بعد تعرض أسرة نيكا شاكرمي، 16 عاماً، لضغوط من السلطات الإيرانية لنفي وفاتها أثناء الاعتقال وتأكيد سيناريو انتحارها، تواجه أسرة الضحية الأخرى سارينا إسماعيل زاده، 16 عاماً، بدورها ضغوطاً متزايدة من أجهزة الأمن بعدما أعلنت السلطات انتحارها.
وتقول جماعات حقوقية إن أكثر من 150 شخصاً قُتلوا وأصيب المئات، واعتقل الآلاف في حملة قمع الاحتجاجات التي تمثل أكبر تحدٍّ لرجال الدين الحاكمين في إيران منذ سنوات.
وأدّت النساء دوراً بارزاً في الاحتجاجات، حيث لوحت بعضهن بأغطية الرأس وحرقنها. كما شاركت طالبات من المدارس الثانوية.
وتسبب سقوط المراهقتين إلى جانب قصص عن فتيات أخرى بين ضحايا الاحتجاجات الإيرانية، في مفاقمة صدمة وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، التي ماتت في ظروف غامضة أثناء احتجازها لدى الشرطة.
ومع تصاعد الردود الداخلية والدولية الغاضبة على قمع المحتجين، تواصل السلطات الإيرانية الإصرار على تعزيز روايتها بشأن كل من مهسا أميني والمراهقتين نيكا وسارينا.
وأعلن مسؤول قضائي إيراني أن «التحقيقات الأولية» تشير إلى أن المراهقة سارينا إسماعيل زاده قضت «انتحاراً»، وذلك بعد تقارير عن وفاتها على هامش مشاركتها في الاحتجاجات التي تهز البلاد.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية ما وصفته بـ«إيضاحات» من حسين فاضلي هرينكدي، رئيس دائرة القضاء في محافظة البرز، بشأن ما أوردته «وسائل إعلام معادية» عن «مقتل فتاة من (مدينة) كرج اسمها سارينا إسماعيل زاده على أيدي قوات الأمن خلال التجمعات».
وأوردت منظمة العفو الدولية ومقرها لندن، أن سارينا توفيت في 23 سبتمبر (أيلول) بعد تعرضها «للضرب بهراوات على الرأس» في مدينة كرج، مركز محافظة ألبرز غرب طهران. وبحسب الرواية الرسمية التي وردت على لسان فاضلي هرينكدي إنه بعيد منتصف ليل 23 - 24 سبتمبر «أفادت الشرطة المحلية القاضي المناوب بقضية سقوط (شخص) من مكان مرتفع». وأضاف: «تبيّن أن الجثة تعود لمراهقة في الـ16 من العمر، موجودة عند مدخل الموقف الخلفي للبناء المجاور لمنزل جدتها» في حي عظيميه في شمال غرب كرج.
وادعى هرينكدي أنه «وفق التحقيقات الأولية»، فإن الفتاة «أقدمت على الانتحار»، مشيراً إلى أن تقرير الطب الشرعي حدد سبب الوفاة «بالصدمة الناتجة عن إصابات متعددة وكسور ونزف جراء السقوط من مكان مرتفع». وقال القاضي حسين فاضلي هريکندي إن المزاعم التي توردها وسائل الإعلام المعارضة بشأن وفاتها «أكاذيب». وأضاف: «بناء على رواية والدتها، فقد سبق أن حاولت إسماعيل زاده الانتحار عدة مرات». وذكر أن الشرطة تلقت بلاغاً بوفاتها في 24 سبتمبر.
وتابع: «المنطقة التي وقعت فيها الحادثة في كرج لم تشهد أي أعمال شغب» في ذلك الوقت. كما ادعى هريكندي أن عائلة سارينا إسماعيل زاده طلبت من القضاء «إصدار بيان تكذيب».
وتمت مشاهدة مقطع فيديو يظهر إسماعيل زاده وهي تبتسم وتستمع إلى الموسيقى نحو 147 ألف مرة على حساب (1500 تصوير) على «تويتر»، الذي يحظى بمتابعة على نطاق واسع.
وتظهر تسجيلات الفيديو التي نشرتها سارينا في وقت سابق على حسابها في «يوتيوب» أنها فتاة نشطة وتحب الموسيقى والفنون وتعبر في بعض الفيديوهات عن هموم من أبناء جيلها، وتشير إلى حاجتهم للرفاه. وقبل يومين من وفاتها كتبت على قناتها في شبكة «تلغرام»: «رائحة الغربة في وطني».
وبعد ساعات، بثت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» تسجيل فيديو للتأكيد على رواية انتحار الفتاة. وتظهر والدة سارينا في الفيديو ويخاطبها مراسل وكالة «تسنيم» قائلاً: «ابنتك انتحرت ووسائل الإعلام المعادية للثورة تستغل ذلك». وتقول والدتها إن ابنتها كانت ذكية وتركز على دروسها ولم تكن لتفعل ذلك».
وكانت منظمة العفو الدولية قد ذكرت، في بيانها، إنه في إطار تكتيك يتبعونه بشكل متكرر، أخضع رجال الأمن والاستخبارات الإيرانية أسرة الفتاة لـ«مضايقات شديدة» لإجبارها على الصمت.
وقبل يوم من نشر فيديو والدة سارينا، ساقت السلطات، في وقت سابق من هذا الأسبوع، سبباً مشابهاً لوفاة نيكا شاكرمي البالغة من العمر 17 عاماً، التي يقول نشطاء إنها قُتلت في طهران خلال المشاركة في مظاهرة للاحتجاج على مقتل أميني.
وقالت نسرين شاكرمي إنها تعرضت لضغوط من السلطات لإعطاء اعترافات قسرية متلفزة، للقول إن ابنتها انتحرت عبر القفز من سطح مبنى.
واتهمت نسرين السلطات بالمسؤولية عن «جريمة» موت ابنتها على هامش مشاركتها في الاحتجاجات. ونقلت قناة «بي بي سي» الفارسية عن مصادر مقربة من أسرة الفتاة، إن خالة نيكا شاكرمي وزوجها قدما «اعترافات متلفزة قسرية» لمدة ساعات.
وكانت السلطات القضائية الإيرانية أعلنت، في وقت سابق هذا الأسبوع، فتح تحقيق بشأن شاكرمي، في ظل تقارير عن وفاتها على خلفية مشاركتها في الاحتجاجات.
وقال رئيس مكتب المدعي العام في طهران محمود شهرياري: «قام الطبيب الشرعي بتشريح الجثة وأخذ عينات من السموم والأمراض بأمر من السلطة القضائية. وبحسب التحقيقات كان سبب الموت السقوط من ارتفاع شاهق»، وفق ما نقلت عنه وكالة «إرنا» الرسمية.
وفُقدت نيكا، في 20 سبتمبر، خلال مشاركتها في مسيرة احتجاجية، قبل أسبوعين من احتفالها بعيد ميلادها الـ17. وقالت الصحافية هدية كيميايي، على «تويتر»، إنه خلال الأيام العشرة التي فقدت فيها نيكا، توجهت أسرتها ثلاث مرات إلى سجن كهريزك في جنوب طهران، على أمل العثور عليها، لكن سلطات السجن أبلغتهم أنها لم تكن هناك، قبل أن يطلب منهم العودة إلى المكان للتعرف على هويتها.
وأضافت كيميايي: «لم ترَ أسرتها سوى جزء من وجهها ورأسها، وقد كسر أنفها وجمجمتها. كما سرقوا الجثة ودفنوها بأنفسهم، وظلت نيكا في أيدي الأجهزة الأمنية لمدة 10 أيام بعد اعتقالها في شارع كشاورز».
وذكرت تقارير أن السلطات احتجزت الجثة ودفنتها سراً في محافظة لرستان، الاثنين، في قرية لتجنب إقامة جنازة قد تثير احتجاجاً.
وتم تداول صورة من شهادة وفاة صادرة من مقبرة «بهشت زهرا» التابعة لبلدية طهران تشير إلى أن نيكا شاكرمي فارقت الحياة، إثر «إصابات متعددة ناجمة عن اصطدامها بجسم صلب».
وأثارت قصة نيكا شاكرمي تعاطفاً واسعاً داخل إيران وخارجها. ونشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية صورتها على صفحتها الأولى الصادرة الجمعة، وأبرزت تصريحات والدتها لإذاعة «فردا» الناطقة بالفارسية. وكانت صحيفة «کوریره دلاسرا» الإيطالية قد نشرت صورتها في عددها الصادر الخميس.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها أوسلو، الخميس، إن «مسؤولية الجريمة تقع على عاتق علي خامنئي والقوات الخاضعة لقيادته».
وقال مدير المنظمة إن «الحكومة تحاول تبرئة علي خامنئي والقوات التابعة له من المسؤولية عن مقتل سارينا إسماعيل زاده من خلال استخدام مؤسسات مثل هيئة الإذاعة والتلفزيون». وأضاف: «هيئة التلفزيون الرسمي وجميع المؤسسات التي تحاول التستر على هذه الجرائم بالحصول على اعترافات قسرية من أسر المتوفين أو بنشر تقارير كاذبة متواطئة في هذه الجريمة وتجب محاسبتها، ينبغي أن يحاكم المجتمع الدولي منتهكي حقوق الإنسان، بمَن فيهم التلفزيون الرسمي ومسؤولوه وكوادره».
واعتبرت المنظمة المزاعم الإيرانية عن وفاة شاكرمي أنها «مليئة بالتناقضات». وأضافت: «بالإشارة إلى تاريخ الجمهورية الإسلامية الطويل من الإخفاء والادعاءات الكاذبة والتلاعب بالأدلة، لا تقبل منظمة حقوق الإنسان الإيرانية الرواية الرسمية لوفاة نيكا شاكرمي بسبب العديد من التناقضات والعيوب، وتعتبر الجمهورية الإسلامية مسؤولة عن قتلها».
السلطات الإيرانية تضغط على أسرتَي مراهقتين لتأكيد سيناريو «انتحارهما»
السلطات الإيرانية تضغط على أسرتَي مراهقتين لتأكيد سيناريو «انتحارهما»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة