الانتحار في مرحلة الطفولة المتوسطة

عوامل أسرية تدفع إلى التفكير فيه

الانتحار في مرحلة الطفولة المتوسطة
TT

الانتحار في مرحلة الطفولة المتوسطة

الانتحار في مرحلة الطفولة المتوسطة

ربما يكون من المعروف أن الانتحار الآن يعدّ من أهم أسباب الوفاة بالنسبة للمراهقين، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الحوادث، ما يجعله ظاهرة صحية مؤرقة بالنسبة للأوساط الطبية في الدول المتقدمة على وجه التحديد.
- ظاهرة مبكرة
يبدو أن هذه الظاهرة تمتد لتشمل فئات عمرية أصغر في مرحلة ما يعرف بالطفولة المتوسطة، وهو الأمر الذي كشفت عنه أحدث الدراسات المتعلقة بالصحة النفسية للأطفال التي نشرت في النسخة الإلكترونية من مجلة الرابطة الطبية الأميركية (JAMA Network open) في مطلع شهر فبراير (شباط) الجاري، والتي أشارت إلى أن معظم الآباء ومقدمي الخدمة الطبية لا يعتقدون أن أطفال ما دون عمر العاشرة يمكن أن يفكروا في الإقدام على الانتحار.
قام الباحثون من جامعة واشنطن بسانت لويس بفحص بيانات 11800 من الأطفال وأيضاً مقدمي الخدمة الطبية المسؤولين عنهم لمعرفة لأي مدى يمكن لفكرة الانتحار أن تكون منتشرة في أوساط الأطفال الصغار، وكذلك رصد محاولات الانتحار من عدمه ومحاولات إيذاء النفس حتى لو لم تكن بغرض الانتحار. وكانت أعمار جميع هؤلاء الأطفال تتراوح بين التاسعة والعاشرة من العمر.
وقام الباحثون أيضاً برصد العوامل الأسرية المحيطة بالأطفال بمعنى حالة العائلة المادية ومدى قدرتها على الإنفاق، وأيضاً الخلافات العائلية بين الآباء أو المشاكل النفسية التي تتعرض لها الأسرة بشكل عام؛ مثل المخاوف من الفقر أو الاضطهاد أو المرض.
وكانت المفاجأة للباحثين أن نسبة بلغت 6.4 في المائة من الأطفال الذين شملتهم العينة انتابتهم بالفعل أفكار تتعلق بإنهاء الحياة والإقدام على الانتحار أو على الأقل تمني الموت. وكانت هناك نسبة منهم بلغت 4.4 في المائة فكروا في الانتحار، ولكن من دون الاستقرار على طريقة معينة، بينما كانت هناك نسبة بلغت 2.4 في المائة فكروا في طريقة معينة ووضعوا خطة بالفعل لتنفيذ فكرتهم (حتى لو بطريقة بدائية).
وكانت نسبة الذين أقدموا بالفعل على محاولة الانتحار هي 1.3 في المائة (هذه النسبة تعدّ كبيرة جداً بالنسبة للفئة العمرية المستهدفة). وأخيراً كانت نسبة الذين أقدموا على إيذاء أنفسهم بشكل عضوي، ولكن من دون نية للتخلص من الحياة تبلغ 9.1 في المائة.
- عوامل أسرية
أكدت الدراسة أن العوامل الأسرية المختلفة سواء الشجار باستمرار بين الأبوين أو النقد الدائم سواء المتبادل بين الأبوين أو الموجه للطفل والتوتر بشكل عام والغضب، لعبت دوراً مهماً في زيادة احتماليات التفكير في الانتحار، وكذلك الإقدام على أذى النفس، وكذلك ازدادت الاحتماليات في الحالات التي تقل فيها المتابعة الأسرية وانشغال أفراد العائلة عن الطفل، وكذلك التاريخ العائلي للإصابة بالاكتئاب في الأسرة. وأوضح الفريق البحثي أن هذه الخلافات لا تعدّ السبب المباشر، ولكنها عامل مؤثر، بمعنى أنه ليست كل العائلات التي تعاني من مشكلات سواء مادية أو نفسية يقوم أطفالهم بالتفكير في الانتحار أو أذى النفس.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه النتائج ربما تمثل صدمة للآباء وتتعارض مع الاعتقاد الجمعي بأن الأطفال في هذا العمر غير معرضين لخطر التفكير في الانتحار أو محاولات الإقدام عليه بالفعل، خصوصاً مع عدم وصول أي منهم لمرحلة المراهقة. وحذر الباحثون من انخفاض الفئة العمرية التي تفكر في التخلص من الحياة، وهو الأمر الذي يغفله الآباء تماماً، حسبما رصدته الدراسة من خلال مقارنة البيانات بين الشهادات المباشرة من الأطفال وتقارير مقدمي الخدمة الطبية بسؤال الآباء عن اعتقادهم إذا كان أطفالهم يفكرون في الانتحار من عدمه.
وأوضحت الدراسة أيضاً أن نسبة بلغت 75 في المائة من مقدمي الخدمة الطبية سواء في المدارس أو النوادي لم تكن على دراية بحقيقة الأطفال الراغبين في الانتحار، وهو ما يعني عدم توقعهم مثل هذه الأفكار في الفئة العمرية المستهدفة من الدراسة.
وحذر الباحثون من أن بعض مقدمي الخدمة والمدرسين والمدربين ربما يلاحظون تغيرات حقيقية على الطفل بل يشكّون بالفعل في احتمالية أن يفكر هذا الطفل في الانتحار، ولكن لا يقومون بمناقشة الطفل حول أفكاره مخافة أن يضعوا الفكرة في رأسه وتكون موضع اهتمام، وبالتالي يفضلون تجاهل الأمر أو التقليل منه، ما يمكن أن يتطور لاحقاً في عدم وجود المساعدة الطبية المتخصصة.
- نصائح للآباء
ونصحت الدراسة الآباء في حالة شكهم في إمكانية أن يكون طفلهم مهما كان عمره من الذين يفكرون في التخلص من الحياة بضرورة مناقشة الابن وسؤاله، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن رغبته في الانتحار من عدمه، وفي حالة عدم قدرة الآباء على تحديد ذلك، يمكن أن يقوموا بعرض الطفل على طبيب متخصص، ويجب على الآباء أن يقوموا بمتابعة الطفل بشكل دوري كل فترة زمنية، مروراً بمرحلة المراهقة والبلوغ لاحقاً.
ونصحت الدراسة أيضاً الأطباء بوضع التفكير في الانتحار في الحسبان عندما يتم التقييم النفسي للأطفال الصغار، خصوصاً الذين يعانون من مشكلات نفسية أو من عائلات مضطربة وبها مشكلات مادية.
وأكدت الدراسة ضرورة عدم الاستهانة بالمشكلات النفسية في الفئة العمرية الأصغر من أجل أن يتم علاجها بالشكل الصحيح، حيث إن الجميع بمن فيهم الأطباء أنفسهم لا يعتقدون أن الأمور يمكن أن تصل إلى الحد الذي يفكر فيه طفل في الانتحار، وهو الأمر الذي يمثل عائقاً في اكتشاف الحالات بشكل مبكر، وبالتالي التدخل لعلاجها من خلال عرضها على الأخصائيين النفسيين لما يشبه نوعاً من الوقاية لهؤلاء الأطفال.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

الولايات المتحدة​ جنود أميركيون (رويترز - أرشيفية)

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

قال مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية، إن حالات الانتحار في الجيش الأميركي زادت عام 2023، وهو ما يمثل استمراراً لاتجاه طويل الأمد كافح البنتاغون للحد منه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

من مايكل جاكسون إلى ليام باين، مروراً بماثيو بيري وغيرهم من النجوم... خيطان جمعا ما بينهم؛ الشهرة المبكّرة والوفاة التراجيدية التي تسببت بها تلك الشهرة.

كريستين حبيب (بيروت)
تكنولوجيا السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

اتهمت سيدة أميركية روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار بعد أن أصبح «مهووساً به».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق السلامة أولاً وأخيراً (أ.ب)

«وعاء» نيويورك الشبيه بخلية يُرحِّب مجدّداً بالزوار... و«سلامتهم»

صعد السياح مجدّداً درجات منحوتة «الوعاء» في مانهاتن التي تتّخذ شكل خلية نحل، وذلك بعد إعادة إتاحة زيارتها أمام الجمهور للمرة الأولى منذ 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (مانهاتن (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق وفق علم النفس فإنّ مَن ينتحرون من أماكن مرتفعة يرغبون في تحويل موتهم إلى فعلٍ عام (رويترز)

ليام باين ليس أوّل ضحاياها... الشرفةُ كوسيلة انتحارٍ حتميّ

أعادت حادثة سقوط المغني ليام باين من على شرفة الفندق وفياتٍ كثيرة مشابهة إلى الأذهان. فلماذا يختار بعض المشاهير الانتحار من أماكن مرتفعة؟

كريستين حبيب (بيروت)

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)
أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)
TT

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)
أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)

تشير دراسة أميركية موسعة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضةً للوفاة المبكرة.

وكتب باحثون في «المجلة الطبية البريطانية» أن الحالتين الشائعتين بين النساء مرتبطتان بمخاطر أكبر مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، لكن تأثيرهما على احتمال الوفاة قبل سن السبعين لا يزال غير واضح، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

وتتبعت الدراسة نحو 110 آلاف امرأة كانت أعمارهن تتراوح بين 25 و42 عاماً في عام 1989، ولم يكن لديهن تاريخ في استئصال الرحم أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان. وعانت حوالي 12 ألف امرأة من بطانة الرحم المهاجرة، وهي حالة مزمنة تسبب ألماً نتيجة نمو نسيج مشابه لبطانة الرحم خارج الرحم، بينما عانت 21 ألفاً و600 حالة من أورام ليفية، وهي أورام غير سرطانية تتكون في جدار الرحم.

وتوفيت 4356 امرأة قبل بلوغ سن السبعين على مدى الثلاثين عاماً التالية.

وكانت المعدلات السنوية للوفاة المبكرة بأي سبب، حالتي وفاة من بين كل ألف امرأة مصابة ببطانة الرحم المهاجرة و1.4 من كل ألف امرأة لم تكن مصابة بهذه الحالة.

وبعد احتساب عوامل الخطر مثل العمر ومؤشر كتلة الجسم والنظام الغذائي والنشاط البدني والتدخين، ارتبطت بطانة الرحم المهاجرة بارتفاع خطر الوفاة المبكرة بنسبة 31 بالمائة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السرطانات النسائية.

وارتبطت الأورام الليفية الرحمية بازدياد خطر الوفاة المبكرة من السرطانات النسائية، لكن ليس بمعدل أعلى من الوفاة لأي سبب.

وخلص الباحثون إلى أن «هذه النتائج تسلط الضوء على أهمية أن يأخذ مقدمو الرعاية الأولية هذه الاضطرابات النسائية في الاعتبار عند تقييمهم صحة المرأة».