«يا شيخ سلامة»... تستدعي زمن «الفن الجميل» لمواجهة «المهرجانات»

مسرحية استعراضية غنائية تمزج السخرية بالتراجيديا

لقطة من المسرحية (الشرق الأوسط)
لقطة من المسرحية (الشرق الأوسط)
TT

«يا شيخ سلامة»... تستدعي زمن «الفن الجميل» لمواجهة «المهرجانات»

لقطة من المسرحية (الشرق الأوسط)
لقطة من المسرحية (الشرق الأوسط)

هل السبب في الانتشار الكثيف لأغاني «المهرجانات» على الساحة الفنية حالياً يعود في جزء منه إلى انقطاع التواصل بين الأجيال الجديدة وتراثها الفني الذي شهد انطلاقة مدهشة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؟ وهل يمكن أن تسهم استعادة رموز تلك النهضة الفنية في مواجهة مظاهر سلبية واكبت بعض أغاني المهرجانات مثل الصوت الرديء والكلمات غير اللائقة و«الثيمات» الموسيقية المكررة؟

يبدي صناع مسرحية «يا شيخ سلامة»، التي تُعرض أيام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، على «مسرح البالون» بالعجوزة، حماسة شديدة للرد بالإيجاب على هذه النوعية من التساؤلات، حيث يتناول العمل بعض ملامح سيرة الشيخ سلامة حجازي، مؤسس المسرح الغنائي في مصر، مع إلقاء الضوء على عدد من رموز زمن الفن الجميل الآخرين مثل «سلطانة الطرب» منيرة المهدية، وعبده الحامولي.

وتقوم الحبكة هنا على فكرة غاية في البساطة تتمثل في وجود باحثة موسيقية تذهب إلى منطقة رأس التين بالإسكندرية، حيث المنزل الذي عاش فيه الشيخ سلامة؛ بحثاً عن القيمة والمعنى في تاريخ الفن. وهناك يقابلها بالصدفة اثنان من مطربي الجيل الجديد، شاب وفتاة، يعيشان قصة حب، ويحلمان بغزو العالم عبر أغاني المهرجانات، فتأخذ على عاتقها تعريفهما بكنوز التراث الفني الذي لا يعرفان عنه شيئاً.

وعلى الرغم من بساطة الحبكة، التي غزل خيوطها المؤلف يسري حسان، فإنها أتاحت للمخرج محمد الدسوقي، حرية الذهاب والعودة بين الماضي والحاضر عبر لوحات غنائية استعراضية وحوار يمزج الضحك بلحظات الشجن لنصبح بين عالمين متناقضين، هما زمن النهضة الفنية وفجر الغناء من ناحية، وزمن أغاني المهرجانات من ناحية أخرى.


من المسرحية (الشرق الأوسط)

وبدا لافتاً أن العمل لم يسقط في فخ الإدانة المجانية للعصر الحالي، كما لم يحط الماضي بهالة من التبجيل أو القداسة. فنراه ينظر بعين التفهم والحب لرغبة الجيل الجديد في التعبير عن نفسه، كما لم ينسَ أن لكل عصر سقطاته وهفواته، ومنها بعض أغنيات الجيل القديم التي اتسمت بطابع تجاري لا يراهن على الأذواق الرفيعة، وإن كانت غير خادشة للحياء. وأورد العرض بعض الأمثلة في هذا السياق لمنيرة المهدية.

وتعليقاً على تلك النقطة، يشير الكاتب يسري حسان إلى أن «هدف العمل ليس محاكمة أغاني المهرجانات أو القضاء عليها، وإنما إعادة النظر فيها في ضوء ماضينا الغنائي الثري، ثم نترك الحكم للجمهور ليرى أين كنا وأين وصلنا، حيث إن القضاء على الفن الهابط لا يأتي بضغطة زر»، وفق تعبيره.

وأوضح حسان، في تصريح إلى «الشرق الأوسط»، أنه كان «أول من كتب عن ظاهرة المهرجانات عبر كتابه (هتاف المنسيين - أغاني المهرجانات من العشوائيات إلى أولاد الذوات) الذي صدر في 2020، حيث استقصى خلفيات الظاهرة اجتماعياً ونفسياً، وبالتالي لا يمكن إدانة أغاني المهرجانات في المطلق، وإنما ما يُدان هو الابتذال ومغازلة الذوق الهابط بصرف النظر عن العصر، مع الإقرار بأن لكل زمن ظواهره الجديدة».

ويُعَدُّ سلامة حجازي «1852 - 1917» أحد أعلام النهضة الفنية في مصر والعالم العربي، حيث بدأ حياته قارئاً للقرآن الكريم، وتعلم أصول النغم والإنشاد والأوزان، ثم اتجه للغناء والتلحين والتمثيل، وأسس فرقته المسرحية. وقدم على خشبة المسرح عدداً من الأعمال المهمة مثل «هارون الرشيد» و«ليلى» و«شهداء الغرام». كما قدم أغنيات عدة، مثل «سلو سمرة الخدين»، و«بسحر العين تركت القلب هايم»، و«مجروح يا قلبي»، وتغنى العديد من المطربين الجدد آنذاك بألحانه، مثل محمد عبد الوهاب وسيد درويش.


الطابع الغنائي سمة أساسية في العمل (الشرق الأوسط)

وعلى مستوى الأداء التمثيلي، لفتت الفنانة سلمى عادل، النظر إليها بتجسيدها شخصية «بغاشة»، التي تغني وترقص في أجواء المهرجانات بعفويتها وخفة ظلها، بينما جاء أداء صابر عبد الله، شخصية عبده الحامولي مميزاً بهدوئه ورزانته.

وواجه كل من الملحن علي الهلباوي، ومصممة الملابس هبة جودة تحدياً كبيراً في وضع ألحان وأزياء تناسب عصرين متناقضين على المستويات كلها، لكنهما استطاعا التعامل مع هذا التحدي بدرجة كبيرة من النضج والإحكام.

ويبدي يسري حسان سعادته الشديدة بردود الفعل تجاه العمل حتى الآن، فيقول: «هناك احتفاء نقدي غير عادي، كما أن غالبية ليالي العرض تحمل لافتة (كامل العدد)، وهو ما يؤكد أن مسرح الدولة لا يزال قادراً على التأثير وجذب قطاعات واسعة من الجمهور إلى قضايا جادة رغم ما يعانيه هذا المسرح من مشكلات مزمنة مثل ضعف أجور العاملين به، فضلاً عن عدم وجود دعاية».


أغاني المهرجانات أضفت طابعاً مرحاً (الشرق الأوسط) 


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
TT

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

دفعت الشكاوى المتصاعدة بخصوص «تكدس مراكز الاحتجاز»، وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون، في ظل ضغوط حقوقية متزايدة، وتقارير دولية «توثق استمرار الاحتجاز التعسفي والانتهاكات خارج الأطر القانونية».

وتسارعت خطوات الحكومتين المتنافستين في التعامل مع هذا الملف الشائك خلال الأسبوع الماضي، في تحركات متقاربة التوقيت لفتت انتباه مراقبين. ففي شرق البلاد، أصدرت حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، قراراً، الخميس، بتشكيل لجنة مؤقتة تُعنى بمتابعة أوضاع السجناء ومراكز الاحتجاز في عموم البلاد، ومراجعة سلامة الإجراءات القانونية المتبعة بحق المحتجزين.

رئيس حكومة «الوحدة» «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

وجاء القرار بعد 48 ساعة فقط من إعلان حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد أنها بصدد دراسة إغلاق ودمج عدد من السجون، في خطوتين وُصفتا بأنهما «مهمتان نظرياً»، لكنهما تظلان مرهونتين بآليات تنفيذ حقيقية على الأرض.

وتأتي هذه التحركات وسط انتقادات دولية حادة ومستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في السجون الليبية، كان أحدثها ما وثّقه تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق من هذا الشهر، بشأن وفاة 23 محتجزاً بين مارس (آذار) 2024 وأكتوبر (تشرين الأول) 2025، إلى جانب تسجيل حالات احتجاز تعسفي، وتعذيب وظروف احتجاز غير إنسانية.

وفي هذا السياق، رأى وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن قرار حكومة حماد «يتطلب آليات واضحة وصلاحيات كافية»، مشدداً على ضرورة الفحص الدوري لأوضاع السجناء، والإفراج الفوري عمّن تنطبق عليهم الشروط القانونية. وسلط شوايل الضوء على أن اللجنة تضم «خبرات قضائية وقانونية يمكن الاستفادة منها إذا توفرت الإرادة السياسية».

وجاء قرار حكومة حماد بعد أقل من أسبوعين من إشارة تقرير غوتيريش إلى احتجاز مئات الأشخاص في مراكز بشرق ليبيا، دون توجيه تهم رسمية، من بينهم محتجزون صدرت بحقهم أوامر قضائية بالإفراج لم تُنفّذ، فضلاً عن تقارير بشأن محاكمات عسكرية لمدنيين.

وتهدف لجنة حكومة «الاستقرار»، وفق قرار تشكيلها، إلى مراجعة أوضاع السجناء والموقوفين، والتحقق من سلامة الإجراءات القانونية، وضمان عدم وجود احتجاز خارج الأطر القضائية، إلى جانب متابعة تنفيذ الأحكام وأوامر الإفراج، ورصد أي انتهاكات محتملة.

ويصف حقوقيون، من بينهم رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، ناصر الهواري، القرار بأنه «بارقة أمل طال انتظارها»، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «الاكتظاظ الشديد داخل السجون، ووجود محتجزين قضوا سنوات خلف القضبان دون عرض على النيابة، في حالات تُصنَّف كاختفاء قسري، إضافة إلى سجناء لم تُنفّذ بحقهم أوامر إفراج».

داخل سجن معيتيقة المركزي خلال زيارة لسجناء (الصفحة الرسمية للسجن)

وأعرب الهواري عن أمله في أن تبدأ اللجنة عملها فوراً، وأن تتوفر لها وسائل تواصل فعّالة، مع أهمية التواصل المباشر مع أسر السجناء، مؤكداً أن منظمته تلقت عشرات الشكاوى عقب الإعلان عن تشكيل اللجنة.

غير أن الباحث القانوني، هشام الحاراتي، أبدى قدراً من التحفّظ، إذ عدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرار «لا يزال تحت الاختبار»، وأن نجاحه مرتبط بمدى جدية الحكومة في التنفيذ، لا سيما في ظل سيطرة «الجيش الوطني الليبي» على عدد من السجون. وأشار إلى وجود محاولات لإعادة ترتيب المشهد الحقوقي في المنطقة الشرقية تعكس رغبة في الإصلاح، لكنها «لم تتبلور بالكامل بعد».

في المقابل، جاء قرار حكومة «الوحدة» في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بدمج وإلغاء بعض السجون بعد أيام من تقرير غوتيريش، الذي أشار إلى استمرار جهات أمنية تابعة لها، من بينها «اللواء 55» في «الاحتجاز التعسفي»، موثقاً «8 حالات اعتقال شملت صحافيين ومسؤولين حكوميين سابقين، ومعارضين فعليين أو محتملين، نفذتها أجهزة أمنية مختلفة، بينها جهاز الردع وإدارة التحقيقات الجنائية».

ويرى شوايل أن قرار حكومة الدبيبة «يمثل بداية جيدة رغم تأخره»، لكنه شدد على حاجته إلى آلية تنفيذ واضحة وجدول زمني محدد، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد الأمني، وسيطرة مجموعات مسلحة على مناطق واسعة من غرب البلاد.

ويعكس الانقسام السياسي والأمني في ليبيا واقع السجون، التي لا تخضع لسلطة أي من الحكومتين بشكل كامل؛ إذ تدير ميليشيات مسلحة عدداً منها، في ظل غياب أرقام رسمية موثوق بها حول أعداد المحتجزين في الشرق والغرب.

رئيس حكومة «الاستقرار» أسامة حماد (المكتب الإعلامي للحكومة)

ورغم ذلك، قاد مكتب النائب العام خلال العام الحالي عدة إجراءات قضائية لفرض الرقابة على السجون، شملت إصدار أوامر ضبط بحق مسؤولين أمنيين متورطين في انتهاكات، والإفراج عن 530 محتجزاً من سجن معيتيقة في طرابلس خلال مارس الماضي.

كما سبق أن أصدر الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة لتسليم سجني معيتيقة وعين زارة للجهات الرسمية، وحصر وتصنيف أوضاع النزلاء، ضمن تنفيذ اتفاق أمني مع «جهاز الردع» لإخضاع السجون للرقابة القضائية. ويصف الهواري هذه الإجراءات بأنها «تحسّن جزئي في الملف الحقوقي بغرب البلاد»، لكنه يقر بعدم كفايتها لمعالجة جذور الأزمة.

وفي قراءة أوسع، يدرج الحاراتي قرارات الحكومتين ضمن «محاولات متزامنة لتحسين صورة ليبيا أمام المجتمع الدولي»، مذكّراً بأن «البلاد تخضع، بصفتها عضواً في عدد من المنظمات الدولية، لآليات مراجعة دورية، وتقدم تقارير إلى لجان أممية، بالتوازي مع تقارير منظمات المجتمع المدني التي توثق سنوياً انتهاكات واسعة».

ويخلص الحاراتي إلى أن القرارين يعززان، من حيث المبدأ، دور النائب العام وسلطته الرقابية، لكنه شدد على أن «العبرة ليست بصدور القرارات، بل بقدرتها على إحداث تغيير فعلي على الأرض»، في ظل استمرار القلق الدولي بشأن سجل حقوق الإنسان في ليبيا.


مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «الملاذات الآمنة» والممرات الإنسانية الكافية في السودان، لإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق. في حين أطلع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، نظيره النرويجي، إسبين بارث إيد، خلال اتصال هاتفي، السبت، على الجهود المصرية في إطار «الآلية الرباعية»، للدفع نحو التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

وطرحت «الرباعية» التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر». وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في واشنطن، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان».

ورسمت مصر قبل أيام «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، محذرة من عدم السماح بتجاوزها بوصفها تمس الأمن القومي المصري. وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال محادثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في القاهرة، «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، مشدداً على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره».

ورحّبت مصر نهاية الشهر الماضي بـ«انخراط الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الأزمة السودانية». كما شددت على «أهمية تنفيذ (بيان الرباعية) حول السودان ببنوده كافّة».

وزير الخارجية المصري أكد خلال لقائه مفوضة الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أهمية نفاذ المساعدات إلى السودان (الخارجية المصرية)

وزار وزير الخارجية المصري بورتسودان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتقى حينها رئيس مجلس السيادة السوداني، وناقشا مبادرة «الرباعية الدولية»، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية تقود إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان.

وأكد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي مع إسبين بارث إيد، السبت، «موقف مصر الثابت الداعم لوحدة السودان وسيادته واستقراره، والحفاظ على مؤسساته الوطنية».

وحسب متحدث وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، فإن الوزيرَين تبادلا الرؤى والتقديرات إزاء عدد من التطورات الإقليمية، وفى مقدمتها الأوضاع في قطاع غزة. وأكد عبد العاطي «أهمية تضافر الجهود الدولية، لضمان تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والانتقال إلى ترتيبات المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي ترمب».

وشدد على رفض مصر أي ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية أو فرض وقائع جديدة بالضفة الغربية، مندداً في هذا السياق باستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بدوره لوقف التصعيد في الضفة الغربية وهجمات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين. كما نوه إلى ضرورة «ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع وتهيئة البيئة اللازمة لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار»، مثمّناً الموقف النرويجي الداعم للقضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)

الاتصال الهاتفي تناول أيضاً التطورات في منطقة القرن الأفريقي، وأكد وزير الخارجية المصري «دعم بلاده الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية ولمؤسساتها الشرعية، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية»، مندداً بمحاولات فرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية. وأعرب عن «رفض مصر القاطع وإدانتها انتهاك المبادئ المستقرة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». واتفق الوزيران على «ضرورة احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، حفاظاً على استقرار النظام الدولي».

كما تطرق وزير الخارجية المصري ونظيره النرويجي إلى الأزمة الأوكرانية، حيث اتفقا على «ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية ودبلوماسية للأزمة، بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي».


الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)
نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)
TT

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)
نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني، زعيم التنظيم، حيث أعلن أن العائلة تتبرأ من مبادرة «دولة القبائل المستقلة»، التي أطلقها والده في 14 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري من فرنسا.

ففي تصريح غير مسبوق بثته قناة «كنال ألجيري»، الناطقة بالفرنسية ليل الجمعة، أعلن أغور (اسم أمازيغي يعني الشخص القوي) مهني، ابن فرحات مهني، زعيم الجماعة الانفصالية المعروفة اختصاراً بـ«ماك»، عن تبنّيه مسافة واضحة من أفكار ووجهات نظر والده السياسية، وعبّر خلاله عن رغبته في «استعادة شرفه وشرف عائلته» في مواجهة الخطوة، التي أقدم عليها فرحات.

رئيس «ماك» فرحات مهني مستهدف بخطوة سحب الجنسية الجزائرية (ناشطون)

منذ بداية تصريحه، أوضح أغور مهني الدوافع العميقة التي شجعته على كسر الصمت، مؤكداً أنه «ظل لفترة طويلة يتحمل آثار قرارات ومواقف والده، دون أن يكون مرتبطاً بها بأي شكل». وقال موضحاً: «اليوم قررت اتخاذ هذه الخطوة لاستعادة شرفي وشرف عائلتي بالنسبة لما يحدث»، في إشارة إلى تداعيات إعلان «دولة القبائل المستقلة».

وشدد أغور على أنه لا هو ولا أفراد أسرته يوافقون على «النشاط المعادي للجزائر»، الذي يصدر عن والده فرحات مهني. كما أشار إلى أن موقفه المعارض لوالده «لم يُفرض عليّ لا بالإكراه ولا بحسابات شخصية، بل كان احتياجاً داخلياً للوضوح والحقيقة». مضيفاً أن «الخلط الذي استمر سنوات طويلة بين شخصه وعائلته وتوجهات والده السياسية، تسبب له في معاناة نفسية عميقة»، وموضحاً أن ذلك «أثّر على هويته وتوازنه الشخصي»، مما دفعه للتصريح علناً ضد والده، كما شدد على رفضه فكرة الانفصال وتمسكه بالوحدة الوطنية.

عناصر «ماك» خلال مظاهرة في فرنسا (ناشطون)

وأكد أغور مهني أنه لم يكن يوماً مشاركاً في مشروعات أو قرارات والده، بقوله: «لم يشركنا أبداً في خياراته». موضحاً أن فرحات مهني أبعده منذ صغره عن التوجهات السياسية الخاصة به. كما جاء في تصريحه بأن والده، بصفته ولي أمره، «لم ينجح في جعله داعماً أو فاعلاً في خططه التي تهدف إلى تقسيم الجزائر».

وفيما يتعلق بعلاقته بالجزائر، أكد أغور مهني أنه «شعر دائماً بأنه جزائري بالكامل». وأوضح أن والدته «كانت تحدثه كثيراً عن تضحيات أجداده خلال حرب التحرير»، مستحضراً خصوصاً دور جدته في ثورة التحرير (1954-1962)، وهي شخصيات عدها «أبطالاً كانوا سبباً في تمسكي بالتاريخ والقيم الوطنية».

يشار إلى أن والد فرحات سقط شهيداً في حرب التحرير بمنطقة القبائل.

وعاش أغور مهني جزءاً كبيراً من حياته في الخارج، تحديداً في فرنسا حيث يقيم حالياً، وذكر في تصريحاته للتلفزيون أنه نشأ بين جزائريين «من جميع أنحاء الوطن، وهو ما سمح لي بملاحظة وحدة وتنوع الشعب الجزائري في تناغم، بعيداً عن أي شعور بالانقسام أو الرغبة في تقسيم البلاد». وقال بهذا الخصوص: «لم أشعر يوماً بالاختلاف ولا الحاجة لتقسيم الجزائر».

وشدد أغور على استقلاله عن أفكار والده، مؤكداً أن الهدف من خروجه الإعلامي هو «استعادة شرفه وشرف عائلته، والدفاع عن وحدة وسيادة الجزائر». كما قال: «أصولي جزائرية بعمق، إلى درجة أنني لم أشعر يوماً بالحاجة للانفصال».

مظاهرة في منطقة القبائل رافضة لمشروع الانفصال (ناشطون)

ولم يصدر رد فعل من فرحات مهني شخصياً، ولا من «ماك» على هذه التصريحات، علماً بأن التنظيم الانفصالي نشط بكثافة على منصات الإعلام الاجتماعي، التي وظفها بقوة في نشر الصور والفيديوهات في يوم إعلام «دولة القبائل المستقلة».

وصنفت الجزائر «ماك»، «تنظيماً إرهابياً» ووصفت المنتسبين له بـ«الإرهابيين»، في تعديل أدخلته على قانون العقوبات عام 2021. وشنت ضدهم حملة إعلامية شديدة، سبقت إطلاق «دولتهم المستقلة». كما أظهر سكان محافظات القبائل (شرق العاصمة)، الذين ينطقون بالأمازيغية، رفضاً واضحاً لهذا المسعى، من خلال تعليق العلم الوطني في واجهات بيوتهم وفي الساحات العامة، واستمرت هذه المشاهد لأيام طويلة.

يشار إلى أن السلطات الفرنسية رفضت الترخيص لـ«ماك» بتنظيم حفل إعلان «دولته المستقلة» في مكان عمومي غرب العاصمة باريس، في خطوة وصفت بـ«الودية» تجاه حكومة الجزائر، وفي ظرف يتسم بتوتر العلاقات الثنائية. وجرى الحفل، في النهاية، داخل فندق خاص تابع لأحد عناصر التنظيم الذي أطلق زعيمه مساعي في الأمم المتحدة لحشد التأييد لخطوته.

وصوت «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى)، أول من أمس الخميس، على تعديل في قانون الجنسية، ينص على سحبها من أي مواطن جزائري يدينه القضاء بتهم «الخيانة والعمالة للأجانب والمس بالوحدة الترابية للبلاد»، وهي أوصاف تنطبق على عناصر «ماك» الذين يملك غالبيتهم، جنسية ثانية بحكم الإقامة في الغرب.

رئيس البرلمان في اجتماع مع نواب أصحاب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

وأدانت محكمة الجنايات بالعاصمة، مطلع 2024، غيابياً، فرحات مهني و20 شخصاً آخر، بالسجن 20 سنة مع التنفيذ، على أساس تهم «الإرهاب»، و«السعي لتقويض أمن الدولة» و«المس بسلامة التراب الوطني». كما يوجد في السجون الجزائرية العديد من المتهمين بالانتماء لـ«ماك».