آنالينا بيربوك... زعيمة «الخضر» الطامحة إلى خلافة ميركل

سياسية ألمانية شابة يكرهها اليمين المتشدد... ولا ترتاح لها موسكو وبكين

آنالينا بيربوك... زعيمة «الخضر» الطامحة إلى خلافة ميركل
TT

آنالينا بيربوك... زعيمة «الخضر» الطامحة إلى خلافة ميركل

آنالينا بيربوك... زعيمة «الخضر» الطامحة إلى خلافة ميركل

للمرة الأولى منذ تأسيس حزب «الخضر» البيئي في ألمانيا قبل 41 سنة، يعلن هذا الحزب مرشحاً له لمنصب المستشارية. وللمرة الأولى، يصعب فعلاً تخيل الحكومة المقبلة في ألمانيا من دون أن يكون حزب «الخضر» شريكاً أساسياً فيها، إن لم يكن هو من يقودها.
الحزب اختار لهذا المنصب ترشيح آنالينا بيربوك (40 سنة) التي تشغل منصب الزعيم المشترك للحزب إلى جانب روبرت هابيك (51 سنة) منذ عام 2018. ومع أن بيربوك لم تكن معروفة كثيراً حتى انتخابها لقيادة الحزب بشكل مشترك، ولطالما اعتبرت حظوظها أقل من هابيك للحصول على ترشيح الحزب لمنصب المستشار، فإنها نجحت في الحصول على الترشيح. وليس هذا فحسب، بل باتت بيربوك الآن تشكل رمزاً للتجديد والشباب في الانتخابات المقبلة المقررة خلال سبتمبر (أيلول) المقبل في ألمانيا. وهذا، بالأخص لدى مقارنتها بالمرشحين الآخرين لمنصب المستشارية، وهما الرجلان «الستّينيان» أرمين لاشيت (60 سنة) مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) وحاكم ولاية شمال الراين ووستفاليا، وأولاف شولتز (62 سنة) وزير المالية ومرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي).
ولكن منذ حصول بيربوك على ترشيح حزبها في أبريل (نيسان) الماضي، وسط تغطية إيجابية واسعة من الصحافة الألمانية، بدأت تظهر تحديات متكرّرة أمامها تضعها خفّفت تألقها، إلى درجة باتت تقلق الحزب البيئي من أن تؤثر على شعبيته وتمنعه من الوصول للسلطة التي باتت في متناول اليد.

غالباً ما تشاهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وهي غارقة في محادثة خاصة هادئة مع آنالينا بيربوك، عادة في إحدى زوايا قاعات البوندستاغ (مجلس النواب في البرلمان الألماني) قبيل انطلاق جلسات النقاش. فالمستشارة التي حكمت ألمانيا لمدة 16 سنة، إلا أنها فشلت في أن توصل مرشحتها المفضلة آنغريته كرامب كارنباور إلى الحكم لخلافتها، تبدو أحياناً وكأنها تمسك بيد بيربوك، المرأة الوحيدة الآن في السباق لخلافتها، تمهيداً لتسليمها الشعلة. ولا شك، في أن العلاقة الشخصية بين المستشارة وزعيمة «الخضر» الشابة لافتة. ورغم أن ميركل لا تقول ما يظهر تأييدها علانية للسيدة التي ترأس حزباً منافساً، من الواضح أنها تكنّ لها احتراماً خاصاً.
الواقع أن السيدتين تتشاركان الكثير من المزايا. ومع أن بيربوك ترأس حزباً ولد عام 1980 من مجموعة من اليساريين المهتمين بحماية البيئة والمنادين بالسلام، فإن الحزب شهد تغيّرات لافتة عديدة منذ ذلك الحين قرّبته في بعض السياسات من مواقف الديمقراطيين المسيحيين التي تغيّرت بدورها في عهد ميركل. إذ بينما تحوّل حزب «الخضر» إلى قوة أكثر «واقعية» في سياساتها اليومية رغم استمرار حمله راية البيئة، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اتجه يساراً ليغدو أقرب إلى حزب وسطي منه إلى تنظيم يميني محافظ، وهو حتماً اليوم أقرب إلى «الخضر» في سياسته البيئية التي تبنّاها وطبقها إبّان عهود ميركل الأربعة.
من ناحية أخرى، بعدما كانت فكرة تحالف «الخضر» مع حزب يميني وسطي بعيدة المنال، قبل بضع سنوات، فهي باتت واقعاً لا مفر منه. وهذه التجربة «التحالفية» جرّبها «الخضر» منذ سنوات في السياسة المحلية بولاية بادن – فورتمبيرغ، حيث يقود حكومة الولاية مع الديمقراطيين المسيحيين بنجاح منذ عام 2011. وللعلم، في الماضي، عندما شارك «الخضر» في الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) للمرة الأولى عام 1998 وبقي في السلطة حتى العام 2005 عندما تسلمت ميركل الحكم، كان يشارك في ائتلاف يقوده آنذاك الاشتراكيون برئاسة المستشار غيرهارد شرودر.
ولكن حتى آنذاك، بدت السلطة وكأنها غيّرت حزب «الخضر» وجعلت سياسته أقرب إلى الواقع منها إلى المثالية الحالمة الذي كانت عليه أفكاره عند تأسيسه. ولعل من أكثر اللحظات دلالة في رمزيتها إلى بدء «تحوّل» منهجية الحزب، كان عام 1999 عندما تعرّض وزير الخارجية يوشكا فيشر (القيادي في حزب «الخضر») آنذاك إلى هجوم بالطلاء من قبل أحد أنصار الحزب الرافضين للتدخل العسكري في كوسوفو الذي كان فيشر – كوزير للخارجية – قد وافق عليه على الرغم من رفض «الخضر» المبدئي للحروب والتزامهم بالسلام.

بدايات الواقعية السياسية
كان واضحاً آنذاك أن فجوة الانقسام داخل حزب «الخضر» أخذت تتسع بين «الواقعيين» و«المتطرفين المثاليين». وهي فجوة لم تتقلص منذ ذلك الحين رغم الصمت المخيّم على أجنحة الحزب منذ انتخاب بيربوك وهابيك لمنصب الزعامة مشتركة للحزب عام 2018 وبدء صعود الخضر في استطلاعات الرأي، واقترابه من دخول السلطة مجدداً.
هذه المرة، قد يدخل «الخضر» فردوس السلطة مجدّداً، ولكن على الأرجح في ائتلاف مع الديمقراطيين المسيحيين لا الاشتراكيين الذين انهارت نسبة التأييد الشعبي لهم إلى مستويات قياسية؛ إذ إنها لا تزيد اليوم وفق استطلاعات الرأي على الـ14 في المائة. ومع أن حزب «الخضر» في ألمانيا لطالما أقرب في سياساته إلى اليسار من اليمين، فإن تحالفاً مع اليمين ما عاد مستبعداً اليوم، وبخاصة، في ظل اتجاه الحزبين «الخضر» والاتحاد الديمقراطي المسيحي، نحو ساحة الوسط، وباتا على توافق في العديد من السياسات، ولا سيما، البيئية منها التي تعد الركيزة الأساسية لتفكير «الخضر».
أما عن آنالينا بيربوك، فإنها كانت ولا تزال من المساهمين في تحويل «الخضر» إلى حزب أكثر واقعية يعتمد أحيانا سياسات خارجية أكثر صرامة حتى من الديمقراطيين المسيحيين، خاصة، فيما يتعلق بالصين وروسيا. وهي منذ انتخابها زعيمة للحزب، تصعّد بيربوك لهجتها تجاه بكين وموسكو متعهدة بأخذ مواقف أشد صرامة منهما في حال دخلت السلطة.

الموقف من الصين وروسيا
بيربوك تصف الصين بأنها دولة «ذات نظام استبدادي»، وتدعو للوقوف بوجهها خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان وما تعتبره سوء معاملتها لأقلية الويغور المسلمة. وتذهب بعيدا في دعواتها لمواجهة بكين في هذا الملف، مشددة أنه على أوروبا ألا تستورد «بضائع تنتجها العمالة الإجبارية». وبخلاف سياسة حكومة ميركل الحالية، تقول زعيمة «الخضر» أيضاً بأنها ستدعم «الحد من التعاون» مع التكنولوجيا الآتية من الصين، مثل «هواوي»؛ خوفاً من عمليات تجسّس للشركات الصينية لصالح سلطات بكين. أضف إلى ذلك، بينما تقر بيربوك بأن الصين كدولة «أكبر من أن نقطع العلاقات معها»، فهي تؤكد على «ضرورة محافظة الدول الديمقراطية على قيمها» في التعامل مع بكين.
أيضاً، تتبنى زعيمة «الخضر» موقفاً أكثر تشدداً بعد من روسيا، وتذهب إلى حد معارضة مشروع أنابيب غار «نورد ستريم 2» الذي ينقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا عبر البحر وقد شارف على الاكتمال. والمعروف، أن الحكومة الحالية تتمسك بالمشروع، وميركل نفسها دافعت عنه مراراً في وجه الانتقادات الأوروبية والأميركية التي تخشى تأثيراً روسياً متصاعداً على برلين في حال أكمل المشروع الذي يتعرّض أصلاً لعقوبات أميركية. وعلى الرغم من أن بيربوك قد تغيّر إذا وصلت إلى السلطة موقفها من المشروع، الذي كلف ألمانيا مليارات اليوروات حتى الآن وشارف على الاكتمال، فإنها تروّج راهنا لسياسة أكثر صرامة مع موسكو في مجالات أخرى أيضاً. وهي تقول بأن «زيادة الضغوط» على روسيا بعد تحركاتها الأخيرة في أوكرانيا «يجب أن تكون أولوية في السياسة الخارجية لألمانيا».
مقاربة بيربوك هذه، الداعية لصرامة أكثر مع روسيا، عرّضتها لحملة تشويه وتجريح شخصي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يديرها على ما يبدو الكرملين. وبالفعل، اتهم تشيم أوزدمير، الخبير في السياسة الخارجية في حزب «الخضر»، موسكو بإدارة هذه الحملة، وقال لصحف ألمانية: «بهدف منع حزب الخضر من دخول السلطة، ليست هناك وسيلة خارج متناول الكرملين، وكل ما بوسعي فعله الآن أن أنصح جميع الذين يؤمنون بالديمقراطية ألا يشاركوا في حملة بوتين القذرة. البرلمان الألماني سيُنتخَب في ألمانيا وليس في موسكو أو أنقرة أو بكين».

اليمين المتطرف يكرهها
وفي سياق متصل، تواجه بيربوك حملة تشويه كانت قد بدأت أصلاً من الداخل الألماني، وبالذات، من حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي يروّج لعلاقات أقرب مع موسكو. ومن ثم، تحوّلت زعيمة «الخضر» كذلك إلى هدف للمؤمنين بـ«نظريات المؤامرة» والرافضين للاعتراف بخطورة فيروس «كوفيد - 19». وأخيراً، نقلت وسائل إعلام ألمانية عن خبراء أمنيين أن موسكو تستغل الشرخ الداخلي لزيادة الانقسام والتأليب ضد بيربوك.
كذلك، اتسع الشرخ حول زعيمة «الخضر» وازدادت حدة الانتقادات الموجهة إليها بعدما تسرّب بأنها استفادت من دفعة مالية مقدارها 1500 يورو من حزبها، في قانون خاص يسمح بدفع المبلغ لموظفين أثناء الجائحة من دون إخضاعه للضرائب. ومع أن المبلغ ضئيل، فإنه أحدث ضجة حول «صدقية» بيربوك، وبخاصة، أن القصة انفجرت في موازاة قصة أخرى تتعلق بمبلغ مالي آخر مقداره 25 ألف يورو، قالت بيربوك إنها «نسيت» التصريح عنه للبرلمان في السنوات الثلاث الماضية. وشنت الصحف الألمانية التي كانت لغاية الآن في صف بيربوك، حملة عليها واتهمتها بقلة الشفافية، متسائلة عما يقول ذلك عن أسلوبها في الحكم. وتجدر الإشارة إلى أن القانون الألماني يجبر النواب على التصريح بكامل مصادر دخلهم للإبقاء على الشفافية وللتأكد من أنهم لا يقبضون أموالاً من أشخاص أو شركات من أجل الترويج لسياسات معينة.
ووسط هذا الغبار المتصاعد، لم يساعد وضع بيربوك في وجه موجة الانتقادات والتساؤلات المشككة حول «ازدواج المعايير» عندها، تصريحاتها حول ضرورة رفع أشعار تذاكر الطائرات القصيرة المدى... إذ راح يتساءل المنتقدون عن عدد الرحلات القصيرة المدى التي يركبها أعضاء حزب «الخضر»، بينما هم يعظون بالعكس.

تعريف بـ«الوجه الجديد»
رغم كل ما سبق، ما زالت آنالينا بيربوك قادرة على تقديم نفسها على أنها «وجه جديد» في السياسة الألمانية، وتشكّل تغييراً عن الوجوه القديمة التقليدية. وفي حين يتنقد معارضوها قلة خبرتها في الحكم - ولا سيما، في السياسة الخارجية - فإنها تدافع عن ذلك بالقول إن كونها أمّا لطفلين صغيرين اضطرت إلى البقاء معهما في المنزل أيام الإغلاق بسبب الجائحة، يقرّبها من الناس، ويجعلها تفهم مشاكلهم أكثر... وهو ما يعني أن التجربة تجعلها – في رأيها – جاهزة للمشاركة في السلطة.
ولدت آنالينا بيربوك في مزرعة بالقرب من مدينة هانوفر، عاصمة ولاية سكسونيا السفلى، ونشأت في منزل لوالدين متحرّرين كانا غالباً ما يشاركان بصحبة أولادهما في مظاهرات رافضة للحرب والانتشار النووي، وداعية للسلام. وبعدما أنهت دراستها الثانوية، التحقت بيربوك بجامعة هامبورغ، حيث تخصصت بالعلوم السياسية والقانون العام، ثم انتقلت بعد التخرّج إلى العاصمة البريطانية لندن عام 2004، حيث درست القانون الدولي وحصلت على شهادة الماجستير من «مدرسة لندن للاقتصاد» LSE المرموقة. وهي تعيش اليوم مع زوجها دانيال هولفلايش، وهو مستشار سياسي في حزب «الخضر»، وولديها، في مدينة بوتسدام القريبة من برلين.
بيربوك كانت تطمح لأن تصبح صحافية. وبالفعل، عملت لفترة أثناء فترة الدراسة مع صحيفة «هانوفرشيه ألغماينه تسايتونغ» المحلية، إلا أنها انتقلت لاحقاً إلى العمل السياسي بعد انضمامها إلى حزب «الخضر» عند إكمال دراستها عام 2005. وعام 2008 انتُخبت عضواً في المجلس التنفيذي لحزب «الخضر» في ولاية براندنبرغ (عاصمتها بوتسدام)، وأصبحت خلال العام نفسه ناطقة حزبية باسم الحزب للشؤون الأوروبية، وكذلك عملت مستشارة في شؤون السياسات الخارجية والأمنية لكتلة حزب «الخضر» النيابية.
دخلت بيربوك مجلس النواب في البرلمان الاتحادي عام 2013، بعدما كانت قد فشلت في الحصول على ترشيح حزبها على لائحته في انتخابات العام 2009. وبعد دخولها البرلمان، أصبحت بيربوك الناطقة باسم حزبها في شؤون السياسات المناخية. وعام 2017، حافظت على مقعدها في الانتخابات العامة الفائتة، ثم انتخبت زعيمة مشتركة للحزب في العام التالي 2018. وأخيراً، يوم 19 أبريل من العام الحالي، نجحت بيربوك في الحصول على تأييد حزبها للترشح لمنصب المستشارية، لتغدو أول سياسي من حزب «الخضر» يترشح لهذا المنصب الرفيع، وثاني امرأة بعد ميركل.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».