بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

قراءة في السياسة الصينية لانتخابات الرئاسة الأميركية

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
TT
20

بكين: ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)
الرئيسان جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو أثناء أعمال قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ" (رويترز)

إن تاريخ الخلافات بين الصين والولايات المتحدة طويل ومتشعِّب المحاور، ولقد استمرت العلاقات الصينية - الأميركية، وهي العلاقة الثنائية الأهم في العالم، وسط التقلبات والمنعطفات. والسبب أنه بالنسبة لدولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة ليست إدارة إحداهما ظهرهما للأخرى خياراً منطقياً. وكذلك، من غير الواقعي أن يحاول أحد الطرفين «تشكيل» الطرف الآخر. وبالتالي، أدرك الجانبان أن للصراع والمواجهة بين هذين العملاقين عواقبَ لا يمكن لأي منهما تحمّلها. لذا، منذ حقبة «الحرب الباردة» والحرب الكورية (1950 - 1953) واحتدام الاختلافات الآيديولوجية (1970 - 1950)، صمد «التعايش» الحذر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسط تصاعد الاختلافات بين «النموذج الاشتراكي» الصيني و«النموذج الرأسمالي» الأميركي، وعمل بكين على دعم تمدد الشيوعية، مقابل حرص واشنطن على التصدي لـ«المدّ الأحمر» منذ منتصف القرن العشرين. وهذا، بينما لا تزال تطغى على العلاقات الثنائية توترات متكرّرة بسبب قضايا مثل النقد، والتجارة، والملكية الفكرية، وسياسات التبادل التجاري والقضايا الإقليمية (مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي)، بالإضافة إلى التطورات العسكرية والاستراتيجية والقضايا البيئية والطاقة.

من أهم ملامح التعايش البراغماتي ما نراه في مجال الاقتصاد.

اقتصادا البلدين هما الاقتصادان الأكبر في عالم اليوم، إذ يمثلان معاً 40 في المائة من الناتج العالمي، وتشير الإحصائيات إلى أن التبادل التجاري الثنائي ارتفع من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي في عام 1979 ليقترب من 760 مليار دولار أميركي في عام 2022. وأيضاً ارتفع حجم الاستثمارات المتبادلة من الصفر تقريباً إلى أكثر من 260 مليار دولار، فضلاً عن إنشاء 284 زوجاً من المقاطعات والولايات و«توأمة المدن». وحقاً، لا يبدو البلدان في وارد قطع أو تحجيم علاقاتهما الاقتصادية، ولا يريدان «الانزلاق» نحو انفصال كامل بينهما، لأن العواقب ستكون كارثية على العالم. وهذا ما أكد عليه الرئيس الصيني شي جينبينغ بقوله إنه «من المهم أن يقدّر الجانبان مبادئ كل منهما الآخر وخطوطه الحمراء، وأن يتجنّبا التقلب والاستفزاز وتجاوز الخطوط».

أسباب التوتر

بكلمات قليلة تعبّر بوضوح عن الأسباب الكامنة وراء التوترات بين واشنطن وبكين، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، رداً على سؤال عن نهاية الحرب التجارية، إن «الاقتصاد الصيني كان سيتجاوز الأميركي لو أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة». وأردف: «... لو حدث ذلك لكانت الصين اقتصادياً أكبر من الولايات المتحدة بحلول نهاية فترة ولايتها، والآن لن تكون قريبة». ثم شدد على أن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى رائدة في العالم إبان فترة رئاسته (المقبلة)». وهذا الأمر عمل عليه ولا يزال ضمن برنامج ترشحه لولاية رئاسية ثانية.

في الواقع، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لسيادتها العالم. وبناءً على ذلك، وضعت مجموعة من الخطط لاحتواء الصين على المستوى الدولي والإقليمي.

ومن ثم، تطوّرت هذه الخطط إبان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبلوَرت عبر مشروعين، هما مشروع «محور آسيا» ومشروع «معاهدة التجارة الحرّة» المسمى «التجارة عبر المحيط الهادئ»، التي ضمّت كل دول شرق آسيا، باستثناء الصين، واعتمدت على توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول لتجعل ارتباطها بأميركا أقوى من ارتباطها بالصين. وللعلم، كان ترمب قد أعلن في يناير (كانون الثاني) 2018 انسحاب بلاده من الاتفاقية المنتظرة، تنفيذاً لتعهداته الانتخابية.

ومن المجال التجاري إلى المجال الاقتصادي وغيره من المجالات، تشكو واشنطن دائماً من أن بكين تبقي عملتها دون قيمتها الحقيقية بشكل مصطنع. الأمر الذي يساعد المصدِّرين الصينيين على زيادة صادراتهم، وخاصة إلى الولايات المتحدة، بصورة «مجحفة». وكذلك تتهم القيادة الأميركية الصين بتحقيق فائض ضخم من تجارتها مع الولايات المتحدة بسبب انخفاض قيمة عملتها، ما يجعل الصادرات الصينية إلى أميركا أقل تكلفة، والواردات من أميركا أكثر تكلفة. وثمة تهم أميركية أخرى للصين، منها استمرار «قرصنة» المنتجات الأميركية، و«سرقة» الصينيين حقوق الملكية الفكرية من الشركات الأميركية التي تستثمر في الصين، والمزايا «غير العادلة» التي يتمتع بها المنافسون المحليون لتلك الشركات.

وخارج حدود البلدين، يتصاعد الصراع الأميركي الصيني، ليشمل التسابق على الحصول على المواد الأولية، وخاصة من أفريقيا وأميركا اللاتينية. وفي سياق متصل، ثمة قلق أميركي من احتمال خفض الصين الإمدادات من المعادن النادرة، التي تنتج الصين نحو 97 في المائة من عناصرها، وهي تستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري وغيرهما من الصناعات الاستراتيجية.

لمن تدق أجراس المستقبل؟

الصراع، إذن، يحمل تجلّيات للتنافس بين قوة عالمية صاعدة، غدت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مُصنّع، وأكبر تاجر بضائع، وثاني أكبر مستهلك للسلع، وثاني أكبر متلقٍ للاستثمارات المباشرة الخارجية، وأكبر حائز لاحتياطيات النقد الأجنبي.

وفي المقابل، قوة أخرى مهيمنة، لكن دورها يتقلص ببطء... يوماً بعد يوم.

أيضاً من وجوه الصراع، التنافس بين الدبلوماسية الصينية القائمة على الشمول، وتكافؤ الفرص، واحترام تنوع الثقافات والأنظمة السياسية... وبين دبلوماسية أميركية قائمة على الأحادية.

وبالفعل، ترى الصين أن ثمة «تحالفاً» قوياً ونشيطاً في واشنطن مناهضاً لبكين، يشمل إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس، ومراكز الفكر والمجتمع الاستراتيجي بشكل عام، حيث غدت معاداة الصين إحدى القضايا النادرة التي يتفق عليها الحزبان الرئيسيان؛ الديمقراطي والجمهوري.

مع هذا، صادف أول رأس السنة الميلادية الجديدة لعام 2024 الذكرى السنوية الـ45 لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة. وفي ذلك اليوم، تبادل الرئيسان شي وبايدن رسالتي تهنئة بالمناسبة التي تمثل حدثاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين والعلاقات الدولية. وقال شي، في رسالته، إن البلدين «تجاوزا العواصف وتحرّكا إلى الأمام بشكل عام، ما عزّز رفاهية شعبيهما، وساهم في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في العالم». وعدّ الزعيم الصيني إنشاء علاقات بين العملاقين العالميين «حدثاً كبيراً» في تاريخ العلاقات الثنائية وفي العلاقات الدولية.

رئيس الوزراء الصيني السابق الراحل تشو إن لاي يستقبل هنري كيسنجر في بكين عام 1971 (آ ف ب)
رئيس الوزراء الصيني السابق الراحل تشو إن لاي يستقبل هنري كيسنجر في بكين عام 1971 (آ ف ب)

«أميركا 2024»... وسياسة بكين

على صعيد آخر، لخّص دبلوماسي صيني مرموق فلسفة الدبلوماسية الصينية بكلمات لافتة في ردّه على البعض ممّن يعتقدون أن الموقف الصيني «لا يثبت ويهتز ويتبدل ويتغير». إذ سخر من «سوء فهم» هؤلاء لمواقف الصين «بسبب جهلهم بالسياسة والقيم والأخلاق» على حد تعبيره. وأردف: «الفارق بين مواقف بلدينا فارق ثقافي. فأنتم تعتمدون على الجراحة القطعية في كل أمر، بينما بلدي الصين تعتمد طريقة علاج الوخز بالإبر».

ضمن هذا الإطار، لطالما أوضحت الصين التزامها بسياسة خارجية مستقلة «قائمة على السلام»، والتزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي هي: الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة القائمة على المساواة.

هذه المبادئ كان قدمها رئيس مجلس الدولة (الحكومة) الأسبق تشو إن لاي في عام 1954 مع كلّ من نظيريْه الهندي (جواهر لال نهرو) والبورمي (يو نو) في بيان مشترك، وجرى الاعتراف بها لاحقاً في «المؤتمر الآسيوي الأفريقي الأول» المنعقد في مدينة باندونغ الإندونيسية عام 1955م. ولذا، تُعد المبادئ الخمسة قاعدة للصين في انتهاجها «السياسة الخارجية السلمية المستقلّة» ومرشدة لتطور العلاقات الخارجية للصين، بيد أنها اليوم أضحت جزءاً من «قانون العلاقات الخارجية» الجديد الذي اعتمدته الصين عام 2023 في الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب. وهي تعدّ بناء «مجتمعِ المستقبل المشترك للبشرية» هدفاً سامياً تسعى إليه بكين، ولقد أوضحَ الرئيس شي هذا المفهوم غير مرة في المناسبات المختلفة. وبالتوازي، طرح مبادرة «الحزام والطريق» ومبادرات أخرى، منها «التنمية العالمية» و«الأمن العالمي» و«الحضارة العالمية» لدفع التنمية المشتركة والأمن الدائم وحشد جهود جميع الدول.

أما ما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، فلا تزال بكين تتبع رسمياً سياسة حيادية، وتعدها شأناً داخلياً أميركياً. إذ قال الناطق باسم الدورة السنوية للبرلمان الصيني لو كينجيان، خلال مؤتمر صحافي رداً على سؤال حول هذا الموضوع: «لقد ذكرت الانتخابات الرئاسية الأميركية... وهي شأن داخلي للولايات المتحدة». وتابع: «بغضّ النظر عن هوية الرئيس المقبل، نأمل أن تعمل الولايات المتحدة بالاتجاه نفسه مع الصين، ومن أجل علاقات صينية - أميركية مستقرة وسليمة ومستدامة... إن تحقيق الاستقرار في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وتحسينها قضية يتابعها الجميع عن كثب، ويأمل حصولها».

ترمب وبايدن «وجهان لعملة واحدة»

واليوم مع ما يبدو من حصر السباق بين الرئيس الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترمب، ترصد بكين ما يحدث عن كثب، ولكن من دون حذر أو قلق، كونها خبرت الرجلين.

سياسات ترمب التجارية والجيوسياسية تسببت بتصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، وتدهور الثقة المتبادلة، وأثرت سلباً على العلاقات الثنائية، وأحياناً أدت إلى اضطراب في الأسواق العالمية. ولم يشذ بايدن عن هذه السياسات تطبيقاً لاستراتيجية «الاحتواء» التي بدأها ترمب، فازداد التصعيد الأميركي ضد الصين تجارياً واقتصادياً وعسكرياً. وواصلت إدارة بايدن تطبيق التعريفات الجمركية على بعض البضائع الصينية التي بدأها ترمب، وفرض بايدن قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدات تصنيعها، والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية إلى الصين. وتبنّت إدارته قانون خفض التضخم، الذي يقدم مساعدات للشركات التي تستثمر في الولايات المتحدة، ولكن استُثنيت منه الشركات الصينية، ومُنعت الشركات التي تحصل على تلك المساعدات من الاستثمار في الصين.

هنا يعلّق سون تشنغهاو، زميل مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينغهوا في بكين، قائلاً: «بغضّ النظر عمن سيتولى الرئاسة، فإن ذلك لن يغيّر الاتجاه العام للمنافسة الاستراتيجية الأميركية مع الصين... ليس لدى الصين أي تفضيل إزاء من سيفوز بالانتخابات، فلديها خبرة في التعامل مع كليهما». هذا، مع أن بكين لا تستطيع إعلان تفضيلها لأي من المرشحين، فإن سياستها، عموماً، تتبنى موقفاً منفتحاً للعلاقات مع واشنطن، وستتعاون مع أي إدارة تأتي إلى السلطة، بغضّ النظر عن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس. ولكن يتوقع اختلاف السياسات والتفضيلات المحددة تبعاً للتحديات والفرص التي يطرحها كل من مرشحي الرئاسة الأميركية وسياسته تجاه الصين.

هنا، نشير إلى أنه يوم 20 يوليو (تموز) 2023، التقى الرئيس الصيني شي بوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في دار ضيافة الدولة دياويوتاي بالعاصمة بكين. وقال شي إنه «قبل 52 سنة كانت الصين والولايات المتحدة في نقطة انعطاف حاسمة، وحينذاك اتخذ الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، ورئيس مجلس الدولة تشو إن لاي، والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الخيار الصحيح للتعاون الصيني الأميركي برؤية استراتيجية متميزة، ما فتح عملية تطبيع العلاقات الصينية - الأميركية التي لم تفد البلدين فحسب، بل غيّرت العالم أيضاً».

وحقاً، أثبت التاريخ أن التعاون الوثيق بين الصين والولايات المتحدة له أهمية كبيرة، ليس للبلدين فقط، ولكن للسلام والرخاء العالميين. ولذا، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام، يرى مراقبون أن توجيه العلاقات الثنائية يتطلب كثيراً من الحكمة والبصيرة والشجاعة، مع تجنب أن تصبح العلاقات الثنائية مطية لمزايدات السياسة الحزبية الأميركية.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي

الصادرات الصينية تغزو العالم (رويترز)
الصادرات الصينية تغزو العالم (رويترز)

الركائز والتعهدات الخمسة للعلاقات الصينية ــ الأميركية

> أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ في لقائه مع نظيره الأميركي جو بايدن بمدينة سان فرنسيسكو الأميركية يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 - على هامش أعمال قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا وحوض المحيط الهادئ» - إلى أنه في وجه التغيرات غير المسبوقة منذ 100 سنة في العالم، هناك خياران أمام الصين والولايات المتحدة: الأول هو تعزيز التضامن والتعاون وتضافر الجهود لمواجهة التحديات الكونية، وتدعيم الأمن والازدهار في العالم. والثاني هو التشبث بعقلية «اللعبة الصفرية»، وإثارة المجابهة بين المعسكرات، وجرّ العالم إلى الاضطرابات والانقسام. وأردف شي أن هذين الخيارين «يمثلان اتجاهين سيقرران مستقبل البشرية ومستقبل كوكب الأرض، ومن الضروري التفكير، وتخطيط العلاقات الصينية الأميركية بوصفها أهم العلاقات الثنائية في العالم».شي رأى أن مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك جاءت من تجربة سبق تلخيصها من مسيرة تطور العلاقات الثنائية على مدى 50 سنة، وجاءت استيحاءً من الصراعات بين الدول الكبرى في التاريخ، ويجب أن تكون اتجاهاً تبذل الصين والولايات المتحدة جهوداً مشتركة نحوه. وأثناء ذلك اللقاء دعا شي إلى توصل بكين وواشنطن إلى أفق جديد، والعمل معاً على بناء الركائز الخمس للعلاقات الصينية الأميركية. وهي:1- العمل معاً على تكوين الفهم الصحيح، عبر بناء العلاقات الصينية الأميركية المستقرة والصحية والمستدامة. وفي الوقت نفسه، لدى الصين مصالح لا بد من الحفاظ عليها ومبادئ لا بد من الدفاع عنها و«خطوط حمراء» لا بد من التمسك بها في ظل أن يكون البلدان شريكين يتبادلان الاحترام ويتعايشان بشكل سلمي.2- العمل معاً على إدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل فعال؛ إذ من الضروري أن يتعرف الجانبان على المبادئ و«الخطوط الحمراء» للجانب الآخر، ويمتنعا عن المناورات العبثية أو إثارة المشكلات أو تجاوز الحدود.3- العمل معاً على تدعيم التعاون المتبادل المنفعة؛ فلدى الجانبين مصالح مشتركة واسعة النطاق في مجالات كثيرة تشمل المجالات التقليدية كالاقتصاد والتجارة والزراعة، والمجالات الناشئة كتغير المناخ والذكاء الاصطناعي. والمطلوب الاستفادة الكاملة من الآليات التي استنزفت أو توافرت في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والتجارة والزراعة... وغيرها، وإجراء التعاون في مجالات مكافحة المخدرات والقضاء وإنفاذ القانون والذكاء الاصطناعي والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.4- العمل معاً على تحمُّل المسؤولية بوصفهما دولتين كبريين، إذ لا يستغني حل المعضلات التي تواجه المجتمع البشري عن التعاون بين الدول الكبرى. وبالتالي يجب أن تكون بكين وواشنطن قدوة في هذا الصدد، فتعززا التنسيق والتعاون في القضايا الدولية والإقليمية، وتوفرا مزيداً من المنافع العامة للعالم. 5- العمل معاً على تعزيز التواصل الإنساني والثقافي، ومن ذلك عمل الجانبين على زيادة عدد الرحلات الجوية بينهما، ودعم التعاون السياحي، وتوسيع التبادلات بين المحليات، وتعزيز التعاون في التعليم وشؤون ذوي الإعاقة، والقليل من العوامل السلبية التي تعرقل التواصل الإنساني والثقافي.وفي المقابل، قال الرئيس بايدن: «إنني أرى دائماً أن العلاقات الأميركية الصينية هي أهم العلاقات الثنائية في العالم، والصراع بين البلدين ليس أمراً لا مفر منه. إن صيناً مستقرة ومتنامية تتفق مع مصالح الولايات المتحدة والعالم، والنمو الاقتصادي الصيني يفيد الولايات المتحدة والعالم». وأضاف أن الإبقاء على استقرار العلاقات الثنائية، والحؤول دون الصراعات، وإدارة الخلافات والسيطرة عليها، وإجراء التعاون في المجالات ذات المصالح المشتركة، أمور تساعد البلدين على معالجة مشكلاتهما بشكل أفضل. وتابع بايدن: «أود التأكيد مجدداً على التعهدات الخمسة التي قطعتها خلال لقاء جزيرة بالي، أي: لا تسعى الولايات المتحدة إلى (الحرب الباردة الجديدة)، ولا تسعى إلى تغيير النظام الصيني، ولا تسعى إلى معارضة الصين عبر تقوية التحالفات، ولا تدعم استقلال تايوان، ولا تنوي الصراع مع الصين. تعتمد الولايات المتحدة والصين على بعضهما اقتصادياً. إن الولايات المتحدة مسرورة بتنمية الصين ورخائها، ولا تسعى إلى قمع واحتواء تنمية الصين، ولا تسعى إلى فك الارتباط مع الصين. ويلتزم الجانب الأميركي بثبات بسياسة (الصين الواحدة)...».

* رئيس «معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث» (كونفوشيوس)


مقالات ذات صلة

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

حصاد الأسبوع الزعفراني

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

بعد نحو ستة أشهر من تعديل حكومي واسع شمل 22 حقيبة وزارية ورئاسة الحكومة، أعلنت رئاسة الجمهورية في تونس عن إقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، الخبير الدولي في المفاوضات الاجتماعية والاقتصادية، وتعويضه بوزيرة التجهيز والإسكان في حكومته سارة الزعفراني الزنزري. جاء هذا التعديل، وهو السادس من نوعه منذ يناير (كانون الثاني) 2020، في مرحلة شهدت تعقد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تمر بها تونس والمنطقة، وخلال فترة عرفت تزايد انتقادات الرئيس التونسي قيس سعيّد لـ«لوبيات» اتهمها بعرقلة مشاريع الإصلاح التي أراد أن يفتتح بها عهدته الرئاسية الثانية. هذه الانتقادات أعادت إلى الأذهان تصريحات وبلاغات إعلامية رئاسية عديدة صدرت خلال الأشهر الماضية عن الرئيس سعيّد ومقرّبين منه تتهم مسؤولين كباراً في الحكومة وفي الإدارة بالسلبية والفشل وسوء التصرف في الأملاك العمومية، وأيضاً في ملفات التضخم وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية، بجانب ملفات أمنية عديدة، بينها تدفق آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وتمركزهم في تونس بطريقة غير قانونية.

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع رئيس الدولة قيس سعيّد (رويترز)

صلاحيات رئيسَي الدولة والحكومة في دستور تونس الجديد

فتح التغيير الرابع لرئيس الحكومة التونسية في ظرف ثلاث سنوات ونصف السنة والسادس في ظرف خمس سنوات نقاط استفهام وسط المراقبين داخل البلاد وخارجها. وبرزت مواقف.

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع ممارسات إسرائيل في الضغة الغربية مصدر قلق بالغ للأردن (آ ب)

الأردن يعيش شهوراً فاصلة بمواجهة الهموم الداخلية والإقليمية

لا يخلو تاريخ الأردن القريب من تحديات مصيرية هدّدت أمنه واستقراره، وسعت للتشويش على استقرار نظامه السياسي. فجملة التحديات التي فرضتها جغرافيا المملكة وتاريخها معاً صارت العناوين ذات الأولوية في مناقشة المصالح الأردنية في المدى المنظور. جولة على هذه التحديات تُمكّن المراقبين من تقدير الموقف الأردني وتعقيداته؛ فعلى جبهة الأردن الغربية عانت البلاد من حالة الطوارئ العسكرية على مدى السنوات والعقود الماضية بفعل الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع نكبة هجرة الفلسطينيين عام 1948، ونكسة حزيران من عام 1967 التي تسبّبت بهجرة الفلسطينيين الثانية. والحال ليست بأفضل على الجبهة الشمالية مع سوريا، فخلال سنوات الحرب الماضية كانت الجبهة الشمالية ملفاً أمنياً - عسكرياً ساخناً، كما استقبل عبرها نحو مليون لاجئ سوري. وتستمر محاولات عصابات تجارة المخدّرات والسلاح في تهديد الأمن على الحدود في مشهد متكرّر دفع الأردن للقصف بالطائرات عدداً من مصانع المخدرات في الجنوب السوري، التي كانت تابعة لميليشيات محسوبة على «حزب الله» اللبناني وإيران و«الفرقة الرابعة» في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد. وأخيراً لا آخراً، على الشرق هناك الحدود البرية الطويلة مع العراق، وفي آخر 22 سنة ظلت هذه الحدود عنوان تهديد لأمن الأردن، كما حصل في أحداث تفجير الفنادق في العاصمة عمّان عام 2005، بالإضافة إلى محاولات أخرى أُحبطت قبل استكمال أهدافها.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع العاهل الاردني عبدالله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمدوالشرع في مطار ماركا بعمّان (سانا)

حرب غزة وفّرت على حكومة حسّان مواجهات قاسية

على مدى شهور العدوان الإسرائيلي على غزة تراجعت أولوية الشأن الداخلي؛ ما أعفى الحكومة الأردنية من مواجهات قاسية مع الشارع والبرلمان. وسمح ذلك لشخص رئيس الوزراء.

حصاد الأسبوع الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

شكّلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان منتصف شهر مارس (آذار) الحالي أول اختبار للدولتين اللبنانية والسورية الجديدتين،

بولا أسطيح (بيروت)

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

الزعفراني
الزعفراني
TT
20

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

الزعفراني
الزعفراني

بعد نحو ستة أشهر من تعديل حكومي واسع شمل 22 حقيبة وزارية ورئاسة الحكومة، أعلنت رئاسة الجمهورية في تونس عن إقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، الخبير الدولي في المفاوضات الاجتماعية والا

قتصادية، وتعويضه بوزيرة التجهيز والإسكان في حكومته سارة الزعفراني الزنزري. جاء هذا التعديل، وهو السادس من نوعه منذ يناير (كانون الثاني) 2020، في مرحلة شهدت تعقد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تمر بها تونس والمنطقة، وخلال فترة عرفت تزايد انتقادات الرئيس التونسي قيس سعيّد لـ«لوبيات» اتهمها بعرقلة مشاريع الإصلاح التي أراد أن يفتتح بها عهدته الرئاسية الثانية. هذه الانتقادات أعادت إلى الأذهان تصريحات وبلاغات إعلامية رئاسية عديدة صدرت خلال الأشهر الماضية عن الرئيس سعيّد ومقرّبين منه تتهم مسؤولين كباراً في الحكومة وفي الإدارة بالسلبية والفشل وسوء التصرف في الأملاك العمومية، وأيضاً في ملفات التضخم وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية، بجانب ملفات أمنية عديدة، بينها تدفق آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وتمركزهم في تونس بطريقة غير قانونية.

كشفت البلاغات الرسمية الصادرة عن قصر الرئاسة التونسية في قرطاج فور مباشرة المهندسة سارة الزعفراني الزنزري، رئيسة الحكومة الجديدة، مهامها عن أن أولوياتها ستكون في المقام الأول «تقنية» واقتصادية اجتماعية. وتشمل بالأخص إصلاح الأوضاع المالية وتحقيق العدالة للجميع، وتكريس الديمقراطية الاجتماعية والأمن الاجتماعي.

في المقابل، غضّت كل التصريحات الصادرة عن الزعفراني، فور توليها منصبها الجديد، الطرف عن مطالب النقابات والمعارضة التي تطالب بـ«الديمقراطية السياسية»، و«تنقية المناخ السياسي العام في البلاد»، و«تكريس استقلالية القضاء والإعلام» وتنظيم «حوار وطني» بين السلطات والنقابات والمعارضة.

لقد خصّص الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي أمام أعضاء مجلس الأمن القومي، قبل ساعات من إقالة رئيس الحكومة السابق كمال المدوري وتعيين الزعفراني، فقرات لانتقاد المعارضة والنقابات و«اللوبيات»، التي اتهمها بـ«التآمر» على الدولة بالتزامن مع انطلاق محاكمة عشرات من المتهمين في قضايا «التآمر على أمن الدولة» وشبهات «الضلوع في الإرهاب والفساد»، بينهم عدد من زعماء أحزاب المعارضة، ووزراء، وبرلمانيون سابقون، ومحامون ورجال أعمال، ونشطاء سياسيون وحقوقيون مستقلون. وكان بين هؤلاء قادة «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة وزعيمة الحزب الدستوري عبير موسي، ورئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الأسبق علي العريّض.

أيضاً، رفض سعيّد بقوة، في المناسبة، الدعوات إلى «تنظيم حوار وطني جديد»، واتهم الداعين إليه بمحاولة «إهدار الحكومة ومؤسسات الدولة وإعادة البلاد إلى مرحلة الصراعات والمؤامرات السياسية». وقال سعيّد إن لدى البلاد برلماناً منتخباً من غرفتين وظيفته «تشريعية». واعتبر أن «الحوار يجري بداخله»، وأن دور رئيس الحكومة مساعدة رئيس الجمهورية في أداء مهماته.

رهان على «المهندسين»

على الرغم من الصبغة السياسية والسيادية لموقع رئيس الحكومة، يكرّس اختيار المهندسة ووزيرة التجهيز والإسكان لرئاستها استمرارية اعتمدها صنّاع القرار في تونس منذ 2011 عند اختيار رؤساء الحكومات. وإذا ما استثنينا هشام المشيشي، الذي ترأس حكومة تونس ما بين سبتمبر (أيلول) 2020 و25 يوليو (تموز) 2021 والذي كان خريجاً لكلية الحقوق والعلوم السياسية، فإن معظم رؤساء الحكومات الذين تداولوا على قصر القصبة، منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011، مهندسون ومن خريجي المدارس العليا للمهندسين في تونس وأوروبا.

في هذا السياق، يسجّل أن حزب «حركة النهضة» والائتلاف الحاكم بين 2011 و2014 عيَّن ثلاثة مهندسين لرئاسة الحكومة، هم على التوالي: حمّادي الجبالي (ديسمبر/كانون الأول 2011 - مارس/آذار 2013) وعلي العريّض (مارس 2013 – يناير 2014 ) والمهدي جمعة (يناير 2014 - فبراير/شباط 2015).

وإبّان حكم الرئيس الليبرالي الباجي قائد السبسي بين يناير 2015 ويوليو 2019 اختار الرئيس مهندسَين لرئاسة الحكومة، هما الحبيب الصيد لمدة سنة ونصف السنة، ثم يوسف الشاهد لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.

فترة حكم سعيّد

كذلك، ما يلفت أن سارة الزعفراني الزنزري هي المهندسة الرابعة التي تعيّن لرئاسة الحكومة منذ وصول الرئيس قيس سعيّد إلى قصر قرطاج بعد انتخابات أكتوبر 2019.

إذ عيّن المهندس الحبيب الجملي رئيساً لأول حكومة بعد تلك الانتخابات، لكنه فشل بعد أكثر من شهرين من المفاوضات في نيل ثقة البرلمان، فسقطت حكومته وجرى تمديد عهدة المهندس يوسف الشاهد حتى أواخر فبراير 2020، وهو تاريخ تنصيب المهندس إلياس الفخفاخ رئيساً جديداً لـ«حكومة الوحدة الوطنية».

وبعد منعرج 25 يوليو 2021، والانتقال من «نظام برلماني معدّل» إلى «نظام رئاسي مركزي»، عيّن الرئيس سعيّد المهندسة نجلاء بودن رمضان رئيسة للحكومة الجديدة، التي استمرت حتى أغسطس (آب) 2023. وبعدها استعيض عن بودن بالخبير القانوني أحمد الحشّاني لمدة سنة، ثم بوزير الشؤون الاجتماعية السابق كمال المدوري لمدة ستة أشهر، قبل أن يقع الاختيار مجدداً على مهندسة «لتنسيق العمل الحكومي»، على حد تعبير الرئيس سعيّد نفسه. وهذا ما قاله أخيراً بقصر قرطاج أمام كبار كوادر الجيش والأمن وعدد من الوزراء بينهم السيدة الزعفراني نفسه، ثم على هامش موكب «تسليم المهام» في قصر الحكومة بالقصبة.

الجانب الأهم في المسار المهني والإداري والسياسي للزعفراني خبرتها الطويلة في مجال الإشراف على المشاريع الكبرى

ثاني امرأة

لم يُعرف عن سارة الزعفراني، ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة التونسية، انخراطها في الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني قبل ثورة 2011 أو بعدها. وأيضاً، لا يذكر زملاؤها في الجامعة التونسية أنها كانت من بين الطلبة الذين لعبوا دوراً بارزاً في النقابات والتيارات السياسية الطلابية اليسارية أو القومية والإسلامية التي كان تأثيرها قوياً إبّان العقود الماضية.

وإذ كانت الزعفراني قد تولّت رئاسة الحكومة وهي في الـ62 من عمرها، فإن سيرتها الذاتية تبرز صبغتها «التقنية» وخبرتها الإدارية الطويلة في الإدارة التونسية، وخاصةً، في قطاع الإشراف على المشاريع الكبرى للدولة، لا سيما في وزارتي التجهيز والإسكان والأشغال العامة والنقل.

لكن من نقاط قوة الزعفراني كونها ضمن أقلية من الوزراء الذين لم يعزلهم الرئيس سعيّد، منذ تعيينها وزيرة ضمن حكومة بودن في أكتوبر 2021، على الرغم من خطورة الملفات التي كانت تشرف عليها مالياً وتقنياً وسياسياً، وبينها الإشراف على مشاريع الإسكان وتطوير البنية الأساسية في كل القطاعات وفي كامل البلاد.

وحقاً، حافظت الزعفراني على منصبها طوال فترة حكومة بودن، ثم في فترتي حكومتي أحمد الحشاني وكمال المدوري. بل، وكُلّفت أيضاً الإشراف على حقيبة النقل عند شغور المنصب في 2024.

وعلى الرغم الصبغة «التقنية» لكل المسؤوليات الحكومية التي أسندت للزعفراني طوال ثلاث سنوات ونصف السنة، فإن عضويتها بمجلس الوزراء ومواكبتها ومشاركتها بمؤسسات تتدخل في كل المشاريع العمومية للدولة ولكل الوزارات، مزايا تؤهلها - حسب تقدير المتحمسين لتعيينها - لأن تلعب دوراً سياسياً كبيراً في سياق المربّع الذي يرسمه لها رئيس الدولة.

الأمن والدفاع والإدارة

تبرز السيرة الذاتية التفصيلية لرئيسة الحكومة التونسية الجديدة، وهي أم لثلاثة أولاد، أنها ولدت في العاصمة تونس في يناير 1963، ثم تزوجت من شخصية من عائلة الزنزري في منطقة الساحل، التي ينحدر منها غالبية المسؤولين في الدولة منذ عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة (1956 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2011).

وإذ عرفت الزعفراني باستقلاليتها ونجاحها مهندسةً عامة متخصّصة في الهندسة المدنية والهندسة الجيو - تقنية، فإن في رصيدها كذلك مشواراً أكاديمياً وعلمياً في جامعات المهندسين في تونس وألمانيا وفي مؤسسات العلوم الإدارية والأمنية والعسكرية والسياسية، بما في ذلك «معهد الدفاع الوطني» و«المدرسة العليا للإدارة» في تونس.

إذ حصلت الزعفراني عام 1989 على إجازة في الهندسة المدنية من المدرسة الوطنية للمهندسين في الجامعة التونسية، ثم على شهادة الماجستير في الهندسة «الجيو- تقنية» من جامعة هانوفر بألمانيا. وعبر مساريها العلمي والجامعي في تونس وألمانيا أتقنت 4 لغات هي العربية، والفرنسية، والألمانية والإنجليزية.

كذلك، شاركت الزعفراني في دورات تدريب إداري وأمني متقدّم عامي 2019 و2020 في الدورة الـ37 من دورات «معهد الدفاع الوطني»، التي تخصّص لتنويع خبرات نخبة من كوادر الدولة المدنيين والعسكريين والأمنيين. وحصلت عام 2019 على شهادة من «معهد القيادة الإدارية» بـ«المدرسة الوطنية للإدارة» بعد مشاركتها في برنامج تدريب خاص ب«القيادة والسياسات العمومية».

التوازنات المالية والأمن الاجتماعي

غير أن الجانب الأهم في المسار المهني والإداري والسياسي لسارة الزعفراني هو خبرتها الطويلة في مجال الإشراف على المشاريع الكبرى بقطاعات الدراسات الهندسية وبرامج الحكومات المتعاقبة منذ 1989 في مجالات البنية التحتية والتجهيز والنقل والجسور والطرقات.

وهنا نشير إلى أن رئيسة الحكومة الجديدة كانت قد رقّيت منذ يناير 2014 إلى منصب مدير عام في وزارة التجهيز والإسكان مكلفة بالإشراف على قطاع الطرقات والجسور على الصعيد الوطني. وعرفت، بحسب عدد من زملائها السابقين في الجامعة وفي الإدارة والعمل الحكومي، بـ«جديتها وحزمها وانضباطها واحترامها للقوانين».

هذا، وكشفت جلسات العمل الأولى التي عقدتها الزعفراني مع الرئيس سعيّد ومع محافظ البنك المركزي فتحي النوري ووزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي، ثم مع كامل فريقها الحكومي، عن أن أولويات المرحلة المقبلة هي الإصلاحات المالية وتعديل قانون البنك المركزي وتخفيض الأعباء الإدارية للحكومة والتحكم في عدد الموظفين.

كذلك، كشفت عن أن «هاجس» الرئيس سعيّد وراء تعيينها على رأس الحكومة الجديدة هو محاولة تكريس برامجه وشعاراته عن «الانحياز للفقراء وضعاف الحال» و«العدالة الاجتماعية» و«الاعتماد على الموارد الذاتية للدولة من دون اللجوء إلى الاستدانة من الخارج».

واقع اللااستقرارولكن التعديل الجديد على رأس الحكومة التونسية دفع مراقبين إلى التساؤل عن حظوظ تناغم الفريق الحكومي الحالي، وما إذا كانت التعديلات ستشمل أيضاً الوزراء الذين جُدد لـ22 منهم قبل بضعة أشهر، وسط انخراط أعضاء في البرلمان الحالي وفي الأحزاب المساندة للرئيس في حملات إعلامية وسياسية وجهت انتقادات لسياسات الدولة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وشملت تلك الانتقادات ملفات الأسعار والاستثمار والبطالة والهجرة القانونية وغير القانونية والعلاقات مع «دول الجوار»، وبالذات مع ليبيا، والجزائر، وإيطاليا وفرنسا. كذلك أعرب مراقبون عن انشغالهم وتخوفهم من هشاشة الاستقرار الحكومي منذ 2011، وبخاصة منذ 2020.

فلقد رأت دراسات وتقارير متخصصة أن «سرعة تغيير» الوزراء ورؤساء الحكومات والكوادر العليا للدولة يمكن أن تفاقم المعضلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والأمنية للبلاد، فضلاً عن احتمال تعطيل برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والأمني وخطط «الإنقاذ» التي وعدت بها أطراف سياسية عديدة خلال السنوات الماضية.

وفي الوقت نفسه، نوَّه عدد كبير من الإعلاميين والساسة بإيجابية تعيين «مهندسة مستقلة» و«شخصية تكنوقراطية» على رأس الحكومة، على الرغم من تساؤلهم عن فرص نجاحها في قيادة البلاد مع رئيس الدولة في مرحلة صعّدت فيها النقابات والمعارضة تحرّكاتها الاحتجاجية، بالتزامن مع انطلاق مسلسل محاكمة المتهمين في قضايا التامر على امن الدولة بحضور مراقبين دوليين.