تلوح في عالم طيران الركاب فكرة خطيرة: خفض عدد الطيارين على متن الطائرات المدنية إلى النصف، وذلك بحلول ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، وملء مقاعدهم الشاغرة بالذكاء الاصطناعي، كما كتب بول ماركس (*).
التخلِّي عن مساعد الطيار
هي خطوة يقول الخبراء إنها قد تجعل الطيران أقل أماناً بكثير، فبدلاً من وجود كابتن ومساعد طيار على متن الطائرة، كما الحال في الطائرات الكبيرة اليوم، ستعتمد «عمليات التحليق» على طيار واحد فقط إلى جانب ذكاء اصطناعي مصمم بطريقة ما للقيام بدور مساعد الطيار الصعب والحيوي للسلامة.
ذكاء اصطناعي بلا تفاعلات بشرية
وتُجادل شركات الطيران بأن هذا سيُعالج نقصاً في الطيارين أصبح مُنهكاً اقتصادياً للقطاع. لكن «عمليات التحليق بطيار منفرد» «Single Pilot Operations (SPO)» تواجه مقاومة شديدة من نقابات الطيارين عالمياً، الذين يعدّون الفكرة إجراءً لخفض التكاليف. والأسوأ من ذلك، كما تم عرضه في مؤتمر حول «SPO» الذي نظمته الجمعية الملكية للملاحة الجوية (RAeS) في المملكة المتحدة الشهر الماضي، هو أنه بدلاً من تحسين السلامة، قد يتسبب استبدال نظم الذكاء الاصطناعي بمساعدي الطيارين في إلغاء مجموعة من التفاعلات البشرية المهمة.
ويقول منتقدو «عمليات التحليق بطيار منفرد» تحديداً، إن مساعد الطيار من الذكاء الاصطناعي سيُلغِي الطرق التي يراقب بها طاقم الطائرة تصرفات بعضهم عند القيادة، كما أنه لن يُحاكي كيفية تهدئة الطيارين لبعضهم في المواقف العصيبة، مثل التعامل مع رد فعل «المفاجأة» بعد حدوث مشكلة تقنية أو جوية.
كما يمكن للطيارين تبادل المهام بعد استراحة قصيرة؛ حيث يتطلب خمول النوم نحو نصف ساعة لاستعادة اليقظة الكاملة. وفي هذه الحالة، هل سيحتاج الذكاء الاصطناعي إلى قدرات مُعززة في تلك اللحظة؟ لا أحد يعلم.
خطط من مرحلتين
ولكن وللإنصاف، يخطط داعمو نظام «عمليات التحليق بطيار منفرد» لإعداد الأتمتة على مرحلتين: أولاً، سيعمل نظام بديل يُسمى «عمليات الطاقم الأدنى المُوسّعة» «extended Minimum Crew Operations (eMCO)»؛ حيث يوجد طياران بشريان على متن الطائرة، ولكن ستكون هناك فتراتٌ مُمتدة يكون فيها أحدهما فقط على رأس القيادة، بدعم من الذكاء الاصطناعي، في حين يستريح الطيار الآخر. بمجرد إتقان ذلك، يُمكن لنظام «عمليات التحليق بطيار منفرد» نفسه بدء رحلات جوية من بوابة إلى بوابة بطيار واحد.
وصرحت تانيا هارتر، رئيسة الرابطة الأوروبية لقمرة القيادة (وهي نقابة للطيارين) خلال القمة أن نظام «عمليات التحليق بطيار منفرد» لا يُعالج تهديداً رئيسياً للطاقم: إرهاق الطيار. وأضافت أنه بينما يستريح أحد الطيارين تحت نظام «eMCO»، «سيعاني الآخر، الجالس وحيداً في المقدمة، من إرهاق متزايد». ووافق مندوبون آخرون على ذلك، مشيرين إلى الملل بوصفه عاملاً مُسبباً للتوتر. وأضافت تانيا هارتر: «عقلان وأربع عيون هي وصفةٌ فعّالة».
مجابهة الأحداث غير المتوقعة
ويتساءل النقاد أيضاً عن كيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع الأحداث غير المتوقعة، مثل حريق محطة الطاقة الفرعية الذي أدَّى إلى إغراق مطار هيثرو بلندن في الظلام في 20 مارس (آذار). قد يؤثر فقدان مفاجئ للبيانات الأرضية -من أضواء المدرج إلى إشارات تحديد موقع الهبوط- على التشغيل الآمن للذكاء الاصطناعي المتعطش للبيانات.
وأثارت مشروعات «SPO» ضجة كبيرة، ما دفع وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، التي طلبت من شركتي صناعة الطائرات «إيرباص» و«داسو» للطيران دراسة إمكانات «SPO» في عام 2022، إلى التراجع عن اتخاذ أي قرارات تنظيمية. ومن المقرر إعادة النظر في الفكرة بعد عام 2027.
* مجلة «نيو ساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا».