اللحوم الحمراء والمصنعة.. وعلاقتها بالإصابات السرطانية

مراجعات شاملة للأدلة العلمية تصنف الأنواع المعالجة صناعيًا كمادة مسرطنة للبشر

اللحوم الحمراء والمصنعة.. وعلاقتها بالإصابات السرطانية
TT

اللحوم الحمراء والمصنعة.. وعلاقتها بالإصابات السرطانية

اللحوم الحمراء والمصنعة.. وعلاقتها بالإصابات السرطانية

تحت عنوان «دراسات تقييم استهلاك اللحوم الحمراء واللحوم المُصنعة»، عرضت منظمة الصحة العالمية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي نتائج مراجعة «الوكالة الدولية لأبحاث السرطان» International Agency for Research on Cancer (IARC) لتقييم مدى احتمالات التسبب بالسرطان لتناول كل من اللحوم الحمراء، واللحوم المُصنعة Processed Meat (المعالجة صناعيا) ضمن أنشطة «برنامج الوكالة الدولية للدراسات» IARC Monographs Programme.
وقال التقرير الإخباري للمنظمة العالمية إن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان شكلت مجموعة عمل مكونة من 22 خبيرًا من 10 دول لإجراء مراجعات مستفيضة لمجمل الدراسات العلمية حول اللحوم الحمراء واللحوم المُصنعة. ولاحظ التقرير أن تناول اللحوم يختلف فيما بين دول العالم ليتراوح ما بين عدد قليل من الناس يتناولون اللحوم الحمراء، إلى 100 في المائة من الناس يتناولونها، وأن نسبة أقل تتناول اللحوم المُصنعة، هذا مع العلم، وكما أشار التقرير، أن نحو نصف كمية اللحوم المستهلكة عالميًا هي على هيئة لحوم مصنعة وليست لحوما بهيئتها الطبيعية.

عوامل سرطانية محتملة ومؤكدة

وذكر التقرير أنه بخصوص اللحوم الحمراء فإن نتائج المراجعات العلمية تُصنف اللحوم الحمراء على أنها «عامل مُحتمل التسبب بالسرطان لدى البشر» أي ضمن مجموعة «المجموعة الثانية إيه «Group 2A، وذلك بناء على محدودية توفر الأدلة العلمية التي تدل على أن تناول اللحوم الحمراء يتسبب بالإصابات السرطانية لدى البشر مع توفر أدلة آلية قوية strong mechanistic evidence تدعم هذا التأثير المسرطن. ويضيف التقرير أن هذه النتيجة تم التوصل إليها على وجه الخصوص في ادعاءات احتمالات تسبب تناول اللحوم الحمراء بالإصابة بسرطان القولون وسرطان البنكرياس وسرطان المثانة.
وبالمقابل، وفي توضيح علمي دقيق، ذكر التقرير أن اللحوم المصنعة تُصنف كمادة مسرطنة للبشر، أي ضمن المجموعة الأولى Group 1. وأضاف التقرير أن ثمة ما يكفي من الأدلة العلمية على البشر للإفادة الصريحة أن تناول اللحوم المصنعة يتسبب بسرطان القولون. وكونه في هذا التصنيف، فإن اللحوم المُصنعة شبيهة في خطورتها بتدخين سجائر التبغ وبمادة الأسبيستوس asbestos.
وخلصت لجنة الخبراء إلى أن تناول كمية 50 غراما من اللحوم المُصنعة بشكل يومي يرفع احتمالات الإصابة بسرطان القولون تحديدًا بنسبة 18 في المائة. وهو ما يعني بلغة ترجمة الحقائق الطبية حول احتمالات الإصابات أنه «احتمال صغير»، ذلك أن احتمالات إصابة الرجل بسرطان القولون طوال عمره في عموم الناس هي 4.8 في المائة أي إصابة رجل واحد من بين كل 21 رجلا، والارتفاع بنسبة 18 في المائة لاحتمالات الإصابة بسرطان القولون جراء تناول كمية 50 غراما من اللحوم المُصنعة يعني ارتفاع نسبة الاحتمال إلى 5.6 في المائة، أي رجل من بين كل 18 رجلا.
وعلق الدكتور كيرت ستريف، رئيس برنامج الوكالة الدولية للدراسات بالقول: «بالنسبة للأشخاص، فإن خطر الإصابة بسرطان القولون نتيجة تناولهم اللحوم المُصنعة هو خطر قليل ولكن هذا الخطر يرتفع بارتفاع كمية اللحوم المصنعة المتناولة، وبالنظر إلى العدد الكبير من الناس الذين يتناولون اللحوم المُصنعة فإن التأثير العالمي على الإصابات السرطانية هو مهم في الشأن الصحي العام».

مراجعات علمية

وكانت مجموعة العمل التي تولت تناول موضوع اللحوم في برنامج الوكالة الدولية للدراسات قد راجعت أكثر من 800 دراسة علمية فحصت العلاقة بين أكثر من دزينة لأنواع الإصابات السرطانية وبين تناول اللحوم الحمراء واللحوم المُصنعة في مختلف دول العالم المختلفة في أنواع الأطعمة المحلية فيها، وخاصة الدراسات الواسعة التي تم إجراؤها خلال السنوات العشرين الماضية. وعلق الدكتور كريستوفر واليد، مدير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بالقول: «النتائج تدعم النصيحة الطبية الحالية بتقليل تناول اللحوم، وفي نفس الوقت تجدر ملاحظة أن اللحوم الحمراء لها قيمتها الغذائية، ولذا فإن النتائج مهمة لتصميم التوازن بين فوائد ومخاطر تناول اللحوم الحمراء واللحوم المُصنعة على هيئة إرشادات تغذية». كما علق الدكتور ديفيد كاتز، مؤسس مركز جامعة يال لبحوث الوقاية بالقول: «هم، أي الباحثون في هذه اللجنة، الأكثر معرفة بالموضوع، ونحن دومًا ننصح بتقليل تناول اللحوم المُصنعة منذ وقت طويل».
وعرّف التقرير اللحوم الحمراء بأنها جميع أنواع لحوم الحيوانات الثديية مثل البقر والعجل والغنم والحصان والضأن وغيرها. وعرّف في نفس الوقت اللحوم المُصنعة بأنها أنواع اللحوم التي تم تحويلها من خلال عملية التمليح والتخمير والتدخين أو أي وسائل صناعية أخرى نحو لحوم تتميز بالطعم أو تحسين فرص الحفظ، ومن أمثلتها الـ«هوت دوغز» والسلامي واللحوم المعلبة وغيرها كثير.

برنامج الدراسات

ويهدف «برنامج الوكالة الدولية للدراسات» إلى التعرف وتقييم الأسباب البيئية المسببة للسرطان في الإنسان، وحتى اليوم قام البرنامج بمراجعة 900 عامل أو مادة، وتسمى Agents. والعوامل والمواد التي تتم مراجعة علاقتها بالتسبب بالسرطان للإنسان قد تكون مواد كيميائية (مثل الفورمالديهايد)، أو مخاليط معقدة (مثل تلوث الهواء)، أو التعرض المهني (على سبيل المثال العمل في إنتاج فحم الكوك)، أو العوامل الفيزيائية (مثل الإشعاع الشمسي)، أو عوامل بيولوجية (مثل فيروس التهاب الكبد B)، أو العادات الشخصية (مثل تدخين التبغ).
وتعمل وكالة IARC مع الخبراء الطبيين الدوليين لتحديد الأولويات من بين المواد أو العوامل التي يشتبه في تسببها بالسرطان، استنادا إلى توافر الأدلة العلمية على السرطنة ومدى تعرض الناس لهذه المواد أو العوامل، وبالتالي يمكن أن تعطى الأولوية في البحث والدراسة لمجموعة واسعة من العوامل أو المواد ذات التأثيرات المختلفة على الصحة العامة.
وعلى سبيل المثال، فإن تلوث الهواء له تأثير كبير على الصحة العامة لأن الجميع يتعرض له، حتى إذا كانت مستويات التعرض له منخفضة بالعموم، ومن ناحية أخرى، فإن التعرض المهني، مثل ذلك الذي ينطوي على التعرض لكلوريد الفينيل قد يكون مرتفعًا جدًا، وبالتالي يمكن أن يكون لها تأثير ملحوظ حتى لو تعرض له عدد قليل جدا من العمال.
ويتم التقييم من قبل فريق عمل من الخبراء الدوليين المستقلين. ويقوم الخبراء بإعداد الوثائق مقدمًا بالاستناد إلى الأدلة العلمية المتاحة، ثم في وقت لاحق يجتمعون لمدة ثمانية أيام بمقر IARC في ليون، للمناقشة ووضع اللمسات الأخيرة على مسودة قرار تقييمهم ما إذا كان عامل أو مادة معينة تتسبب بالسرطان. وخلال هذه الاجتماعات تجري مراجعة نقدية للأدلة العلمية وفقا لمعايير صارمة، والتي تركز على تحديد قوة الأدلة المتاحة حول تقييمهم ما إذا كان عامل أو مادة معينة تتسبب بالسرطان حيث يعمل خبراء في مجموعات فرعية على إجراء مراجعة نقدية لأربعة أنواع من البيانات:
* الحالات والظروف التي يتعرض لها الناس لهذا العامل أو المادة
* الدراسات الوبائية على السرطان لدى البشر المعرضين لهذا العامل أو المادة
* الدراسات التجريبية على السرطان في الحيوانات المختبرية عند تعرضها لهذا العامل أو المادة
* دراسات كيفية نشوء وتطور السرطان حال التعرض لهذا العامل أو المادة.

فئات نتائج التقييم

وخلال الجزء الثاني من الاجتماع، يلتقي الفريق العامل بأكمله معا لمناقشة التقييمات الفرعية والجمع بين هذه إلى التقييمات في تقييم شامل حول تسبب هذا العامل أو المادة في السرطان لدى البشر.
التفريق بين خطر وخطر
وثمة جانب على درجة بالغة من الأهمية في ترجمة وتفسير وفهم مثل هذه التصنيفات من قبل العاملين في الأوساط الطبية وأيضًا من قبل عموم الناس، وهو الفرق بين كلمتين مختلفتين بالإنجليزية ولكن غالبية المعاجم الإنجليزية تخلط بينهما وهما كلمة Risk وكلمة Hazard، وكلاهما يُترجم بكلمة «خطر». ولذا يقول: «برنامج الوكالة الدولية للدراسات» أن التمييز بين كلمة Risk وكلمة Hazard هو المهم، (كلمة Hazard وفق المعجم الإنجليزي - خطر محدق أو داهم لا يمكن تجنبه، حتى وإن كان متوقعا في الغالب. أما كلمة Risk فهي: فرصة محتملة لوقوع الخطر –المحرر).
ويعتبر العامل المقصود خطر hazard للإصابة بالسرطان إذا كان قادرًا على التسبب في السرطان في بعض الظروف. بينما يقيس خطر Risk احتمال أن السرطان سيحدث، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى التعرض لهذا العامل. وبرنامج الدراسات يحدد المخاطر السرطانية cancer hazards حتى عندما تكون المخاطر RISKS منخفضة جدا مع الأنماط المعروفة في استخدام أو التعرض.
ووفق نشرات المركز الكندي للصحة المهنية والسلامة فإن خطر risk هو فرصة أو احتمالات أن يتضرر المرء أو تصيبه تأثيرات صحية سلبية نتيجة التعرض إلى خطر Hazard، بينما خطر hazard هو أي مصدر محتمل التسبب بالضرر الصحي أو غير الصحي. ويُعطي مثالاً لخطر risk الإصابة بالسرطان جراء التدخين بأن المُدخن أكثر احتمالاً بمقدار 12 ضعفا للوفاة بسبب الإصابة بسرطان الرئة مقارنة بغير المدخن، بينما مخاطر hazards التدخين المحتملة تعبر عن العواقب السلبية المحتملة التي تشمل سرطان الرئة وانتفاخ الرئة وأمراض شرايين القلب والدماغ وسرطان المثانة وغيرها الناجمة عن التدخين. ولذا فإن خطر risk يُقدر باعتبار كم تعرض المرء لخطر hazard هذا العامل وكيف تعرض له وما شدة الأضرار تحت ظروف التعرض له.
وكذا الحال عند النظر إلى ميكروب السل باعتباره «عامل خطورة حيويا» Hazardous Biological Agent، بينما احتمالات إصابة إنسان ما بخطر risk مرض السل تعتمد على عوامل أخرى إضافة إلى التعرض لميكروب السل.
وعليه فإن «برنامج الوكالة الدولية للدراسات» يُقيم مخاطر hazards السرطان للتعرض لعامل ما ولا يقيس المخاطر risks المرتبطة لتعرض إنسان ما لهذا العامل، وعلى هذا الأساس تُفهم وتُترجم وتُقرأ نتائج هذا التقرير.

تصنيف المواد المسرطنة وفق خطورتها

* ويُعتمد تصنيف المواد المسرطنة ضمن عدة مجموعات، وتدل نتائج هذا التصنيف على وزن الأدلة حول ما إذا كانت مادة أو عامل معين قادرًا على التسبب في السرطان وهو ما يُسمى تقنيًا عامل خطورة قد تحصل نتيجة تعرض البشر له. والمجموعات هي:
* المجموعة الأولى: مادة أو عامل مسرطن للإنسان. ويتم استخدام هذه الفئة عندما يكون هناك أدلة كافية على السرطنة في البشر. وبعبارة أخرى، هناك دليل مقنع على أن العامل يسبب السرطان. وعادة ما يستند التقييم على الدراسات الوبائية التي تبين نشوء وتطور الإصابة بالسرطان في البشر عند التعرض لخطر هذا العامل أو أدلة كافية على السرطنة في حيوانات التجارب التي تدعمها أدلة قوية لدى أبناء البشر المعرضين لهذا العامل.
* المجموعة الثانية: وتشمل هذه الفئة عوامل تجمعها وجود مجموعة من الأدلة في التسبب بالسرطان لدى البشر وحيوانات التجارب، في جانب منها أدلة إيجابية ولكنها ليست قاطعة في التسبب بالسرطان في البشر، وفي الجانب الآخر أدلة غير متوفرة على البشر ولكن هناك أدلة كافية على السرطنة في حيوانات التجارب. ولذا توجد في المجموعة الثانية فئتان فرعيتان، المجموعة الثانية إيه A وتشمل عوامل تُصنف على أنها «ربما مسرطنة للبشر» ويتم استخدام هذه الفئة عندما يكون هناك دليل محدود حول التسبب بالسرطان في البشر وأدلة كافية على السرطنة في حيوانات التجارب. أما المجموعة الثانية بي، فتشمل عوامل «ربما مسرطنة للبشر» بناء على أدلة محدودة حول التسبب بالسرطان لدى البشر وأدلة أقل من كافية على السرطنة في حيوانات التجارب. بمعنى أن الأدلة حول إثبات التسبب بالسرطان في البشر غير كافية ولا تسمح بالاستنتاجات التي يمكن استخلاصها على السرطنة في البشر.
* المجموعة الثالثة: وتشمل عوامل ليست مصنفة كمادة مسرطنة للبشر. ويتم استخدام هذه الفئة الأكثر شيوعا عندما تكون الأدلة على السرطنة غير كافية في البشر وعدم كفاية أو محدودية الأدلة العلمية في حيوانات التجارب. ومعنى أدلة محدودة في حيوانات التجارب يعني أن المعلومات المتاحة تشير إلى وجود تأثير مسرطن لكن ليست قاطعة.
* المجموعة الرابعة: عوامل ربما ليست مسرطنة للبشر ولا حيوانات التجارب.

* استشارية في الباطنية



هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».