نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

مكافحة التغيرات المناخية والتكلفة الباهظة

الملاحظ في الوقت الحالي أن أعداداً متزايدة من الناس يتقبلون فكرة أن التغيرات المناخية تشكل أنباء سيئة.
والواضح كذلك أن حالة الإنكار فيما يخص التغيرات المناخية في تراجع؛ فقد أقرت الغالبية الكاسحة، بل و60 في المائة من الجمهوريين، أن مشكلة التغيرات المناخية من صنع الإنسان.
والتساؤل الأهم الآن ما إذا كان الأميركيون على استعداد لفعل ما يتطلبه تناول هذه المشكلة، أم لا.
وإذا كان الأميركيون غير مستعدين لدفع دولارين إضافيين فقط شهرياً مقابل الكهرباء، أو تقبل ارتفاع أسعار الغازولين بـ10 سنتات فقط للغالون، فإن إمكانية اتخاذ إجراءات دراماتيكية حقيقية في مواجهة التغيرات المناخية تبدو ضئيلة للغاية. ومع أن الأثرياء بمقدورهم، ومن المنتظر منهم تقديم تضحيات أكبر من أبناء الطبقة المتوسطة، فإنه من غير المحتمل على الإطلاق أن تترك أي خطة جادة لإبطاء وتيرة ارتفاع درجات حرارة الكوكب، الغالبية العظمى من الأميركيين دون المساس بهم مالياً.
إلا أنه إذا طلب من الأميركيين المشاركة في حرب ضد التغيرات المناخية، فإنه يتعين عليهم حينها إدراك التضحيات المادية والاقتصادية التي يتطلبها ذلك منهم. والسبيل الفضلى لذلك إمعان النظر في خطة مناخية طموحة ومصوغة على نحو جيد على غرار تلك التي اقترحها حاكم واشنطن؛ جاي إنسلي.
تدعو خطة إنسلي لإنتاج طاقة خالية من الكربون بحلول عام 2035. ويعني ذلك أن الفحم والغاز الطبيعي سيجري الاستغناء عنهما، وستجري الاستعانة بدلاً عنهما بمصادر مثل الطاقة الشمسية والنووية والرياح. وسيستلزم ذلك عمليات بناء مكثفة لمحطات جديدة لتوليد الطاقة ومنشآت لتخزين الطاقة وشبكات كهربائية لنقل الطاقة من أماكن إنتاجها إلى الأماكن التي تحتاجها. وسيتعين تعديل المباني للاعتماد على الكهرباء، بدلاً من الغاز في أغراض التدفئة والطهي. كما أن التحول من السيارات المعتمدة على الغازولين إلى الأخرى الكهربائية سيتطلب بناء شبكة وطنية من محطات إعادة الشحن.
ومن الممكن تمويل جزء كبير من هذه المتطلبات بالاعتماد على الضرائب المفروضة على الأثرياء، لكن الأمر سيتطلب قدراً هائلاً من الجهود وموارد أخرى لتنفيذه. وسيتعين تحويل هذه الموارد بعيداً عن إنتاج سلع وخدمات أخرى، ما يعني أن أسعار المستهلكين في مختلف جنبات الاقتصاد سترتفع. وتعني هذه الأسعار الأعلى أن الأميركيين سيصبحون أفقر على المدى القصير، وإن كانت جهود إعادة التوزيع الحكومية باستطاعتها التخفيف من أثر الصدمة.
إلا أن الزيادة في الأسعار ستكون مؤقتة، وبعد اكتمال الفترة الانتقالية، سيتمكن العمال من العودة للاطلاع بأعمال أخرى وستصبح الطاقة أرخص عما كانت من قبل. إلا أنه على مدار عقد أو عقدين، سيتعين أن يبدل الاقتصاد محور تركيزه من إرضاء الاحتياجات الراهنة إلى بناء المستقبل - وهذا نمط التضحية الذي يتعين على شعوب الدول المتقدمة تقديمه خلال فترات النمو السريع. عندما تمر دولة مثل كوريا الجنوبية أو تايوان بعملية تحول سريعة باتجاه الصناعة، يعمل الجميع بدأب على ترشيد نفقاتهم واحتياجاتهم، بحيث يتمكن أطفالهم من الاستمتاع لاحقاً بمستويات معيشة أعلى، وسيكون التحول إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية مشابهاً.
ويعني التخلي عن أنماط الوقود الحيوي كذلك إعادة توزيع العمالة. ومن شأن التحول إلى طاقة صديقة للبيئة خلق عدد أكبر من الوظائف عن تلك التي ستختفي. إلا أنه سيتعين مستقبلاً على كثير من العاملين في قطاعي النفط والغاز الطبيعي البحث عن وظائف جديدة، وستصبح المهارات التي قضوا مسيرتهم المهنية في اكتسابها، فجأة أدنى قيمة عما كانت عليه. وسيتعين على الولايات المتحدة تقديم يد العون لمن يخوضون هذه الفترة الانتقالية نحو الاقتصاد الجديد، وسيتعين عليها التصرف على نحو أفضل مما فعلته عندما تعرض العمال بمجال التصنيع الأميركي للاستغناء عنهم لصالح المنافسة الصينية خلال العقد الأول من القرن الحالي.
أيضاً، الانتقال إلى طاقة صديقة للبيئة ربما يتطلب إدخال تغييرات على قوانين استغلال الأراضي وأنماط الحياة. ومن الممكن أن يسهم وجود شبكة كهربائية جديدة في المعاونة في نقل الطاقة من الأماكن المشمسة التي تمر بها الرياح إلى المنازل والمكاتب. وغالباً ما يبدو من المنطقي أن ينتقل الناس للعيش بالمناطق التي يوجد بها الطاقة. علاوة على ذلك، فإن المناطق الحضرية مترامية الأطراف تزيد صعوبة تقليص الانبعاثات الكربونية وتكاليف ذلك. وعليه، من المحتمل أن تتطلب خطة متكاملة للمناخ إجراءات لتعزيز الكثافة السكانية والنقل العام. وسيتعين على بعض الأميركيين الاعتياد على العيش على مسافات أقرب من بعضهم. وإذا لم يفلح الجيل المقبل من صور الوقود الحيوي الزهيدة في جعل الطيران حيادياً من حيث الانبعاثات الكربونية، سيتعين على الأميركيين تقليل معدلات انتقالاتهم جواً.
وهناك كذلك مشكلة الصلب والإسمنت. المعروف أن إنتاج هذه المواد الشائع استخدامها في البناء يولد كثيراً من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ومن شأن إقرار خطة مناخية توجيه أموال ضخمة لإجراء أبحاث حول تقنيات جديدة لإنتاج الصلب والإسمنت الخالية من الانبعاثات الكربونية، زهيدة التكلفة. إلا أنه في تلك الأثناء، سيتعين على الاقتصاد الاعتماد على نحو أقل على مثل هذه المواد. ومن الممكن أن يزيد هذا من تكلفة المنازل والمباني المكتبية والسيارات.
وستتطلب هذه التغيرات من المواطن الأميركي تقديم تضحيات من حيث سبل الراحة المادية تفوق 10 سنتات كضريبة غاز طبيعي أو دولارين إضافيين في تكاليف الكهرباء. وحتى إذا التزم الأثرياء بتحمل نصيبهم العادل من العبء، تظل الحقيقة أن كثيراً للغاية من الأميركيين من أبناء الطبقة الوسطى يملكون منازل ويقودون سيارات ويطهون بالغاز الطبيعي ويعملون في صناعة الوقود الحفري أو قطاعات على صلة بها ويعيشون في مناطق متروبوليتانية مترامية الأطراف. وعليه، فإن الانتقال إلى اقتصاد ما بعد الانبعاثات الكربونية سيتطلب عقوداً من العمل الدؤوب وتحمل كثير من المنغصات غير الخطيرة. الحقيقة أن مكافحة التغيرات المناخية تمثل حرباً بمعنى الكلمة، والحروب تتطلب تضحيات وعزيمة وصبراً للفوز فيها.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»