لماذا تثير العاصمة الإدارية جدلاً في مصر؟

اعتاد مصريون التشكيك في مشروعات كبرى قبل أن تصير «أيقونات»

العاصمة الإدارية الجديدة (أرشيفية)
العاصمة الإدارية الجديدة (أرشيفية)
TT

لماذا تثير العاصمة الإدارية جدلاً في مصر؟

العاصمة الإدارية الجديدة (أرشيفية)
العاصمة الإدارية الجديدة (أرشيفية)

ما زال مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يثير موجات متتالية من الجدل والانتقادات في مصر، تزايدت مؤخراً مع احتدام الأزمة الاقتصادية جراء تداعيات جائحة «كوفيد - 19»، والحرب الروسية – الأوكرانية، لتزيد حدة الانتقادات بداعي «ترشيد أولويات الإنفاق الحكومي»، وبينما تؤكد مصر أن المشروع «لا يجري تمويله من موازنة الدولة»، يشير خبراء إلى أن المصريين اعتادوا «التشكيك» في مشروعات كبرى تحوّلت بعد تنفيذها إلى «أيقونات».
وأعلنت الحكومة المصرية مشروع العاصمة الجديدة في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس (آذار) 2015، كواحدة من المدن الذكية المستدامة، والبالغ عددها 20 مدينة، وتبلغ مساحة المشروع عند اكتماله نحو 700 كيلومتر مربع أي 170 ألف فدان، على أن يتم التنفيذ على ثلاث مراحل. وتبلغ مساحة المرحلة الأولى من المشروع نحو 168 كيلومتراً مربعاً (40 ألف فدان) أي نصف مساحة القاهرة تقريباً، التي تبلغ نحو 90 ألف فدان.
وتحت عنوان «هل أهدرت الدولة المليارات في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة؟»، حاول المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الرد على الانتقادات المتكررة للمشروع، خصوصاً تلك المتعلقة بالتمويل. وقال إن «الحكومة أوضحت عدة مرات أن تمويل المشروع بالكامل خارج إطار موازنة الدولة، عبر إيجاد قيمة اقتصادية للأرض المقام عليها المشروع، وتحويلها إلى مصدر للتمويل»، موضحاً أن «المشروع يحقق عوائد كبيرة، نتيجة حصيلة البيع التي تحصل الدولة منه على 20 في المائة، إضافة إلى الأقساط التي تحصل عليها الدولة عن مشروعات حق الانتفاع المؤقتة مثل محطات البنزين المتنقلة».
وأضاف المركز أن «شركة العاصمة الإدارية، (وهي الشركة المسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع)، استطاعت أن تحقق سيولة تزيد على 40 مليار جنيه، إلى جانب أكثر من 40 مليار جنيه أخرى مستحقات لدى الغير». ووفقاً للمركز، فإن «مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يتم تمويله من خلال بيع أراضٍ صحراوية ظلت لقرون دون قيمة أو استغلال».
الانتقادات للمشروعات «العملاقة» ليست وليدة اليوم، بحسب الدكتور سعيد عكاشة، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التاريخ المصري مليء بهذا النوع من الانتقادات، وربما أبرزها الهجوم الذي صاحب مشروعات كبرى في القرن التاسع عشر مثل حفر قناة السويس وإنشاء السكة الحديد، ولم يدرك المصريون قيمتها إلا بعد سنوات عديدة»، لافتاً إلى أن «المشروعات العملاقة في مصر عادة ما تواجه بانتقادات وقت إنشائها، ثم تتحول إلى أيقونات في المستقبل»، متوقعاً أن «يتكرر الأمر مع مشروعات البنية التحتية والطرق والمدن الجديدة غير المسبوقة التي يتم إنشاؤها حالياً».
ويرجع عكاشة هذه الانتقادات إلى سببين رئيسيين؛ الأول هو «التكوين الثقافي للمصريين الذي يعتقد بضرورة الضغط على الحكومة»، أما السبب الثاني فمرتبط بالتطورات الراهنة، المتعلقة بـ«جماعات ذات توجه آيديولوجي معارض، وقوى سياسية تعتمد على الشعارات بعيداً عن الفكر التنموي للدول»، لافتاً إلى أن «هذا الهجوم المتعمد والشديد يدفع الرئيس عبد الفتاح السيسي أحياناً للرد في اللقاءات العامة».
وبينما يتفق الدكتور عبد المنعم سعيد، الخبير الاستراتيجي، مع عكاشة على «تأثير (الماكينة الإعلامية) لتنظيم (الإخوان) على زيادة الانتقادات للمشروعات القومية»، فإنه يضيف سببين آخرين، الأول كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، يتعلق «بضعف التسويق الحكومي والإعلامي لهذه المشروعات، وهو السبب الأكبر في إثارة الجدل»، موضحاً أن «الشعب المصري اعتاد لسنوات على كثرة الكلام عن مشروعات وخطط دون تنفيذ، أما اليوم فما يحدث هو العكس؛ حيث ينفذ المشروع ثم يعلن للجمهور». أما السبب الثاني، كما يقول سعيد، فيرتبط بكون «الرؤية الاستراتيجية للحكومة الآن أبعد بكثير من رؤية الجمهور، الذي اعتاد لسنوات على استراتيجية إدارة الفقر، وتنفيذ مشروعات للحظة الآنية، على عكس الحكومة التي تخطط للمستقبل البعيد».
وأكد السيسي، في وقت سابق، «أهمية وأولوية استمرار العمل في العاصمة الجديدة رغم ما تكلفه من أموال طائلة وفي ظل ظروف صعبة». وقال خلال إطلاقه مشروع منصة مصر الرقمية في يوليو (تموز) الماضي، إن «شركة العاصمة الإدارية الجديدة هي التي أقامت المدينة من خلال مواردها الذاتية».
ويقدر «إجمالي الاستثمارات في المرحلة الأولى لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة بنحو 700 إلى 800 مليار جنيه (الدولار بـ19.4)، لم تكلف الدولة منها جنيهاً واحداً»، وفقاً للتصريحات الرسمية لشركة العاصمة الإدارية.
ويعد مشروع العاصمة واحداً من المشروعات التي كانت «القاهرة في حاجة ماسة إليها»، وفقاً للمركز المصري، الذي أشار في تقريره إلى تقديرات خبراء الوكالة اليابانية للتعاون الدولي والمعروفة بـ«جايكا» عام 2010، بأن «القاهرة ستتحول إلى مدينة مغلقة أو ميتة أو جراج كبير بحلول عام 2030»، بسبب النمو السكاني المتزايد.
محاولات تفريغ القاهرة من سكانها بدأت منذ عصر الرئيس الأسبق أنور السادات، الذي خطط لإنشاء عاصمة إدارية تستوعب الزيادة السكانية في مدينة تحمل اسمه على الطريق الصحراوي، لكن المشروع لم يكتب له النجاح، وفقاً للمركز المصري، وتكرر الأمر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي وضع مخططاً لنقل مربع الوزارات الحكومية من وسط البلد، لكن لم يتم تنفيذه.
وقال المركز إن «التخطيط لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وجميع المدن الجديدة يفتح آفاقاً جديدة للتوسعة العمرانية الأفقية، ويمهد الطريق نحو فكرة الخروج من الوادي، فضلاً عن كونه مسعى لاستدامة النمو العمراني الذي يتناسب مع النمو السكاني والاقتصادي».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.