دوروثي ويكهام
TT

هل يمكن لوم الدول الفقيرة لتحولها إلى الصين؟

انطلاقاً من ردود الفعل الأميركية والأسترالية، يبدو أن دفع الصين لتعزيز مكانتها في المحيط الهادئ أمر مخيف بالفعل.
أثارت المفاوضات السرية بين بكين وحكومة بلادي الأم، جزر سليمان، تكهنات بأنها يمكن أن تؤدي إلى وجود عسكري صيني هنا، وهو ما نفته حكومتنا. لكن واشنطن حذرت من أن هذه التطورات «ستشكل سابقة مقلقة» يمكن أن تزعزع استقرار المحيط الهادئ، ويخشى بعض الساسة الأستراليين من أن جزر سليمان قد تصبح «كوبا صغيرة قبالة سواحلنا».
شأن العديد من زملائي من سكان الجزر، أشعر بعدم الارتياح أيضاً من الافتقار إلى الشفافية في تعاملات حكومتنا مع الصين، وبشأن الدوافع النهائية لبكين والتأثير المحتمل لكل هذا على مؤسساتنا الهشة.
لكن وجهة النظر من الخطوط الأمامية لهذه المنافسة بين القوى العظمى تبدو أكثر دقة مما كانت عليه في واشنطن أو كانبيرا، وهي تشير إلى درس مهم للولايات المتحدة لأنها تتنافس مع الصين على النفوذ عبر المحيط الهادئ مفاده أنه عليك أن تظهر. لكن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك.
لقد حصلنا عليها، فجزر سليمان صغيرة ونائية وغير مهمة اقتصادياً. لكن إذا جرى استبعاد جميع البلدان مثلنا على هذا النحو، فإن الصين ستنتزعنا واحدة تلو الأخرى بوعودها بمشاريع الأعمال ومساعدات التنمية.
لعقود من الزمان، تماثلنا مع الغرب، وهو إرث جرى تشكيله عندما أوقفت الولايات المتحدة وأستراليا وحلفاؤهما التقدم الإمبراطوري لليابان خلال الحرب العالمية الثانية في معركة «غادلانكال»، لكن هذا كان منذ فترة طويلة. وهناك شعور زاحف اليوم بأننا تعرضنا للتجاهل، إن لم نكن قد نُسينا. إذن من يمكن أن يلومنا إذا فتحنا الباب أمام أصدقاء جدد يمكنهم المساعدة في تلبية احتياجاتنا؟
هذه الاحتياجات كبيرة، فبعد أربعة وأربعين عاماً من الاستقلال، ما زلنا نكافح من أجل بناء أمة. ورغم الموارد الطبيعية الغنية، لا يزال حوالي 80 في المائة من مواطنينا البالغ عددهم 700 ألف نسمة يعيشون في مناطق ريفية يصعب الوصول إليها، ويعيشون على قطع الأراضي التي تديرها الأسرة. ولا يزال الكثيرون يفتقرون إلى المياه الجارية والصرف الصحي الأساسي والكهرباء. الوظائف شحيحة، والحصول على الرعاية الصحية محدود، وأعداد كبيرة من الأطفال يعانون من التقزم بسبب النظم الغذائية السيئة. نحن معرضون بالفعل للزلازل وأمواج تسونامي والأعاصير، ونواجه تهديدات جديدة تنذر بالسوء بسبب تغير المناخ، بما في ذلك تحول لون المرجان للأبيض وارتفاع مستويات سطح البحر التي تجرف الجزر ببطء.
نحن لا نلوم أحداً على هذه المشاكل، ولكن بينما يوجه القادة الغربيون أصابع الاتهام إلى الصين ويوبخون زعيمنا، نود أن نسأل: أين كنتم؟
ولكي نكون منصفين، فقد قدمت أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة المساعدة التي تشتد الحاجة إليها على مدى عقود، ووصلت «هيئة السلام الأميركية» في عام 1971، ولكن تم سحب هؤلاء المتطوعين قبل 22 عاماً خلال فترة الاضطرابات السياسية العنيفة. والمساعدات الأميركية لجزر سليمان، التي تضاءلت بالفعل مقارنة بأستراليا، تراجعت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لقد ساقني عملي كصحافية إلى هذه الجزر، ورأيت القليل من الإرث المتبقي من أعمال فيلق السلام، أو المساعدة الأميركية بشكل عام. قلة من سكان جزر سليمان يعرفون الكثير عن روابطنا السابقة مع الغرب - ما يقرب من 75 في المائة من سكاننا تقل أعمارهم عن 35 عاماً، ومعظمهم متدنو التعليم.
ومن بين الأشياء القليلة التي تذكر بالغرب انفجار قنبلة أميركية أو يابانية لم تنفجر منذ الحرب العالمية الثانية، مما يؤدي إلى مقتل أو تشويه القرويين. فقدت ابن عمي العام الماضي، وهو خريج جامعي واعد قُتل في حفل شواء مع الأصدقاء. هذا التهديد غير المرئي يعيق أيضاً التقدم الاقتصادي بسبب خطر تطوير أرض تحتوي على متفجرات عمرها 80 عاماً في انتظار دورها لكي تنفجر.
كانت أستراليا ونيوزيلندا من كبار المانحين، غالباً من خلال برامج المعونة التي تركز على تعزيز مؤسساتنا العامة. ولكن رغم أهمية هذه الجهود، فهي غير مرئية إلى حد كبير لسكان «جزر سليمان» الشباب الذين يحتاجون إلى وظائف أو تدريب مهني في أشياء مثل النجارة أو البناء لمعالجة النقص المستمر في العمالة الماهرة ووضع الطعام على الطاولة. وبشكل عام، انخفضت المساعدات الأسترالية على مر السنين.
من ناحية أخرى، بات من المستحيل تفويت حضور الصين المتزايد في العاصمة هونيارا. وسرعان ما أصبحت الشركات التي تديرها الصين - الإنشاءات والأجهزة وصيد الأسماك والنقل وغيرها من القطاعات - جزءاً من الاقتصاد المحلي منذ أن أقامت حكومتنا علاقات دبلوماسية مع بكين في عام 2019.
يعني هذا قطع العلاقات القديمة مع تايوان، وهي خطوة لا تحظى بشعبية. لكن العقول تتغير ببطء، حيث تقوم شركات البناء الصينية ببناء جناح جديد من شأنه أن يطور مستشفانا الرئيسي بشكل كبير واستاداً طال انتظاره، الذي سيستضيف دورة ألعاب المحيط الهادئ العام المقبل. فمكانة الصين في تصاعد عبر المحيط الهادئ.
رغم أن تجارة جزر سليمان مع الولايات المتحدة لا تذكر، فإن الصين هي أكبر شريك تجاري لنا حتى الآن. ويجب ألا نغفل أن الصين قد اتخذت تدابير ذات مغزى للحد من انبعاثات الكربون. لكن السياسيين الأميركيين والأستراليين تراجعوا ولم ينتبهوا للمخاوف المناخية في المحيط الهادئ.
يشعر الكثير منا بالقلق من عواقب التقرب من الصين، وأدى الشك المستمر إلى حدوث أعمال الشغب في هونيارا في نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن على أقل تقدير، اضطرت الولايات المتحدة وأستراليا إلى ملاحظتنا مرة أخرى. وقد تعهدتا بالمشاركة بشكل أكبر، وهناك خطط لإعادة فتح السفارة الأميركية في هونيارا وعودة متطوعي «هيئة السلام».
تقول واشنطن وكانبيرا الآن إننا في المحيط الهادئ نهمهم. وسوف يحتاجون إلى دعم ذلك من خلال العمل المستمر. لقد أنقذتنا تضحياتهم في زمن الحرب ومنذ زمن بعيد. لكن الولاء لا يدوم إلى الأبد، ويجب أن يُكتسب. الدول الصغيرة، الهشة الاستراتيجية مثل بلادي، ليس لها خيار سوى رسم مسارنا الخاص مع أي أصدقاء يمكن أن نجدهم.