنك ستسمع نفسك كما يسمعك الآخرون تمامًا - انتهى.
والواقع أن منطقه هذا أثارني وأقنعني في الوقت نفسه، لأنني بطبيعتي متشكك في قدرتي على التأثير على الآخرين عن طريق الكلام.
فأتيت بجهاز تسجيل، وثنيت أذنًا واحدة للأمام والأخرى (مصعتها) إلى الأعلى وألصقتها برأسي بقوة حسب تعليماته، وبدأت أرغي وأتكلم، وكأنني ألقي محاضرة في محفل، واستمررت على هذا المنوال لمدة عشر دقائق، ثم توقفت وأدرت التسجيل وأخذت أنصت لصوتي، (وعينكم بعدها ما تشوف إلاّ النور)، لأنني أولاً (استحييت) - أي خجلت من سماع صوتي وكلامي المتلعثم - إلى درجة أنني خفضت صوت المسجل لا شعوريًا، خوفًا من أن يسمعني أحد، والمشكلة أن (السيف سبق العزل) مثلما يقولون، إذ إن أهل بيتي سمعوا بداية الكلام قبل أن أخفض الصوت، فأتوني قائلين بتهكم: ما شاء الله! ما هذه الخطبة العصماء التي شنفت بها آذاننا؟!
لا أكذب عليكم أنني بعد هذه التجربة أصبت بإحباط، إلى الحد الذي آثرت معه السكوت والصمت في كل المجالس التي أحضرها، وقد لاحظ الجميع هذا التبدل الفجائي الذي طرأ عليّ، وهم المعتادون على كثرة مداخلاتي وثرثرتي، وقد سألني البعض منهم معتقدين أن مصيبة مادية أو عاطفية قد حلت بي، وكنت أجيبهم بالهمس والإشارة: أن حبالي الصوتية تؤلمني.
ومع ذلك كله لم أيأس، متبعًا تعاليم البروفسور (ميلز) لتطوير نفسي، بتطبيق (الوصايا العشر)، وهي كالتالي بالترتيب:
(1) زد في عمق صوتك، (2) افتح فمك عند نطق الحروف المتحركة، (3) لا تزيف الحروف الساكنة، (4) لا تتكلم من أنفك، (5) اضغط على شفتيك عند مخارج الحروف، (6) عوّد شفتيك على نطق حرف الفاء، وحرف الفاء المعطشة، (7) ارفع لسانك إلى حلقك عند نطق حرف التاء والدال والنون، (8) استعمل ظهر اللسان عند النطق بحرفي الكاف والجيم، (9) اجلس مشدود القامة وقف منتصبًا، (10) اجعل كلامك بطيئًا ومنخفضًا - انتهى.
وقد مضى عليّ إلى الآن أكثر من شهر ونصف الشهر وأنا أتبع هذه التعاليم (فلعلّ وعسى) أن أصبح يومًا كـ(سحبان وائل)، وما أدراكم؟!
وللمعلومية فقد وردت في إحدى (برديات) الفراعنة هذه النصيحة: كن ماهرًا في فن الكلام، تكن لك اليد العليا.