تعدّ المرة الأولى التي تحدث فيها الدورة الشهرية، أو «الحيض الأول (Menarche first)» حدثاً بالغ الأهمية في حياة كل أنثى؛ حيث تتحول من طفلة إلى مراهقة. ورغم أن نمو الثديين وظهور شعر العانة من العلامات المبكرة جداً لحدوث البلوغ، فإن الدورة تعدّ البداية الرسمية له. وفي الأغلب يبدأ حدوث الدورة في الفترة العمرية من 10 إلى 15 عاماً.
ولأن الأمر يحدث بشكل مفاجئ ويكون مصحوباً بقطرات من الدم، فإن معظم الفتيات يصبن بنوع من الفزع، نظراً لاعتقادهن أن مكروهاً أصابهن، أو حدوث جرح ما... كما يكون الأمر مصحوباً بالحرج والتوتر النفسي نتيجة لعدم توفر المعلومات. وكلما كان عمر الفتاة صغيراً نسبياً؛ كانت فرصة تهيئتها لذلك الأمر أقل.
مشورة الأم
يزداد الأمر صعوبة على الفتيات اللاتي ينحدرن من مجتمعات محافظة مثل مجتمعنا العربي؛ حيث يندر أن تتحدث الأم إلى ابنتها الصغيرة قبل حدوث الدورة، مما يجعل تجربة البلوغ عبئاً نفسياً على الفتاة بجانب العبء الفسيولوجي الطبيعي. ومن المهم أن تدرك الأمهات ضرورة توفير المعلومات الصحيحة للفتاة قبل حدوث الدورة حتى لا تنظر إلى جسدها بشكل سلبي؛ بل تكوّن صورة إيجابية عنه (Body positivity)، وتدرك الفتاة أن ما حدث لها أمر طبيعي تماماً نتيجة لتغير في الهرمونات.
ويمكن تقديم شرح مبسط لتفسير حدوث الدورة للفتاة الأكبر عمراً؛ بداية من أن المبيض يقوم بإنتاج بويضة، وتلعب الهرمونات دوراً في تكوين بطانة للرحم تكون مهيأة لحدوث تخصيب للبويضة. وفي حال عدم حدوث التخصيب تسقط هذه البطانة وهي التي تتسبب في هذه الدماء.
ويجب على الأم توفير الدعم النفسي الكافي، وأيضاً عليها أن تختار الطريقة الصحيحة لتوصيل المعلومات لطفلتها بداية من نبرة الصوت الهادئة واستخدام كلمات وجمل مثل «أمر طبيعي»، و«يحدث لكل الفتيات» و«أمر متوقع» و«هذا الأمر يثبت أن جسدك سليم صحياً».
ويمكن للأم أيضاً أن تشارك تجربتها الخاصة مع ابنتها، مما يشعر الفتاة بالحميمية والطمأنينة إلى أن ما سوف يحدث يجب ألا يسبب الشعور بالحرج، وأيضاً لأن التجربة العملية الشخصية تحظى باهتمام الأطفال أكثر من الكلام النظري.
ومن المهم أن تعرف الأم أن ما كان يعرف في السابق بأنه نمو مبكر للفتيات؛ يعدّ الآن طبيعياً، وأن نمو الثديين لدى الفتيات بحلول عامهن الثامن كان أمراً يستدعي التعامل معه بشكل طبي؛ أما الآن، فإن هناك نسبة من الفتيات تبلغ 25 في المائة ينمو الثديان لديهن قبل عمر الثامنة، و20 في المائة يبدأ لديهن شعر العانة في الظهور. وانخفاض هذه المعدلات يتبعه بالضرورة حدوث الدورة في وقت مبكر نحو عمر التاسعة. ومن المعروف أن نمو الثديين يسبق الدورة بنحو عامين على وجه التقريب.
تجربة البلوغ
من الممكن عدم الحديث عمّا تعرف باسم «أعراض ما قبل الدورة (premenstrual tension)» إلا في وقت حدوثها، حتى لا تتوقع الفتاة الأعراض وتصاب بالقلق والتوتر والمخاوف من الألم. وفي وقت الحدوث يجب شرح أن الألم يكون مؤقتاً ولا يستمر أكثر من يوم أو يومين على الأكثر ويمكن احتماله. وفي حال كانت الآلام شديدة فإنه يتم تناول الأدوية المضادة للتقلصات (antispasmodic) أو المسكنات. وهذه الآلام تختلف شدتها، وكذلك توقيتها، من فتاة إلى أخرى، وتبدأ بأوجاع بسيطة في الثديين، ومغص في البطن، وكذلك أعلى الفخذين، وآلام في الظهر، وفي بعض الأحيان يمكن أن يحدث غثيان وقيء وارتفاع بسيط في درجة الحرارة، وتصحب هذه الآلام تغيرات نفسية طفيفة؛ حيث يعاني كثير من الفتيات من تعكر المزاج والضيق والتوتر.
ينصح الخبراء النفسيون بضرورة توفير المعلومات، وفي حال شعور الأم بالحرج من الحديث مع طفلتها في الأمر؛ خصوصاً إذا كانت الفتاة صغيرة في العمر، فيمكن للأم أن تستعين بفيلم مبسط به مادة علمية وصور توضيحية. ولكن يجب أن تشاهد الفيلم مع طفلتها وتكون مستعدة للأسئلة المختلفة التي يمكن أن تطرحها الفتاة؛ ومنها مدة حدوث الدورة، التي تتراوح بين 3 و5 أيام ويمكن أن تزيد أو تقل لدى كل فتاة على حدة، وتحدث بمعدل شهري تقريباً (كل 4 أسابيع، ولكن هناك فتيات يمكن أن تحدث لديهن بشكل أكثر كل 3 أسابيع، والعكس؛ فهناك بعض الفتيات تحدث لديهن كل 6 أسابيع). ومن المعروف أنه في بداية حدوث الدورة يمكن أن تكون غير منتظمة ومتقطعة، لكن يجب أن تنتظم بعد ذلك.
من المهم أن تكون هناك قنوات مفتوحة بين الأم وابنتها حول الدورة وحدوثها، خصوصاً أن هناك بعض الأمور التي يمكن أن تكون مرضية، والفتاة تظنها طبيعية. والأم هي التي تكون قادرة على تحديد ذلك، وتعرف متى يمكن أن تلجأ إلى الطبيب... على سبيل المثال؛ إذا توقفت الدورة أشهراً عدة بعد حدوثها لأول مرة، أو إذا تعدت الفتاة 15 عاماً ولم تحدث لها الدورة مطلقاً، أو في حال حدوثها بمعدل أقل من 3 أسابيع، وعدم انتظام الدورة بعد انتظامها لفترة، أو في حال استمرار الدورة لوقت أكثر من 7 أيام، وهو الأمر الذي يمكن أن يشير إلى خلل في مواد التجلط أو خلل هرموني في الجسم... وكذلك في حال حدوث نزف بين الدورتين.
وفي النهاية؛ كلما كانت الأم على علاقة صداقة بابنتها، أمكنها تهيئتها لحدوث الدورة الشهرية.
- استشاري طب الأطفال