بروفايل: بيت بوتيجيج مرشح رئاسي أميركي مغمور... يخالف كلّ التوقعات

تقليديو الحزب الديمقراطي ويساريوه يتخوفون من استقطابه الشباب

بروفايل: بيت بوتيجيج مرشح رئاسي أميركي مغمور... يخالف كلّ التوقعات
TT

بروفايل: بيت بوتيجيج مرشح رئاسي أميركي مغمور... يخالف كلّ التوقعات

بروفايل: بيت بوتيجيج مرشح رئاسي أميركي مغمور... يخالف كلّ التوقعات

هل يمكن أن تحصل مفاجأة تعيد خلط أوراق سباق الرئاسة الأميركية، أقله لدى الديمقراطيين؟ سؤال تصاعدت احتمالاته أخيراً مع البروز المفاجئ لأسهم المرشح المغمور بيت بوتيجيج، رئيس بلدية مدينة ساوث باند في ولاية إنديانا، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التمهيدية في ولايتي آيوا ونيوهامبشير. إذ منحت استطلاعات الرأي بوتيجيج (37 سنة) في هاتين الولايتين تقدّماً لافتاً إلى جانب متصدِّرَي السباق في الحزب الديمقراطي، وهم جو بايدن وبيرني ساندرز وإليزابيت وارين.
هذا التقدم قد يكون من الصعب تجاهله، إذا ما تمكن بوتيجيج من الاحتفاظ بزخم حملته الانتخابية في المراحل المتقدمة من السباق. ونشير إلى أن هذا المرشح لفت الأنظار، ليس بسبب مظهره أو تمرّده، بل لنجاحه في جمع التبرّعات، الذي كان إنجازاً مذهلاً لشخص لم يشغل منصباً سياسياً أعلى من رئيس بلدية مدينة يربو عدد سكانها بقليل عن 100 ألف نسمة.

اسمه بيتر «بيت» بول مونتغمري بوتيجيج من مواليد 19 يناير (كانون الثاني) 1982، وهو سياسي أميركي يعد أول شخص مثلي الجنس يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. وكان بوتيجيج قد أطلق حملته في 14 أبريل (نيسان) 2019، واكتسب قوة دفع كبيرة في منتصف عام 2019 عندما شارك في العديد من المناقشات في قاعات البلديات والمنتديات. وفي بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتبره العديد من وسائل الإعلام واحداً من أربعة مرشحين ديمقراطيين «من العيار الثقيل».

- بطاقة شخصية
ولد بيت بوتيجيج، المتحدر من أصل مالطي - ويعني اسم عائلته «أبو دجاج» -، في ساوث باند بإنديانا. وهو الابن الوحيد لجوزيف بوتيجيج وجنيفر آن مونتغمري. والده من مواليد بلدة همرون في مالطا، وكان قد درس اللاهوت، ليغدو كاهناً يسوعياً قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة، ويبدأ في ممارسة التعليم كأستاذ للأدب في «جامعة نوتردايم» العريقة في ساوث باند لمدة 29 سنة. وتلقى ابنه بيت تعليمه الجامعي في اثنتين من أشهر جامعات العالم وأرقاها، وهما «هارفارد» الأميركية و«أوكسفورد» البريكانية (بموجب «منحة رودز»).
بين عامي 2009 و2017، شغل بوتيجيج منصب ضابط استخبارات بحرية في احتياطي البحرية بالولايات المتحدة، برتبة ملازم. وفي عام 2014، خدم في أفغانستان لمدة 7 أشهر وحصل على ميدالية الثناء المشترك للخدمة وجائزة وحدة الاستحقاق المشتركة. ومن 2007 إلى 2010 عمل مستشاراً في شركة الاستشارات الإدارية الشهيرة «ماكينزي وشركاه».

- في المعترك السياسي
شغل بوتيجيج منصب رئيس بلدية ساوث باند من يناير 2012 إلى يناير 2020. ونشط في الحملات السياسية للمرشحين الديمقراطيين. كذلك هُزِم في انتخابات 2010 لمنصب وكيل الخزانة في إنديانا قبل انتخابه عمدة لساوث باند في العام التالي، ليغدو أصغر عمدة لمدينة يزيد عدد سكانها عن 100 ألف مواطن. وفي عام 2015، اعترف علناً بمثليته، وفي وقت لاحق من ذلك العام أعيد انتخابه بأكثر من 80 في المائة من الأصوات. وفي عام 2017، ترشّح لمنصب رئيس اللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي لكنه فشل.
بالنسبة للشرق الأوسط، سبق لبوتيجيج القول إن الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 في أعقاب هجمات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» له ما يبرّره. إلا أنه يدعم الآن سحب القوات الأميركية من المنطقة، مع الحفاظ على وجود مستمر لأجهزة الاستخبارات. وهو رغم التزامه بتأييد إسرائيل، فإنه يفضل حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ويعارض ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وكذلك دعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتطبيق القانون الإسرائيلي في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ومن جانب آخر، أعرب عن استمرار تمسكه بالعمل مع المملكة العربية السعودية لصالح الشعب الأميركي، ودعم إنهاء حرب اليمن. كذلك انتقد قرار ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا، التي يقول منتقدون إنها أعطت تركيا الضوء الأخضر لشن هجومها العسكري على الأكراد السوريين.

- مواقفه السياسية الداخلية
أما في الشأن الداخلي، فلقد دعم بوتيجيج تحقيقات مجلس النواب الأميركي لإقالة الرئيس دونالد ترمب، قائلاً: «لقد أوضح أنه يستحق أن يتم عزله». لكنه قال أيضاً إنه سيكون هناك «الكثير من الفوائد» إذا ما هُزم ترمب في عام 2020 مع أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يسعون لتجديد انتخابه بدلاً من عزله من منصبه. وخلال الحملة الرئاسي الحالية، فإنه بنى استراتيجيته على فكرة «التغيير بين الأجيال»، وسرعان ما بدأ صعوده يثير الخوف، ليس فقط في صفوف «الحرس القديم» في الحزب الديمقراطي، بل، خصوصاً، في تيار اليسار الراديكالي.
إذ أثار المرشح الشاب غضب أعضاء مجلس شيوخ حاليين محنكين وحكام ولايات حاليين وسابقين، لأن الناخبين يتوقون إلى قيادة من خارج واشنطن ومن جيل الشباب، حسب صحيفة «ذا هيل».
واليوم، التيار اليساري يعتبره خصماً كبيراً يمكن أن يهدد حظوظه في استقطاب الفئات الشابة، التي تميل بطبعها نحو الوجوه الشابة، رغم انحيازها الطبيعي نحو التجديد والتمرد على التقاليد. ومع أن حملته لم تركز حتى الساعة على استقطاب الفئات الشابة، (حل بوتيجيج في آخر استطلاع بولاية آيوا ثالثاً متخلفاً بمسافة عن بيرني ساندرز وإليزابيث وارين لدى جيل الشباب بين 18 و29 سنة)، كما هو معهود من مرشح يفترض أن يعتبر التقرّب من جيل الشباب أولوية له، كما فعل جون كنيدي وبيل كلينتون. لكن إعلان بوتيجيج أنه ترشح لاستكمال مسيرة الرئيس السابق باراك أوباما، قرع جرس إنذار لدى يساريي الحزب الديمقراطي.

- حملة مالية ناجحة
المقلق الآن بالنسبة إلى منافسيه أنه على الرغم من تمكن ساندرز من الاحتفاظ بالمرتبة الأولى لناحية جمع التبرّعات، مع تحقيقه نحو 34.5 مليون دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، جمع بوتيجيج نحو 25 مليون دولار. وبذا تقدّم على نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي جمع نحو 23 مليوناً، وهو ما وضعه في الصفوف الأولى بين المرشحين الديمقراطيين، ويمكّنه من تمويل كبير لحملته الانتخابية مع اقتراب الانتخابات التمهيدية.
وحسب حملته، تلقى بوتيجيج حتى الآن أكثر من مليوني تبرّع من أكثر من 733 ألف شخص منذ دخوله السباق، بينهم 326 ألف شخص تبرّعوا له في الربع الأخير من عام 2019، متجاوزاً في ذلك ساندرز الذي تبرع له 300 ألف شخص في المدة نفسها. ومع جمعه نحو 76 مليون دولار عام 2019، يثبت بوتيجيج أنه قوة غير متوقعة في جمع الأموال، رغم أنه لم يكن شخصية معروفة. ومقابل تعرضه للانتقادات، بسبب مغازلة المانحين الأثرياء، أشادت حملته الانتخابية بأنه «مدعوم بالطاقة الشعبية من جميع الولايات الخمسين، وبأن متوسط قيمة التبرعات التي حصل عليها في الربع الأخير من العام الماضي بلغ 34 دولاراً». ودافع بوتيجيج عن قبوله التبرّعات من كبار المانحين، بالقول «إن هزيمة ترمب لا يمكن أن تتحقّق إذا خضنا المعركة وإحدى يدينا مكبلة».
مدير حملته مايك شموهل قال في مذكرة يوم الأربعاء، إن بوتيجيج «عزز نفسه كمرشح رئاسي رفيع المستوى». وأضاف أنه فعل ذلك «ليس من خلال الاستفادة من قائمة جمع الأموال أو الحساب المصرفي لعضو مجلس الشيوخ، أو شخص كان قد خاض انتخابات للرئاسة من قبل»، في إشارة إلى كل من ساندرز ووارين. إلا أنه على الرغم من أن قوته المالية كانت واضحة منذ عدة أشهر، ومن تحسّن وضعه في السباق الرئاسي بعد الاستطلاعات التي أجرت في آيوا أخيراً، فهو لا يزال يواجه أسئلة مهمة حول قدرته على توسيع قاعدة دعمه بما يتجاوز الناخبين البيض.

- كسب الأقلية اللاتينية
في هذا السياق، عمدت حملة بوتيجيج إلى ترجمة العديد من أنشطتها ومنشوراتها إلى الإسبانية، وتوزيعها حتى في احتفالات التجنيس مستهدفة الناخبين اللاتينيين. ويبحث المرشحون الديمقراطيون راهناً، وكذلك الرئيس ترمب، عن طرق جديدة لاستغلال الأحداث، وبث الرسائل باللغة الإسبانية لاستمالة ما يقرب من 32 مليون ناخب لاتيني مؤهل، وهي الأقلية المرشحة للتفوق على الناخبين السود كأكبر كتلة تصويت للأقليات في الولايات المتحدة خلال العام المقبل.
فقد بلغ عدد اللاتينيين الذين صوتوا في انتخابات مجلس النواب عام 2018، 11.7 مليون ناخب، أي ضعف ما يقرب من 6.8 مليون صوتوا عام 2014، التي اعتبرها مركز «بيو للأبحاث» أنها أكبر زيادة فردية على الإطلاق بين انتخابات منتصف المدة وأخرى. ولم تكتف حملة بوتيجيج بالتركيز على ساحة المعركة المبكرة في الولايات التي تعيش فيها أقلية لاتينية كبيرة كولاية نيفادا، بل أيضاً على المناطق الريفية في آيوا ونيوهامبشير، حيث تقول إنه يجري تجاهل الناخبين اللاتينيين.

- اليساريون يناصبونه العداء
هذه المعطيات والأرقام والتقدم الذي تحققه حملة بوتيجيج، أفقدت يساريي الحزب الديمقراطي الصواب، مع إحساسهم بأن فرصة «القبض» على الحزب، قد تضيع مع مرشح يحمل العديد من نقاط القوة، ليس أقلها مثليته، التي قد تلقى على الأقل تأييداً؛ خصوصاً في الولايات ذات الكتل السكانية الكبرى والأكثر ليبرالية، ككاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا. فقد أعلن بوتيجيج تأييده لتعديل قانون الحقوق المدنية من خلال قانون المساواة الفيدرالي، بحيث يحصل المثليون على حماية فيدرالية غير تمييزية. كما يعارض الحظر المفروض على مشاركة المتحولين جنسياً في الخدمة العسكرية الذي فرضه ترمب.
وحقاً، شنت مجلات راديكالية ومنابر يسارية عدة ضده حملة شرسة، واصفة إياه بأنه «جمهوري متخف». فصعوده المفاجئ يرعبهم، خصوصاً الجيل الشاب منهم من الذين فازوا أخيراً في مقاعد بمجلس النواب في انتخابات 2018، أمثال أليكساندريا كورتيز. ورغم تفضيلهم لساندرز، فإن كرههم لبوتيجيج يفوق اعتراضهم على كل من بايدن ووارين. ولتفسير ذلك جمعت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» قائمة من التفاسير المحتملة على «تويتر»، بما في ذلك أن اليسار قد يعتبره خائناً لجيله أو انتهازياً صارخاً أو ممثلاً عن فئة احترافية مظلمة وغير موثوقة. كما أجرت مجلة «أتلانتيك» أيضاً استطلاعاً خلص في النهاية إلى أن المزيد من عهد باراك أوباما الذي وعد به بوتيجيج قد يكون أمراً لا يمكن هضمه من التقدميين. لكن هذه التفاسير لا تزال عامة جداً، ولا تفسر غضب اليساريين من منافس رئاسي يحتل حتى الآن المركز الرابع. فآيديولوجيته لا تختلف عن السيناتورة إيمي كلوبوشار ومايكل بينيتس، وكلاهما من المعتدلين سياسياً أكثر من بوتيجيج، الذي دعا من بين أمور أخرى، إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً، وإدخال خيار الرعاية الصحية العامة، وتوسيع حجم المحكمة العليا وإلغاء الكلية الانتخابية.

- تخوف من استقطابه الشباب
من ناحية ثانية، اليساريون يعتقدون أن الشباب يقفون إلى جانبهم، مستندين إلى استطلاع أخير لـ«كينيباك» عن شعبية ساندرز بين من هم تحت سن الثلاثين. وقال كل من النائبين جو كراولي وأليكساندريا كورتيز: «نحن لا نمثل فقط حملتنا ولكن حركتنا». وعبر ممثلو جناح ما يعرف بـ«الاشتراكيون الديمقراطيون الأميركيون» المعبؤون «عمّا يجب أن يكون عليه الحزب الديمقراطي»، في رسالة إلى صحيفة «نيويورك تايمز». وكتب وليد شهيد المتحدث باسم «ديمقراطيو العدالة» الموالية لكورتيز، في تغريدة على «تويتر»، «إن الصراع هو بين الأجيال»، مقتبساً جملة الزعيم اليساري الإيطالي الراحل أنطونيو غرامشي الشهيرة: «أميركا القديمة تموت، أميركا الجديدة تكافح من أجل الولادة. الآن هو وقت الوحوش».
لذلك ما يثير قلق تلك المجموعات اليسارية الشابة التي تؤمن بأن أمامها فرصة جدية لخوض معركة رئاسية ناجحة، أن صعود بوتيجيج قد يهددها. فهو فضلاً عن كونه أحد المحاربين القدامى، وفخوراً بمسيحيته، ومستشاراً سابقاً لشركة «ماكينزي» الشهيرة، يعتقد البعض أن أسلوبه في إحداث الصدمات الشخصية أقرب إلى ميت رومني من ساندرز أو حتى كورتيز. في نظر اليساريين الشباب الراديكاليين، فإن بوتيجيج ليس مجرد عدو آيديولوجي، بل هو أسوأ من ذلك.
ومما يثير قلق اليساريين أن معظم الناخبين غير راديكاليين بشكل حازم. لهذا السبب، وعلى الرغم من تشكيكه في برامج مثل «الرعاية الصحية للجميع والتعليم الجامعي المجاني»، فإن بوتيجيج ليس في منافسة مباشرة مع ساندرز. فهو يتنافس على الناخبين مع وارين، حيث أنصارها الليبراليون عرضة أكثر لتكنوقراطيته. وإذا نجح اليساريون في تشويه سمعة بوتيجيج وإضعافه، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تعزيز حظوظ وارين، أقرب منافسي ساندرز.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».