شاشة الناقد

مشهد من فيلم الرسوم المتحركة «بيلي»
مشهد من فيلم الرسوم المتحركة «بيلي»
TT

شاشة الناقد

مشهد من فيلم الرسوم المتحركة «بيلي»
مشهد من فيلم الرسوم المتحركة «بيلي»

حكايا بيتية
• إخراج: نضال الدبس
• مصر (2022)
• النوع: تسجيلي | عروض: خاصة

في نهاية فيلم نضال الدبس الأول، «تحت السقف» (2005) تواصل بعض شخصيات الفيلم برمي الفوط صوب السقف الذي يخر ماءً طوال الوقت غاية تجفيفه. كنا رأيناهم يفعلون ذلك في مشاهد سابقة، لكن المخرج شاء خاتمة تؤكد الرمز المنشود. بطل الفيلم (رامي حنا) والآخرون يحاولون سد ثغرات الوضع في بلد يعيشون تحت سقفه. بلا حلول لمشاكلهم الفردية والاجتماعية.
لا عجب أن المخرج السوري (و«تحت السقف» كان من إنتاج السورية العامة للسينما) وجد نفسه بعد ذلك بعيداً عن التداول شأنه في ذلك شأن محمد ملص وعمر أميرالاي (قبل وفاته المبكرة) وهو يذكر ذلك في مطلع فيلمه الجديد «حكايا بيتية» الذي يحمل الهوية المصرية (إنتاج مصطفى يوسف). يذكر أيضاً كيف ارتحل وزوجته وابنتاه الصغيرتان مع مطلع الحرب الأهلية من دمشق إلى بيروت ومنها إلى القاهرة حيث يعيش حالياً. لا يغفل ذكر المظاهرات التي اندلعت في العام 2010 وتأكيد موقفه ضد النظام، ذلك الذي أوحى به في فيلمه السابق.
مثل «لأجل سما»، الفيلم التسجيلي الذي حققته وعد الخطيب قبل ثلاث سنوات، والعديد قبله وبعده «حكايا بيتية» هو عن الأنا والعائلة. مثل الفيلم المذكور تحديداً هناك عناية بإظهار حبه وزوجته بابنتيه. يكاد الفيلم في ربع ساعته الأولى أن يوحي بأننا سنشاهد عملاً آخر من تلك الأفلام التسجيلية التي تدور حول عائلة المخرج في منفاها. العنوان المختار للفيلم يؤكد ذلك أساساً.
لكن «حكايا بيتية» ينتقل ما بين حكايتين في الأصل ليس هناك الكثير من «الحكايا» البيتية. هي ملخصة في ذكرياته للبيت الدمشقي الذي عاش فيه وهجره خشية من وصول موسى النظام إلى عنقه وكيف ترك فيه أشياءه وارتحل ويحاول الآن الحصول على ما تيسر منها مما تستطيع شقيقته إرساله إليه. كل هذه حكاية واحدة وفي مقابلها حكاية ليست بيتية فالمخرج ينطلق لتصوير محاولة بعض المهتمين بترميم صالة سينما مهجورة في منطقة الحلمية. الترميم لا يقع في الفيلم. لا نراه ولا نرى عودتها إلى الحياة. ما يعرضه المخرج هو ما استطاع الوصول إليه في الفترة السابقة لبدء العمل (هذا إذا بدأ فعلاً بعد إتمام فيلمه) ويحتوي على مقابلات مع رجال يعيشون في الجوار ويتذكرون جيداً الصالة وتاريخها. كذلك على تصوير الصالة من الداخل وما تحويه من جدران ومقاعد وستائر.
أفضل ما في الفيلم هو اللمسات الحانية في المشاهد العائلية الأولى. هو الجانب الذي تشعر بقربه العاطفي من المخرج كما بقرب دمشق التي تعيش فيه. لكن هذا الجانب غير قابل للذوبان مع حكاية الصالة المهجورة وما يحدث لها. كلاهما فيلم تم جمعه والآخر. صحيح أن التناوب بينهما طوال الوقت يخلق الفيلم الماثل أمامنا، لكن لكل منهما شأنه البعيد عن الآخر خصوصا أن نضال الدبس يتحول حين يتحدث عن تلك الصالة إلى مجرد متابع كونه ليس من سيقوم بنفسه بترميم الصالة وكونها ليست من معين الذكريات ذاتها.
العلاقة الوحيدة بين ذكرياته وبين الحاضر المتمثل بموضوع الصالة مُناطة بتأسيس نادي السينما في دمشق وإغلاق النادي (يضع مسؤولية ذلك على موقف السلطة من الثقافة البديلة). لكن حتى هذه العلاقة لا تتبلور جيداً كون التعليق المصاحب لوضع الصالة لا يمنحنا مشاعر المخرج العضوية حيالها. هو هناك ليلتقط كلاماً وصوراً.
يصاحب الفيلم طوال الوقت تعليقه المكتوب والمُلقى جيداً وعلى نحو كاف. في نهاية مطافه «حكايا بيتية» فيلم يختزن معانيه حول معاناة المخرج السوري المعارض. ليسوا جميعاً توجهوا إلى الغرب وانخرطوا فيه. فيلم نضال الدبس هو، في معظمه، عن تجربة حياتية ما زالت مستمرة. كان يمكن للفيلم أن يكون أفضل لو أتيحت للمخرج ظروف أفضل تابع من خلالها قضيته بمنوال واحد.
Belle
• إخراج: مامورو هوسودا
• اليابان (2021)
• النوع: دراما | عروض: تجارية

فيلم مخرج الرسوم الياباني مامورو هوسودا هو تاسع أعماله، وفي غضون أسابيع قليلة قد يفوز بواحد من الترشيحات الخمسة في مسابقة آني المتخصصة بسينما الأنيميشن. وربما ورد ذكره أيضاً حين إعلان ترشيحات الأوسكار في هذا الميدان الحافل.
نقاد السينما في أوروبا والولايات المتحدة أحبوا هذا الفيلم وبعضهم بالغ في حبه. هو بالتأكيد جيد التنفيذ ويأتي بحكاية فيها كل متطلبات وعناصر أفلام التحريك الرائجة، لكنه من ناحية أخرى يبدو تقليداً لأعمال والت ديزني أكثر مما ينتمي إلى سابق أعمال المخرج ذاته («الفتاة التي تقفز في الزمن»، «حروب صيف»).
الحكاية الغرائبية موجودة بطبيعة الحال. أفلام هوسودا السابقة في هذا المجال التزمت بها كونها باتت شرطاً أساسياً ما دام أن العنصر الطاغي في سينما الأنيميشن هو الفانتازيا. لكن يتبدى هنا أن الرغبة ما عادت توفير الفانتازيا الغريبة بل العمل من خلالها على تنقية شروط تنفيذ تتخلص من الانتماء الياباني لتسهيل حركة القبول عالمياً.
إنها ليست المرة الأولى التي تندفع فيها سينما الرسوم اليابانية في هذا المجال بالطبع، لكن الفواصل المفترضة بين ما هو محلي وما هو تسويقي - عالمي تضمحل هنا على نحو شبه كامل. الفيلم في مجمله يبدو كما لو كان من إنتاج مصنع وولت ديزني. الموسيقى والغناء والحركات التي تبدأ وتنتهي في ثانية يسبح خلالها الشخوص في الفضاء بكامله. الإيقاع ونوعية الرسم وحتى استخدام نسخة إنجليزية الحوار كلها تفضي إلى مسح خصوصية يابانية واستبدالها بواسطة أخرى.
بطلة الفيلم اسمها سوزو (كايلي مكنيل). هي شابة متواضعة وبسيطة كانت فقدت والدتها في حادثة قبل عدة سنوات فنشأت منعزلة وحذرة من الاختلاط. كانت تغني في الحفلات المدرسية وسواها لكنها الآن فقدت القدرة فزادها ذلك تقوقعاً. لكن عندما تدخل سوزو عالماً افتراضياً اسمه U تجد نفسها وقد تحولت إلى شخص جديد يجيد الغناء. وما لم تستطع سابقاً ممارسته في العالم الحقيقي باتت تمارسه الآن في ذلك الكيان الموازي وتحقق به نجاحاً كبيراً. لكن النجاح هو وجه واحد من وجهي العملة. الثاني يحمل معه متاعب جديدة.
غناء سوزو (التي أصبح اسمها Belle) عذب وجميل وهناك الكثير منه إنما ليس على النحو الذي يترك متعة في البال. ترقب الاستعراضات كحركات جيدة التصميم والتنفيذ وخالية من المتعة في الوقت ذاته. ومع حكاية تهدف لحث الصغار على التحدي، فإن المرء، وقد تخطى تلك الفترة اللينة من العمر، لا بد أن يتساءل ما إذا كان الصغار من المشاهدين يستطيعون استيعاب هذا الدرس وتنقيته ثم هضمه. هل يريد الفيلم تبني مبدأ أنه إذا كنت ما زلت شاباً (أو شابة) صغيراً ولديك أحلام لا تستطيع تحقيقها في الواقع عليك بالعالم الافتراضي رغم محاذيره؟ حتى الفيلم ذاته ينشغل عن رسالته هذه (أو رسالة أخرى) يريد توفيرها رغبة في دفع أولويات أخرى (مثل الإبهار البصري والإيقاع السريع) إلى الأمام.

Scream
• إخراج: مات بتينلي - أولبن وتايلر جيليت.
• الولايات المتحدة (2022)
• النوع: رعب | عروض: تجارية...

في العام 1996 أطلق المخرج الراحل وس كرافن سلسلة Scream بنجاح كبير: هناك كلية في بلدة اسمها وودسبورو (ولاية كاليفورنيا) وقاتل يحمل وجهاً مطاطياً وماهر في استخدام آلات القتل الحادة. يتعقب الفتيات والفتيان لقتلهم ولا أحد يعرف لماذا يفعل ذلك حتى هذه الساعة.
لكننا جميعاً نعلم لماذا علينا أن نخوض في هذا الموضوع مجدداً: هناك فرصة لإحياء المسلسل الذي احتوى سابقاً على أربعة أجزاء، والانطلاق به في أربعة أخرى أو أقل أو أكثر. لكن الحكاية لا يمكن أن تتعرض لتغيير كبير: الكلية. القاتل المجهول. الطلاب الأبرياء. القتل. الصراخ. الخوف الخ…
إذا فات القارئ أي من أفلام الأمس فإن الجزء الجديد يحمل ما يكفي من النوستالجيا. لكن إذا أراد مشاهدة ما هو أفضل منه عليه الانتقال إلى فيلم كرافن الذي من مميزاته مزج الخوف بالسخرية والرغبة في إطلاق الصرخات لجانب الضحكات في وقت واحد. هذا يبدو عصياً على الفيلم الجديد.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.