تأثيرات سيئة للسمنة على الحمل

المشكلة الأكثر شيوعاً لدى النساء في سن الإنجاب

تأثيرات سيئة للسمنة على الحمل
TT

تأثيرات سيئة للسمنة على الحمل

تأثيرات سيئة للسمنة على الحمل

قدم أطباء الولادة والتخدير في كل من كلية جونز هوبكنز للطب في بالتيمور وكلية الطب بجامعة تافتس في بوسطن، مراجعة علمية هي الأحدث حول تأثيرات السمنة Obesity على الحمل. ووفق ما تم نشره ضمن عدد 21 يوليو (تموز) الماضي من مجلة نيوإنغلاند الطبية N Engl J Med، أفاد الباحثون حول معضلة الحمل مع وجود السمنة، وضرورة الحديث الطبي مع عموم النساء حول أهمية هذا الأمر. وقالوا: «السمنة هي المشكلة الصحية الأكثر شيوعاً لدى النساء في سن الإنجاب. ولا تشكل السمنة مخاطر صحية وإكلينيكية عالية على النساء أثناء الحمل وبعد الولادة فحسب، بل لها أيضاً آثار صحية طويلة المدى (على الأم والطفل المولود). كما يمكن أن تؤثر سمنة الأمهات بشكل سلبي على نتائج حمل وولادة الجنين وعلى سلامة نمو حديثي الولادة والرضع، مع عواقب مدى الحياة على الأبناء». وأضافوا: «تتطلب الوقاية من المضاعفات طويلة المدى المرتبطة بالسمنة أثناء الحمل مقاربة إكلينيكية تستمر طوال الحياة».
- سمنة النساء الشابات
ويُنظر طبياً إلى «مؤشر كتلة الجسم» كوسيلة تقريبية لمعرفة مدى الزيادة في تراكم الشحوم في الجسم. ولذا يتم طبياً تصنيف وزن الجسم وفق «مؤشر كتلة الجسم» BMI، الذي هو ناتج قسمة وزن الجسم بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. والطبيعي أن يتراوح مؤشر كتلة الجسم ما بين 18.5 (ثمانية عشر فاصلة خمسة) و24.9 (أربعة وعشرين فاصلة تسعة). وحينما يكون مؤشر كتلة الجسم أقل من 18.5 (ثمانية عشر فاصلة خمسة) فإنه يُعتبر «نقصا في الوزن». وأما حينما يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 25 و29.9 (تسعة وعشرين فاصلة تسعة) فإنه يُعتبر «زيادة في الوزن» Overweight، وعندما يصبح أعلى من 30 يُصنف طبياً «سمنة». وفوق 40 هو «سمنة مُفرطة».
وذكر الباحثون أن انتشار السمنة زاد بشكل كبير بين النساء في سن الإنجاب في الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين. وأن «المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية» وثق زيادة بنسبة 33 في المائة في انتشار السمنة بين النساء في سن 20 إلى 39 سنة. وأن من بين النساء اللواتي أنجبن أطفالاً خلال عام 2020، دخل 2 فقط من كل 5 منهن الحمل بمؤشر كتلة الجسم الطبيعي، في حين كان حوالي 26 في المائة منهن زائدات الوزن و30 في المائة بدينات بالسمنة. وإضافة إلى جميع أشكال التداعيات الميكانيكية لزيادة وزن الجسم على العضلات والمفاصل الهيكل العظمي والقلب والرئتين وغيره، فإن الحالة المزمنة من اضطراب «توازن الطاقة» Energy Balance المرتبطة بالسمنة، تؤدي إلى زيادة تضخم الخلايا الشحمية Adipocyte Hypertrophy، نتيجة زيادة تخزين الدهون الثلاثية فيها، وتضخم في المكوّن الشحمي Adipogenesis Hyperplasia في مناطق البطن والحوض والصدر. وهذه الحالة «الشحمية» المُفرطة في السمنة، ترتبط بتكوين نشاط التهابي مزمن منخفض الدرجة، ولكنه مستمر طوال الوقت. كما أوضح الباحثون أن تبعات ذلك ستكون زيادة في إفراز النسيج الدهني لمركبات السيتوكينات Cytokinesوالبروتينات الالتهابية، وهي عبارة عن رسائل كيميائية متنوعة ذات تأثيرات سلبية واسعة النطاق على الوظيفة الأيضية والفسيولوجية للأعضاء الأخرى.
ولذلك ترتبط السمنة، قبل وأثناء الحمل، بالتهاب مزمن منخفض الدرجة، وهو أمر مهم في تطوير تكوّن حالة ارتفاع درجة مقاومة الأنسولين في الجسم Insulin Resistance، مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي. وتؤثر مقاومة الأنسولين المتزايدة لدى النساء الحوامل المصابات بالسمنة، على عمليات التمثيل الغذائي (تعامل الجسم) مع الغلوكوز والدهون والبروتين. وآليات زيادة حصول ذلك (مقاومة الأنسولين) ليست واضحة بشكل جيد خلال فترة الحمل، ولكن يُعتقد أن الأمر له علاقة بعمل المشيمة Placenta. ولذا، وبغض النظر عن السبب، يحدث انخفاض سريع في مقاومة الأنسولين في غضون أيام بعد الولادة، مما يشير إلى أن المشيمة تلعب دوراً رئيسياً في زيادة نشاط هذه العملية.

- التهابات واضطرابات
وعرض الباحثون عددا من مخاطر النتائج السلبية ومجموعة المضاعفات الطبية المرتبطة بالسمنة خلال فترة الحمل، وهي الناجمة عن هذه التغيرات الالتهابية واضطرابات التمثيل الغذائي والتأثيرات الميكانيكية لزيادة الوزن. وقسموا تلك المضاعفات وفق أربعة جوانب. وهي:
- مضاعفات الحمل والولادة على الأم.
- مضاعفات على الجنين.
- مضاعفات على مخرجات ما بعد الولادة.
- مضاعفات طويلة الأمد على الأم وعلى المولود.
وفي جانب مضاعفات الحمل والولادة على الأم، لاحظ الباحثون أنها تشمل انخفاض قدرات الخصوبة وارتفاع احتمالات الإجهاض التلقائي Miscarriage، والإصابة بسكري الحمل، والإصابة باضطرابات ارتفاع ضغط الدم، والإصابات بالاكتئاب، والولادة المبكرة، ومشاكل إتمام عملية الولادة نفسها، وارتفاع احتمالات الاضطرار إلى الولادة القيصرية.
وفي شأن الخصوبة وقدرات حفظ الحمل بالذات، قال الباحثون: «تؤدي اضطرابات محور المبيض - الغدة النخامية في النساء المصابات بالسمنة إلى اضطرابات الدورة الشهرية، مع انتشار قلة الإباضة أو عدم الإباضة. وتصل احتمالات حصول ذلك إلى 3 أضعاف، مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي. ما يعني احتمالية أقل للحمل لكل دورة شهرية. أي سوء الخصوبة أو حتى العقم. كما يمكن أن تؤثر السمنة أيضاً على نجاح زرع واستقرار البويضة الملقحة في بطانة الرحم. وبعض الآثار المحتملة لكل ذلك هي تأخر الحمل، وزيادة معدل الإجهاض، ونتائج أضعف للعلاجات المساعدة على الإنجاب». كما أوضحوا أن النساء المصابات بالسمنة أكثر عرضة للإصابة بسكري الحمل Gestational Diabetes، بمعدل حوالي 4 أضعاف، مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي. وأن الإصابة بمرض السكري تزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم الحملي وتسمم الحمل والولادة القيصرية. كما يُقدر أن الإصابة بمرض السكري المزمن تحصل لاحقاً لدى 70 في المائة من هؤلاء النساء بعد 22 إلى 28 عاماً من الحمل.
وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود سكري الحمل، فإن الإصابة بـ«ارتفاع ضغط الدم الحملي» Gestational Hypertension وحالة «ما قبل تسمم الحمل»، (مقدمات الارتعاج) Preeclampsia، أكثر انتشاراً بين النساء المصابات بالسمنة مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي. وتحديداً فإن نسبة انتشار مقدمات الارتجاع هي 10 في المائة من بين كل الحوامل ذوات السمنة (مؤشر كتلة الجسم 30)، ثم ترتفع الخطورة بمقدار الضعف مع كل ارتفاع بمقدار 7 في مؤشر كتلة الجسم لدى الحامل. وحصول هذه الاضطرابات خلال فترة الحمل، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في وقت لاحق من الحياة.
وإضافة إلى ما تقدم، وثقت نتائج دراسات المراجعة العلمية وجود ارتباط كبير بين السمنة وأعراض اكتئاب الأم والقلق قبل الولادة وبعدها. وكذلك عدم الرضا عن صورة الجسم، والمعاناة من تعيير الوصم Stigmatization، والشراهة عند الأكل. وتحديداً قال الباحثون: «تنتشر وصمة العار المرتبطة بالسمنة بشكل كبير، وتُبلغ النساء اللواتي يعانين من وصمة الوزن بشكل متكرر من أعراض الاكتئاب، ومن سلوكيات الأكل غير القادرة على التكيف (مع مشكلة السمنة). والنساء ذوات الصحة العقلية الضعيفة يعانين من القدرة على المكافحة لأجل ضبط الوزن».

- تأثيرات سلبية محتملة على صحة الجنين
> لخص الباحثون من كلية جونز هوبكنز للطب وكلية الطب بجامعة تافتس التأثيرات السلبية المحتملة لسمنة الحامل على صحة الجنين في ثلاثة جوانب رئيسية هي:
- التشوهات الخلقية. وقالوا: «بدانة الأمهات خلال الحمل مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بمجموعة من التشوهات الهيكلية، وخاصة عيوب القلب الخلقية وعيوب الأنبوب العصبي، مع وجود دليل على وجود علاقة بين الجرعة والاستجابة مع مؤشر كتلة الجسم».
- العملقة الجنينية. وتستخدم الأوساط الطبية مصطلح «العملقة الجنينية» Macrosomia لوصف حجم طفل حديث الولادة أكبر بكثير من المتوسط، أي يتجاوز 4 كيلوغرامات، بغض النظر عن فترة حمله. وتزداد المخاطر الصحية على الولادة والأم والجنين، المرتبطة بالعملقة الجنينية، ازدياداً كبيراً عندما يتجاوز الوزن عند الولادة أربعة كيلوغرامات ونصف. ذلك أنها قد تسبب صعوبة في الولادة الطبيعية، ويمكنها أن تعرض الوليد لخطر الإصابة في أثناء الولادة. هذا فضلاً عن تسببها في زيادة احتمالية تعرض الطفل لمشكلات صحية بعد الولادة. وقال الباحثون: «وثقت العديد من الدراسات ارتباط ارتفاع مؤشر كتلة جسم الأم مع عملقة وكبر حجم الجنين بالنسبة لعمر الحمل».
- سلامة حياة الجنين. وفي هذا الجانب، أفاد الباحثون أن النساء المصابات بالسمنة يزيد لديهن خطر الإملاص Stillbirth، مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي.
كما أفاضوا في تفاصيل عرض تداعيات ومضاعفات سمنة الحامل على مرحلة المخاض وعملية الولادة وظروف الحالة الصحية ما بعد الولادة.

- وزن الحامل قبل وأثناء الحمل
> تفيد العديد من المصادر الطبية أن كلا من: وزن الجسم قبل الحمل، والزيادة المتوقعة في وزن الجسم خلال فترة الحمل، هما من الجوانب الصحية المهمة لضمان سلامة الأم الحامل وسلامة نمو الجنين وتطور الحمل بطريقة صحية لتسهيل عملية الولادة. ولذا تذكر تلك المصادر، ومنها توصيات أطباء الولادة في مايوكلينيك، أن المتابعة الطبية خلال فترة الحمل للمرأة التي لديها سمنة، تتطلب زيادة عدد مرات المراجعة في العيادة، وهي ما تشمل:
-إجراء فحص مبكّر لسكري الحمل، وهو الفحص الذي يُجرى عادة في فترة ما بين الأسبوع 24 والأسبوع 28 من عمر الحمل، ولكن في حالة سمنة المرأة يُجرى في وقت أبكر من عمر الحمل، ويتكرر إجراؤه كذلك عدة مرات خلال فترة الحمل للتأكد من عدم وجود اضطرابات سكري الحمل.
- تأخير إجراء تصوير الجنين بالأشعة فوق الصوتية Fetal Ultrasound، وهو ما يُجرى عادة في الفترة ما بين الأسبوع 18 والأسبوع 20 من عمر الحمل، ولكن لصعوبات الحصول على نتائج تصوير واضحة بسبب زيادة كتلة الشحوم على جدار البطن، فإنه يتم تأخير إجراء هذا الفحص بضعة أسابيع، أي في الفترة ما بين الأسبوع 20 والأسبوع 22 من عمر الحمل.
- قد يطلب الطبيب المتابع للحمل إجراء تصوير بالأشعة فوق الصوتية لقلب الجنين Fetal Echocardiography في الفترة ما بين الأسبوع 22 والأسبوع 24 من عمر الحمل.
وتفيد المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية CDC والرابطة الأميركية للولادة American Pregnancy Association أنه بالنسبة للمرأة الحامل بجنين واحد، وهو الغالب، تكون الزيادة المنصوح بها في وزن الجسم في فترة الحمل كالتالي:
- إذا كان لديها حالة «نقص الوزن» عند بدء الحمل، يجدر أن تكون الزيادة ما بين 13 و18 كيلوغراما.
- إذا كان وزنها «طبيعيا» عند بدء الحمل، يجدر أن تكون الزيادة ما بين 11 و15 كيلوغراما.
- إذا كانت لديها «زيادة في الوزن» عند بدء الحمل، يجدر أن تكون الزيادة ما بين 7 و12 كيلوغراما.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال