بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

قراءة في السياسة الصينية لانتخابات الرئاسة الأميركية

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
TT

بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)

إن تاريخ الخلافات بين الصين والولايات المتحدة طويل ومتشعِّب المحاور، ولقد استمرت العلاقات الصينية - الأميركية، وهي العلاقة الثنائية الأهم في العالم، وسط التقلبات والمنعطفات. والسبب أنه بالنسبة لدولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة ليست إدارة إحداهما ظهرهما للأخرى خياراً منطقياً. وكذلك، من غير الواقعي أن يحاول أحد الطرفين «تشكيل» الطرف الآخر. وبالتالي، أدرك الجانبان أن للصراع والمواجهة بين هذين العملاقين عواقبَ لا يمكن لأي منهما تحمّلها. لذا، منذ حقبة «الحرب الباردة» والحرب الكورية (1950 - 1953) واحتدام الاختلافات الآيديولوجية (1970 - 1950)، صمد «التعايش» الحذر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسط تصاعد الاختلافات بين «النموذج الاشتراكي» الصيني و«النموذج الرأسمالي» الأميركي، وعمل بكين على دعم تمدد الشيوعية، مقابل حرص واشنطن على التصدي لـ«المدّ الأحمر» منذ منتصف القرن العشرين. وهذا، بينما لا تزال تطغى على العلاقات الثنائية توترات متكرّرة بسبب قضايا مثل النقد، والتجارة، والملكية الفكرية، وسياسات التبادل التجاري والقضايا الإقليمية (مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي)، بالإضافة إلى التطورات العسكرية والاستراتيجية والقضايا البيئية والطاقة.

من أهم ملامح التعايش البراغماتي ما نراه في مجال الاقتصاد.

اقتصادا البلدين هما الاقتصادان الأكبر في عالم اليوم، إذ يمثلان معاً 40 في المائة من الناتج العالمي، وتشير الإحصائيات إلى أن التبادل التجاري الثنائي ارتفع من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي في عام 1979 ليقترب من 760 مليار دولار أميركي في عام 2022. وأيضاً ارتفع حجم الاستثمارات المتبادلة من الصفر تقريباً إلى أكثر من 260 مليار دولار، فضلاً عن إنشاء 284 زوجاً من المقاطعات والولايات و«توأمة المدن». وحقاً، لا يبدو البلدان في وارد قطع أو تحجيم علاقاتهما الاقتصادية، ولا يريدان «الانزلاق» نحو انفصال كامل بينهما، لأن العواقب ستكون كارثية على العالم. وهذا ما أكد عليه الرئيس الصيني شي جينبينغ بقوله إنه «من المهم أن يقدّر الجانبان مبادئ كل منهما الآخر وخطوطه الحمراء، وأن يتجنّبا التقلب والاستفزاز وتجاوز الخطوط».

أسباب التوتر

بكلمات قليلة تعبّر بوضوح عن الأسباب الكامنة وراء التوترات بين واشنطن وبكين، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، رداً على سؤال عن نهاية الحرب التجارية، إن «الاقتصاد الصيني كان سيتجاوز الأميركي لو أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة». وأردف: «... لو حدث ذلك لكانت الصين اقتصادياً أكبر من الولايات المتحدة بحلول نهاية فترة ولايتها، والآن لن تكون قريبة». ثم شدد على أن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى رائدة في العالم إبان فترة رئاسته (المقبلة)». وهذا الأمر عمل عليه ولا يزال ضمن برنامج ترشحه لولاية رئاسية ثانية.

في الواقع، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لسيادتها العالم. وبناءً على ذلك، وضعت مجموعة من الخطط لاحتواء الصين على المستوى الدولي والإقليمي.

ومن ثم، تطوّرت هذه الخطط إبان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبلوَرت عبر مشروعين، هما مشروع «محور آسيا» ومشروع «معاهدة التجارة الحرّة» المسمى «التجارة عبر المحيط الهادئ»، التي ضمّت كل دول شرق آسيا، باستثناء الصين، واعتمدت على توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول لتجعل ارتباطها بأميركا أقوى من ارتباطها بالصين. وللعلم، كان ترمب قد أعلن في يناير (كانون الثاني) 2018 انسحاب بلاده من الاتفاقية المنتظرة، تنفيذاً لتعهداته الانتخابية.

ومن المجال التجاري إلى المجال الاقتصادي وغيره من المجالات، تشكو واشنطن دائماً من أن بكين تبقي عملتها دون قيمتها الحقيقية بشكل مصطنع. الأمر الذي يساعد المصدِّرين الصينيين على زيادة صادراتهم، وخاصة إلى الولايات المتحدة، بصورة «مجحفة». وكذلك تتهم القيادة الأميركية الصين بتحقيق فائض ضخم من تجارتها مع الولايات المتحدة بسبب انخفاض قيمة عملتها، ما يجعل الصادرات الصينية إلى أميركا أقل تكلفة، والواردات من أميركا أكثر تكلفة. وثمة تهم أميركية أخرى للصين، منها استمرار «قرصنة» المنتجات الأميركية، و«سرقة» الصينيين حقوق الملكية الفكرية من الشركات الأميركية التي تستثمر في الصين، والمزايا «غير العادلة» التي يتمتع بها المنافسون المحليون لتلك الشركات.

وخارج حدود البلدين، يتصاعد الصراع الأميركي الصيني، ليشمل التسابق على الحصول على المواد الأولية، وخاصة من أفريقيا وأميركا اللاتينية. وفي سياق متصل، ثمة قلق أميركي من احتمال خفض الصين الإمدادات من المعادن النادرة، التي تنتج الصين نحو 97 في المائة من عناصرها، وهي تستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري وغيرهما من الصناعات الاستراتيجية.

لمن تدق أجراس المستقبل؟

الصراع، إذن، يحمل تجلّيات للتنافس بين قوة عالمية صاعدة، غدت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مُصنّع، وأكبر تاجر بضائع، وثاني أكبر مستهلك للسلع، وثاني أكبر متلقٍ للاستثمارات المباشرة الخارجية، وأكبر حائز لاحتياطيات النقد الأجنبي.

وفي المقابل، قوة أخرى مهيمنة، لكن دورها يتقلص ببطء... يوماً بعد يوم.

أيضاً من وجوه الصراع، التنافس بين الدبلوماسية الصينية القائمة على الشمول، وتكافؤ الفرص، واحترام تنوع الثقافات والأنظمة السياسية... وبين دبلوماسية أميركية قائمة على الأحادية.

وبالفعل، ترى الصين أن ثمة «تحالفاً» قوياً ونشيطاً في واشنطن مناهضاً لبكين، يشمل إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس، ومراكز الفكر والمجتمع الاستراتيجي بشكل عام، حيث غدت معاداة الصين إحدى القضايا النادرة التي يتفق عليها الحزبان الرئيسيان؛ الديمقراطي والجمهوري.

مع هذا، صادف أول رأس السنة الميلادية الجديدة لعام 2024 الذكرى السنوية الـ45 لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة. وفي ذلك اليوم، تبادل الرئيسان شي وبايدن رسالتي تهنئة بالمناسبة التي تمثل حدثاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين والعلاقات الدولية. وقال شي، في رسالته، إن البلدين «تجاوزا العواصف وتحرّكا إلى الأمام بشكل عام، ما عزّز رفاهية شعبيهما، وساهم في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في العالم». وعدّ الزعيم الصيني إنشاء علاقات بين العملاقين العالميين «حدثاً كبيراً» في تاريخ العلاقات الثنائية وفي العلاقات الدولية.

رئيس الوزراء الصيني السابق الراحل تشو إن لاي يستقبل هنري كيسنجر في بكين عام 1971 (آ ف ب)

«أميركا 2024»... وسياسة بكين

على صعيد آخر، لخّص دبلوماسي صيني مرموق فلسفة الدبلوماسية الصينية بكلمات لافتة في ردّه على البعض ممّن يعتقدون أن الموقف الصيني «لا يثبت ويهتز ويتبدل ويتغير». إذ سخر من «سوء فهم» هؤلاء لمواقف الصين «بسبب جهلهم بالسياسة والقيم والأخلاق» على حد تعبيره. وأردف: «الفارق بين مواقف بلدينا فارق ثقافي. فأنتم تعتمدون على الجراحة القطعية في كل أمر، بينما بلدي الصين تعتمد طريقة علاج الوخز بالإبر».

ضمن هذا الإطار، لطالما أوضحت الصين التزامها بسياسة خارجية مستقلة «قائمة على السلام»، والتزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي هي: الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة القائمة على المساواة.

هذه المبادئ كان قدمها رئيس مجلس الدولة (الحكومة) الأسبق تشو إن لاي في عام 1954 مع كلّ من نظيريْه الهندي (جواهر لال نهرو) والبورمي (يو نو) في بيان مشترك، وجرى الاعتراف بها لاحقاً في «المؤتمر الآسيوي الأفريقي الأول» المنعقد في مدينة باندونغ الإندونيسية عام 1955م. ولذا، تُعد المبادئ الخمسة قاعدة للصين في انتهاجها «السياسة الخارجية السلمية المستقلّة» ومرشدة لتطور العلاقات الخارجية للصين، بيد أنها اليوم أضحت جزءاً من «قانون العلاقات الخارجية» الجديد الذي اعتمدته الصين عام 2023 في الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب. وهي تعدّ بناء «مجتمعِ المستقبل المشترك للبشرية» هدفاً سامياً تسعى إليه بكين، ولقد أوضحَ الرئيس شي هذا المفهوم غير مرة في المناسبات المختلفة. وبالتوازي، طرح مبادرة «الحزام والطريق» ومبادرات أخرى، منها «التنمية العالمية» و«الأمن العالمي» و«الحضارة العالمية» لدفع التنمية المشتركة والأمن الدائم وحشد جهود جميع الدول.

أما ما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، فلا تزال بكين تتبع رسمياً سياسة حيادية، وتعدها شأناً داخلياً أميركياً. إذ قال الناطق باسم الدورة السنوية للبرلمان الصيني لو كينجيان، خلال مؤتمر صحافي رداً على سؤال حول هذا الموضوع: «لقد ذكرت الانتخابات الرئاسية الأميركية... وهي شأن داخلي للولايات المتحدة». وتابع: «بغضّ النظر عن هوية الرئيس المقبل، نأمل أن تعمل الولايات المتحدة بالاتجاه نفسه مع الصين، ومن أجل علاقات صينية - أميركية مستقرة وسليمة ومستدامة... إن تحقيق الاستقرار في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وتحسينها قضية يتابعها الجميع عن كثب، ويأمل حصولها».

ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

واليوم مع ما يبدو من حصر السباق بين الرئيس الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترمب، ترصد بكين ما يحدث عن كثب، ولكن من دون حذر أو قلق، كونها خبرت الرجلين.

سياسات ترمب التجارية والجيوسياسية تسببت بتصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، وتدهور الثقة المتبادلة، وأثرت سلباً على العلاقات الثنائية، وأحياناً أدت إلى اضطراب في الأسواق العالمية. ولم يشذ بايدن عن هذه السياسات تطبيقاً لاستراتيجية «الاحتواء» التي بدأها ترمب، فازداد التصعيد الأميركي ضد الصين تجارياً واقتصادياً وعسكرياً. وواصلت إدارة بايدن تطبيق التعريفات الجمركية على بعض البضائع الصينية التي بدأها ترمب، وفرض بايدن قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدات تصنيعها، والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية إلى الصين. وتبنّت إدارته قانون خفض التضخم، الذي يقدم مساعدات للشركات التي تستثمر في الولايات المتحدة، ولكن استُثنيت منه الشركات الصينية، ومُنعت الشركات التي تحصل على تلك المساعدات من الاستثمار في الصين.

هنا يعلّق سون تشنغهاو، زميل مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينغهوا في بكين، قائلاً: «بغضّ النظر عمن سيتولى الرئاسة، فإن ذلك لن يغيّر الاتجاه العام للمنافسة الاستراتيجية الأميركية مع الصين... ليس لدى الصين أي تفضيل إزاء من سيفوز بالانتخابات، فلديها خبرة في التعامل مع كليهما». هذا، مع أن بكين لا تستطيع إعلان تفضيلها لأي من المرشحين، فإن سياستها، عموماً، تتبنى موقفاً منفتحاً للعلاقات مع واشنطن، وستتعاون مع أي إدارة تأتي إلى السلطة، بغضّ النظر عن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس. ولكن يتوقع اختلاف السياسات والتفضيلات المحددة تبعاً للتحديات والفرص التي يطرحها كل من مرشحي الرئاسة الأميركية وسياسته تجاه الصين.

هنا، نشير إلى أنه يوم 20 يوليو (تموز) 2023، التقى الرئيس الصيني شي بوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في دار ضيافة الدولة دياويوتاي بالعاصمة بكين. وقال شي إنه «قبل 52 سنة كانت الصين والولايات المتحدة في نقطة انعطاف حاسمة، وحينذاك اتخذ الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، ورئيس مجلس الدولة تشو إن لاي، والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الخيار الصحيح للتعاون الصيني الأميركي برؤية استراتيجية متميزة، ما فتح عملية تطبيع العلاقات الصينية - الأميركية التي لم تفد البلدين فحسب، بل غيّرت العالم أيضاً».

وحقاً، أثبت التاريخ أن التعاون الوثيق بين الصين والولايات المتحدة له أهمية كبيرة، ليس للبلدين فقط، ولكن للسلام والرخاء العالميين. ولذا، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام، يرى مراقبون أن توجيه العلاقات الثنائية يتطلب كثيراً من الحكمة والبصيرة والشجاعة، مع تجنب أن تصبح العلاقات الثنائية مطية لمزايدات السياسة الحزبية الأميركية.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي

الصادرات الصينية تغزو العالم (رويترز)

الركائز والتعهدات الخمسة للعلاقات الصينية ــ الأميركية

> أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ في لقائه مع نظيره الأميركي جو بايدن بمدينة سان فرنسيسكو الأميركية يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 - على هامش أعمال قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ» - إلى أنه في وجه التغيرات غير المسبوقة منذ 100 سنة في العالم، هناك خياران أمام الصين والولايات المتحدة: الأول هو تعزيز التضامن والتعاون وتضافر الجهود لمواجهة التحديات الكونية، وتدعيم الأمن والازدهار في العالم. والثاني هو التشبث بعقلية «اللعبة الصفرية»، وإثارة المجابهة بين المعسكرات، وجرّ العالم إلى الاضطرابات والانقسام. وأردف شي أن هذين الخيارين «يمثلان اتجاهين سيقرران مستقبل البشرية ومستقبل كوكب الأرض، ومن الضروري التفكير، وتخطيط العلاقات الصينية الأميركية بوصفها أهم العلاقات الثنائية في العالم».شي رأى أن مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك جاءت من تجربة سبق تلخيصها من مسيرة تطور العلاقات الثنائية على مدى 50 سنة، وجاءت استيحاءً من الصراعات بين الدول الكبرى في التاريخ، ويجب أن تكون اتجاهاً تبذل الصين والولايات المتحدة جهوداً مشتركة نحوه. وأثناء ذلك اللقاء دعا شي إلى توصل بكين وواشنطن إلى أفق جديد، والعمل معاً على بناء الركائز الخمس للعلاقات الصينية الأميركية. وهي:1- العمل معاً على تكوين الفهم الصحيح، عبر بناء العلاقات الصينية الأميركية المستقرة والصحية والمستدامة. وفي الوقت نفسه، لدى الصين مصالح لا بد من الحفاظ عليها ومبادئ لا بد من الدفاع عنها و«خطوط حمراء» لا بد من التمسك بها في ظل أن يكون البلدان شريكين يتبادلان الاحترام ويتعايشان بشكل سلمي.2- العمل معاً على إدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل فعال؛ إذ من الضروري أن يتعرف الجانبان على المبادئ و«الخطوط الحمراء» للجانب الآخر، ويمتنعا عن المناورات العبثية أو إثارة المشكلات أو تجاوز الحدود.3- العمل معاً على تدعيم التعاون المتبادل المنفعة؛ فلدى الجانبين مصالح مشتركة واسعة النطاق في مجالات كثيرة تشمل المجالات التقليدية كالاقتصاد والتجارة والزراعة، والمجالات الناشئة كتغير المناخ والذكاء الاصطناعي. والمطلوب الاستفادة الكاملة من الآليات التي استنزفت أو توافرت في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والتجارة والزراعة... وغيرها، وإجراء التعاون في مجالات مكافحة المخدرات والقضاء وإنفاذ القانون والذكاء الاصطناعي والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.4- العمل معاً على تحمُّل المسؤولية بوصفهما دولتين كبريين، إذ لا يستغني حل المعضلات التي تواجه المجتمع البشري عن التعاون بين الدول الكبرى. وبالتالي يجب أن تكون بكين وواشنطن قدوة في هذا الصدد، فتعززا التنسيق والتعاون في القضايا الدولية والإقليمية، وتوفرا مزيداً من المنافع العامة للعالم. 5- العمل معاً على تعزيز التواصل الإنساني والثقافي، ومن ذلك عمل الجانبين على زيادة عدد الرحلات الجوية بينهما، ودعم التعاون السياحي، وتوسيع التبادلات بين المحليات، وتعزيز التعاون في التعليم وشؤون ذوي الإعاقة، والقليل من العوامل السلبية التي تعرقل التواصل الإنساني والثقافي.وفي المقابل، قال الرئيس بايدن: «إنني أرى دائماً أن العلاقات الأميركية الصينية هي أهم العلاقات الثنائية في العالم، والصراع بين البلدين ليس أمراً لا مفر منه. إن صيناً مستقرة ومتنامية تتفق مع مصالح الولايات المتحدة والعالم، والنمو الاقتصادي الصيني يفيد الولايات المتحدة والعالم». وأضاف أن الإبقاء على استقرار العلاقات الثنائية، والحؤول دون الصراعات، وإدارة الخلافات والسيطرة عليها، وإجراء التعاون في المجالات ذات المصالح المشتركة، أمور تساعد البلدين على معالجة مشكلاتهما بشكل أفضل. وتابع بايدن: «أود التأكيد مجدداً على التعهدات الخمسة التي قطعتها خلال لقاء جزيرة بالي، أي: لا تسعى الولايات المتحدة إلى (الحرب الباردة الجديدة)، ولا تسعى إلى تغيير النظام الصيني، ولا تسعى إلى معارضة الصين عبر تقوية التحالفات، ولا تدعم استقلال تايوان، ولا تنوي الصراع مع الصين. تعتمد الولايات المتحدة والصين على بعضهما اقتصادياً. إن الولايات المتحدة مسرورة بتنمية الصين ورخائها، ولا تسعى إلى قمع واحتواء تنمية الصين، ولا تسعى إلى فك الارتباط مع الصين. ويلتزم الجانب الأميركي بثبات بسياسة (الصين الواحدة)...».

* رئيس «معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث» (كونفوشيوس)


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».