عندما ضرب فيروس «كورونا» العالم، بدأ الطهاة اليائسون بمطاعم بانكوك الراقية في بيع وجبات «قنفذ البحر» على شطائر التوست وساندويتشات «واغيو كاتسو» بإرسالها إلى المنازل بعد أن فُرض حظر على دخول المطاعم.
استمر الطاهي دبنكار خوسلا في الطهي أيضاً، لكنه تجنب الرغاوي والمستحلبات وغيرها من مكسبات الطعم التي يتميز بها مطبخه. وبدلاً من ذلك، امتلأ مطبخه الذي يعمل فيه مهاجرون من ميانمار، بمئات عبوات أوراق الموز والخضراوات المتبلة بالزنجبيل والكركم لتعزيز مناعة الجسم، حيث يجري تسليم المئات من عبوات أرز خوسلا لسكان بانكوك بعد أن باتوا عاطلين عن العمل، وأحياناً «عن الطعام».
معلقاً على التغيير الذي طرأ على مطبخه، قال خوسلا: «هذا ليس وقت الكافيار. الناس يكافحون من أجل البقاء».
في جميع أنحاء العالم، لا يشعر الناس بدمار فيروس «كورونا» في وحدات العناية المركزة فحسب؛ بل أيضاً بين السكان الضعفاء الذين اندفعوا تحت خط الفقر بسبب الوباء.
رغم أن كثيراً من العاملين في المطاعم أصابتهم عضّة الفقر بسبب الإغلاقات القسرية، فقد استفاد مجموعة من الطهاة الراقين من المشاهير بتقديم الطعام لمن يحتاجونه. في الولايات المتحدة، يحاول خوسيه آندريس، الذي ساعدت منظمته غير الربحية في إطعام الناس في بورتوريكو التي دمرها الإعصار، الحفاظ على صحة الأطفال الأميركيين الذين اعتمدوا على وجبات الغداء المدرسية التي لم يعد يجري تقديمها بسبب إغلاق «كورونا».
شأن كثير من الطهاة الآخرين، يعتمد خوسلا، الذي ولد ونشأ في الهند، على العمال المهاجرين لتقشير البطاطس وغسل سكاكين السمك وتنظيف البطّ في مطعمه الراقي «هاوموا».
في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت تايلاند أول دولة تؤكد ظهور حالة لفيروس «كورونا» خارج الصين، وكانت لسائح من ووهان، المدينة التي يعتقد أنها شهدت بداية تفشي المرض. عندما بدأ الإغلاق بعد ذلك بشهرين وسط ارتفاع عدد الحالات الآتية من أوروبا واليابان والولايات المتحدة، تعرض قطاع السياحة في تايلاند للدمار، وهو القطاع المسؤول عن أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
كان أول من تعرض للتسريح من المطاعم والفنادق هم المهاجرين الذين لا يتمتعون بحماية من شبكات الأمان الاجتماعي ويمكن طردهم بسهولة. في صناعة الأغذية والمشروبات، تشكل الأقلية العرقية النيبالية في ميانمار المجاورة الحصة الكبرى من العمال الأجانب.
دشن خوسلا حملة على الإنترنت لجمع التبرعات وتحول من تقديم المأكولات الهندية في مطعمه إلى تقديم وجبات الطعام للمهاجرين العاطلين عن العمل قبل أن يشمل الفقراء التايلانديين أيضاً.
واليوم، يبدو المطعم الواقع في الممر المورق بمنطقة سكنية في بانكوك كأنه محطة لتوزيع الطعام في مخيم للاجئين. يجري تجفيف الفلفل الحار على منضدة، بينما يتم تكديس أكياس الأرز بالقرب من مدخل المزرعة الحضرية حيث يروي خوسلا الأعشاب والخضرة بمياه الأمطار المعاد تدويرها.
وقال فيشفاس سيدانا، مدير الأغذية والمشروبات بمطعم «هواما» إن «الطعام هو الطعام. ونحن نطبخ ما هو مطلوب منا». رغم أن هناك مطاعم شهيرة تحصل على هوامش ربح كبيرة، فإن خوسلا أفاد بأن صاحب العقار كان متفهماً وتنازل عن إيجاره، فيما قدم عملاء كرماء تبرعات لحملته على الإنترنت، وهو ما منعه من الاضطرار إلى طرد أي من موظفيه البالغ عددهم 32.
تبلغ تكلفة وجبة ورق الموز من مطبخه نحو 60 سنتاً لصنعها وتوزيعها. وقال إنه لكي يحمي الوجبات من الحرارة الاستوائية، فإنه يضيف الفلفل الحار والعطريات الأخرى التي تعمل مواد حافظة طبيعية، ويتجنب اللحم الذي يفسد بسهولة.
نشأ خوسلا (30 عاماً) في مدينة «برايراجراج» ذات الأديان العديدة، والمعروفة سابقاً باسم «الله آباد»، في شمال الهند، حيث وجدت عائلته مأوى بعد أن فروا مما أصبحت الآن باكستان أثناء الاضطرابات التي شهدها جنوب آسيا في أواخر الأربعينات.
قال خوسلا: «لقد نشأت مع قصص اللاجئين. نحن جميعاً مهاجرون».
عملت والدته على رعايته وإطعامه بشكل جيد، شأن جميع الأمهات في كثير من الأحيان. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، خطط خوسلا للانضمام إلى القوات المسلحة، لكن مشكلة في ركبتيه منعته من الالتحاق بالكلية، وذهب إلى مدرسة الطهي بدلاً من ذلك.
وفي حسرة ظاهرة، قال: «يُنظر إلى مهنة الطاهي في الهند على أنها عمل متدنٍّ بلا كرامة».
ومع انتقاله إلى بانكوك، عمل خوسلا طاهياً تنفيذياً في مطعم عصري في جنوب آسيا بإضاءة أنيقة يقدم الكباب الفاخر. ثم قام بتأسيس شاحنة طعام وتولى بنفسه قيادة سيارته حول الهند الصينية لتقديم وجبات أسماك «تكا تاكو» ولحم الضأن البرياني.
افتتح مطعمه «هاوما» قبل عامين، وتبني خوسلا تنفيذ فكرة «من المزرعة إلى المائدة» في مدينة تتنافس فيها مزارع العنب الخرسانية والاستوائية في الأجواء الطبيعية.
تعاني تايلاند من فجوات كبيرة في الثروة، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة «سوسي كريديت»، وكان معدل الفقر في ارتفاع حتى قبل انتشار فيروس «كورونا». يشغل نحو 4 ملايين مهاجر أجنبي بعض الوظائف ذات الأجور المتدينة، في قطاعات البناء وصناعة المأكولات البحرية والعمل المنزلي.
- خدمة «نيويورك تايمز»