بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

الفساد وليس ترمب من سيوجّه التصويت العقابي للإيرانيين

ثمة تمثيلية مألوفة تجري فصولها في طهران اليوم. وقبيل انعقاد الانتخابات البرلمانية الإيرانية المقررة قريباً، تسارع الفصائل السياسية التي من المحتمل أن تبلي بلاءً سيئاً في الانتخابات إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة.
الحقيقة أن السياسيين الفاشلين في كل مكان عادةً ما يلجأون إلى أساليب إدارة التوقعات بوصفها الملاذ الأخير، ويبدو إلقاء اللوم على الولايات المتحدة التقليد السياسي الأكثر شيوعاً داخل الجمهورية الإسلامية. أما أكثر الفصائل المخضرمة في المهارتين فهم ما يطلق عليهم «المعتدلون»، والذين يعد الرئيس حسن روحاني القائد الأول لهم.
ودعونا هنا نلقِ نظرة سريعة على التعريفات: روحاني ليس معتدلاً على أي نحو عقلاني يمتّ إلى تعريف هذا المصطلح. الحقيقة أنه كان دوماً جزءاً من الهيكل الأمني الديني الذي تولى إدارة إيران منذ وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني. وربما يكون التوصيف الأمثل له والدائرة المقربة منه أنهم الأقل تشدداً بين المتشددين.
الحقيقة أن النظام السياسي الإيراني لا يسمح إلا بمساحة محدودة للغاية أمام المعتدلين الحقيقيين، ناهيك عن الإصلاحيين. وفي المرة الأخيرة التي اقتربت فيها حكومة إيرانية من مثل هذه التعريفات (خلال فترة رئاسة محمد خاتمي ما بين 1997 – 2005) عجزت الحكومة عن إقرار أي إصلاحات حقيقية.
والآن، دعونا نَعُد إلى الدورة الانتخابية الحالية. من المتوقع أن يخسر روحاني ورفاقه الأقل تشدداً في الانتخابات الوشيكة، ويلقون باللوم في ذلك على إدارة ترمب. وقال روحاني إن الأميركيين الخائنين «خلقوا فجوات بين المؤسسة والشعب»، وأن الإيرانيين يتعين عليهم استغلال صناديق الانتخابات لإظهار وحدة صفوفهم.
ومع هذا، يبقى هناك الكثير من الأسباب وراء الأداء الرديء لفصيل روحاني. ويرتبط بعض الأسباب بطبيعة دورية خالصة، ذلك أن الناخبين الإيرانيين يميلون نحو تغيير بوصلتهم الانتخابية كل ثماني سنوات. على سبيل المثال، تبع خاتمي وزمرته من العناصر الطامحة نحو الإصلاح عناصر رجعية بقيادة محمود أحمدي نجاد عام 2005 والذين جرى لاحقاً استبدال روحاني وزمرته عام 2013 بهم.
أما من يعمل على مضيّ هذه الدورة بسلاسة فهو الرجل صاحب السلطة الحقيقية داخل طهران، المرشد الأعلى علي خامنئي، أكثر المتشددين تشدداً. وعندما تظهر أي مؤشرات على حدوث تذبذب، يسارع نحو التدخل عبر أحد سبيلين. قبل الانتخابات، يعمد إلى إضعاف إمكانات فوز أي فصيل غير مريح له عبر العمل على ضمان أن مجلس تشخيص مصلحة النظام الخاضع لسيطرته، سينزع أهلية نسبة كبيرة من مرشحي ذلك الفصيل غير المرغوب فيه. واضطلع المجلس بالدور المنوط به في هذه الدورة، لكنه لاقى عوناً من إدارة روحاني التي نزعت أهلية بعض المرشحين.
وكما لو أن التدخل قبل الانتخابات لا يكفي، أبدى خامنئي استعداده للتدخل في مسار الانتخابات ذاتها، مثلما فعل عام 2009 عندما بدا أن أحمدي نجاد ربما لا يفوز بفترة رئاسة ثانية. وعندما خرج الإيرانيون إلى الشوارع للتظاهر ضد التلاعب الذي ألمّ بالانتخابات، شن النظام حملة إجراءات قاسية ضدهم. وخضع المرشحون الذين دخلوا في منافسة أمام أحمدي نجاد للإقامة الجبرية، وبدا أن روحاني وجد من المناسب تركهم على هذه الحال.
ومن المحتمل أن يحتاج روحاني إلى التدخل هذه المرة، ذلك أن روحاني وعشيرته لا يثيرون حماساً عاماً يُذكر تجاههم، ومن المحتمل أن يرفضهم الكثير من الإيرانيين عبر صناديق الانتخابات - إمكانية تثير قلق الرجلين، لأن هذا قد يجري تفسيره بوصفه رفضاً شعبياً لنظام سياسي يجري الترويج له منذ عقود.
وتحمل رسالة خصوم روحاني أصداء رسالة حملة بيل كلينتون الانتخابية عام 1992: «إنه الاقتصاد، يا غبي»، ذلك أنهم يدركون أن الإيرانيين يشعرون بألم بالغ جراء الانكماش الاقتصادي، ويهاجمون الرئيس لفشله في تحقيق الازدهار الذي وعد به عبر حملات انتخابية سابقة.
من جانبه، حاول الفصيل الداعم للرئيس إلقاء اللوم في الأزمة الاقتصادية على إلغاء ترمب للاتفاق النووي وما أعقب ذلك من حملة «ضغوط قصوى» ضد إيران. وادّعى روحاني أن العقوبات الأميركية كبّدت الاقتصاد الإيراني 200 مليار دولار من حيث الاستثمارات والعائدات من النقد الأجنبي.
إلا أنه في الوقت الذي لا يكنّ فيه الإيرانيون مشاعر ودّ تجاه ترمب ويدركون جيداً أن العقوبات تؤلم البلاد، فإنهم يبدون في الوقت ذاته غير مقتنعين بالأعذار التي يسوقها روحاني. وخلال المظاهرات المناهضة للحكومة التي انطلقت في شوارع البلاد، ركز المتظاهرون على فساد النظام لا على عداء الحكومة الموجودة في واشنطن تجاههم. وبدلاً من تناول مثل هذه المظالم، رد النظام على المظاهرات بالقوة الوحشية، وقتل المئات. وإذا ما استرشدنا بالمظاهرات، من المعتقد أن الشعار العام للانتخابات القادمة سيكون «إنه الفساد يا غبي!». ورغم الإجراءات الشكلية التي اتخذها روحاني، استمرت البلاد في التراجع، حسب مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، من المركز 130 من بين 180 دولة عام 2017 إلى الـ138 عام 2018 والـ146 عام 2019.
الواضح أن الفساد مستشرٍ في إيران. يُذكر أنه أُلقي القبض على شقيق روحاني عام 2017 بتهمة استغلال النفوذ، ليطلق سراحه بعد يوم واحد فقط، ما أثار اتهامات بالمحاباة. (صدر ضده حكم رسمي الخريف الماضي).
من جهته، يتولى خامنئي الإشراف على شبكة تجارية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، ويبدو أن العناصر المفضلة لديه من بين المتشددين، مثل الإخوة لاريجاني، من المستفيدين من سياسات المحاباة، وربما استغلال النفوذ.
وإذا تجاهل الناخبون مناشدات روحاني المشاركة بأعداد كبيرة في الانتخابات المقررة في 21 فبراير (شباط)، فإنه لا يتحمل اللوم عن ذلك سوى هو. ومع هذا، ثمة احتمال كبير أنه سيلقي باللوم في ذلك أيضاً على عاتق الولايات المتحدة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»