المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

غزة والاقتصاد أسهما في الصفعة الانتخابية القاسية لإردوغان

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
TT

المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)

أفرزت الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، واقعاً جديداً في البلاد التي يحكمها رجل تركيا القوي رجب طيب إردوغان منذ أكثر من عقدين، جعلت حزبه «العدالة والتنمية» الإسلامي النزعة الثاني في البلاد من حيث الشعبية خلف حزب «الشعب الجمهوري» العلماني الذي تصدّر التمثيل الشعبي في البلاد لأول مرة منذ عام 1977. ثم إنها كانت المرة الأولى التي تستطيع فيها المعارضة اختراق منطقة الأناضول «القلب النابض» لحزب «العدالة» الذي كان دائماً يهيمن على الانتخابات فيها بأصوات الناخبين المحافظين، مقابل التقدم التقليدي لحزب المعارضة العلماني في السواحل. فالانتخابات التي فازت بها المعارضة، وأتت بعد أقل من سنة على فوز صعب لإردوغان في الانتخابات الرئاسية، ستجعل السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة بعد نحو 4 سنوات، سنوات حاسمة... إما تنتهي بخروج الرئيس وحزبه من السلطة إذا ما نجحت المعارضة في استغلال وجودها في السلطات المحلية، وإما بعودة مظفرة لإردوغان الذي عرفت عنه قدرته الفائقة على تحويل التحديات إلى فرص، كما حدث في غير مناسبة سابقة. من جهة ثانية، رغم «محلية» الانتخابات، كانت دلالاتها كبيرة سياسياً، خصوصاً أنها فاجأت الجميع، حتى المعارضين أنفسهم. ومع أن هذه النتائج لن تؤثر في وضع إردوغان في السلطة حالياً، فإنها قد تكون «جرس إنذار» أو «صفعة عقاب» لسياساته الداخلية والخارجية، وفي المقابل ستشكّل امتحاناً للمعارضة مدته السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة يختبر قدرتها على منع تعديل الدستور خلالها بما يسمح لإردوغان بالترشح مجدداً في ظل القيود التي يفرضها الدستور الحالي على هذا الترشيح.

سلّم الرئيس رجب طيب إردوغان بخسارته الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، إذ قال إن نتائجها «تشكل منعطفاً» بالنسبة لحزبه. وتابع في خطاب ألقاه من شرفة المقر الرئيس للحزب الحاكم في أنقرة، إن حزب «العدالة والتنمية» لم يحصل على ما كان يأمله من الانتخابات المحلية. لكنه أعلن احترام حزبه ما أفرزته الصناديق والتزامه بالديمقراطية، وأن هذه الانتخابات «ليست نهاية الطريق بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة». ومن ثم، تعهد بتحليل نتائج الاقتراع، مؤكداً أن حزبه سيجري بكل شفافية وشجاعة النقد الذاتي، ويعمل على إصلاح الأخطاء.

فرصة للمعارضة

جيرين كينار، الباحثة والمحلّلة السياسية التركية المقيمة في العاصمة البريطانية لندن، رأت أن ما حدث شكَّل مفاجأة للجميع. وتابعت كينار التي غطّت الشأن التركي لوسائل إعلام عالمية مثل «الفورين بوليسي» و«النيويورك تايمز» و«الغارديان» أن «لدى المعارضة اليد العليا الآن، كما لأن لديها المزيد من الموارد المهمة، فالبلديات تشكل مصدر دخل كبيراً... وموازنة إسطنبول وحدها توازي أو تفوق موازنات 10 وزارات مجتمعة».

وأردفت كينار: «المعارضة ستستعمل هذه الموارد المهمة في المجال الاقتصادي؛ حيث يعاني الناس من المصاعب، وسيكون بإمكان المعارضة تقديم مساعدات لهؤلاء، ما من شأنه زيادة شعبيتها أكثر. وبالتالي، إذا استطاعت المعارضة الاستفادة من هذا الواقع، وأظهرت للأتراك نجاعة إدارتها وقدرتها على تحقيق الإنجازات، فهذا سيقنع مزيداً من الناخبين الأتراك التصويت لهم في الانتخابات المقبلة»

ومن ناحية ثانية، أوضحت الباحثة كينار أنه «في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، حقق إردوغان فوزاً ضئيلاً، وبعد أقل من سنة تغيرت الموازين ليصبح «العدالة والتنمية» الحزب الثاني في البلاد بعد حزب الشعب الجمهوري. النتائج كانت صادمة لأنه لا الحكومة ولا المعارضة كانا يتوقعانها». وتابعت أن فوز المعارضة في المدن الثلاث الكبرى، أي أنقرة وإسطنبول وأزمير «كان متوقعاً... لكن أحداً لم يتوقع أن ينال (الشعب الجمهوري) أصواتاً أكثر من (العدالة والتنمية)، وأن يخسر العدالة في الأناضول، معقله الأساسي».

الأسباب كثيرة... والنتيجة واحدة

تردّ كينار هذه النتائج إلى جملة من العوامل، أولها: أن «الناخبين الأتراك بغالبيتهم يعتقدون أن إردوغان يجب أن يقود البلاد، ولهذا صوّتوا له في الانتخابات الرئاسية... إنهم يثقون به لقيادة البلاد وحفظ أمنهم القومي، لكن ظنهم خاب من بعض سياساته وسياسات حكومته، وأرادوا إبلاغه برسالة تعبر عن سخطهم على أوضاعهم». أما ثاني العوامل فهو المشكلات الاقتصادية «فهناك تضخم، وتراجع كبير في مستوى معيشة المواطنين العاديين والطبقة الوسطى».

مع هذا، لا ترى كينار «عندما ننظر إلى الحقائق التي أفرزتها الانتخابات... انتقالاً كبيراً للأصوات من (العدالة) إلى حزب (الشعب)». وتضيف: «ما حدث هو انخفاض نسبة مشاركة ناخبي العدالة والتنمية، وهذا ما أسميه بالمقاطعة الصامتة... أما ما حدث في جهة المعارضة، فإن كل الاحزاب الصغيرة، وكذلك الأكراد، صوّتوا لصالح حزب (الشعب الجمهوري)، ولم يصوّتوا لأحزابهم التي لم تكن لديها آمال كبيرة».

مناصرو المعارضة التركية يحتفلون (رويترز)

غزة... عامل أساسي

على صعيد آخر، تثير جيرين كينار «أهمية انعكاسات ما يحدث في غزة»، فتقول: «إردوغان أدلى بمواقف حادة حيال اسرائيل، لكن الحزب الجديد (الرفاه الجديد) الذي يقوده فاتح أربكان شن حملة مؤثرة ضد إردوغان، مؤكداً أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لمواجهة إسرائيل ونصرة غزة. فالحكومة لم تقطع العلاقات مع إسرائيل، ولم توقف التجارة معها، بل ذهب حزب (الرفاه الجديد) إلى قول إن الحكومة التركية تدعم إسرائيل بطريقة ما. وهكذا استطاعت الأحزاب الإسلامية الصغيرة اقتطاع نسبة من أصوات إردوغان وحزبه، وهو ما أدى إلى انتصارات (الشعب الجمهوري) في الأناضول».

وفعلاً، تشير كينار إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت بين هؤلاء الناخبين، بيّنت أنهم يرون أن الرئيس لم يفعل ما يكفي لمساعدة غزة، كما أخذوا عليه انهزامه أمام (لوبي الفائدة) برفعه أسعار الفائدة بعد سنوات من إصرار على ألا يفعل».

المستقبل

المستقبل ليس قاتماً لإردوغان من وجهة نظر كينار، فإردوغان «موجود ليبقى، ولن يغادر قريباً». وتضيف: «هذه ليست انتخابات عامة. لم يتغير شيء... لكن الكثير قد تغير في الوقت نفسه. فإردوغان لا يزال في السلطة، لكن ثمة تحولاً كبيراً في تركيا أدى الى أن يصبح «الشعب الجمهوري» هو الحزب القائد في البلاد، وهذا ما يحصل للمرة الأولى منذ عام 1977. وعليه، ترى أن المستقبل، سيعتمد على ردة فعل إردوغان حيال النتائج، وهل سيتحول نحو محاولة إعادة اكتساب الاصوات والقلوب عبر تغيير في السياسات التي اعتمدها، أو الذهاب نحو سياسات متصلبة أكثر. وتختتم: «أعتقد أنه سيذهب في الاتجاه الأول، وأعتقد أنه سيحافظ على سياسته الاقتصادية، وسيواصل سياسته التصالحية مع الغرب، كما مع العراق وليبيا، وكما فعل مع دول الخليج... لن يكون هناك أي تحوّل كبير في السياسة الخارجية»

رأي جاهد توز

جاهد توز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، وافق كينار في أن «حرب غزة كانت عاملاً أساسياً في النتائج». واعترف بأن «غالبية مناصري حزب (العدالة والتنمية) من المتدينين المحافظين، وهؤلاء ما كانوا مقتنعين بأن الحزب التزم بما عليه في موضوع غزة. والرأي الأساسي الموجود عند جمهور الحزب أن (العدالة والتنمية) برئاسة رجب طيب إردوغان كان يستطيع أن يقدم دعماً أكبر وملموساً أكثر لكنه لم يفعل... ثم إن تركيا لم تقطع علاقتها التجارية مع إسرائيل، ولم تأت بأي خطوات ملموسة بهذا الموضوع».

وأوضح توز أن «الشعب لاحظ أن كلام الرئيس كبير بعكس الفعل... إذ لم يأت أي شيء من الحكومة، ولذا، فمعظم الجمهور الذي يصوّت لحزب (العدالة والتنمية) لم يتوجه إلى صناديق الاقتراع». وأردف: «كانت مفاجأة للجميع لكن أيضاً في الوقت نفسه، كانت متوقعة بالنسبة لكثيرين من متابعي السياسة التركية... فعند الكلام عن الانتخابات في تركيا يجب الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات المحلية، لأن العوامل التي تؤثّر في الأولى تختلف تماماً عن العوامل التي تؤثر في الثانية». وهنا، شرح المستشار السابق أن «من أهم أولويات الناس:

- رواتب المتقاعدين - يقدّرون بـ16 مليون متقاعد، وهذا رقم ضخم -. الحكومة تدعم رواتب الموظفين الرسميين على مستوى البلاد ورواتب كل موظفي الدولة، في وقت باتت فيه رواتب المتقاعدين منخفضة جداً.

- الخلافات داخل حزب (العدالة والتنمية)، إذ توجد فئة قوية تؤثّر في قرارات الرئيس، وهؤلاء متهمون بالتأثير في الرئيس كي يختار ناساً غير مناسبين لرئاسة البلديات.

- هذه الانتخابات الأخيرة بيّنت أن نصيب «العدالة والتنمية» من ناحية الأصوات لم يتراجع... فالذين ذهبوا إلى مراكز الاقتراع بحسب الإحصاءات 76 في المائة. هذا الرقم في انتخابات 2019 كان 88 في المائة ما يعني أن نحو 9 في المائة من الناخبين لم يقترعوا. وبشكل عام فنحو 13 مليوناً معظمهم - أي ما يقارب 10 ملايين شخص - هم من مناصري «العدالة والتنمية» الذين لم يقترعوا اعتراضاً لأسباب معينة.

توز أشار أيضاً إلى أن قراءة الانتخابات المحلية يجب أن تقسم إلى قسمين: الأول فوز الرئاسة، والثاني فوز أعضاء مجلس البلديات. وشرح: «لناحية أعضاء المجلس البلديات، هناك 32 في المائة من حزب (العدالة والتنمية) مقابل 23 في المائة للمعارضة، وهذا يعني أن (العدالة والتنمية) نال 32 في المائة على مستوى الإدارة في كل البلاد مقابل 22 في المائة للمعارضة أي حزب (الشعب الجمهوري). والحقيقة، أن رؤساء البلديات لا يستطيعون أخذ أي قرارات إلا بموافقة المجلس... وبالتالي، فالقوة داخل مجالس البلديات تبقى عند حزب (العدالة والتنمية)».

إردغان: هذه الانتخابات ليست نهاية الطريق، بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة

قراءة عربية للنتيجة

ومن جهته، رأى محمد سرميني، رئيس «مركز أبعاد للدراسات» أن حزب (الشعب الجمهوري) الذي حقق التفوق في الانتخابات «ربما لم يكن يتوقع هكذا نتيجة، لأنه استطاع الفوز برئاسة بلديات للمرة الأولى منذ تأسيس حزب (العدالة والتنمية) الذي استحوذ عليها، مثل ولايات زونغولداك وبورصة ومانيسا».

وأردف سرميني: «أن تفوّق (الشعب الجمهوري)، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في ولايتي إسطنبول وأنقرة كان متوقّعاً، نظراً للشعبية التي يحظى بها رئيسا البلدية في الولايتين، لكن ما لم يكن متوقعاً هو وصول الحزب إلى نسبة تصويت تجاوزت 37 في المائة على مستوى تركيا، ليتقدّم على الحزب الحاكم في عموم البلاد وللمرة الأولى منذ تنافسه مع حزب (العدالة والتنمية) في الانتخابات». وتابع الباحث السوري أن النتيجة التي حققها «الشعب الجمهوري» أسهمت فيها عوامل كثيرة، أولها: إحجام قرابة 4 ملايين من ناخبي «العدالة والتنمية» عن التصويت، معظمهم من المتقاعدين المستائين من عدم تعديل أجورهم، ورفع مستوى الدخل التقاعدي لديهم. وثانيها الدعم غير المعلن الذي قدمه حزب «المساواة والديمقراطية» الكردي وحزب «الجيد» لمرشحي حزب «الشعب الجمهوري»، خصوصاً في المدن الكبرى، حيث اتضح أنه رغم الإعلان عن تفكك جبهة «الطاولة السداسية» التي دخلت عبرها المعارضة الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) 2023، احتفظت أبرز أحزاب «الطاولة بتفاهمات» ضمنية إزاء الانتخابات البلدية، نظراً لاتفاقها بهدف أساسي هو رغبتها بإزاحة «العدالة والتنمية» من الحكم.

سرميني توقع أن تعطي نتائج الانتخابات هذه دفعة معنوية للمعارضة التركية، وتضع بتصرف حزب «الشعب الجمهوري» موارد مالية مهمة من عوائد البلديات، كما سيحرص الحزب على إظهار أفضل ما عنده في إدارة البلديات التي فاز بها رغبة منه بتكبير الحاضنة الشعبية لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية عام 2028. ثم قال إن سيناريو الانتخابات العامة المبكرة «غير وارد رغم تلويح بعض الأصوات به، خصوصاً أن الغالبية النيابية بيد تحالف الجمهور الحاكم الذي يضم «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». واستبعد لجوء المعارضة إلى خيار الشارع للضغط على الحكومة ودفعها إلى انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، «فمن مصلحة المعارضة، خصوصاً حزب «الشعب الجمهوري»، أن تكون لديه مساحة من الزمن ليثبت جدارته في إدارة البلديات».

 

 

فرز الأصوات في أحد المراكز الانتخابية (رويترز)

تغييرات في الحزب الحاكم

استطراداً، رأى سرميني أن حزب «العدالة والتنمية» «مقبل على تغييرات كبيرة على مستوى الصف الأول وقيادات الفروع، ومن المستبعد أن تحدث متغيرات في السياسة الاقتصادية التي اتضحت معالمها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة... كما ستستمر السياسة الخارجية التركية على المسار نفسه الذي يركز على مكافحة الإرهاب وتعظيم فرص التبادل التجاري والاستثمارات، وكذلك الأمر على ملف اللاجئين الذي سيكون أكثر استقراراً، ولن يشهد مزيداً من التصعيد».

أخيراً، عودة إلى توز، فإنه قال إن هناك فصلاً بين شعبية الرئيس إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» من 2002 إلى 2011، وأضاف: «أنا أتوقع أن الشعبية الموجودة ليست الحزب كمؤسسة بل شعبية إردوغان. وأتوقع إذا انسحب إردوغان، وجرت انتخابات من دونه، لن يصل تأييد «العدالة والتنمية» إلى أكثر من 10 في المائة. «الشعب» يرى أن إردوغان ملأ فراغ الزعامة في تركيا، وحالياً لا يوجد أي بديل كزعيم على مستوى البلاد، لأن الشعب يؤمن به».

 

أرقام انتخابية: «الشعب الجمهوري» أولاً

> لم يقتصر فوز المعارضة التركية على رئاسات البلديات الكبرى، بل استطاعت، هذه المرة، تعزيز حضورها، وانتزاعها أكثرية أعضاء مجالس البلديات الثلاث الكبرى؛ أي أنقرة وإسطنبول وأزمير، بعدما كانت قد حصلت في الانتخابات السابقة على رئاسات المجالس، وظل لحزب «العدالة والتنمية» أكثرية في عدد أعضاء المجلسين بأنقرة وإسطنبول.وفي محصلة الانتخابات المحلية، كان حزب «الشعب الجمهوري» أكبر الفائزين، بعدما رفع غلّته من بلديات المدن التركية من 21 بلدية في انتخابات عام 2019 إلى 35 بلدية في الانتخابات الأخيرة، بينها 14 مدينة كبرى، و21 محافظة. بينما كان حزب «العدالة والتنمية» أكبر الخاسرين، إذ فقَد 15 بلدية، من أصل 39 كان يستحوذ عليها في عام 2019؛ أي نحو 42 من البلديات التي كان يتولى إدارتها. أما ثاني الخاسرين فكان حليف إردوغان، حزب «الحركة القومية» الذي فقَد 3 بلديات، من أصل 11 بلدية. حزب «مساواة وديمقراطية الشعوب» الكردي فاز بـ10 بلديات، منها ثلاث مدن كبرى، وسبع محافظات، في حين دخل الحزب «الجيد» اللعبة ببلدية واحدة فاز بها، بعدما كان خارج المجالس البلدية منذ تأسيسه. وفي المقابل، دخل نجم جديد الساحة هو حزب «الرفاه الجديد» الذي فاز ببلديتين أيضاً.وبالنسبة للأرقام، حصل حزب «الشعب الجمهوري» على أكبر عدد من الأصوات بنيله نحو 17.4 مليون صوت، مقابل نحو 14 مليون صوت في عام 2019، في حين نال حزب «العدالة والتنمية» 16.3 مليون صوت، مقابل 20.5 مليون صوت حصل عليها في عام 2019. وخسر حزب «الحركة القومية» نحو مليون صوت بنيله 2.2 مليون صوت، كما خسر الحزب «الجيد» 1.7 مليون صوت بنيله 1.7 مليون؛ أي نحو نصف المقترعين له في الانتخابات السابقة، لكنه فاز رغم ذلك ببلديته الأولى.

 

 

نجل أربكان يهدّد «تلميذه» إردوغان

> دخل حزب «الرفاه الجديد» الساحة السياسية التركية من بوابة البلديات، محققاً الرقم الثالث في نسبة الأصوات الإجمالية، رغم حصوله على بلديتين فقط. و«الرفاه الجديد» نسخة محدثة من حزب «الرفاه» القديم الذي ترأسه نجم الدين أربكان، قائد الاتجاه الإسلامي، الذي أطلق إردوغان وحزب «العدالة والتنمية».جيرين كينار رأت أن «الرفاه الجديدبقيادة فاتح أربكان قدّم استراتيجية ذكية جيدة، فبعض الشخصيات التي غادرت حزب (العدالة والتنمية) كأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، وأسست أحزاباً مستقلة، ذهبت إلى التحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات عام 2023، أما (الرفاه الجديد) فتحالف معه، لذا فضّل الساخطون على سياسات إردوغان من ذوي الخلفية الإسلامية التصويت لـ«الرفاه»، لا لحزبيْ داود أوغلو وباباجان». ومن جهته يرى توز أن «(الرفاه الجديد) حقق نجاحاً طيباً، ولكن ليس بطريقة تؤثر على حزب (العدالة والتنمية)؛ لأن الشعب التركي لا يرى أن رئيس هذا الحزب زعيم، بل سياسي يحاول الاستفادة من إرث والده، ولكن، إذ يصحح (العدالة والتنمية) أخطاءه... ممكن أن يكون بديلاً».

 

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب بكثير؟ الإجابة عن هذا السؤال، لا يختصرها الإجماع السريع الذي توافقت عليه تيارات الحزب لدعم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. ذلك أن الصعوبات التي يواجهها الديمقراطيون، والأزمات التي لم يتمكنوا بعد من ابتكار الحلول لها، أكبر من أن يحتويها استعاضتهم عن مرشح مسنّ ضعيف وغير ملهم، بمرشحة شابة ملوّنة. ولكن مع ذلك، يبدو أن الديمقراطيين مقتنعون الآن بأنه باتت لديهم الفرصة لإعادة تصوير السباق على أنه تكرار لهزيمة مرشح «مهووس بالغرور والانتقام»، في حين يعيد خصومهم الجمهوريون تشكيل سياسات حزبهم، وفق أجندة قد تغير وجهه ووجهة أميركا، التي عدّها البعض، «دعوة للعودة إلى الوراء».

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .

حصاد الأسبوع الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

تعيش تونس هذه المدة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ إطاحة حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011. إذ أعلنت السلطات و«الهيئة العليا للانتخابات» عن انطلاق العملية الانتخابية رسمياً يوم 14 يوليو (تموز) الحالي. ومن المقرر الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في آخر الأسبوع الأول من أغسطس (آب) المقبل، في حين تنطلق الحملات الانتخابية الرسمية خلال سبتمبر (أيلول) تأهباً ليوم الاقتراع العام وهو 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. بيد أن هذه الانتخابات تنظم في «مناخ استثنائي جداً» وفق معظم المراقبين، وسط استفحال مظاهر أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أثرت في خطب غالبية المرشحين والسياسيين وأولوياتهم. وبالتالي، تكثر التساؤلات حول مدى انعكاس الملفات الاقتصادية الاجتماعية «الحارقة» على العملية الانتخابية الجديدة وعلى المشهد السياسي... وهل سيستفيد من هذه الملفات ممثلو المعارضة والنقابات أم الرئيس قيس سعيّد، الذي أعلن رسمياً ترشحه لدورة ثانية، وعاد إلى اتهام «المتآمرين على الأمن القومي للبلاد» بتأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقطع الكهرباء والماء ومواد الاستهلاك عن المواطنين لأسباب سياسية وانتخابية أو «خدمة لأجندات أجنبية».

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

 

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».