تستخدم تقنية الذكاء الصناعي، التي قطعت خطوات وقفزات واسعة على مدى العقد الأخير، حالياً في قطاعات متعددة كتسريع تطوير الأدوية ودعم المركبات ذاتية القيادة ومساعدة مديري الموارد البشرية على إنجاز عمليات التوظيف بفاعلية أكبر. وبفضل نظم الذكاء الصناعي، باتت الشركات والحكومات قادرة على تحليل مقادير ضخمة من البيانات بسرعة أكبر من ذي قبل. ولكن مخاطر اختراق السرية تزداد أيضاً بازدياد حجم البيانات.
الحفاظ على السرية
وفي هذا الصدد، يساعد البروفسور بيتر ريتشتاريك، أستاذ علوم الحاسب الآلي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على تطوير نماذج للذكاء الصناعي يمكنها التعلم من مجموعات البيانات دون التفريط بسريتها.
وتعد تقنية التعلم الموحَّد (FEDERATED LEARNING) من منهجيات الذكاء الصناعي الواعدة في الحفاظ على السرية، واشترك في وضعها وتطويرها البروفسور بيتر ريتشتاريك مع باحثي غوغل.
وبحسب منصة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» التابعة لجامعة إم آي تي في بوسطن ومنصة «مجرة»، فإن التعلم الموحَّد هو إحدى تقنيات التعلم الآلي، وفيه يتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على بيانات محلية موجودة في الأجهزة الطرفية، ومن دون إرسال هذه البيانات إلى المخدِّم (الجهاز الخادم) أو تبادلها بين الأجهزة المختلفة. يتيح التعلم الموحَّد لمجموعة من البرامج أو المطورين ببناء نموذج تعلم آلي فعال من دون مشاركة بيانات المستخدمين، وبالتالي يعالج مشاكل خصوصية وأمن البيانات. وكانت شركة غوغل أول من أطلق هذا المفهوم في عام 2017، كما قامت شركة آبل باستخدام هذه التقنية أخيرا في تدريب نسخٍ مختلفة من نموذج التعرف على صوت المتكلم على جميع أجهزة مستخدميها باستخدام بيانات الصوت المتاحة على هذه الأجهزة محلياً فقط، ثم يقوم بإرسال النماذج المُحدَّثة فقط إلى المخدِّم المركزي ليتم دمجها في النموذج الرئيسي. وبهذه الطريقة، فإن جودة المساعد الصوتي في التعرف الصحيح على هوية المتكلم تتحسن بشكلٍ متواصل رغم أن بيانات الصوت الخام لا تغادر أبداً أجهزة الآيفون والآيباد الخاصة بهم.
ويحسّن هذا المفهوم، الذي اشترك في وضعه ريتشتاريك مع باحثي غوغل، فاعلية التواصل مع الحفاظ على السرية، وذلك بقلب المنهجية التقليدية للذكاء الصناعي رأساً على عقب. ويذكر أن المنهجية التقليدية في تعلم الآلة تتمثل في جمع كافة بيانات التدريب في مكان واحد كخادم سحابي مثلاً. ورغم أن ذلك يسهل تدريب النموذج على البيانات، غير أنه يزيد أيضاً من احتمال تعرض البيانات لانتهاك السرية والأمن.
تعلّم موحد
أما في التعلم الموحَّد، فلا تخزن مجموعات البيانات مركزياً بل تبقى منفصلة، وتتم عملية تعلم الآلة عن طريق ارتباط سائب بين الأجهزة المشاركة ينسقه خادم مركزي. وفي حال اختراق أمن البيانات، يعزل الخطر في أحد الأجهزة فقط.
ما زال التعلم الموحَّد في مراحله المبكرة ولكنه يبشر بإمكانات ضخمة، فقد اعتبرته مجلة فوربس من المجالات الثلاثة الأكثر أهمية في تطوير الذكاء الصناعي، كما أن السنوات العشر المقبلة ستكون بالغة الأهمية. ولهذه التقنية مزايا عملية أيضاً بعيداً عن زيادة خصوصية المستخدم. فمثلاً، يمكن للمركبات ذاتية القيادة العاملة بالذكاء الصناعي الاستفادة من تقنية التعلم في الموحَّد تجنب عوائق الطريق كالحفر بسهولة. وباستخدام معلومات من كافة السيارات التي تحيط بها، يمكن للمركبة ذاتية القيادة أن تتخذ قرارات أفضل لتجنب تلك العوائق وزيادة سلامة الركاب.
وترتكز أبحاث ريتشتاريك على مبادرة الذكاء الصناعي في «كاوست»، وهي برنامج توعية بالأبحاث والتعليم أطلق في 2018، ومن خلال هذه المبادرة أسهم ريتشتاريك وباحثون آخرون في ترسيخ مكانة «كاوست» باعتبارها مؤسسة أكاديمية رائدة إقليمية في مجال الذكاء الصناعي وتعلم الآلة مع ضمان مساحة للفرص التعليمية للجيل المقبل من الخبراء الذين يرتقون سلم النجاح في الجامعة.