المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

غزة والاقتصاد أسهما في الصفعة الانتخابية القاسية لإردوغان

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
TT

المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)

أفرزت الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، واقعاً جديداً في البلاد التي يحكمها رجل تركيا القوي رجب طيب إردوغان منذ أكثر من عقدين، جعلت حزبه «العدالة والتنمية» الإسلامي النزعة الثاني في البلاد من حيث الشعبية خلف حزب «الشعب الجمهوري» العلماني الذي تصدّر التمثيل الشعبي في البلاد لأول مرة منذ عام 1977. ثم إنها كانت المرة الأولى التي تستطيع فيها المعارضة اختراق منطقة الأناضول «القلب النابض» لحزب «العدالة» الذي كان دائماً يهيمن على الانتخابات فيها بأصوات الناخبين المحافظين، مقابل التقدم التقليدي لحزب المعارضة العلماني في السواحل. فالانتخابات التي فازت بها المعارضة، وأتت بعد أقل من سنة على فوز صعب لإردوغان في الانتخابات الرئاسية، ستجعل السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة بعد نحو 4 سنوات، سنوات حاسمة... إما تنتهي بخروج الرئيس وحزبه من السلطة إذا ما نجحت المعارضة في استغلال وجودها في السلطات المحلية، وإما بعودة مظفرة لإردوغان الذي عرفت عنه قدرته الفائقة على تحويل التحديات إلى فرص، كما حدث في غير مناسبة سابقة. من جهة ثانية، رغم «محلية» الانتخابات، كانت دلالاتها كبيرة سياسياً، خصوصاً أنها فاجأت الجميع، حتى المعارضين أنفسهم. ومع أن هذه النتائج لن تؤثر في وضع إردوغان في السلطة حالياً، فإنها قد تكون «جرس إنذار» أو «صفعة عقاب» لسياساته الداخلية والخارجية، وفي المقابل ستشكّل امتحاناً للمعارضة مدته السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة يختبر قدرتها على منع تعديل الدستور خلالها بما يسمح لإردوغان بالترشح مجدداً في ظل القيود التي يفرضها الدستور الحالي على هذا الترشيح.

سلّم الرئيس رجب طيب إردوغان بخسارته الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، إذ قال إن نتائجها «تشكل منعطفاً» بالنسبة لحزبه. وتابع في خطاب ألقاه من شرفة المقر الرئيس للحزب الحاكم في أنقرة، إن حزب «العدالة والتنمية» لم يحصل على ما كان يأمله من الانتخابات المحلية. لكنه أعلن احترام حزبه ما أفرزته الصناديق والتزامه بالديمقراطية، وأن هذه الانتخابات «ليست نهاية الطريق بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة». ومن ثم، تعهد بتحليل نتائج الاقتراع، مؤكداً أن حزبه سيجري بكل شفافية وشجاعة النقد الذاتي، ويعمل على إصلاح الأخطاء.

فرصة للمعارضة

جيرين كينار، الباحثة والمحلّلة السياسية التركية المقيمة في العاصمة البريطانية لندن، رأت أن ما حدث شكَّل مفاجأة للجميع. وتابعت كينار التي غطّت الشأن التركي لوسائل إعلام عالمية مثل «الفورين بوليسي» و«النيويورك تايمز» و«الغارديان» أن «لدى المعارضة اليد العليا الآن، كما لأن لديها المزيد من الموارد المهمة، فالبلديات تشكل مصدر دخل كبيراً... وموازنة إسطنبول وحدها توازي أو تفوق موازنات 10 وزارات مجتمعة».

وأردفت كينار: «المعارضة ستستعمل هذه الموارد المهمة في المجال الاقتصادي؛ حيث يعاني الناس من المصاعب، وسيكون بإمكان المعارضة تقديم مساعدات لهؤلاء، ما من شأنه زيادة شعبيتها أكثر. وبالتالي، إذا استطاعت المعارضة الاستفادة من هذا الواقع، وأظهرت للأتراك نجاعة إدارتها وقدرتها على تحقيق الإنجازات، فهذا سيقنع مزيداً من الناخبين الأتراك التصويت لهم في الانتخابات المقبلة»

ومن ناحية ثانية، أوضحت الباحثة كينار أنه «في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، حقق إردوغان فوزاً ضئيلاً، وبعد أقل من سنة تغيرت الموازين ليصبح «العدالة والتنمية» الحزب الثاني في البلاد بعد حزب الشعب الجمهوري. النتائج كانت صادمة لأنه لا الحكومة ولا المعارضة كانا يتوقعانها». وتابعت أن فوز المعارضة في المدن الثلاث الكبرى، أي أنقرة وإسطنبول وأزمير «كان متوقعاً... لكن أحداً لم يتوقع أن ينال (الشعب الجمهوري) أصواتاً أكثر من (العدالة والتنمية)، وأن يخسر العدالة في الأناضول، معقله الأساسي».

الأسباب كثيرة... والنتيجة واحدة

تردّ كينار هذه النتائج إلى جملة من العوامل، أولها: أن «الناخبين الأتراك بغالبيتهم يعتقدون أن إردوغان يجب أن يقود البلاد، ولهذا صوّتوا له في الانتخابات الرئاسية... إنهم يثقون به لقيادة البلاد وحفظ أمنهم القومي، لكن ظنهم خاب من بعض سياساته وسياسات حكومته، وأرادوا إبلاغه برسالة تعبر عن سخطهم على أوضاعهم». أما ثاني العوامل فهو المشكلات الاقتصادية «فهناك تضخم، وتراجع كبير في مستوى معيشة المواطنين العاديين والطبقة الوسطى».

مع هذا، لا ترى كينار «عندما ننظر إلى الحقائق التي أفرزتها الانتخابات... انتقالاً كبيراً للأصوات من (العدالة) إلى حزب (الشعب)». وتضيف: «ما حدث هو انخفاض نسبة مشاركة ناخبي العدالة والتنمية، وهذا ما أسميه بالمقاطعة الصامتة... أما ما حدث في جهة المعارضة، فإن كل الاحزاب الصغيرة، وكذلك الأكراد، صوّتوا لصالح حزب (الشعب الجمهوري)، ولم يصوّتوا لأحزابهم التي لم تكن لديها آمال كبيرة».

مناصرو المعارضة التركية يحتفلون (رويترز)

غزة... عامل أساسي

على صعيد آخر، تثير جيرين كينار «أهمية انعكاسات ما يحدث في غزة»، فتقول: «إردوغان أدلى بمواقف حادة حيال اسرائيل، لكن الحزب الجديد (الرفاه الجديد) الذي يقوده فاتح أربكان شن حملة مؤثرة ضد إردوغان، مؤكداً أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لمواجهة إسرائيل ونصرة غزة. فالحكومة لم تقطع العلاقات مع إسرائيل، ولم توقف التجارة معها، بل ذهب حزب (الرفاه الجديد) إلى قول إن الحكومة التركية تدعم إسرائيل بطريقة ما. وهكذا استطاعت الأحزاب الإسلامية الصغيرة اقتطاع نسبة من أصوات إردوغان وحزبه، وهو ما أدى إلى انتصارات (الشعب الجمهوري) في الأناضول».

وفعلاً، تشير كينار إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت بين هؤلاء الناخبين، بيّنت أنهم يرون أن الرئيس لم يفعل ما يكفي لمساعدة غزة، كما أخذوا عليه انهزامه أمام (لوبي الفائدة) برفعه أسعار الفائدة بعد سنوات من إصرار على ألا يفعل».

المستقبل

المستقبل ليس قاتماً لإردوغان من وجهة نظر كينار، فإردوغان «موجود ليبقى، ولن يغادر قريباً». وتضيف: «هذه ليست انتخابات عامة. لم يتغير شيء... لكن الكثير قد تغير في الوقت نفسه. فإردوغان لا يزال في السلطة، لكن ثمة تحولاً كبيراً في تركيا أدى الى أن يصبح «الشعب الجمهوري» هو الحزب القائد في البلاد، وهذا ما يحصل للمرة الأولى منذ عام 1977. وعليه، ترى أن المستقبل، سيعتمد على ردة فعل إردوغان حيال النتائج، وهل سيتحول نحو محاولة إعادة اكتساب الاصوات والقلوب عبر تغيير في السياسات التي اعتمدها، أو الذهاب نحو سياسات متصلبة أكثر. وتختتم: «أعتقد أنه سيذهب في الاتجاه الأول، وأعتقد أنه سيحافظ على سياسته الاقتصادية، وسيواصل سياسته التصالحية مع الغرب، كما مع العراق وليبيا، وكما فعل مع دول الخليج... لن يكون هناك أي تحوّل كبير في السياسة الخارجية»

رأي جاهد توز

جاهد توز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، وافق كينار في أن «حرب غزة كانت عاملاً أساسياً في النتائج». واعترف بأن «غالبية مناصري حزب (العدالة والتنمية) من المتدينين المحافظين، وهؤلاء ما كانوا مقتنعين بأن الحزب التزم بما عليه في موضوع غزة. والرأي الأساسي الموجود عند جمهور الحزب أن (العدالة والتنمية) برئاسة رجب طيب إردوغان كان يستطيع أن يقدم دعماً أكبر وملموساً أكثر لكنه لم يفعل... ثم إن تركيا لم تقطع علاقتها التجارية مع إسرائيل، ولم تأت بأي خطوات ملموسة بهذا الموضوع».

وأوضح توز أن «الشعب لاحظ أن كلام الرئيس كبير بعكس الفعل... إذ لم يأت أي شيء من الحكومة، ولذا، فمعظم الجمهور الذي يصوّت لحزب (العدالة والتنمية) لم يتوجه إلى صناديق الاقتراع». وأردف: «كانت مفاجأة للجميع لكن أيضاً في الوقت نفسه، كانت متوقعة بالنسبة لكثيرين من متابعي السياسة التركية... فعند الكلام عن الانتخابات في تركيا يجب الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات المحلية، لأن العوامل التي تؤثّر في الأولى تختلف تماماً عن العوامل التي تؤثر في الثانية». وهنا، شرح المستشار السابق أن «من أهم أولويات الناس:

- رواتب المتقاعدين - يقدّرون بـ16 مليون متقاعد، وهذا رقم ضخم -. الحكومة تدعم رواتب الموظفين الرسميين على مستوى البلاد ورواتب كل موظفي الدولة، في وقت باتت فيه رواتب المتقاعدين منخفضة جداً.

- الخلافات داخل حزب (العدالة والتنمية)، إذ توجد فئة قوية تؤثّر في قرارات الرئيس، وهؤلاء متهمون بالتأثير في الرئيس كي يختار ناساً غير مناسبين لرئاسة البلديات.

- هذه الانتخابات الأخيرة بيّنت أن نصيب «العدالة والتنمية» من ناحية الأصوات لم يتراجع... فالذين ذهبوا إلى مراكز الاقتراع بحسب الإحصاءات 76 في المائة. هذا الرقم في انتخابات 2019 كان 88 في المائة ما يعني أن نحو 9 في المائة من الناخبين لم يقترعوا. وبشكل عام فنحو 13 مليوناً معظمهم - أي ما يقارب 10 ملايين شخص - هم من مناصري «العدالة والتنمية» الذين لم يقترعوا اعتراضاً لأسباب معينة.

توز أشار أيضاً إلى أن قراءة الانتخابات المحلية يجب أن تقسم إلى قسمين: الأول فوز الرئاسة، والثاني فوز أعضاء مجلس البلديات. وشرح: «لناحية أعضاء المجلس البلديات، هناك 32 في المائة من حزب (العدالة والتنمية) مقابل 23 في المائة للمعارضة، وهذا يعني أن (العدالة والتنمية) نال 32 في المائة على مستوى الإدارة في كل البلاد مقابل 22 في المائة للمعارضة أي حزب (الشعب الجمهوري). والحقيقة، أن رؤساء البلديات لا يستطيعون أخذ أي قرارات إلا بموافقة المجلس... وبالتالي، فالقوة داخل مجالس البلديات تبقى عند حزب (العدالة والتنمية)».

إردغان: هذه الانتخابات ليست نهاية الطريق، بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة

قراءة عربية للنتيجة

ومن جهته، رأى محمد سرميني، رئيس «مركز أبعاد للدراسات» أن حزب (الشعب الجمهوري) الذي حقق التفوق في الانتخابات «ربما لم يكن يتوقع هكذا نتيجة، لأنه استطاع الفوز برئاسة بلديات للمرة الأولى منذ تأسيس حزب (العدالة والتنمية) الذي استحوذ عليها، مثل ولايات زونغولداك وبورصة ومانيسا».

وأردف سرميني: «أن تفوّق (الشعب الجمهوري)، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في ولايتي إسطنبول وأنقرة كان متوقّعاً، نظراً للشعبية التي يحظى بها رئيسا البلدية في الولايتين، لكن ما لم يكن متوقعاً هو وصول الحزب إلى نسبة تصويت تجاوزت 37 في المائة على مستوى تركيا، ليتقدّم على الحزب الحاكم في عموم البلاد وللمرة الأولى منذ تنافسه مع حزب (العدالة والتنمية) في الانتخابات». وتابع الباحث السوري أن النتيجة التي حققها «الشعب الجمهوري» أسهمت فيها عوامل كثيرة، أولها: إحجام قرابة 4 ملايين من ناخبي «العدالة والتنمية» عن التصويت، معظمهم من المتقاعدين المستائين من عدم تعديل أجورهم، ورفع مستوى الدخل التقاعدي لديهم. وثانيها الدعم غير المعلن الذي قدمه حزب «المساواة والديمقراطية» الكردي وحزب «الجيد» لمرشحي حزب «الشعب الجمهوري»، خصوصاً في المدن الكبرى، حيث اتضح أنه رغم الإعلان عن تفكك جبهة «الطاولة السداسية» التي دخلت عبرها المعارضة الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) 2023، احتفظت أبرز أحزاب «الطاولة بتفاهمات» ضمنية إزاء الانتخابات البلدية، نظراً لاتفاقها بهدف أساسي هو رغبتها بإزاحة «العدالة والتنمية» من الحكم.

سرميني توقع أن تعطي نتائج الانتخابات هذه دفعة معنوية للمعارضة التركية، وتضع بتصرف حزب «الشعب الجمهوري» موارد مالية مهمة من عوائد البلديات، كما سيحرص الحزب على إظهار أفضل ما عنده في إدارة البلديات التي فاز بها رغبة منه بتكبير الحاضنة الشعبية لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية عام 2028. ثم قال إن سيناريو الانتخابات العامة المبكرة «غير وارد رغم تلويح بعض الأصوات به، خصوصاً أن الغالبية النيابية بيد تحالف الجمهور الحاكم الذي يضم «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». واستبعد لجوء المعارضة إلى خيار الشارع للضغط على الحكومة ودفعها إلى انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، «فمن مصلحة المعارضة، خصوصاً حزب «الشعب الجمهوري»، أن تكون لديه مساحة من الزمن ليثبت جدارته في إدارة البلديات».

 

 

فرز الأصوات في أحد المراكز الانتخابية (رويترز)

تغييرات في الحزب الحاكم

استطراداً، رأى سرميني أن حزب «العدالة والتنمية» «مقبل على تغييرات كبيرة على مستوى الصف الأول وقيادات الفروع، ومن المستبعد أن تحدث متغيرات في السياسة الاقتصادية التي اتضحت معالمها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة... كما ستستمر السياسة الخارجية التركية على المسار نفسه الذي يركز على مكافحة الإرهاب وتعظيم فرص التبادل التجاري والاستثمارات، وكذلك الأمر على ملف اللاجئين الذي سيكون أكثر استقراراً، ولن يشهد مزيداً من التصعيد».

أخيراً، عودة إلى توز، فإنه قال إن هناك فصلاً بين شعبية الرئيس إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» من 2002 إلى 2011، وأضاف: «أنا أتوقع أن الشعبية الموجودة ليست الحزب كمؤسسة بل شعبية إردوغان. وأتوقع إذا انسحب إردوغان، وجرت انتخابات من دونه، لن يصل تأييد «العدالة والتنمية» إلى أكثر من 10 في المائة. «الشعب» يرى أن إردوغان ملأ فراغ الزعامة في تركيا، وحالياً لا يوجد أي بديل كزعيم على مستوى البلاد، لأن الشعب يؤمن به».

 

أرقام انتخابية: «الشعب الجمهوري» أولاً

> لم يقتصر فوز المعارضة التركية على رئاسات البلديات الكبرى، بل استطاعت، هذه المرة، تعزيز حضورها، وانتزاعها أكثرية أعضاء مجالس البلديات الثلاث الكبرى؛ أي أنقرة وإسطنبول وأزمير، بعدما كانت قد حصلت في الانتخابات السابقة على رئاسات المجالس، وظل لحزب «العدالة والتنمية» أكثرية في عدد أعضاء المجلسين بأنقرة وإسطنبول.وفي محصلة الانتخابات المحلية، كان حزب «الشعب الجمهوري» أكبر الفائزين، بعدما رفع غلّته من بلديات المدن التركية من 21 بلدية في انتخابات عام 2019 إلى 35 بلدية في الانتخابات الأخيرة، بينها 14 مدينة كبرى، و21 محافظة. بينما كان حزب «العدالة والتنمية» أكبر الخاسرين، إذ فقَد 15 بلدية، من أصل 39 كان يستحوذ عليها في عام 2019؛ أي نحو 42 من البلديات التي كان يتولى إدارتها. أما ثاني الخاسرين فكان حليف إردوغان، حزب «الحركة القومية» الذي فقَد 3 بلديات، من أصل 11 بلدية. حزب «مساواة وديمقراطية الشعوب» الكردي فاز بـ10 بلديات، منها ثلاث مدن كبرى، وسبع محافظات، في حين دخل الحزب «الجيد» اللعبة ببلدية واحدة فاز بها، بعدما كان خارج المجالس البلدية منذ تأسيسه. وفي المقابل، دخل نجم جديد الساحة هو حزب «الرفاه الجديد» الذي فاز ببلديتين أيضاً.وبالنسبة للأرقام، حصل حزب «الشعب الجمهوري» على أكبر عدد من الأصوات بنيله نحو 17.4 مليون صوت، مقابل نحو 14 مليون صوت في عام 2019، في حين نال حزب «العدالة والتنمية» 16.3 مليون صوت، مقابل 20.5 مليون صوت حصل عليها في عام 2019. وخسر حزب «الحركة القومية» نحو مليون صوت بنيله 2.2 مليون صوت، كما خسر الحزب «الجيد» 1.7 مليون صوت بنيله 1.7 مليون؛ أي نحو نصف المقترعين له في الانتخابات السابقة، لكنه فاز رغم ذلك ببلديته الأولى.

 

 

نجل أربكان يهدّد «تلميذه» إردوغان

> دخل حزب «الرفاه الجديد» الساحة السياسية التركية من بوابة البلديات، محققاً الرقم الثالث في نسبة الأصوات الإجمالية، رغم حصوله على بلديتين فقط. و«الرفاه الجديد» نسخة محدثة من حزب «الرفاه» القديم الذي ترأسه نجم الدين أربكان، قائد الاتجاه الإسلامي، الذي أطلق إردوغان وحزب «العدالة والتنمية».جيرين كينار رأت أن «الرفاه الجديدبقيادة فاتح أربكان قدّم استراتيجية ذكية جيدة، فبعض الشخصيات التي غادرت حزب (العدالة والتنمية) كأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، وأسست أحزاباً مستقلة، ذهبت إلى التحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات عام 2023، أما (الرفاه الجديد) فتحالف معه، لذا فضّل الساخطون على سياسات إردوغان من ذوي الخلفية الإسلامية التصويت لـ«الرفاه»، لا لحزبيْ داود أوغلو وباباجان». ومن جهته يرى توز أن «(الرفاه الجديد) حقق نجاحاً طيباً، ولكن ليس بطريقة تؤثر على حزب (العدالة والتنمية)؛ لأن الشعب التركي لا يرى أن رئيس هذا الحزب زعيم، بل سياسي يحاول الاستفادة من إرث والده، ولكن، إذ يصحح (العدالة والتنمية) أخطاءه... ممكن أن يكون بديلاً».

 

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.