نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

اختفاء المقايضة بين الوظائف والتضخم

في وقت سابق من هذا الأسبوع، دخلت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز في تحدٍ أمام رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، حول ما إذا كان ما يعرف باسم «منحنى فيليب» - العلاقة العكسية المفترضة بين البطالة والتضخم - «لم يعد يطرح تفسيراً لما يحدث اليوم في الاقتصاد»، أم لا. وفي لحظة نادرة اتفق خلالها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، اتفق معها في الرأي المستشار الاقتصادي الرئاسي لاري كودلو.
ربما تشعر أوكاسيو كورتيز بالقلق حيال الأجور. ورغم أن البطالة في مستويات منخفضة تاريخية، جاء النمو في الأجر الحقيقي خلال السنوات الماضية منخفضاً على نحو لافت.
وإذا أقدم بنك الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة، أو أبقاها عند مستوى منخفض لفترة أطول، فإن هذا قد يطيل أمد التوسع الاقتصادي ويعزز نمو الأجور. وسيأتي هذا بفوائد خاصة للعاملين الأقل تعليماً والمنتمين للأقليات، والذين يميلون إلى تقديم أفضل أداء قرب نهاية موجة توسع. أيضاً، سيكون ذلك جيداً بالنسبة لاحتمالات إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، الأمر الذي دفع كودلو بالتأكيد للاتفاق مع أوكاسيو كورتيز.
جدير بالذكر أنه رغم تباطؤ نمو الأجور الحقيقي، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» المعدلات بثبات منذ أواخر 2016 حتى مطلع 2019. وتوقف عند ذلك.
وعادة ما يتمثل السبب وراء إقدام «الاحتياطي الفيدرالي» على رفع معدلات الفائدة في تجنب حدوث تضخم محتمل، لكن التضخم، باستثناء أسعار الطعام والطاقة المتقلبة، كان بوجه عام أدنى عن المعدل المستهدف من جانب «الاحتياطي الفيدرالي» والبالغ 2 في المائة.
تبعاً لـ«منحنى فيليب» الكلاسيكي، فإن معدلات البطالة المنخفضة ينبغي أن تعني ارتفاع التضخم. ويبدو أن حقيقة أن هذا لا يحدث على أرض الواقع، تشير إلى أن «منحنى فيليب» إما انهار أو لم يكن صائباً قط من الأساس. ومن خلال تذكير بذلك، تخبر أوكاسيو كورتيز الاحتياطي الفيدرالي بألا يسمح للتضخم بالوقوف عقبة في طريق تقليص معدلات الفائدة.
إلا أن التساؤل هنا: هل هي صائبة؟ هل فقد «منحنى فيليب» أهميته؟ يطرح خبراء اقتصاديون هذا التساؤل منذ عقود. في سبعينات القرن الماضي، على سبيل المثال، أوضح الخبير الاقتصادي المعني بالاقتصاد الكلي روبرت لوكاس أن «منحنى فيليب» يجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن. في الوقت ذاته، أعرب صانعو سياسات عن اعتقادهم بأن السماح بمعدلات تضخم أعلى سيؤدي إلى تراجع البطالة، بينما أكد لوكاس أنه إذا أدرك الناس أن الحكومة تحاول فعل ذلك، ستحصل الحكومة في النهاية على معدلات مرتفعة على صعيدي التضخم والبطالة.
ويبدو أن الكساد التضخمي الذي حدث في سبعينات القرن الماضي يعتبر بمثابة تحقيق لهذه النبوءة، وفقد «منحنى فيليب» مصداقيته بالفعل.
إلا أنه على مر السنوات، طرح خبراء اقتصاديون صوراً بديلة من «منحنى فيليب»، اعتمد كثير منها على تعريفات مختلفة للتضخم. وكان أشهرها أنه بدلاً من الاعتماد على معدلات التضخم الحالية أو الماضية، يجري الاعتماد على توقعات معدلات التضخم المستقبلية. كما اعتمد البعض على التغيرات في الأجور الاسمية محل تضخم أسعار المستهلك.
أيضاً، هناك تصورات مختلفة لفكرة تباطؤ سوق العمل؛ مثل كم عدد العاملين الذين لا يزالون يملكون وظائف دون أن يثير ذلك حالة من التضخم. من الناحية التقليدية، يجري تمثيل التباطؤ من خلال معدل البطالة، لكن خلال أحدث موجة توسع، ورغم وصول معدلات البطالة إلى مستويات قياسية من حيث انخفاضها، لم يتراجع عدد المواطنين بين 25 و54 عاماً دون عمل إلى المستويات المنخفضة القياسية التي كان عليها في تسعينات القرن الماضي.
من ناحيته، أوضح الخبير الاقتصادي آدم أوزيميك أن السبب وراء عدم انعكاس معدلات البطالة المنخفضة في صورة معدلات تضخم أعلى خلال موجة التوسع الأخيرة، يكمن في أن معدلات البطالة الحقيقية ليست بذلك الانخفاض.
على أي حال، من غير المتوقع أن ينتهي الجدل الدائر حول «منحنى فيليب» في أي وقت قريب. إلا أنه من زاوية ما، يبدو هذا الجدل غير ذي أهمية بالنسبة لمسألة ما إذا كان ينبغي خفض معدلات الفائدة، أم لا، لأنه إذا كان المنحنى انهار، مثلما توحي أوكاسيو كورتيز - أو أنه كان دائماً سراباً - إذن فإنه ربما يتعين على «الاحتياطي الفيدرالي» تقليص معدلات الفائدة للحفاظ على التوسع ومعاونة العمال الهامشيين من الحصول على زيادة في الأجر. أما إذا كان التضخم المنخفض نتيجة استمرار تباطؤ سوق العمل، مثلما يرى أوزيميك، فإن هذا يعني أنه من الضروري العمل على دفع المزيد نحو الحصول على وظائف، ما يوحي ضمنياً بضرورة أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»