بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

قراءة في السياسة الصينية لانتخابات الرئاسة الأميركية

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
TT

بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)

إن تاريخ الخلافات بين الصين والولايات المتحدة طويل ومتشعِّب المحاور، ولقد استمرت العلاقات الصينية - الأميركية، وهي العلاقة الثنائية الأهم في العالم، وسط التقلبات والمنعطفات. والسبب أنه بالنسبة لدولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة ليست إدارة إحداهما ظهرهما للأخرى خياراً منطقياً. وكذلك، من غير الواقعي أن يحاول أحد الطرفين «تشكيل» الطرف الآخر. وبالتالي، أدرك الجانبان أن للصراع والمواجهة بين هذين العملاقين عواقبَ لا يمكن لأي منهما تحمّلها. لذا، منذ حقبة «الحرب الباردة» والحرب الكورية (1950 - 1953) واحتدام الاختلافات الآيديولوجية (1970 - 1950)، صمد «التعايش» الحذر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسط تصاعد الاختلافات بين «النموذج الاشتراكي» الصيني و«النموذج الرأسمالي» الأميركي، وعمل بكين على دعم تمدد الشيوعية، مقابل حرص واشنطن على التصدي لـ«المدّ الأحمر» منذ منتصف القرن العشرين. وهذا، بينما لا تزال تطغى على العلاقات الثنائية توترات متكرّرة بسبب قضايا مثل النقد، والتجارة، والملكية الفكرية، وسياسات التبادل التجاري والقضايا الإقليمية (مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي)، بالإضافة إلى التطورات العسكرية والاستراتيجية والقضايا البيئية والطاقة.

من أهم ملامح التعايش البراغماتي ما نراه في مجال الاقتصاد.

اقتصادا البلدين هما الاقتصادان الأكبر في عالم اليوم، إذ يمثلان معاً 40 في المائة من الناتج العالمي، وتشير الإحصائيات إلى أن التبادل التجاري الثنائي ارتفع من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي في عام 1979 ليقترب من 760 مليار دولار أميركي في عام 2022. وأيضاً ارتفع حجم الاستثمارات المتبادلة من الصفر تقريباً إلى أكثر من 260 مليار دولار، فضلاً عن إنشاء 284 زوجاً من المقاطعات والولايات و«توأمة المدن». وحقاً، لا يبدو البلدان في وارد قطع أو تحجيم علاقاتهما الاقتصادية، ولا يريدان «الانزلاق» نحو انفصال كامل بينهما، لأن العواقب ستكون كارثية على العالم. وهذا ما أكد عليه الرئيس الصيني شي جينبينغ بقوله إنه «من المهم أن يقدّر الجانبان مبادئ كل منهما الآخر وخطوطه الحمراء، وأن يتجنّبا التقلب والاستفزاز وتجاوز الخطوط».

أسباب التوتر

بكلمات قليلة تعبّر بوضوح عن الأسباب الكامنة وراء التوترات بين واشنطن وبكين، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، رداً على سؤال عن نهاية الحرب التجارية، إن «الاقتصاد الصيني كان سيتجاوز الأميركي لو أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة». وأردف: «... لو حدث ذلك لكانت الصين اقتصادياً أكبر من الولايات المتحدة بحلول نهاية فترة ولايتها، والآن لن تكون قريبة». ثم شدد على أن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى رائدة في العالم إبان فترة رئاسته (المقبلة)». وهذا الأمر عمل عليه ولا يزال ضمن برنامج ترشحه لولاية رئاسية ثانية.

في الواقع، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لسيادتها العالم. وبناءً على ذلك، وضعت مجموعة من الخطط لاحتواء الصين على المستوى الدولي والإقليمي.

ومن ثم، تطوّرت هذه الخطط إبان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبلوَرت عبر مشروعين، هما مشروع «محور آسيا» ومشروع «معاهدة التجارة الحرّة» المسمى «التجارة عبر المحيط الهادئ»، التي ضمّت كل دول شرق آسيا، باستثناء الصين، واعتمدت على توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول لتجعل ارتباطها بأميركا أقوى من ارتباطها بالصين. وللعلم، كان ترمب قد أعلن في يناير (كانون الثاني) 2018 انسحاب بلاده من الاتفاقية المنتظرة، تنفيذاً لتعهداته الانتخابية.

ومن المجال التجاري إلى المجال الاقتصادي وغيره من المجالات، تشكو واشنطن دائماً من أن بكين تبقي عملتها دون قيمتها الحقيقية بشكل مصطنع. الأمر الذي يساعد المصدِّرين الصينيين على زيادة صادراتهم، وخاصة إلى الولايات المتحدة، بصورة «مجحفة». وكذلك تتهم القيادة الأميركية الصين بتحقيق فائض ضخم من تجارتها مع الولايات المتحدة بسبب انخفاض قيمة عملتها، ما يجعل الصادرات الصينية إلى أميركا أقل تكلفة، والواردات من أميركا أكثر تكلفة. وثمة تهم أميركية أخرى للصين، منها استمرار «قرصنة» المنتجات الأميركية، و«سرقة» الصينيين حقوق الملكية الفكرية من الشركات الأميركية التي تستثمر في الصين، والمزايا «غير العادلة» التي يتمتع بها المنافسون المحليون لتلك الشركات.

وخارج حدود البلدين، يتصاعد الصراع الأميركي الصيني، ليشمل التسابق على الحصول على المواد الأولية، وخاصة من أفريقيا وأميركا اللاتينية. وفي سياق متصل، ثمة قلق أميركي من احتمال خفض الصين الإمدادات من المعادن النادرة، التي تنتج الصين نحو 97 في المائة من عناصرها، وهي تستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري وغيرهما من الصناعات الاستراتيجية.

لمن تدق أجراس المستقبل؟

الصراع، إذن، يحمل تجلّيات للتنافس بين قوة عالمية صاعدة، غدت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مُصنّع، وأكبر تاجر بضائع، وثاني أكبر مستهلك للسلع، وثاني أكبر متلقٍ للاستثمارات المباشرة الخارجية، وأكبر حائز لاحتياطيات النقد الأجنبي.

وفي المقابل، قوة أخرى مهيمنة، لكن دورها يتقلص ببطء... يوماً بعد يوم.

أيضاً من وجوه الصراع، التنافس بين الدبلوماسية الصينية القائمة على الشمول، وتكافؤ الفرص، واحترام تنوع الثقافات والأنظمة السياسية... وبين دبلوماسية أميركية قائمة على الأحادية.

وبالفعل، ترى الصين أن ثمة «تحالفاً» قوياً ونشيطاً في واشنطن مناهضاً لبكين، يشمل إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس، ومراكز الفكر والمجتمع الاستراتيجي بشكل عام، حيث غدت معاداة الصين إحدى القضايا النادرة التي يتفق عليها الحزبان الرئيسيان؛ الديمقراطي والجمهوري.

مع هذا، صادف أول رأس السنة الميلادية الجديدة لعام 2024 الذكرى السنوية الـ45 لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة. وفي ذلك اليوم، تبادل الرئيسان شي وبايدن رسالتي تهنئة بالمناسبة التي تمثل حدثاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين والعلاقات الدولية. وقال شي، في رسالته، إن البلدين «تجاوزا العواصف وتحرّكا إلى الأمام بشكل عام، ما عزّز رفاهية شعبيهما، وساهم في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في العالم». وعدّ الزعيم الصيني إنشاء علاقات بين العملاقين العالميين «حدثاً كبيراً» في تاريخ العلاقات الثنائية وفي العلاقات الدولية.

رئيس الوزراء الصيني السابق الراحل تشو إن لاي يستقبل هنري كيسنجر في بكين عام 1971 (آ ف ب)

«أميركا 2024»... وسياسة بكين

على صعيد آخر، لخّص دبلوماسي صيني مرموق فلسفة الدبلوماسية الصينية بكلمات لافتة في ردّه على البعض ممّن يعتقدون أن الموقف الصيني «لا يثبت ويهتز ويتبدل ويتغير». إذ سخر من «سوء فهم» هؤلاء لمواقف الصين «بسبب جهلهم بالسياسة والقيم والأخلاق» على حد تعبيره. وأردف: «الفارق بين مواقف بلدينا فارق ثقافي. فأنتم تعتمدون على الجراحة القطعية في كل أمر، بينما بلدي الصين تعتمد طريقة علاج الوخز بالإبر».

ضمن هذا الإطار، لطالما أوضحت الصين التزامها بسياسة خارجية مستقلة «قائمة على السلام»، والتزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي هي: الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة القائمة على المساواة.

هذه المبادئ كان قدمها رئيس مجلس الدولة (الحكومة) الأسبق تشو إن لاي في عام 1954 مع كلّ من نظيريْه الهندي (جواهر لال نهرو) والبورمي (يو نو) في بيان مشترك، وجرى الاعتراف بها لاحقاً في «المؤتمر الآسيوي الأفريقي الأول» المنعقد في مدينة باندونغ الإندونيسية عام 1955م. ولذا، تُعد المبادئ الخمسة قاعدة للصين في انتهاجها «السياسة الخارجية السلمية المستقلّة» ومرشدة لتطور العلاقات الخارجية للصين، بيد أنها اليوم أضحت جزءاً من «قانون العلاقات الخارجية» الجديد الذي اعتمدته الصين عام 2023 في الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب. وهي تعدّ بناء «مجتمعِ المستقبل المشترك للبشرية» هدفاً سامياً تسعى إليه بكين، ولقد أوضحَ الرئيس شي هذا المفهوم غير مرة في المناسبات المختلفة. وبالتوازي، طرح مبادرة «الحزام والطريق» ومبادرات أخرى، منها «التنمية العالمية» و«الأمن العالمي» و«الحضارة العالمية» لدفع التنمية المشتركة والأمن الدائم وحشد جهود جميع الدول.

أما ما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، فلا تزال بكين تتبع رسمياً سياسة حيادية، وتعدها شأناً داخلياً أميركياً. إذ قال الناطق باسم الدورة السنوية للبرلمان الصيني لو كينجيان، خلال مؤتمر صحافي رداً على سؤال حول هذا الموضوع: «لقد ذكرت الانتخابات الرئاسية الأميركية... وهي شأن داخلي للولايات المتحدة». وتابع: «بغضّ النظر عن هوية الرئيس المقبل، نأمل أن تعمل الولايات المتحدة بالاتجاه نفسه مع الصين، ومن أجل علاقات صينية - أميركية مستقرة وسليمة ومستدامة... إن تحقيق الاستقرار في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وتحسينها قضية يتابعها الجميع عن كثب، ويأمل حصولها».

ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

واليوم مع ما يبدو من حصر السباق بين الرئيس الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترمب، ترصد بكين ما يحدث عن كثب، ولكن من دون حذر أو قلق، كونها خبرت الرجلين.

سياسات ترمب التجارية والجيوسياسية تسببت بتصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، وتدهور الثقة المتبادلة، وأثرت سلباً على العلاقات الثنائية، وأحياناً أدت إلى اضطراب في الأسواق العالمية. ولم يشذ بايدن عن هذه السياسات تطبيقاً لاستراتيجية «الاحتواء» التي بدأها ترمب، فازداد التصعيد الأميركي ضد الصين تجارياً واقتصادياً وعسكرياً. وواصلت إدارة بايدن تطبيق التعريفات الجمركية على بعض البضائع الصينية التي بدأها ترمب، وفرض بايدن قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدات تصنيعها، والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية إلى الصين. وتبنّت إدارته قانون خفض التضخم، الذي يقدم مساعدات للشركات التي تستثمر في الولايات المتحدة، ولكن استُثنيت منه الشركات الصينية، ومُنعت الشركات التي تحصل على تلك المساعدات من الاستثمار في الصين.

هنا يعلّق سون تشنغهاو، زميل مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينغهوا في بكين، قائلاً: «بغضّ النظر عمن سيتولى الرئاسة، فإن ذلك لن يغيّر الاتجاه العام للمنافسة الاستراتيجية الأميركية مع الصين... ليس لدى الصين أي تفضيل إزاء من سيفوز بالانتخابات، فلديها خبرة في التعامل مع كليهما». هذا، مع أن بكين لا تستطيع إعلان تفضيلها لأي من المرشحين، فإن سياستها، عموماً، تتبنى موقفاً منفتحاً للعلاقات مع واشنطن، وستتعاون مع أي إدارة تأتي إلى السلطة، بغضّ النظر عن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس. ولكن يتوقع اختلاف السياسات والتفضيلات المحددة تبعاً للتحديات والفرص التي يطرحها كل من مرشحي الرئاسة الأميركية وسياسته تجاه الصين.

هنا، نشير إلى أنه يوم 20 يوليو (تموز) 2023، التقى الرئيس الصيني شي بوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في دار ضيافة الدولة دياويوتاي بالعاصمة بكين. وقال شي إنه «قبل 52 سنة كانت الصين والولايات المتحدة في نقطة انعطاف حاسمة، وحينذاك اتخذ الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، ورئيس مجلس الدولة تشو إن لاي، والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الخيار الصحيح للتعاون الصيني الأميركي برؤية استراتيجية متميزة، ما فتح عملية تطبيع العلاقات الصينية - الأميركية التي لم تفد البلدين فحسب، بل غيّرت العالم أيضاً».

وحقاً، أثبت التاريخ أن التعاون الوثيق بين الصين والولايات المتحدة له أهمية كبيرة، ليس للبلدين فقط، ولكن للسلام والرخاء العالميين. ولذا، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام، يرى مراقبون أن توجيه العلاقات الثنائية يتطلب كثيراً من الحكمة والبصيرة والشجاعة، مع تجنب أن تصبح العلاقات الثنائية مطية لمزايدات السياسة الحزبية الأميركية.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي

الصادرات الصينية تغزو العالم (رويترز)

الركائز والتعهدات الخمسة للعلاقات الصينية ــ الأميركية

> أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ في لقائه مع نظيره الأميركي جو بايدن بمدينة سان فرنسيسكو الأميركية يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 - على هامش أعمال قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ» - إلى أنه في وجه التغيرات غير المسبوقة منذ 100 سنة في العالم، هناك خياران أمام الصين والولايات المتحدة: الأول هو تعزيز التضامن والتعاون وتضافر الجهود لمواجهة التحديات الكونية، وتدعيم الأمن والازدهار في العالم. والثاني هو التشبث بعقلية «اللعبة الصفرية»، وإثارة المجابهة بين المعسكرات، وجرّ العالم إلى الاضطرابات والانقسام. وأردف شي أن هذين الخيارين «يمثلان اتجاهين سيقرران مستقبل البشرية ومستقبل كوكب الأرض، ومن الضروري التفكير، وتخطيط العلاقات الصينية الأميركية بوصفها أهم العلاقات الثنائية في العالم».شي رأى أن مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك جاءت من تجربة سبق تلخيصها من مسيرة تطور العلاقات الثنائية على مدى 50 سنة، وجاءت استيحاءً من الصراعات بين الدول الكبرى في التاريخ، ويجب أن تكون اتجاهاً تبذل الصين والولايات المتحدة جهوداً مشتركة نحوه. وأثناء ذلك اللقاء دعا شي إلى توصل بكين وواشنطن إلى أفق جديد، والعمل معاً على بناء الركائز الخمس للعلاقات الصينية الأميركية. وهي:1- العمل معاً على تكوين الفهم الصحيح، عبر بناء العلاقات الصينية الأميركية المستقرة والصحية والمستدامة. وفي الوقت نفسه، لدى الصين مصالح لا بد من الحفاظ عليها ومبادئ لا بد من الدفاع عنها و«خطوط حمراء» لا بد من التمسك بها في ظل أن يكون البلدان شريكين يتبادلان الاحترام ويتعايشان بشكل سلمي.2- العمل معاً على إدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل فعال؛ إذ من الضروري أن يتعرف الجانبان على المبادئ و«الخطوط الحمراء» للجانب الآخر، ويمتنعا عن المناورات العبثية أو إثارة المشكلات أو تجاوز الحدود.3- العمل معاً على تدعيم التعاون المتبادل المنفعة؛ فلدى الجانبين مصالح مشتركة واسعة النطاق في مجالات كثيرة تشمل المجالات التقليدية كالاقتصاد والتجارة والزراعة، والمجالات الناشئة كتغير المناخ والذكاء الاصطناعي. والمطلوب الاستفادة الكاملة من الآليات التي استنزفت أو توافرت في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والتجارة والزراعة... وغيرها، وإجراء التعاون في مجالات مكافحة المخدرات والقضاء وإنفاذ القانون والذكاء الاصطناعي والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.4- العمل معاً على تحمُّل المسؤولية بوصفهما دولتين كبريين، إذ لا يستغني حل المعضلات التي تواجه المجتمع البشري عن التعاون بين الدول الكبرى. وبالتالي يجب أن تكون بكين وواشنطن قدوة في هذا الصدد، فتعززا التنسيق والتعاون في القضايا الدولية والإقليمية، وتوفرا مزيداً من المنافع العامة للعالم. 5- العمل معاً على تعزيز التواصل الإنساني والثقافي، ومن ذلك عمل الجانبين على زيادة عدد الرحلات الجوية بينهما، ودعم التعاون السياحي، وتوسيع التبادلات بين المحليات، وتعزيز التعاون في التعليم وشؤون ذوي الإعاقة، والقليل من العوامل السلبية التي تعرقل التواصل الإنساني والثقافي.وفي المقابل، قال الرئيس بايدن: «إنني أرى دائماً أن العلاقات الأميركية الصينية هي أهم العلاقات الثنائية في العالم، والصراع بين البلدين ليس أمراً لا مفر منه. إن صيناً مستقرة ومتنامية تتفق مع مصالح الولايات المتحدة والعالم، والنمو الاقتصادي الصيني يفيد الولايات المتحدة والعالم». وأضاف أن الإبقاء على استقرار العلاقات الثنائية، والحؤول دون الصراعات، وإدارة الخلافات والسيطرة عليها، وإجراء التعاون في المجالات ذات المصالح المشتركة، أمور تساعد البلدين على معالجة مشكلاتهما بشكل أفضل. وتابع بايدن: «أود التأكيد مجدداً على التعهدات الخمسة التي قطعتها خلال لقاء جزيرة بالي، أي: لا تسعى الولايات المتحدة إلى (الحرب الباردة الجديدة)، ولا تسعى إلى تغيير النظام الصيني، ولا تسعى إلى معارضة الصين عبر تقوية التحالفات، ولا تدعم استقلال تايوان، ولا تنوي الصراع مع الصين. تعتمد الولايات المتحدة والصين على بعضهما اقتصادياً. إن الولايات المتحدة مسرورة بتنمية الصين ورخائها، ولا تسعى إلى قمع واحتواء تنمية الصين، ولا تسعى إلى فك الارتباط مع الصين. ويلتزم الجانب الأميركي بثبات بسياسة (الصين الواحدة)...».

* رئيس «معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث» (كونفوشيوس)


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.