المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

غزة والاقتصاد أسهما في الصفعة الانتخابية القاسية لإردوغان

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
TT

المعارضة التركية أمام امتحان «جدارتها بتولي السلطة»

الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)
الرئيس رجب طيب إردوغان يتقاسم المنصة مع مراد كوروم مرشح حزبه الخاسر لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول (رويترز)

أفرزت الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، واقعاً جديداً في البلاد التي يحكمها رجل تركيا القوي رجب طيب إردوغان منذ أكثر من عقدين، جعلت حزبه «العدالة والتنمية» الإسلامي النزعة الثاني في البلاد من حيث الشعبية خلف حزب «الشعب الجمهوري» العلماني الذي تصدّر التمثيل الشعبي في البلاد لأول مرة منذ عام 1977. ثم إنها كانت المرة الأولى التي تستطيع فيها المعارضة اختراق منطقة الأناضول «القلب النابض» لحزب «العدالة» الذي كان دائماً يهيمن على الانتخابات فيها بأصوات الناخبين المحافظين، مقابل التقدم التقليدي لحزب المعارضة العلماني في السواحل. فالانتخابات التي فازت بها المعارضة، وأتت بعد أقل من سنة على فوز صعب لإردوغان في الانتخابات الرئاسية، ستجعل السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة بعد نحو 4 سنوات، سنوات حاسمة... إما تنتهي بخروج الرئيس وحزبه من السلطة إذا ما نجحت المعارضة في استغلال وجودها في السلطات المحلية، وإما بعودة مظفرة لإردوغان الذي عرفت عنه قدرته الفائقة على تحويل التحديات إلى فرص، كما حدث في غير مناسبة سابقة. من جهة ثانية، رغم «محلية» الانتخابات، كانت دلالاتها كبيرة سياسياً، خصوصاً أنها فاجأت الجميع، حتى المعارضين أنفسهم. ومع أن هذه النتائج لن تؤثر في وضع إردوغان في السلطة حالياً، فإنها قد تكون «جرس إنذار» أو «صفعة عقاب» لسياساته الداخلية والخارجية، وفي المقابل ستشكّل امتحاناً للمعارضة مدته السنوات الفاصلة عن الانتخابات العامة يختبر قدرتها على منع تعديل الدستور خلالها بما يسمح لإردوغان بالترشح مجدداً في ظل القيود التي يفرضها الدستور الحالي على هذا الترشيح.

سلّم الرئيس رجب طيب إردوغان بخسارته الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، إذ قال إن نتائجها «تشكل منعطفاً» بالنسبة لحزبه. وتابع في خطاب ألقاه من شرفة المقر الرئيس للحزب الحاكم في أنقرة، إن حزب «العدالة والتنمية» لم يحصل على ما كان يأمله من الانتخابات المحلية. لكنه أعلن احترام حزبه ما أفرزته الصناديق والتزامه بالديمقراطية، وأن هذه الانتخابات «ليست نهاية الطريق بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة». ومن ثم، تعهد بتحليل نتائج الاقتراع، مؤكداً أن حزبه سيجري بكل شفافية وشجاعة النقد الذاتي، ويعمل على إصلاح الأخطاء.

فرصة للمعارضة

جيرين كينار، الباحثة والمحلّلة السياسية التركية المقيمة في العاصمة البريطانية لندن، رأت أن ما حدث شكَّل مفاجأة للجميع. وتابعت كينار التي غطّت الشأن التركي لوسائل إعلام عالمية مثل «الفورين بوليسي» و«النيويورك تايمز» و«الغارديان» أن «لدى المعارضة اليد العليا الآن، كما لأن لديها المزيد من الموارد المهمة، فالبلديات تشكل مصدر دخل كبيراً... وموازنة إسطنبول وحدها توازي أو تفوق موازنات 10 وزارات مجتمعة».

وأردفت كينار: «المعارضة ستستعمل هذه الموارد المهمة في المجال الاقتصادي؛ حيث يعاني الناس من المصاعب، وسيكون بإمكان المعارضة تقديم مساعدات لهؤلاء، ما من شأنه زيادة شعبيتها أكثر. وبالتالي، إذا استطاعت المعارضة الاستفادة من هذا الواقع، وأظهرت للأتراك نجاعة إدارتها وقدرتها على تحقيق الإنجازات، فهذا سيقنع مزيداً من الناخبين الأتراك التصويت لهم في الانتخابات المقبلة»

ومن ناحية ثانية، أوضحت الباحثة كينار أنه «في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، حقق إردوغان فوزاً ضئيلاً، وبعد أقل من سنة تغيرت الموازين ليصبح «العدالة والتنمية» الحزب الثاني في البلاد بعد حزب الشعب الجمهوري. النتائج كانت صادمة لأنه لا الحكومة ولا المعارضة كانا يتوقعانها». وتابعت أن فوز المعارضة في المدن الثلاث الكبرى، أي أنقرة وإسطنبول وأزمير «كان متوقعاً... لكن أحداً لم يتوقع أن ينال (الشعب الجمهوري) أصواتاً أكثر من (العدالة والتنمية)، وأن يخسر العدالة في الأناضول، معقله الأساسي».

الأسباب كثيرة... والنتيجة واحدة

تردّ كينار هذه النتائج إلى جملة من العوامل، أولها: أن «الناخبين الأتراك بغالبيتهم يعتقدون أن إردوغان يجب أن يقود البلاد، ولهذا صوّتوا له في الانتخابات الرئاسية... إنهم يثقون به لقيادة البلاد وحفظ أمنهم القومي، لكن ظنهم خاب من بعض سياساته وسياسات حكومته، وأرادوا إبلاغه برسالة تعبر عن سخطهم على أوضاعهم». أما ثاني العوامل فهو المشكلات الاقتصادية «فهناك تضخم، وتراجع كبير في مستوى معيشة المواطنين العاديين والطبقة الوسطى».

مع هذا، لا ترى كينار «عندما ننظر إلى الحقائق التي أفرزتها الانتخابات... انتقالاً كبيراً للأصوات من (العدالة) إلى حزب (الشعب)». وتضيف: «ما حدث هو انخفاض نسبة مشاركة ناخبي العدالة والتنمية، وهذا ما أسميه بالمقاطعة الصامتة... أما ما حدث في جهة المعارضة، فإن كل الاحزاب الصغيرة، وكذلك الأكراد، صوّتوا لصالح حزب (الشعب الجمهوري)، ولم يصوّتوا لأحزابهم التي لم تكن لديها آمال كبيرة».

مناصرو المعارضة التركية يحتفلون (رويترز)

غزة... عامل أساسي

على صعيد آخر، تثير جيرين كينار «أهمية انعكاسات ما يحدث في غزة»، فتقول: «إردوغان أدلى بمواقف حادة حيال اسرائيل، لكن الحزب الجديد (الرفاه الجديد) الذي يقوده فاتح أربكان شن حملة مؤثرة ضد إردوغان، مؤكداً أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لمواجهة إسرائيل ونصرة غزة. فالحكومة لم تقطع العلاقات مع إسرائيل، ولم توقف التجارة معها، بل ذهب حزب (الرفاه الجديد) إلى قول إن الحكومة التركية تدعم إسرائيل بطريقة ما. وهكذا استطاعت الأحزاب الإسلامية الصغيرة اقتطاع نسبة من أصوات إردوغان وحزبه، وهو ما أدى إلى انتصارات (الشعب الجمهوري) في الأناضول».

وفعلاً، تشير كينار إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت بين هؤلاء الناخبين، بيّنت أنهم يرون أن الرئيس لم يفعل ما يكفي لمساعدة غزة، كما أخذوا عليه انهزامه أمام (لوبي الفائدة) برفعه أسعار الفائدة بعد سنوات من إصرار على ألا يفعل».

المستقبل

المستقبل ليس قاتماً لإردوغان من وجهة نظر كينار، فإردوغان «موجود ليبقى، ولن يغادر قريباً». وتضيف: «هذه ليست انتخابات عامة. لم يتغير شيء... لكن الكثير قد تغير في الوقت نفسه. فإردوغان لا يزال في السلطة، لكن ثمة تحولاً كبيراً في تركيا أدى الى أن يصبح «الشعب الجمهوري» هو الحزب القائد في البلاد، وهذا ما يحصل للمرة الأولى منذ عام 1977. وعليه، ترى أن المستقبل، سيعتمد على ردة فعل إردوغان حيال النتائج، وهل سيتحول نحو محاولة إعادة اكتساب الاصوات والقلوب عبر تغيير في السياسات التي اعتمدها، أو الذهاب نحو سياسات متصلبة أكثر. وتختتم: «أعتقد أنه سيذهب في الاتجاه الأول، وأعتقد أنه سيحافظ على سياسته الاقتصادية، وسيواصل سياسته التصالحية مع الغرب، كما مع العراق وليبيا، وكما فعل مع دول الخليج... لن يكون هناك أي تحوّل كبير في السياسة الخارجية»

رأي جاهد توز

جاهد توز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، وافق كينار في أن «حرب غزة كانت عاملاً أساسياً في النتائج». واعترف بأن «غالبية مناصري حزب (العدالة والتنمية) من المتدينين المحافظين، وهؤلاء ما كانوا مقتنعين بأن الحزب التزم بما عليه في موضوع غزة. والرأي الأساسي الموجود عند جمهور الحزب أن (العدالة والتنمية) برئاسة رجب طيب إردوغان كان يستطيع أن يقدم دعماً أكبر وملموساً أكثر لكنه لم يفعل... ثم إن تركيا لم تقطع علاقتها التجارية مع إسرائيل، ولم تأت بأي خطوات ملموسة بهذا الموضوع».

وأوضح توز أن «الشعب لاحظ أن كلام الرئيس كبير بعكس الفعل... إذ لم يأت أي شيء من الحكومة، ولذا، فمعظم الجمهور الذي يصوّت لحزب (العدالة والتنمية) لم يتوجه إلى صناديق الاقتراع». وأردف: «كانت مفاجأة للجميع لكن أيضاً في الوقت نفسه، كانت متوقعة بالنسبة لكثيرين من متابعي السياسة التركية... فعند الكلام عن الانتخابات في تركيا يجب الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات المحلية، لأن العوامل التي تؤثّر في الأولى تختلف تماماً عن العوامل التي تؤثر في الثانية». وهنا، شرح المستشار السابق أن «من أهم أولويات الناس:

- رواتب المتقاعدين - يقدّرون بـ16 مليون متقاعد، وهذا رقم ضخم -. الحكومة تدعم رواتب الموظفين الرسميين على مستوى البلاد ورواتب كل موظفي الدولة، في وقت باتت فيه رواتب المتقاعدين منخفضة جداً.

- الخلافات داخل حزب (العدالة والتنمية)، إذ توجد فئة قوية تؤثّر في قرارات الرئيس، وهؤلاء متهمون بالتأثير في الرئيس كي يختار ناساً غير مناسبين لرئاسة البلديات.

- هذه الانتخابات الأخيرة بيّنت أن نصيب «العدالة والتنمية» من ناحية الأصوات لم يتراجع... فالذين ذهبوا إلى مراكز الاقتراع بحسب الإحصاءات 76 في المائة. هذا الرقم في انتخابات 2019 كان 88 في المائة ما يعني أن نحو 9 في المائة من الناخبين لم يقترعوا. وبشكل عام فنحو 13 مليوناً معظمهم - أي ما يقارب 10 ملايين شخص - هم من مناصري «العدالة والتنمية» الذين لم يقترعوا اعتراضاً لأسباب معينة.

توز أشار أيضاً إلى أن قراءة الانتخابات المحلية يجب أن تقسم إلى قسمين: الأول فوز الرئاسة، والثاني فوز أعضاء مجلس البلديات. وشرح: «لناحية أعضاء المجلس البلديات، هناك 32 في المائة من حزب (العدالة والتنمية) مقابل 23 في المائة للمعارضة، وهذا يعني أن (العدالة والتنمية) نال 32 في المائة على مستوى الإدارة في كل البلاد مقابل 22 في المائة للمعارضة أي حزب (الشعب الجمهوري). والحقيقة، أن رؤساء البلديات لا يستطيعون أخذ أي قرارات إلا بموافقة المجلس... وبالتالي، فالقوة داخل مجالس البلديات تبقى عند حزب (العدالة والتنمية)».

إردغان: هذه الانتخابات ليست نهاية الطريق، بل نقطة تحوّل تستدعي تقييم المرحلة السابقة

قراءة عربية للنتيجة

ومن جهته، رأى محمد سرميني، رئيس «مركز أبعاد للدراسات» أن حزب (الشعب الجمهوري) الذي حقق التفوق في الانتخابات «ربما لم يكن يتوقع هكذا نتيجة، لأنه استطاع الفوز برئاسة بلديات للمرة الأولى منذ تأسيس حزب (العدالة والتنمية) الذي استحوذ عليها، مثل ولايات زونغولداك وبورصة ومانيسا».

وأردف سرميني: «أن تفوّق (الشعب الجمهوري)، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في ولايتي إسطنبول وأنقرة كان متوقّعاً، نظراً للشعبية التي يحظى بها رئيسا البلدية في الولايتين، لكن ما لم يكن متوقعاً هو وصول الحزب إلى نسبة تصويت تجاوزت 37 في المائة على مستوى تركيا، ليتقدّم على الحزب الحاكم في عموم البلاد وللمرة الأولى منذ تنافسه مع حزب (العدالة والتنمية) في الانتخابات». وتابع الباحث السوري أن النتيجة التي حققها «الشعب الجمهوري» أسهمت فيها عوامل كثيرة، أولها: إحجام قرابة 4 ملايين من ناخبي «العدالة والتنمية» عن التصويت، معظمهم من المتقاعدين المستائين من عدم تعديل أجورهم، ورفع مستوى الدخل التقاعدي لديهم. وثانيها الدعم غير المعلن الذي قدمه حزب «المساواة والديمقراطية» الكردي وحزب «الجيد» لمرشحي حزب «الشعب الجمهوري»، خصوصاً في المدن الكبرى، حيث اتضح أنه رغم الإعلان عن تفكك جبهة «الطاولة السداسية» التي دخلت عبرها المعارضة الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) 2023، احتفظت أبرز أحزاب «الطاولة بتفاهمات» ضمنية إزاء الانتخابات البلدية، نظراً لاتفاقها بهدف أساسي هو رغبتها بإزاحة «العدالة والتنمية» من الحكم.

سرميني توقع أن تعطي نتائج الانتخابات هذه دفعة معنوية للمعارضة التركية، وتضع بتصرف حزب «الشعب الجمهوري» موارد مالية مهمة من عوائد البلديات، كما سيحرص الحزب على إظهار أفضل ما عنده في إدارة البلديات التي فاز بها رغبة منه بتكبير الحاضنة الشعبية لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية عام 2028. ثم قال إن سيناريو الانتخابات العامة المبكرة «غير وارد رغم تلويح بعض الأصوات به، خصوصاً أن الغالبية النيابية بيد تحالف الجمهور الحاكم الذي يضم «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». واستبعد لجوء المعارضة إلى خيار الشارع للضغط على الحكومة ودفعها إلى انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، «فمن مصلحة المعارضة، خصوصاً حزب «الشعب الجمهوري»، أن تكون لديه مساحة من الزمن ليثبت جدارته في إدارة البلديات».

 

 

فرز الأصوات في أحد المراكز الانتخابية (رويترز)

تغييرات في الحزب الحاكم

استطراداً، رأى سرميني أن حزب «العدالة والتنمية» «مقبل على تغييرات كبيرة على مستوى الصف الأول وقيادات الفروع، ومن المستبعد أن تحدث متغيرات في السياسة الاقتصادية التي اتضحت معالمها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة... كما ستستمر السياسة الخارجية التركية على المسار نفسه الذي يركز على مكافحة الإرهاب وتعظيم فرص التبادل التجاري والاستثمارات، وكذلك الأمر على ملف اللاجئين الذي سيكون أكثر استقراراً، ولن يشهد مزيداً من التصعيد».

أخيراً، عودة إلى توز، فإنه قال إن هناك فصلاً بين شعبية الرئيس إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» من 2002 إلى 2011، وأضاف: «أنا أتوقع أن الشعبية الموجودة ليست الحزب كمؤسسة بل شعبية إردوغان. وأتوقع إذا انسحب إردوغان، وجرت انتخابات من دونه، لن يصل تأييد «العدالة والتنمية» إلى أكثر من 10 في المائة. «الشعب» يرى أن إردوغان ملأ فراغ الزعامة في تركيا، وحالياً لا يوجد أي بديل كزعيم على مستوى البلاد، لأن الشعب يؤمن به».

 

أرقام انتخابية: «الشعب الجمهوري» أولاً

> لم يقتصر فوز المعارضة التركية على رئاسات البلديات الكبرى، بل استطاعت، هذه المرة، تعزيز حضورها، وانتزاعها أكثرية أعضاء مجالس البلديات الثلاث الكبرى؛ أي أنقرة وإسطنبول وأزمير، بعدما كانت قد حصلت في الانتخابات السابقة على رئاسات المجالس، وظل لحزب «العدالة والتنمية» أكثرية في عدد أعضاء المجلسين بأنقرة وإسطنبول.وفي محصلة الانتخابات المحلية، كان حزب «الشعب الجمهوري» أكبر الفائزين، بعدما رفع غلّته من بلديات المدن التركية من 21 بلدية في انتخابات عام 2019 إلى 35 بلدية في الانتخابات الأخيرة، بينها 14 مدينة كبرى، و21 محافظة. بينما كان حزب «العدالة والتنمية» أكبر الخاسرين، إذ فقَد 15 بلدية، من أصل 39 كان يستحوذ عليها في عام 2019؛ أي نحو 42 من البلديات التي كان يتولى إدارتها. أما ثاني الخاسرين فكان حليف إردوغان، حزب «الحركة القومية» الذي فقَد 3 بلديات، من أصل 11 بلدية. حزب «مساواة وديمقراطية الشعوب» الكردي فاز بـ10 بلديات، منها ثلاث مدن كبرى، وسبع محافظات، في حين دخل الحزب «الجيد» اللعبة ببلدية واحدة فاز بها، بعدما كان خارج المجالس البلدية منذ تأسيسه. وفي المقابل، دخل نجم جديد الساحة هو حزب «الرفاه الجديد» الذي فاز ببلديتين أيضاً.وبالنسبة للأرقام، حصل حزب «الشعب الجمهوري» على أكبر عدد من الأصوات بنيله نحو 17.4 مليون صوت، مقابل نحو 14 مليون صوت في عام 2019، في حين نال حزب «العدالة والتنمية» 16.3 مليون صوت، مقابل 20.5 مليون صوت حصل عليها في عام 2019. وخسر حزب «الحركة القومية» نحو مليون صوت بنيله 2.2 مليون صوت، كما خسر الحزب «الجيد» 1.7 مليون صوت بنيله 1.7 مليون؛ أي نحو نصف المقترعين له في الانتخابات السابقة، لكنه فاز رغم ذلك ببلديته الأولى.

 

 

نجل أربكان يهدّد «تلميذه» إردوغان

> دخل حزب «الرفاه الجديد» الساحة السياسية التركية من بوابة البلديات، محققاً الرقم الثالث في نسبة الأصوات الإجمالية، رغم حصوله على بلديتين فقط. و«الرفاه الجديد» نسخة محدثة من حزب «الرفاه» القديم الذي ترأسه نجم الدين أربكان، قائد الاتجاه الإسلامي، الذي أطلق إردوغان وحزب «العدالة والتنمية».جيرين كينار رأت أن «الرفاه الجديدبقيادة فاتح أربكان قدّم استراتيجية ذكية جيدة، فبعض الشخصيات التي غادرت حزب (العدالة والتنمية) كأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، وأسست أحزاباً مستقلة، ذهبت إلى التحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات عام 2023، أما (الرفاه الجديد) فتحالف معه، لذا فضّل الساخطون على سياسات إردوغان من ذوي الخلفية الإسلامية التصويت لـ«الرفاه»، لا لحزبيْ داود أوغلو وباباجان». ومن جهته يرى توز أن «(الرفاه الجديد) حقق نجاحاً طيباً، ولكن ليس بطريقة تؤثر على حزب (العدالة والتنمية)؛ لأن الشعب التركي لا يرى أن رئيس هذا الحزب زعيم، بل سياسي يحاول الاستفادة من إرث والده، ولكن، إذ يصحح (العدالة والتنمية) أخطاءه... ممكن أن يكون بديلاً».

 

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».