إلياس الفخفاخ «فتى ذهبي» جديد... على رأس حكومة تونس

ثامن رئيس وزراء منذ الإطاحة ببن علي

إلياس الفخفاخ «فتى ذهبي» جديد... على رأس حكومة تونس
TT

إلياس الفخفاخ «فتى ذهبي» جديد... على رأس حكومة تونس

إلياس الفخفاخ «فتى ذهبي» جديد... على رأس حكومة تونس

تسلّم إلياس الفخفاخ وزير السياحة والمالية التونسي السابق والقيادي الاشتراكي الديمقراطي، رسمياً رئاسة حكومة تونس ما بعد انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وهكذا، حسم لصالحه ولصالح حليفه الرئيس قيس سعيّد أزمة سياسية ارتفعت حرارتها خلال الأسابيع الماضية، وأوشكت أن تؤدي إلى حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة.
يصف البعض الفخفاخ بـ«الفتى الذهبي» الجديد، ويشبهونه بسلفه يوسف الشاهد - الذي تولى رئاسة الحكومة بين أغسطس (آب) 2016 وفبراير (شباط) 2020 - ورئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة (خلال 2014) وبمجموعة من كبار المسؤولين التونسيين الذين دخلوا الساحة السياسية بعد سقوط حكم زين العابدين بن علي في مطلع عام 2011، الذين باتوا يعرفون بـ«الفتيان الذهبيين».
لم يفز إلياس الفخفاخ وحزبه اليساري المعتدل «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» في انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضيين، إلا أنه فاز بمنصب رئيس الحكومة الذي يحتكر نحو 70 في المائة من السلطات التنفيذية في الدستور التونسي. أما السبب فهو أن الرئيس قيس سعيّد وصديقه القديم يوسف الشاهد، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، وبعض المعارضين السابقين رشّحوه. وبناءً عليه، وصفه معلّقون بـ«الفتى الذهبي» وهذا لقب تطلقه الصحافة الرياضية الإيطالية سنوياً على أحسن لاعب كرة قدم، بصرف النظر عن نتائج ناديه في الملاعب.
في الوقت نفسه، يصف بعض النقابيين والسياسيين المعارضين هؤلاء «الفتيان الذهبيين» بـ«رجال فرنسا»، أو «حزب فرنسا»، مشيرين إلى أن معظمهم درسوا في الجامعات الفرنسية وتحمّلوا مسؤوليات على رأس مؤسسات اقتصادية فرنسية أو أوروبية، ولم يُعرَف لهم أي دور سياسي وحقوقي معارض لحكم الرئيس زين العابدين بن علي قبل احتجاجات أواخر 2010 ومطلع 2011.
في أي حال، يتميز الفخفاخ بصداقاته الكثيرة في باريس والعواصم الغربية لأسباب كثيرة، من بينها عضوية حزبه منذ عقدين للمنظمة السياسية الدولية في «الدولية الاشتراكية» التي تضم في عضويتها 160 من الأحزاب السياسية ذات التوجه «الديمقراطي الاجتماعي» أو «الاشتراكي» أو «العمالي»، من بينها الحزب الاشتراكي الفرنسي.

بطاقة هوية
إلياس الفخفاخ من مواليد 1972 في تونس، حيث تلقى تعليمه. وحصل على شهادة مهندس في الميكانيك وإدارة الأعمال من الجامعة التونسية عام 1995، ثم انتقل إلى فرنسا، وهناك حصل على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من مدرسة «إينسا» الجامعية بمدينة ليون، على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الإيسون بضواحي العاصمة الفرنسية. ولم يعد من فرنسا إلا عام 2006 وذلك بعدما حصل على جواز سفر فرنسي.
وباشر الفخفاخ حياته المهنية في فرنسا مدير مشروع في البحث والتطوير بشركة متخصصة في تصنيع المطاط متصلة بميادين صناعة السيارات والطيران. ثم عين مسؤولاً عن تطوير عمليات التصنيع في الكثير من مصانع المجموعة، كما تحمّل مسؤولية إدارة مشروع شامل لتقليص تكلفة الإنتاج في 45 مصنعاً في جميع أنحاء العالم.
وعلى الأثر، تولى منصب مدير الإنتاج في الفرع البولندي للمجموعة الفرنسية الدولية نفسها، ونجح في وضع خطة لتحسين الأداء ومضاعفة الطاقة الإنتاجية للشركة في غضون سنتين.

العودة إلى تونس
بعد العودة إلى تونس عام 2006، أشرف إلياس الفخفاخ على فروع لمؤسسات فرنسية دولية وعين مديراً عاماً لشركة «كورتيل» المتخصصة في صناعة مكوّنات السيارات. وبعد الدمج بين الشركة الفرنسية ونظيرتها الإسبانية «فونفيرا» عيّن الفخفاخ للمؤسسة الجديدة.
هذا المشوار المهني مع الشركات الأوروبية مكّن الفخفاخ من التمتع بدعم فرنسي غربي وجعل منه «الفتى الذهبي» الجديد، مثلما سبق أن حصل لسلفه مهدي جمعة الذي عين وزيراً للصناعة عام 2013 ثم رئيساً للحكومة في 2014 بفضل مشواره في شركات فرنسية ألمانية، ولاحقاً، لصديقه يوسف الشاهد بعد مشوار فني مع مؤسسات أوروبية وأميركية.
والشيء الثابت، أن الورقة الفرنسية والدولية أسهمت في ترجيح كفة رئيس الحكومة الجديد من بين 8 من الشخصيات التي اقترحتها الأحزاب على الرئيس سعيّد، في أعقاب إخفاق الحبيب الجملي، مرشح حزب «حركة النهضة»، في الحصول على ثقة البرلمان بعد شهرين كاملين من المفاوضات.
وزير سابق وصديق لـ«النهضة»
لقد تميّز خطاب إلياس الفخفاخ إعلامياً وسياسيا خلال الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية لشهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين رغم حداثة سن الحزب الذي رشحه، أي «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات». ويعود الفضل لهذا الحزب اليساري المعتدل، الذي يتزعّمه رئيس البرلمان الانتقالي مصطفى بن جعفر والوزير اليساري خليل الزاوية، في دخول الفخفاخ إلى الحكومة ما بين أواخر 2011 و2014 وتولّيه حقيبة السياحة ثم حقيبة المالية في الحكومتين الائتلافيتين اللتين ترأسهما قياديا «حركة النهضة» حمادي الجبالي وعلي العريّض.
ولقد أورد الفخفاخ في الكلمة التي ألقاها خلال حفل تسلّمه مهامه من يوسف الشاهد أن علاقته بسلفه تعود إلى مرحلة دراسته وعمله في فرنسا قبل انفجار الثورات العربية. ومما قاله إنهما تحادثا بعد سقوط زين العابدين بن علي بيوم واحد، وناقشا فرضية دخولهما المعترك السياسي في تونس. وتابع قائلا إنهما اختلفا، إذ قرّر الفخفاخ دخول حزب «التكتل الديمقراطي» بعد جلسة عمل مع مصطفى بن جعفر، رئيسه وزعيمه التاريخي وحليف «النهضة»، بينما اختار الشاهد أن يؤسس حزباً جديداً مع عدد من رفاقه بينهم سليم العزابي الأمين العام الحالي لحزب «تحيا تونس» والمدير السابق لمكتب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
وهكذا، كانت النتيجة أن افترق «الصديقان» الفخفاخ والشاهد. الأول انحاز سياسيا إلى بن جعفر والرئيس السابق المنصف المرزوقي وبقية حلفاء «حركة النهضة» ما بين 2011 و2014 وأصبح وزيراً. والتحق الثاني بعدد من أعيان العاصمة تونس وبزعيم المعارضة - وقتها - الباجي قائد السبسي وحزبه «نداء تونس» فعيّن عام 2015 عضوا في حكومة الحبيب الصيد، ثم اختير رئيساً للحكومة «الائتلافية» منذ صيف 2016.
يومذاك، انتظم الفخفاخ وحزبه بالمعارضة «الديمقراطية الاجتماعية الحداثية» وتفرّغ لمؤسسة الدراسات والاستشارات الاقتصادية الدولية التي أسسها طوال 4 سنوات. إلا أنه بعد وفاة الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي عدّل ساعته مجدّداً سياسيا، وخاض السباق نحو قصري قرطاج (الرئاسي) والقصبة (الحكومي).

صديق النقابات ورجال الأعمال
كانت من بين مفاجآت كلمات موكب نقل السلطات من الشاهد إلى الفخفاخ على رأس الحكومة بحضور عدد كبير من كوادر الدولة والمجتمع المدني، أن تبادل الرئيسان السابق والتالي الورود. وأشاد الشاهد بخلفه في رسالة تدعو إلى تكريس «استمرارية الدولة». وفي الوقت الذي بدأ البعض يتحدث عن محاسبة الشاهد ووزرائه بتهم الفساد وسوء التصرف، قدم الفخفاخ تطمينات له وأثنى على إنجازات حكومته وجهودها لرفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
أيضاً، أعلن الفخفاخ تصميمه على «قيادة البلاد بحزم»، وسعيه الدؤوب لأن يكون رئيس «حكومة قوية تضمن الاستقرار السياسي وتواصل عملها حتى تنظيم الانتخابات البرلمانية القادمة» بعد 5 سنوات.
ومن جهة ثانية، سجل رئيس الحكومة الجديد أن من بين أسباب تراكم صعوبات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تعاقب 7 رؤساء حكومة على قصر القصبة خلال فترة تقارب الـ8 سنوات. وحقاً، بدا الفخفاخ واثقا من تلقيه دعم قيادات نقابات العمال والصناعيين والتجار والفلاحين، باعتباره كان عضوا في الهيئة العلمية لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» ورجل أعمال في الوقت نفسه. وبالفعل، يلتقي الفخفاخ مع عدد من وزرائه في الفوز بصداقة كبار رجال الأعمال والقيادات النقابية في آن معاً، ما قد يمكّنهم من فرصة احتواء الاضطرابات الاجتماعية التي أرّقت الحكومات السابقة وأقضّت مضاجعها.

مرشح يوسف الشاهد

في هذه الأثناء، وصف عدد من وسائل الإعلام التونسية رئيس الوزراء الجديد بأنه «مرشح يوسف الشاهد»، لأن حزب الأخير «تحيا تونس» هو اقترحه على الرئيس سعيّد. ونوّه الشاهد في موكب تسليم مهام الحكومة الجديدة بخصال الفخفاخ، واعترف أمام الصحافيين والسياسيين الحاضرين أنه وحزبه كانا قد اقترحا على رئيس الدولة تكليف الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة. وللعلم، كان هذا الترشيح قد أثار جدلاً في صفوف معارضي الشاهد الذين أبدوا تخوّفهم من أن يكون ترشيحه جاء في نطاق «صفقة سريّة» بين الشاهد والفخفاخ من جهة وسعيّد من جهة ثانية.
إلا رئيس الدولة نفى بقوة خلال حوار تلفزيوني أن يكون خضع إلى ضغوط من أي شخصية أو جهة سياسية لترشيح الفخفاخ، بما في ذلك من قبل يوسف الشاهد. وأوضح سعيّد أنه اتخذ قراره بصفة مستقلة بعدما احتكم إلى ضميره، وأجرى تقييماً بينه وبين نفسه لمؤهلات كل المرشحين لرئاسة الحكومة.

نيران صديقة

مع هذا، ثمة مَن يشير إلى أن «النيران الصديقة» قد تؤرّق الفخفاخ، مثلما كشفته الجلسة العامة التي عقدها البرلمان للمصادقة على حكومته، وتداول خلالها على الكلام نحو 170 نائباً. ومع أن الحكومة الجديدة فازت بثقة 129 نائبا ولم يعترض عليها إلا 77 فإنها تعرّضت طوال 17 ساعة إلى «قصف لفظي» عنيف من نوّاب المعارضة، بل وحتى من نوّاب الكتل التي منحته ثقتها.
لقد كشفت جلسة منح الثقة أن «النيران الصديقة»، وليس فقط قيادات ورموز «النظام القديم»، ستهدد رئيس الوزراء الجديد وحكومته داخل البرلمان وخارجه. وتبين أن الانتقادات العنيفة الموجهة إلى الفخفاخ صدرت عن الكتل البرلمانية التي صوّتت لمصلحته، على رأسها نواب أحزاب «حركة النهضة» بزعامة راشد الغنوشي، و«الشعب القومي» العروبي بزعامة زهير المغزاوي، و«التيار الديمقراطي» اليساري بزعامة محمد عبو وغازي الشواشي وحزب «تحيا تونس» بزعامة الشاهد. ولقد كانت الرسالة واضحة، وهي: الدعم مشروط ومنح الثقة لا يعني «التوقيع على صك أبيض»، مثلما ورد على لسان رئيس مجلس شورى «حركة النهضة» الوزير السابق عبد الكريم الهاروني ورئيس كتلة الحركة في البرلمان الوزير السابق نور الدين البحيري.
تتزامن بعض هذه المواقف والانتقادات مع دعوات علنية لإسقاط حكومة الفخفاخ «بعد أسابيع أو أشهر قليلة» صدرت مجددا عن المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي زعيم حزب «قلب تونس» ورئيس كتلة الحزب في البرلمان عياض اللومي. إذ انتقد كل من القروي واللومي ورفاقهما بحدة الفخفاخ واتهموه بالانحياز إلى الرئيس سعيّد وبالعمل معه على إقصاء حزبهم سياسيا على الرغم احتلاله المرتبة الثانية في الانتخابات.
وكان قياديون في «النهضة»، بينهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي، قد انتقدوا بدورهم إقصاء الفخفاخ لحزب القروي، ورفضه مسايرة مشروعهم حيال «المصالحة الوطنية الشاملة» ولوّحوا بحجب الثقة عنه وعن حكومته. وأوضح الغنوشي أن الاستقرار السياسي يستوجب «طي صفحة الماضي وتحقيق مصالحة وطنية تشمل العائلات السياسية الثلاث: وهم اليسار والإسلاميون والدستوريون». وأورد أن المصالحة لا يمكن أن تستثني أنصار حزب «قلب تونس» الذي يُعد وريث الحزب الحاكم السابق في عهد الباجي قائد السبسي ومرحلة ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.
لكن الفخفاخ عارض هذا الخيار، ورفض توسيع التحالف مع حزب القروي وقياداته المتهمة بالفساد رغم تعيينه كوادر سابقة في حزب قائد السبسي ضمن فريقه الحكومي، بينهم رجل الأعمال علي الحفصي والمحافظ السابق شكري بن حسن، ومدير مكتب الرئيس قائد السبسي الوزير سليم العزابي.
وهكذا، يتساءل البعض هل سيشفع للفخفاخ وقوفه مع الرئيس سعيّد الذي يرفع بدوره شعارات «ثورية» مثل الانحياز للشباب والفقراء والجهات المهمّشة ومحاربة الفساد... أم يكون هذا الموقف سبباً في تشكّل جبهة سياسية اجتماعية ضده تؤدي إلى إسقاطه تحت ضغط الشارع أو عبر لائحة سحب ثقة يوقعها في البرلمان كتل حزب قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة؟
في كل الحالات يرجح أن يكون مصير الفخفاخ وحكومته رهينة لتحسن الوضع الاقتصادي الاجتماعي والسياسي المتأزم داخلياً... والمستجدات الأمنية والسياسية والاقتصادية السريعة في ليبيا والجزائر. وعليه، فإن على رأس أولوياته توظيف نقاط قوته وصداقاته الخارجية وداخلياً مع «الفتيان الذهبيين» حتى لا تهب على مستقبله السياسي الرياح من كل الاتجاهات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».