نُظمت في بيروت أمسية بمناسبة إطلاق كتاب «رحلة إلى بلاد المجد المفقود» للرسام اللبناني الراحل مصطفى فروخ (1901 - 1957)، بتنظيم من «جمعية تراث بيروت». وهذه هي النسخة الثالثة من الكتاب الصادر في عام 1933. ومن المعروف عن «دار صنوبر بيروت» عبر مؤسِّستها هالة بزري، اهتمامها بإعادة طبع كتب تعود لثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته، نفدت نسخها من الأسواق.
والأمسية هي واحدة من أمسيات يقيمها «نادي القراءة» المنضوي ضمن الجمعية، وكلاهما يُعنى بتراث المدينة الثقافي والعمراني والأدبي، وبتاريخها. وتشكل محاولة من القائمين عليها لـ«انتشال العاصمة من انطفائها القسري وتأكيدها الأسطوري على الوجود».
وشارك في الأمسية ابن المُحتفى به الناقد الأدبي هاني فروخ الذي سرد أجزاء من سيرة والده الفنية، وحدث الحضور عن «الرجل الذي افترست السنوات ملامحه، عن موهبة اتّقدت في الأب فدفعها إلى التجلّي رغم ظرف ذلك العصر وتحفّظ الأسرة البيروتية عن الاستجابة لأي نداء فني».
لقد تعلّم أصول الفن في روما وانتقل إلى باريس لاكتشاف مدارسها الفنية. وشهدت عودته اللاحقة إلى بيروت إقامة معرضه الأول في الـ«ويست هول» داخل حرم الجامعة الأميركية.
لقد أراد فناً «ذا هوية لبنانية» بتعبير نجله المؤتمن على الإرث. ولكون التصوير هو اكتشاف غربي، خطر لفروخ الأب رسم لوحات طابعها وطني. مع ذلك لم يتجرّد مما تشرّبه، بل مزج «تكنيك» الغرب بالفن العربي، بعد أشهر أمضاها بين غرناطة وقرطبة وإشبيلية، لتشكّل دراسته الفن العربي في الأندلس الخطوط الأولى للكتاب المُعاد طبعه مع رسوم مضافة وفهرس يُسهّل التصفّح، عملت على إخراجه المصممتان جنى طرابلسي وفيليبا دحدوح.
ويؤكد كتاب «رحلة إلى بلاد المجد المفقود» امتلاك مصطفى فروخ لمَلَكة الكتابة التي طوع فيها اللغة العربية لوصف الجماليات الفنية. يصفه الابن بـ«أول كتاب بلُغتنا يستعمل فيه فنان هذه المفردات في تدوين الجمال»، وينسب الشهادة إلى المستشرق الفرنسي هنري بيريس، القائل في مُؤلَّفه «الرحالة المسلمون 1610-1903»: «لقد وجدنا أخيراً ذلك الكتاب الذي كنا في انتظاره من رجل مسلم يزور أجمل نماذج الفن الإسلامي في إسبانيا».
لتأكيد الأثر الأدبي، يتناول هاني فروخ ما كتبه والده في وصف لوحات الإسباني دييغو بيلاثكيث الذي أطلق عليه «الرسول الأول للفن الحديث»: «ترى في صوره متانة في الرسم ولباقة وحساباً في التأليف وتناسقاً في المسافات وقوة في الألوان وبساطة بالغة في العمل. روح سماوية تجري في لوحاته يشعر الناظر إليها أنه أمام فنان قدير». ويُكمل قراءة رؤيته حول معالم وهندسات تاريخية مثل جامع قرطبة وقصر الحمراء كدلالة على «غنى مفرداته الفنية».
كتب في وصف الجامع: «إنّ الباحث المُنقب يلمس في هندسته ومن خلال خطوطه الجامدة بظواهرها الفنية، روح الجدّ والرصانة والإيمان المتين». وهو يصف القناطر المشتبكة «كأنها أرواح حملت من النقوش الرقيقة المُشجّرة ما هو أشهى من الأثمار، أو كأنها غابة من النخيل الظليل في واحة غنّاء وارفة الأغصان، وهناك على الجدران رسم وحفر ونقش وترصيع ووشم غاية الفن والإبداع»، ليخلص: لم يبلغ أحد في اللغة العربية هذا المستوى الأدبي باختيار مفردات النقد الفني.
لدحض ما يُلمح إلى إفراط في المديح، يعود المُحاضِر إلى المستشرق بيريس وقوله إنّ مصطفى فروخ «عرف أن يحتفظ بوضوح كامل عند القيام بالحكم على العمل الفني».
بحسرة، يمرّ هاني فروخ على ضآلة الأصداء اللبنانية حول الكتاب في نسخته الأولى، إلا من النقاد المهتمّين، على عكس تلقّفه من أدباء دول الشمال الأفريقي كالجزائر والمغرب.
اهتمام الرسام والكاتب اللبناني بالبحث عن أسلوب يعبر به عن هويته، أكثر ما جذب هالة بزري نحو إعادة إصدار كتابه «رحلة إلى بلاد المجد المفقود» بنسخة ثالثة فاخرة. والاهتمام مردّه أيضاً إلى «اطلاع مصطفى فروخ على طباع الشعوب ومزايا العرب في ذلك الوقت، تزامناً مع إرهاصات الفن اللبناني الباحث عن هوية». تقول معلنة عن ثلاثة أسباب تقف خلف ولادة الكتاب: «الرغبة في التجديد، وإعادة نشر المفقود بغلاف فني وتصميم يُخبر بتاريخ طباعته للمرة الأولى، وإرفاقه بلوحات ملونة لم تتضمّنها النسخة الأصلية».
هل بلغ أدب مصطفى فروخ مستوى رسوماته؟
صدور نسخة ثالثة من كتاب «رحلة إلى بلاد المجد المفقود»
هل بلغ أدب مصطفى فروخ مستوى رسوماته؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة