ياسر العطا... «المحارب القديم» المثير لـ«الجدل» في الحرب السودانية

شارك في عزل البشير... واتهم بأنه «أداة البرهان» ضد «القوى المدنية»

يرى البعض أن العطا «ليس أداة في يد البرهان، بل على النقيض من ذلك... هو منافس له، لن يمانع من تولي السلطة إذا أتيحت له الفرصة لكنه لم يغامر من أجلها»
يرى البعض أن العطا «ليس أداة في يد البرهان، بل على النقيض من ذلك... هو منافس له، لن يمانع من تولي السلطة إذا أتيحت له الفرصة لكنه لم يغامر من أجلها»
TT

ياسر العطا... «المحارب القديم» المثير لـ«الجدل» في الحرب السودانية

يرى البعض أن العطا «ليس أداة في يد البرهان، بل على النقيض من ذلك... هو منافس له، لن يمانع من تولي السلطة إذا أتيحت له الفرصة لكنه لم يغامر من أجلها»
يرى البعض أن العطا «ليس أداة في يد البرهان، بل على النقيض من ذلك... هو منافس له، لن يمانع من تولي السلطة إذا أتيحت له الفرصة لكنه لم يغامر من أجلها»

بزيٍّ عسكري، ونبرة صوت حادة مصحوبة بـ«ابتسامة تشجيع»، يحرص الذي يلقبه زملاؤه بـ«المحارب القديم»، على التجوّل بين الجنود في مختلف المناطق. يظهر العطا في مقاطع مصوّرة عدة، وهو يتلقى التحية من الضباط والجنود، فرداً فرداً، في لقطات تعبر عن «حميمية واضحة». يتجول في المدن لإظهار سيطرة الجيش، مستمتعاً بهتافات المواطنين عن «الجيش الواحد... والشعب الواحد». ويخاطب العطا الجماهير والجنود بعبارات «حماسية»، مؤكداً أن «المعركة قاربت على الانتهاء»، آملاً في محاكمة قيادات «قوات الدعم السريع»، وعلى رأسها محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»؛ كونه «غدر» بالجيش، وأدخل السودان في حرب بدأت عامها الثاني، وأودت بحياة ما يقارب 15 ألف قتيل، إضافة إلى أكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، بحسب إحصائيات أممية.

ياسر عبد الرحمن العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، طامح في إنهاء الحرب الحالية بانتصار الجيش مهما بلغت التضحيات، وهو يؤكد باستمرار أنه «لا يوجد إنسان عزيز على وطنه»، مشيراً إلى أن «روح المواطن فداء لوطنه»، وأن «قتلى المعارك مصيرهم الجنة».

ولكن، رغم حرص المقاطع المصوّرة على إظهار العطا في صورة القائد العسكري المحبوب بين الجنود، وحتى المواطنين، والقائد الواثق من النصر، الذي يبث الحماس في الجنود، فإن تصريحاته - بجانب ظهوره الإعلامي المتزايد أخيراً - أخذت تثير «الجدل والغضب» أحياناً، لا سيما بين القوى المدنية الراغبة في إنهاء سيطرة الجيش على السلطة؛ إذ بلغت حد اتهامه بأنه «أداة سياسية» يستخدمها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لـ«استفزاز القوى المدنية».

ابن عائلة عسكرية

ينتمي ياسر العطا إلى أسرة معروفة بارتباطها بالمؤسسة العسكرية. فقد كان عمه الأكبر هاشم العطا، أحد زملاء الرئيس الأسبق جعفر النميري، قبل أن ينشق عن حكمه ويُتهَم بالمشاركة في محاولة انقلابية بالتحالف مع «الحزب الشيوعي» انتهت بإعدامه عام 1971 مع زميليه فاروق حمد الله وبابكر النور عثمان وعدد من كبار القادة الشيوعيين على رأسهم أمين عام الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب، والنقابي البارز الشفيع أحمد الشيخ.

جاءت العائلة من وادي بشارة بوادي النيل إلى حوش العطا ببيت المال، وجاورت العديد من الأسر في حي عريق بمدينة أم درمان. والتحق ياسر العطا من ثم بالدفعة الـ33 في الكلية الحربية، ويقال إنه خلال اختبارات القبول بالكلية «دار حوار بينه وبين النميري، حيث سأله الأخير عما إذا كان سيقدم على إعدامه لو حدث انقلاب على السلطة كما فعل هو من قبل مع عمه»... وكانت إجابة العطا: «يا ريت». ولكن رغم ذلك قُبل في الكلية الحربية، وتخرّج فيها عام 1984، ليصبح ضابطاً في الجيش السوداني. ولاحقاً، حصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا في العراق.

مسيرة ومناصب

تدرّج ياسر العطا في المناصب والمواقع العسكرية، وخدم في عدد من الوحدات بالقوات المسلحة، من بينها لواء القيادة العامة، والمناطق العسكرية الشرقية والجنوبية والغربية. وأيضاً، قاد الفرقة 14 مشاة، وتولى مواجهة «التمرّد» في جنوب كردفان.

وأيضاً شغل العطا الذي يعده البعض من «الشخصيات المؤثرة والبارزة في القوات المسلحة السودانية» منصب قائد قوات حرس الحدود.

بعد ذلك رُقّي إلى رتبة عميد عام 2007، وعين ملحقاً عسكرياً بالسفارة السودانية في جيبوتي، ما عدّه مراقبون يومذاك «استبعاداً له»، لا سيما مع محاولات إحالته للتقاعد فيما بعد. ولم تُجد تلك المحاولات نفعاً ليعود العطا إلى السودان عام 2014، حيث أصبح معيداً في كلية الحرب العليا، قبل أن يعيّن قائداً لمنطقة العمليات بجنوب السودان.

وما يذكر أنه خلال مشاركة العطا في «حرب الجنوب» لأكثر من 8 سنوات، أجاد لغات القبائل الجنوبية (الرطانة). وفيما بعد تولى منصب مدير إدارة العمليات البرية، ورقّي إلى رتبة فريق خلال التعديلات التي أجراها الرئيس السابق عمر البشير في قيادات الجيش السوداني. وحصل على عدد من الأوسمة والنوط، من بينها «وسام الخدمة الطويلة الممتازة»، و«وسام الشجاعة» من الطبقة الأولى والثانية.

المحارب القديم

تاريخ العطا السياسي والعسكري مليء بالأحداث والمتناقضات، فهو يعد واحداً من قادة الجيش الذين شاركوا في عزل البشير في أبريل (نيسان) 2019، بل إنه شارك في عملية القبض عليه حين كان وقتها يشغل منصب قائد القوات البرية للجيش السوداني.

وبعد الإطاحة بالبشير، كان الفريق العطا واحداً من عشرة ضباط شكّلوا «المجلس العسكري الانتقالي»... إلا أن العدد تقلص فيما بعد إلى ستة ضباط.

ومن ثم، عين العطا نائباً لرئيس اللجنة السياسية بـ«المجلس العسكري الانتقالي». وظل في هذا المنصب، حتى 21 أغسطس (آب)، حين جرى تشكيل «المجلس السيادي» الذي أصبح عضواً به.

واختير العطا رئيساً للجنة تفكيك «نظام 30 يونيو»، لكن أداءه أثار انتقادات، ما دفعه للاستقالة من اللجنة. وحول هذا الموضوع قال العطا في حوار لصحيفة «السوداني» عام 2021، إنه استقال «لأن عمل اللجنة تنفيذي، وهناك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكوّنات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة».

وفي مارس (آذار) 2022، تحدثت وسائل إعلام سودانية عن طلب لرفع الحصانة عن العطا «على خلفية تخصيصه عربات مستردة بواسطة لجنة إزالة التمكين التي كان يترأسها». ولم يرد النائب العام على الطلب. ويوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، أصدر البرهان قراراً بتجميد عمل اللجنة.

مهنياً، يعد العطا من «العسكريين الملتزمين بقواعد العسكرية»؛ لذلك يوصف من قبل زملائه وضباط سابقين بـ«المحارب القديم».

آراء متباينة

تتباين الآراء بين أنصاره ومعارضيه، وفي حين يصفه أنصاره بأنه «رجل عسكري من الطراز الأول، مشهود بكفاءته، ونزاهته، وبعده عن الانتماءات الطائفية والحزبية»، فإنه على الجانب الآخر لا يسلم من الانتقادات. وتذكر مواقع سودانية واحدة من الوقائع التي تعرّض فيها العطا لانتقادات، عند حصار مدينة جوبا عام 1992، وكان وقتها برتبة نقيب، حيث اقترح أن يتولى مهمة فك الحصار.

ورغم «نجاحه في المهمة»، أحيل العطا للتحقيق بتهمة «العمالة والتجسس»، غير أن التحقيقات أثبتت بطلان تلك الاتهامات، ليلمع نجمه من جديد «قائداً عسكرياً قادراً على التخطيط وإدارة المعارك». لكن التبرئة لم تحل دون استمرار استهدافه والهجوم عليه من قِبل «أتباع نظام البشير»، ما دفع مراقبين حينئذٍ للقول إن «استهدافه راجع لدعمه مسار الانتقال الديمقراطي بشكل جدي وحقيقي»، وهو التفسير الذي تغير لاحقاً.

من ناحية أخرى، بينما يتكلم البعض عن شعبية العطا وقدراته العسكرية، فإن آخرين يزعمون العكس تماماً. وهذا ما أشار إليه تقرير نشر في صحيفة «الراكوبة» السودانية يتهم العطا بـ«ارتكاب أخطاء أودت بحياة عدد من الجنود، من بينها إرسال مجموعة في مهمة استطلاع خطيرة دون حاجة تكتيكية، رغم معارضة الضباط الآخرين، ما تسبب في مقتل المجموعة كلها».

وبالفعل، تختلف التقديرات بشأن انتماءات العطا؛ ففي حين تشير مواقع سودانية، نقلاً عن مراقبين، إلى أنه «لم ينتم إلى تنظيم الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية داخل الجيش»، وأنه «ملتزم بواجباته العسكرية، ولا يجنح للظهور والخطابات الجماهيرية»، فإنه جُوبه أخيراً بانتقادات تزعم «دعمه مشاركة الإسلاميين ضمن صفوف الجيش في الحرب الدائرة ضد (قوات الدعم السريع)، كما «أثار ظهوره الإعلامي المكثف في الآونة الأخيرة جدلاً وانتقادات».

تنافس أم توزيع أدوار؟

لعل أبرز محطات الجدل في تاريخ ياسر العطا، ما أحدثه تصريح له خلال الشهر الماضي، قال فيه إن «الجيش لن يسلّم السلطة لقوى سياسية أو مدنية أو أحزاب دون انتخابات».

وأضاف العطا، في كلمة مصوّرة بثّها تلفزيون السودان، أنه لا بد من فترة انتقالية يكون القائد العام للجيش «رأسَ الدولة ومشرفاً عليها»، تشارك فيها الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الجيش والشرطة والأمن.

هذا التصريح أغضب «القوى المدنية» التي عدّته دليلاً على «رغبة الجيش في الاستئثار بالسلطة»، وأثار ضده اتهامات بأنه «أداة البرهان السياسية التي يستخدمها في استفزاز المعارضة»، بينما رأى آخرون أن «العطا وسيلة لإظهار مواقف البرهان الحقيقية الرامية للسيطرة على الحكم في البلاد».

في مطلق الأحوال، عزّز تصريح العطا الصراع بين الجيش و«القوى المدنية»، وزاد حدة التوترات السياسية في السودان الذي يشهد حرباً ضارية لا يعلم أحد متى ستنتهي، وإلى أين سيؤول مصير البلاد، وسط صراعات داخلية تجعل التوافق على عملية انتقال ديمقراطي أمراً صعباً.

وفي سياق التباينات والتناقضات هذا، يرى البعض أن العطا «ليس أداة في يد البرهان، بل على النقيض من ذلك... هو منافس له، لن يمانع من تولي السلطة إذا أتيحت له الفرصة، لكنه لن يغامر من أجلها».

ويشير مراقبون إلى أن «العطا يخدم أجندته الشخصية كخليفة محتمل للبرهان»، في حين يرى آخرون أن ما يصدر من جانب العطا من مواقف أو تصريحات يندرج تحت «سياسة توزيع الأدوار بينه وبين البرهان».

«سيناريو» البرهان ــ حميدتي

الواقع أن مواقف العطا تثير مخاوف من تكرار «سيناريو» البرهان وحميدتي، حيث تحولت صداقتهما إلى عداء، عملاً بالمثل المتداول بين العسكريين السودانيين «أخوّة الكاب حدّها الباب»، ما يعني أن الصداقة بينهم مؤقتة وقابلة للانقلاب إلى عداوة في أي وقت، متى تضاربت مصالحهم، وأن خصومتهم ستُحسم بالرصاص والحراب.

إن أحداً لا يستطيع الجزم بما إذا كان العطا طامحاً في الحكم أم لا. غير أن هذه المخاوف عزّزها موقف آخر، عقب تصريحات أدلى بها العطا، ونائب القائد العام للجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي، بشأن «المقاومة الشعبية»، والموقف من التفاوض من أجل وقف الحرب، وأظهرت تبايناً في المواقف، وأثارت تساؤلات بشأن «وجود صراع داخل قيادة الجيش»، أو «تبادل للأدوار» بين خطاب للداخل وآخر للخارج.

إذ بينما حذر الكباشي من «خطر عمل المقاومة الشعبية المسلحة خارج إمرة القوات المسلحة»، وندد باستغلال الأحزاب السياسية معسكرات الجيش، في كلام رآه موجهاً للإسلاميين، خرج العطا ليدعو إلى التوقف عن «اتهام الجيش بالتحالف مع مؤيدي النظام السابق من الإسلاميين»، مبدياً ترحيبه بكل من يقاتل في صفوف الجيش.

مواقف متبدلة

وهكذا، بين الحين والآخر، تتبدل مواقف العطا، فالرجل الذي ارتدى زيه العسكري مع انطلاق شرارة الحرب في السودان في 15 أبريل الماضي، وتوجّه إلى ثكنة عسكرية بالقرب من محل إقامته، حيث «سلاح المهندسين»، ظل صامتاً خلال الشهور الأولى من الحرب، قبل أن يخرج عن صمته ويبدأ في الإدلاء بتصريحات إعلامية وجّه خلالها انتقادات للداخل، طال بعضها دولاً في الإقليم.اليوم، يبدو العطا واثقاً من الانتصار في الحرب. وفي حوار سابق مع «الشرق الأوسط» في مايو (أيار) من العام الماضي، قال العطا: «قريباً جداً ستنتهي مسرحية آل دقلو الهزيلة، وستهزم قوات المغول والتتار»، مضيفاً أن «المعارك لن تقود إلى حرب أهلية؛ لأن الجيش السوداني فيه كل قبائل السودان».


مقالات ذات صلة

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».