نور الدين الطبوبي... «آخر القياديين» في أقوى النقابات العربية

يلعب دوراً محورياً في الأزمة التونسية الحالية

نور الدين الطبوبي... «آخر القياديين» في أقوى النقابات العربية
TT

نور الدين الطبوبي... «آخر القياديين» في أقوى النقابات العربية

نور الدين الطبوبي... «آخر القياديين» في أقوى النقابات العربية

برز نور الدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، منذ 2017 بدوره الاجتماعي والسياسي الكبير في تونس وخارجها، باعتباره زعيماً لأقوى نقابات العمال التونسية والعربية، التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2015، ولعبت ولا تزال تلعب منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956 دوراً «تعديلياً» بين الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، وبين رجال الأعمال والحكومة والعمال في البلاد.
ولقد ساهمت الصراعات بين الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته يوسف الشاهد، ثم بين الرئيس قيس سعيّد ورئيسي الحكومة هشام المشيشي والبرلمان راشد الغنوشي، في مضاعفة الدور السياسي للطبوبي والمركزية النقابية، رغم كل الانتقادات الموجهة إليها. وأوشكت وساطات الطبوبي وجهوده المبذولة منذ أشهر في احتواء الأزمة السياسية بين الرؤساء الثلاثة وكبار صناع القرار الوطني، عبر «مبادرة حوار وطني» أطلقها الطبوبي ورفاقه في اتحاد الشغل، ورحّب بها الرئيس سعيّد وخصومه وقادة معظم الأحزاب، لكن وقع التراجع عن دعمها.
نعم، أوشكت التحركات الماراثونية التي قام بها الطبوبي بين رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان أن تفرز «خريطة طريق توافقية» جديدة، على غرار ما حصل في أزمة 2013. لكن تلك «الوساطات» فشلت في آخر المطاف، وتسارعت الأحداث في اتجاه القطيعة والصدام، ما أدى إلى قرارات 25 يوليو (تموز) الرئاسية، وبينها إسقاط الحكومة وتعليق عمل البرلمان وإلحاق كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية «مؤقتاً» بقصر رئاسة الجمهورية، بحجة «إنقاذ البلاد من خطر داهم».
نوّه نور الدين الطبوبي وقيادة نقابات العمال التونسية بالقرارات الرئاسية الأخيرة، واعتبرها «تفاعلاً مع غضب الشعب على الحكومات المتعاقبة التي فشلت اقتصادياً واجتماعياً». بيد أن القيادي النقابي البارز طالب الرئيس التونسي قيس سعيّد وفريقه بإعداد «خريطة طريق وطنية جديدة لإخراج البلاد من أزمتها»، تساهم في صياغتها «كل الأطراف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».
الرئيس سعيّد رحّب أول الأمر بالشراكة مع زعيم النقابات العمالية ورفاقه رؤساء نقابات رجال الأعمال والفلاحين والمحامين والصحافيين. غير أنه تراجع عن ذلك، في وقت أورد مقربون منه وقياديون في النقابات أن «مسار التغيير ومحاسبة الفاسدين والمنظومة السياسية القديم» يجب أن يشمل كل الأطراف، بما في ذلك بعض الهيئات النقابية والسياسية «التي كانت جزءاً من المشهد السياسي خلال الأعوام العشرة الماضية وقبل ثورة 2011».
في الواقع، ضعف تأثير نور الدين الطبوبي وزعماء النقابات والأحزاب بعد 25 يوليو بسبب توقف الرئيس قيس سعيّد عن دعوتهم لجلسات الحوار والتفاوض معه أو مع أحد مستشاريه أو مع الوزراء «المؤقتين». بيد أن مكتب زعيم نقابات العمال ظل «قبلة للزوار». إذ توافد عليه البرلمانيون والسياسيون المعارضون والوزراء السابقون ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية، بضمنهم سفراء فرنسا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
ورغم الانتقادات التي وجّهتها عدة أطراف لظاهرة «تدويل الأزمة التونسية» واجتماعات بعض الزعماء السياسيين والنقابيين مع سفراء ومبعوثي دول أجنبية، أورد بيان توضيحي عن مكتب زعيم النقابات التونسية أن «الفرق بين بعض السياسيين وقيادة اتحاد الشغل أن السفراء والضيوف الأجانب يزورون مقر الاتحاد، وليست القيادة النقابية هي التي تنقلت إلى مقراتهم».
وللعلم، انتقد الرئيس التونسي خلال اجتماعه بوفد من الكونغرس الأميركي أخيراً مقابلات بعض الزعماء النقابيين والسياسيين مع شخصيات أجنبية، من دون تسميتهم، واتهمهم بـ«تشويه صورة وطنهم وصورة رئيسهم». لكن مكتب الطبوبي بقي يستقطب الزوار من كل التيارات السياسية والنقابية التي تلتقي معه ومع مساعديه في مطالبة رئيس الجمهورية بالتعجيل في تشكيل حكومة جديدة تتفاوض مع النقابات والقوى الوطنية حول «خريطة طريق» المرحلة المقبلة.
في المقابل، ردّ سعيّد على الطبوبي والقيادات النقابية والسياسية، متهكماً: «مَن يبحث عن الخرائط فليبحث عنها في كتب الجغرافيا»، وتابع القول إن أولويته المطلقة مواصلة «الحرب على الفساد» والضغط على الأسعار وتحسين ظروف عيش الشعب. ومن ثم، اتهم النخب السياسية و«مسؤولين في كل المواقع» بالانقلاب على ثورته ووصفهم بـ«الخطر الداهم» و«الخطر الجاثم» فوق صدور الشعب. وهنا، ردّ بعض مساعدي الطبوبي، بينهم الزعيم اليساري سامي الطاهري، على تصريحات رئيس الجمهورية، فأعلن الطاهري أن المركزية النقابية تطالب رئيس الدولة بـ«خريطة طريق سياسية، وليس خريطة بمفهوم كتب الجغرافيا».

حق المعارضة
ومن جانبه، عاد الطبوبي عند إشرافه على مؤتمر نقابة عمال قطاع التربية والتعليم خلال الأسبوعين الأخيرين إلى مطالبة رئاسة الجمهورية بـ«الكشف عن برنامج عملها الإصلاحي». واعتبر الأمين العام أن من حقه ومن حق كل الأطراف النقابية والسياسية أن تسانده أو أن تعارضه أو تقترح تعديلات. كذلك شدد الطبوبي على علوية صناديق الاقتراع وواجب احترام الرأي والرأي المخالف وحق المعارضة في التعبير عن رأيها والمطالبة بحرية التعبير والتنقل والتظاهر، بما يكشف إصراراً منه على لعب دور وطني أكبر في المرحلة المقبلة أيضاً.
ومن ناحية ثانية، ذهب محمد المسلمي، أحد نواب الطبوبي في المركزية النقابية، بعيداً، إذ أعلن في مؤتمر نقابة قطاع الكهرباء والغاز، فقال: «(الرئيس) قيس سعيّد يعتبر القيادة النقابية والمنظمات العمالية جزءاً من المنظومة القديمة» التي يجب تغييرها، وهو لا يكتفي بنقد الأحزاب والبرلمان والحكومات السابقة.

حوار وخلافات قديمة
في أي حال، إذ نجح الزعيم النقابي نور الدين الطبوبي في تصدر المشهد السياسي والاجتماعي على غرار أغلب زعماء اتحاد الشغل منذ محمد الفاضل بن عاشور وفرحات حشاد قبل 1952، ثم أحمد بن صالح وأحمد التليلي والحبيب عاشور في عهد الحبيب بورقيبة، فإن مؤشرات كثيرة توحي بأن قصر قرطاج يسعى للحد من التأثير المباشر لزعيم «أقوى النقابات التونسية والعربية منذ 75 سنة» في قرارات الدولة.
هنا، نشير إلى أن الرئيس سعيّد كان قد حافظ منذ دخوله قصر قرطاج في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 على تقليد ورثه عن الرئيس الباجي قائد السبسي، يتمثل في عقد جلسات حوار وتفاوض دورية مع أمين عام نقابات العمال. ثم إنه استقبل في بداية دورته كل أعضاء المركزية النقابية، وفتح بالمناسبة حواراً مفتوحاً مع رموزها «اليسارية والقومية» التي كان بعضها انتقد مواقف سعيد السابقة المعارضة للمساواة في الإرث بين الجنسين ولحقوق المثليين وللاجتهاد فيما فيه نص قرآني واضح.
أيضاً، نجح سعيّد، على غرار سلفه قائد السبسي، في توظيف علاقته بزعيم النقابات لإضعاف بعض خصومه، وخاصة رئيسي البرلمان والحكومة راشد الغنوشي وهشام المشيشي. ثم سعى إلى توظيفها لإضعاف «حزامهما السياسي»، وخاصة حزب «حركة النهضة» والكتل البرلمانية المتحالفة معه، بينها حزب «تحيا تونس» بزعامة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد وحزب «ائتلاف الكرامة» بزعامة المحامي سيف الدين مخلوف وحزب «قلب تونس» بزعامة رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي. لكن يبدو أن المقرّبين من الرئيس سعيّد لم يغفروا للطبوبي وبعض القريبين منه، وبينهم نائبه الأول كمال سعد، الأمين العام المساعد المكلف بالهياكل، والناطق الرسمي سامي الطاهري، انتقاداتهم للرئيس قبل أسابيع لـ«تعطيله» مشروع الحوار الوطني الذي اقترحته المركزية النقابية منذ أواخر العام الماضي. كذلك، لم يغفروا لهم تلويحهم بـ«تنظيم حوار وطني مستقل» عن رئاسة الجمهورية أو «موازٍ» له.
وبلغت أزمة الثقة أقصاها عندما أعلن مساعدا الطبوبي «سحب مشروع الحوار الوطني من رئاسة الجمهورية»، ثم عندما دعا الطبوبي نفسه في يونيو (حزيران) الرئيس التونسي ورئيسي الحكومة والبرلمان إلى الاستقالة و«إرجاع الأمانة إلى الناخبين» بحجة عجزهم عن معالجة مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتراكمة. وبينما يعتقد بعض الخبراء والمتابعين أن أزمة الثقة تعمقت بين الرئيس سعيّد وزعيم نقابات العمال منذ أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي ومصادقة البرلمان على حكومة هشام المشيشي الثانية، رفض الطبوبي الانخراط في مسار دعوة سعيّد لإسقاطها... وطالب بعقد عدة جلسات عمل في قصر قرطاج وفي قصري الحكومة والبرلمان لدعمها، مقابل تعويض 4 وزراء اتهمهم الرئيس والمقربون منه بـ«شبهات فساد».

سيرة شخصية
ولد نور الدين الطبوبي يوم 8 فبراير (شباط) 1961، في محافظة باجة بريف الشمال الغربي التونسي (100 كيلومتر غرب العاصمة تونس). وهو متزوج وله 4 أولاد.
بعدما تجاوز الـ30 من عمره، خاض الطبوبي عدة تجارب في نقابة العمال، وترأس لأول مرة نقابة أساسية محلية في شركة اللحوم الحكومية بضاحية الوردية، جنوب غربي العاصمة. وعلى الرغم من استقلاليته الحزبية، فإنه ساند خلال عقد التسعينات مَن تبقى من القيادات النقابية الوفية للزعيم النقابي الحبيب عاشور. وكان عاشور قد سُجن مراراً إبان حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، بعدما اتهمه بالمشاركة في «معركة خلافته» مع عدد من كبار الوزراء ومع زوجته وسيلة بن عمار والزعيم الليبي معمر القذافي ومعارضين للحكم.
هذا الانحياز لـ«النقابيين العاشوريين» و«اليسار الوسطي المعتدل»، بزعامة علي رمضان، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل والمسؤول السابق عن قطاع الفلاحة والصيد البحري، ساعد الطبوبي على تحمل مسؤوليات في النقابة العامة لقطاع الفلاحة.
ومع أن الطبوبي بقي لبعض الوقت في الصف الثاني للمسؤوليات النقابية، فإنه تلقى الدعم من عدد من القياديين المحسوبين على الحبيب عاشور الذين دعموه، لعل أبرزهم عبد النور المداحي الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، وعبد الجليل البدوي، وكمال سعد، وعلي رمضان (الزعيم النقابي العاشوري منذ إضرابات 1978). وكذلك الطيب الورايري الكاتب العام لنقابة الكهرباء والغاز.
بعدها شغل نور الدين الطبوبي مسؤوليات كثيرة، بينها عضوية المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل في جهة العاصمة، التي كانت تضم بمفردها نحو 100 ألف عضو، وكانت فعلياً تتحكم في سير العمل والإضرابات والمفاوضات مع كبريات الشركات الاقتصادية ومع الحكومة. ولقد أسهم وصول الطبوبي إلى هذا الموقع، الذي يتميز بثقله الانتخابي والسياسي الكبير، بتقريبه أكثر من زعماء النقابة «العاشوريين» عبد السلام جراد وعلي رمضان وعبد النور المداحي ورشيد النجار وحلفائهم من «اليسار المعتدل» مثل محمد الطرابلسي وحسين العباسي.
ومن ثم، عمل الطبوبي أميناً عاماً مساعداً للمكتب الجهوي بتونس. وعندما قرر الأمين العام لاتحاد الشغل عبد السلام جراد عام 2009 «تجميد» النقابي الكبير توفيق التواتي من منصب الكتابة العامة، فإنه أسند هذا المنصب إلى الطبوبي. وبعد سنتين، انتخب الطبوبي عضواً في المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد، مستفيداً من قرار انسحاب أغلب أعضاء القيادة المتخلية بحجة أنهم أمضوا 10 سنوات فيها. وكان بين المنسحبين القيادي النقابي المخضرم علي رمضان، فخلفه في مسؤولية «النظام الداخلي» وهي أهم موقع بعد موقع الأمين العام.
وجاء مؤتمر عام 2017، الذي كان فيه على غالبية القياديين الانسحاب، بينهم الأمين العام حسين العباسي (وهو شيوعي سابق أمضى 10 سنوات في القيادة). وخلال المؤتمر، انتخب الطبوبي أميناً عاماً جديداً إثر فوز قائمة «الوحدة النقابية» التي ترأسها بجميع مقاعد المكتب الجديد.

التوازن الصعب
لقد نجح نور الدين الطبوبي منذ توليه القيادة النقابية في تحقيق قدر لافت من التوازن في علاقاته بمختلف التوجهات الفكرية والسياسية العاملة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، ما جعل منه أحد آخر «الزعماء الكاريزميين» في أقوى نقابة عمال تونسية وعربية، إلا أن مصيره ومصير غيره من «القادة النقابيين والسياسيين» في تونس يظل رهين تطورات المشهد السياسي والأوضاع الأمنية والاجتماعية الاقتصادية... ولا سيما بعد «زلزال 25 يوليو» الماضي الذي أطاح بالحكومة والبرلمان، ويوشك أن يطيح بمزيد من الرؤوس والمؤسسات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».