مارك ثيسن
كاتب اميركي
TT

ترامب وكلينتون وسياستاهما في الشرق الأوسط

الآن وبعدما تناول دونالد ترامب وهيلاري كلينتون مسألة أمن الشرق الأوسط في خطبهما، نستطيع القول إن الخطوط العريضة لسياسة الشرق الأوسط قد رُسمت: ففي ظل السباق لمنصب القائد الأعلى، تقود كلينتون حملتها كنصير دولي للتيار اليميني الوسطي، في حين يقود ترامب حملته من المعسكر اليساري الانعزالي.
بدا جانب من خطاب الأمن القومي الذي ألقته كلينتون في سان دياغو الأسبوع الماضي وكأنه يتودد للمعسكر المتعصب المناوئ لترامب، إذ قالت إنها هي المرشح الوحيد في السباق الذي يدرك أنه «لو أن الولايات المتحدة لم تتولَ القيادة، فسوف نترك فراغًا يهرول أعداؤنا لملئه». وعدت كلينتون بأن تسير خطوة بخطوة مع فلاديمير بوتين (بصرف النظر عن كونها مهندسة محاولة تطبيع العلاقات مع روسيا)، وبأن تقف مع حلفائنا (بصرف النظر عن أنها وقفت وراء التضحية ببولندا وجمهورية التشيك بسحبها لخطط مواقع الصواريخ الباليستية، بعدما وافقت تلك الدول على الدفاع عن روسيا، واستضافة مواقع تلك الصواريخ)، و«بالاستماع لنصائح جنرالاتنا (بصرف النظر عن أن إدارة أوباما قامت بسحب القوات الأميركية من العراق أمام ناظريها، رغم تناقض ذلك مع نصائح جنرالاتنا، مما مهد الطريق لظهور تنظيم داعش).
قدمت كلينتون للمتعصبين المتشككين في تاريخها إجابة بسيطة مفادها: لا يوجد بديل آخر أمامكم لأن، وفق كلينتون، ترامب «غير لائق مزاجيًا» كي يخدم كقائد عام، مشيرة إلى «شغفه بالطغاة (بصرف النظر عن أنها أطلقت يومًا على بشار الأسد لقب «المُصلح» ووصفت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وزوجته بـ«أصدقاء عائلتي»). ردت كلينتون على النقد الذي وجهه لها منافسو ترامب الجمهوريون بأن ترامب «سيظل محايدًا بشأن أمن إسرائيل» بأن أعلنت أن رؤية ترامب بشأن السياسة الخارجية «مشوشة بشكل خطير».
وعليه فإن كنت ممن يؤمنون بدور الولايات المتحدة في العالم، فإن رد كلينتون هو، أنا خياركم الوحيد.
في نفس الوقت، يهرول ترامب على يسار كلينتون في القضايا الدولية، سعيًا لكسب ود أنصار السيناتور برني ساندرز، حيث يعتقد ترامب أن بمقدوره إنهاء عزلة الحزب الجمهوري المتزايدة وأعضائه من ذوي النزعة غير المسيطرة، وفي نفس الوقت تعزيز دعمه في اليسار عن طريق التجاوب مع سياسات وحتى لغة الديمقراطيين الاشتراكيين فيما يخص العلاقات الخارجية.
استجاب ترامب لخطاب كلينتون بقوله: «أنا من رفض الذهاب للعراق، أيها الأصدقاء، وهي التي رفعت يدها بغباء لتؤيد الذهاب إلى هناك لتزعزع الأمن في الشرق الأوسط». كذلك أعلن ترامب الشهر الماضي أن «قرارها الذهاب إلى هناك (ليبيا) أثمر عن وليدها الكارثي هناك». هذا لا يمكن تمييزه عما قاله ساندرز الذي قال بفخر: «صوتت ضد الحرب في العراق، في حين صوتت وزيرة الخارجية في صالح قرار الحرب، فقد كانت فخورة بتغيير النظام في ليبيا».
ترامب أيضا يقود حملة للوصول لحل وسط للانسحاب من الشرق الأوسط حتى ننفق أموالنا هنا في بلادنا. «أنفقنا 4 تريليونات دولار في محاولات لإزاحة الكثير من الزعماء عن الحكم هناك»، وفق ترامب. إن أنفقنا تلك التريليونات الأربعة داخل الولايات المتحدة في إصلاح الطرق والكباري وفي غيرها من المشكلات كالمطارات لكنا أحسن حالاً بكثير الآن».
ترامب حريص على ألا يذهب بعيدًا، ولذلك يعمل على عزل قاعدة صقور الحزب الجمهوري، والتي يؤيد 75 في المائة من أنصاره إرسال قوات أرضية لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، ويقول 90 في المائة من أنصاره أن طريقة معالجة الرئيس أوباما للإرهاب لم تكن بالشراسة الكافية. و«يعد ترامب بالضرب بيد من حديد على (داعش)»، وإغراق الإرهابيين، واستهداف عائلاتهم، وإعادة بناء جيشنا.
لقد تخلى ترامب عن ميزة السياسة الخارجية التاريخية للحزب الجمهوري في سبيل كسب ود التيار اليساري لأنصار كلينتون. سوف نرى إن كان هذا الرهان سوف يثمر عن شيء.
* خدمة «واشنطن بوست»