سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

طبع وطبيعة

قبل بضعة أسابيع أعلنت هيئة قناة السويس أن القناة حققت أعلى دخل سنوي في تاريخها. ورحت أقرأ التفاصيل في رعب، متسائلاً كيف سوف يرد الإرهاب على الحدث. ومضت أسابيع من دون رد. ثم عادت الهيئة وأعلنت منذ أسبوعين أنها حققت أعلى دخل شهري في تاريخها. ولم يتأخر الرد لحظة: عملية إرهابية في شرق سيناء بضرب محطة مياه، ومقتل 11 عسكرياً.
سبحان الله. طبع، وطبيعة. الإرهاب لا يطيق سماع نبأ جيد. يصيبه حكاك جلدي. تشتعل فيه رغبة القتل وسعادة الموت. ويروح يعرض فنونهما: ماذا تضرب في سيناء؟ المياه؟ من تقتل في سيناء؟ الجيش. ما هو الحدث العالمي الثاني ذلك النهار؟ الرفيق كيم جونغ أون يعلن ضاحكاً ممتلئاً سعادة، إطلاق صاروخ نووي في البحر. المناسبة؟ الإعلان عن أجمل 15 موقعاً في كوريا الجنوبية وبلوغها المرتبة العاشرة في أقوى اقتصادات الأمم. كيف يعلق رجل الجنة المسماة كوريا الشمالية؟ يقذف صاروخاً من الفرح والطرب.
أما أسباب الفرح الدائم منذ أيام الجد كيم إيل سونغ هذا بعضها: معدل النمو 4.50 سلباً، والمرتبة الـ179 في العالم من حيث حجم الاقتصاد، ونسبة الذين تحت خط الفقر 60 في المائة. في هذه الحالة الرهيبة من البؤس، ماذا تفعل؟ تنتقل من مرحلة الصواريخ العادية إلى النووية. ضاحكاً. والذل لأميركا.
يبدو الرفيق مادورو في فنزويلا أكثر سعادة بين مجموعة دول الممانعة والصمود. فهو يجلس على أعلى احتياط نفطي في العالم: 300 مليار برميل. لكن التضخم تحت الألف في المائة، والموقع على مؤشر الاقتصاد العالمي 174، وصديق البلاد الأول محمود أحمدي نجاد.
لسنوات طويلة جداً كانت فنزويلا أهم اقتصاد في أميركا اللاتينية، وأحد أهم الاقتصادات في العالم. الآن تسمى حالتها «إحدى الأزمات الإنسانية في العالم»، والفقراء يملأون الشوارع: 6 ملايين مواطن نزحوا من بيوتهم إلى الدول المجاورة. لكن الرئيس مادورو متفائل ويثمِّن عالياً صداقة الرئيس محمود أحمدي نجاد، والتغطية التي توفرها بعض القنوات العربية للنضال الأممي في سبيل عزة الشعوب، الهاربة واللاجئة والتي لا طعام ولا سقف ولا أرض.
اسمع يا عزيزي. المسألة هنا ليست يميناً ويساراً وشيوعية ورأسمالية. طبع. ناجح يبني، وفاشل يطلق النار. على أنواعها. بنادق. مسيرات. صواريخ. منجنيق. الإرهاب لا يطيق الحياة ولا النجاح؛ ولذا فإن مشروعه الوحيد هو القتل والموت وتدمير كل رمز من رموز النجاح. أعطنا اسم مخبز واحد بناه الإرهاب. تحالَف أنور السادات مع الإخوان فقتلوه. واحتفلت طهران بوضع اسم القاتل على أحد شوارعها الرئيسية: عداء مذهبي وعداء آيديولوجي ووحدة في المسلك والهدف: قتل الفرح والبهجة وتسخيف النجاح. الإرهاب يريد إعادة سيناء إلى قحلها بعدما أصبحت نموذجاً للري والحيوية ومداخيل المستقبل. لاحظوا حجم ابتسامة كيم جون أون بعد إطلاق كل صاروخ على رموز كل نجاح في الكون. مرتبة الجنوب الكوري 10 - مرتبة شماله 174. وكيم جونغ أون يحتفل برشق الصواريخ في الهواء واقفاً بين زوجته وشقيقته يصفقون.