السلوك الغذائي الخاطئ ظاهرة صحية اجتماعية خطيرة

الغذاء المتوازن والحد من الإسراف في رمضان

السلوك الغذائي الخاطئ ظاهرة صحية اجتماعية خطيرة
TT

السلوك الغذائي الخاطئ ظاهرة صحية اجتماعية خطيرة

السلوك الغذائي الخاطئ ظاهرة صحية اجتماعية خطيرة

يتبع بعض الصائمين في شهر رمضان سلوكًا غذائيًا غريبًا وبعيدًا عما يتبعونه في الشهور الأخرى من السنة، ظنًا منهم أن رمضان هو شهر الموائد والإسراف في تناول الطعام، لا الصحة وتهذيب النفس وتعويدها على النظام الصحي في تناول الطعام.
فما أساسيات الغذاء الصحي في رمضان وبقية شهور السنة؟ ومتى يوصف الشخص باتباعه سلوكًا غذائيًا خاطئًا؟ وكيف يستطيع الشخص أن يوازن طعامه في رمضان؟
* غذاء صحي
توجهت «صحتك» بهذه الأسئلة إلى أحد المتخصصين في التغذية والمهتمين ببرامج الإصحاح الغذائي، الدكتور خالد بن علي المدني استشاري التغذية العلاجية نائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء والتغذية، الذي أكد في البداية أن السلوك الغذائي الذي يتبعه بعض الصائمين في شهر رمضان هو سلوك خاطئ ليس فقط من الناحية الصحية، ولكنه أيضًا مخالف للتعاليم الدينية والقواعد الاقتصادية.
* ما أساسيات الغذاء الصحي المتوازن؟ أجاب د. المدني أن للغذاء الصحي المتوازن 3 أساسيات: الأساس النوعي، والكمي، وسلامة الغذاء، وهذه الأخيرة تغيب مع الأسف عن البعض حتى من المتخصصين في مجال التغذية.
والمقصود بالنوعية أن يشتمل الغذاء على البروتينات والكربوهيدرات والدهنيات والفيتامينات والعناصر المعدنية والماء، وهذا يتحقق بتنويع مصادر الغذاء مع زيادة استهلاك الخضراوات والفاكهة.
أما الكمية، فتعني أن يكون الغذاء كافيًا دون إفراط، أي أن يكون بالكمية اللازمة لاحتياج الفرد وما يبذله من طاقة، حيث تتولد مشكلات طبية كثيرة من سوء التغذية، بسبب النقص في كمية الغذاء أو أحد عناصره الهامة، التي تظهر بصورة واضحة في فئات خاصة خلال مراحل العمر المختلفة كالرضع والأطفال والحوامل والمرضعات والمسنين. ومن ناحية أخرى فإن الإفراط في استهلاك الطعام قد يسبب السمنة أي البدانة، وما يصاحبها من مشكلات طبية ونفسية واجتماعية.
ويقصد بالسلامة، أن يكون الغذاء نظيفًا، فالنظافة واجبة في كل شيء في حياة الإنسان، وهي أوجب ما تكون في الغذاء، إذ إن كثيرًا من الأمراض ينتقل عن طريق الطعام الملوث.
* سلوك غذائي
* هل فعلاً هناك سلوك غذائي خاطئ يتبعه البعض في شهر رمضان؟ نعم، وهو أمر خطير وسلوك خاطئ يتسبب في إصابتهم بأمراض سوء التغذية ومشكلات مختلفة في الجهاز الهضمي. إن القاعدة الصحية في غذاء الصائم هي في عدم ملء المعدة بأكملها بالطعام. ومع ذلك فإن كثيرًا من الناس يسرفون في تناول الطعام ويملأون بطونهم حتى التخمة.
وقد بينت الدراسات العلمية حديثًا ومنذ القدم أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان باعتدال وحسن اختيار، تنخفض عندهم نسبة الكوليسترول والدهون والسكر في الدم. بالإضافة إلى إراحة الجهاز الهضمي والتحسن في كثير من الجوانب الصحية. ولكن ما يحدث هو العكس فنجد أن الإسراف في تناول ما لذ وطاب من كل أنواع الحلويات والأكلات الدسمة، سلوك شائع في هذا الشهر في معظم البيوت، وهو يؤدي إلى حدوث كثير من الاضطرابات الهضمية بين الصائمين.
ومن الناحية الاقتصادية، نجد أن أغلب الأسر تستعد لشهر رمضان بشراء مزيد من الأغذية، ونجد أن الأسر تحمل نفسها عبئًا ماديًا كبيرًا لتوفير هذه الاحتياجات الغذائية. وحتى التجار قد وقعوا في نفس الخطأ فهم يقومون بتوفير كميات كبيرة مضاعفة عن الأيام العادية من اللحوم والأغذية الأخرى، كأن الفرد يحتاج غذاء أكثر في شهر رمضان في حين أن معظم الأفراد يحتاجون إلى كمية أقل من الأطعمة، وخصوصًا من المواد النشوية والدهنية (المولدة للطاقة)، وذلك راجع إلى أن حركتهم وجهدهم المبذول في شهر رمضان يكون أقل.
* طعام متوازن
* كيف للصائم أن يوازن طعامه في شهر رمضان؟ أوضح د. خالد علي المدني أنه يجب أن تكون هناك 3 وجبات رئيسية في رمضان تعادل الوجبات الثلاث قبل هذا الشهر، أي يجب أن يعادل السحور الفطور، ويعادل الإفطار وجبة الغداء، وأن تكون هناك وجبة بسيطة بينهما تعادل العشاء.
ومن المهم أن تكون هناك فترة زمنية مناسبة بين هذه الوجبات، فعند الإفطار يكون الجسم في حاجة إلى تعويض السوائل وإلى مصدر سريع للطاقة وأفضلها التمر واللبن أو عصير الفاكهة الطازج، ثم بعد صلاة المغرب إعطاء الوقت لتنشيط العصارات المعدية والمعوية ويمكن تناول وجبة متوازنة من سلطة الخضراوات الطازجة والشوربة والخضراوات المطهية مع بعض الأرز ومصدر بروتيني حيواني (لحم أو دجاج) بما يوازي ربع دجاجة أو مائة غرام لحم مطهي.
وفي الأيام التالية يمكن تنويع الشوربة والعصيرات، ويجب عدم طهي كثيرٍ من الأطعمة كما هو دارج، فهو إسراف من الناحية المادية والصحية. ونحو الساعة العاشرة مساءً يمكن تناول وجبة خفيفة مثل المهلبية بالحليب مع الفواكه الطازجة أو شرب كوب من اللبن مع التمر أو العصائر الطازجة أو تناول بعض الحلويات الشعبية، ولكن دون الإكثار من تناول هذه الحلويات. وتعتبر الفواكه الطازجة أنسب الأطعمة التي يستحسن تناولها في هذه الفترة. أما في السحور فيفضل تناول اللبن الزبادي والبيض أو الفول المدمس مع الخبر الأسمر مع بعض أنواع الفواكه.
* سلبيات الإسراف
ذكر د. خالد المدني أن هناك دراسة علمية أجريت خلال شهر رمضان في أحد الأعوام القريبة الماضية بهدف التعرف على السلبيات الصحية للإسراف في تحضير الغذاء في هذا الشهر والإفراط في تناوله، وتبين من نتائج الدراسة أن هناك زيادة في وزن الأفراد المشاركين في الدراسة سجلت بعد انتهاء شهر الصوم.
وأرجع الباحثون في هذه الدراسة سبب زيادة الوزن إلى الأسباب التالية: قلة الحركة خلال النهار، التي تؤدي إلى قلة احتياج السعرات الحرارية وصرفها، ثم وجود أطعمة مميزة في الموائد الرمضانية مثل «الكنافة والقطايف والسمبوسك»، وهي جميعها تحتوي على كميات عالية من السعرات الحرارية. ثم كثرة الدعوات والولائم في شهر رمضان ومن هذا المنطلق يصعب تقديم أطعمة خفيفة للضيوف (التي عادة ما تكون صحية)، بل الكل يسعى لأن تكون مائدته عامرة بما لذ وطاب من أطايب الطعام وعادة ما تكون دسمة وثقيلة وغير صحية.



الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال