«القاهرة للكتاب» يتجاوز تداعيات أزمة الغلاء

تخطى مليون زائر خلال 5 أيام

عروض تنافسية بين دور النشر (الشرق الأوسط)
عروض تنافسية بين دور النشر (الشرق الأوسط)
TT

«القاهرة للكتاب» يتجاوز تداعيات أزمة الغلاء

عروض تنافسية بين دور النشر (الشرق الأوسط)
عروض تنافسية بين دور النشر (الشرق الأوسط)

مع اقتراب «معرض القاهرة الدولي للكتاب» من منتصف فعالياته، يبدو أن ثمة «ارتياحاً» نسبياً بدأ في تبديد حالة القلق من ضعف الإقبال على المعرض هذا العام، بالتزامن مع «موجة الغلاء» التي تشهدها مصر منذ عدة أشهر.
وحقق «معرض القاهرة الدولي للكتاب» في دورته الـ54، خلال الأيام الخمسة الأولى من فتح أبوابه للجمهور، إقبالاً جماهيرياً كبيراً، حيث بلغ عدد رواده مليون زائر.
وقالت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة المصرية، في بيان لها مساء الاثنين، إن «هذا الإقبال الكبير فاق التوقعات، وجسد مشهداً تنويرياً متكاملاً للوعي المجتمعي المصري، والرغبة الجادة في تلقي المعرفة».

فيما اعتبر الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، تخطي المعرض لحاجز المليون زائر حتى الآن «تتويجاً لتضافر جهود العاملين بهيئة الكتاب، وتعاون العديد من قطاعات الوزارة المختلفة وهيئات ومؤسسات الدولة». مشيراً إلى أن «هذا الإقبال انعكس بوضوحٍ على نسب مبيعات الناشرين المصريين والعرب والأجانب».
وواكب الاستعداد لمعرض القاهرة للكتاب هذا العام موجة من القلق بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، وانخفاض سعر العملة المحلية في مقابل الدولار (الدولار يعادل 30.14 جنيه مصري)، وهو المناخ الذي تصفه الناشرة المصرية فاطمة البودي بأنه كان يُصدر مخاوف للناشرين في بداية استقبالهم لمعرض القاهرة للكتاب.
وتشير البودي إلى أن «الناشرين واجهوا كثيراً من دعوات المقاطعة للمعرض عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل إطلاق معرض القاهرة للكتاب هذا العام، ما وضعهم في تحدٍّ كبير، خصوصاً أن صناعة النشر صناعة ثقيلة، وكانت جميع الخيارات مفتوحة أمام كل ناشر لمواجهة تلك الأزمة في محاولة لجذب الجمهور، سواء في تقليل عناوين الإصدارات الجديدة، أو تقليل عدد الطبعات، أو توفير نسب خصومات وعروض للكتب، ولكن المؤكد هذا العام أن الزحام الذي يسود أروقة المعرض مصحوب بحركة شرائية كبيرة».
وتوضح البودي أن «أغلى ثمن لرواية في جناح الدار التي تمتلكها (عدد صفحاتها 750 صفحة) هو 500 جنيه مصري، وفي الوقت نفسه هناك كتب قيّمة سعرها 20 جنيهاً، وعروض أخرى تضم 5 كتب بـ100 جنيه».

ويعتبر سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن «الخطاب المحبط الذي ذاع قبل المعرض، أثبت فشله»، ويؤكد: «حتى الآن فاق معرض القاهرة للكتاب كل التوقعات، وهذا تؤكده أرقام المبيعات في دور النشر الحكومية والخاصة»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ربما من المبكر الوصول لأرقام محددة تخص المشتريات، التي يتم حصرها مع نهاية المعرض، لكن هذا ما يرصده الاتحاد بالتواصل مع الناشرين حتى الآن».
ويشارك في فعاليات الدورة الـ54 من المعرض، 1074 ناشراً مصرياً وعربياً وأجنبياً، من 53 دولة. ويعد معرض القاهرة للكتاب من أضخم الفعاليات الثقافية التي تجتذب الجمهور خلال فترة إجازة منتصف العام الدراسي ويستمر مدة أسبوعين، ويحقق عادة نسب إقبال مرتفعة من الجمهور، تخطت العام الماضي مليوني زائر، وسط طموح بالوصول إلى عدد زوار يفوق الدورات الأخيرة.
ويقول سعيد عبده: «سعر الكتاب لم يزد بنسبة كبيرة، ففي النهاية مصلحة الناشر أن يقوم بالبيع، على الرغم من الأعباء المالية التي زادت على الناشر مصاحبة لأزمة ارتفاع أسعار الورق والأحبار والطباعة، ومع ذلك لم يستطع الناشر رفع الأسعار بدرجة كبيرة حتى لو أثر ذلك على هامش الربح».
ويضيف: «معرض القاهرة هو أكبر معرض لبيع الكتاب العربي، واعتبر أن الحضور حتى الآن فاق كل توقعاتنا، فلم تؤثر الأزمة الاقتصادية على حركة المبيعات في المعرض، علاوة على أن عدد الإصدارات الجديدة كبير هذا العام، وسط تفعيل لعدد من المبادرات التي كان غرضها مساندة عملية الشراء، مثل التعاون مع أحد البنوك لتيسير البيع بالتقسيط داخل المعرض دون فوائد».

وتواكب فعاليات المعرض مشاركة لافتة من جانب الناشطين في «غروبات القراءة» على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للترويج عبر منصاتهم لترشيحات وعروض دور النشر المختلفة.
وتحرص نجوان ماهر، وهي قارئة متفاعلة في مجموعات القراءة على «فيسبوك»، على التردد على زيارة المعرض يومياً منذ انطلاقه، وتقول: «توقعنا نسبة إقبال ضعيفة هذا العام، لكن الغلاء السائد لم يؤثر على حركة الزيارة للمعرض ولا طوابير القراء التي يبدأ بها مع صباح كل يوم» كما تقول.
وتضيف نجوان لـ«الشرق الأوسط»: «حالة القلق من ارتفاع أسعار الكتب في بداية المعرض، جعلتني لا أتمكن من تحديد قائمة الكتب التي أستطيع شراءها كما أفعل كل عام، حيث إن الحديث عن ارتفاع أسعار الكتب أخّل بقدرتي على تحديد عدد الكتب والعناوين التي أستطيع شراءها بناء على الميزانية المالية التي أحددها للمعرض، وبالرغم من أن هناك أسعاراً جنونية لدى بعض أجنحة النشر، تصل بسعر الكتاب الواحد إلى 400 جنيه على سبيل المثال، فإن هناك أجنحة أخرى استطاعت خلق حالة من التوازن عبر عرض تراوح كبير بين اختيارات الأسعار، سواء في أجنحة دور هيئة الكتاب الحكومية أو دور النشر الخاصة، علاوة على أن حرص الكثير من الكُتاب على الحضور إلى أجنحة المعرض خلق حالة من التشجيع للحضور، وجميعها مظاهر قللت من حالة القلق الكبير التي شعرنا بها قبيل المعرض».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.