يخوض اللاعب روجر فيدرر بطولة ويمبلدون للتنس للمنافسة على لقب البطولة. إنه يرمي بالكرة، ويرفع عنقه ليتابعها، وفجأة تسقط على جبهته قطرة «ما» من إحدى الحمائم الطائرات في سماء الملاعب.
ومن حسن الحظ أن شيئاً كهذا لم يحدث من قبل، حتى الآن على الأقل، في أثناء إحدى المباريات المهمة، كما تسعفنا الذاكرة.
ولأجل ذلك، يمكن لمنطقة ويمبلدون، جنوب غربي لندن، أن تتوجه بالشكر إلى ذلك الطائر كستنائي اللون صاحب العيون الثاقبة، والجناحين بطول 4 أقدام، والمخالب الساحقة، وهو يُدعى «روفس» الصقر، ذلك الذي يلعب دوراً حيوياً ومهماً للغاية في أقدم بطولات رياضة التنس العالمية.
في كل يوم، في الصباح الباكر، وقبل مواعيد بدء المباريات، يحلق روفس الصقر في سماء نادي «أول إنغلاند»، بحثاً عن الحمائم.
ومن دون روفس الصقر، قد تدخل سماء ويمبلدون في حالة من الفوضى العارمة. فسوف ينتشر وجود الحمائم، ليس فقط في السماء، وإنما على العوارض الخشبية، وعلى أسطح المنازل، وعبر الملاعب العشبية الخضراء.
ويعتبر المكان هناك مثالياً بالنسبة للحمائم، كما يقول واين ديفيس، أحد مدربي روفس الصقر: «كل بذور الحشائش، والزوايا والأركان والشقوق كافة، ومخلفات الأطعمة التي يتركها المشجعون». ومن دون روفس، كما تابع ديفيس كلامه، سوف يتزايد أعداد الحمائم في السماء بالمئات.
واستطرد ديفيس يقول: «يتكاثر الحمام البري على مدار العام. وإن كان لديك زوج واحد يتكاثر على العوارض الخشبية في الملعب المركزي بالمدينة، فسوف ينتهي بك الأمر في نهاية العام بتوالد 40 فرداً من الحمائم. سوف تشاهد روجر فيدرر يواصل اللعب على الأرض مع الحمائم التي تسد عين الشمس في أفق السماء».
وتحولت أسراب الحمام إلى مشكلة متنامية في أواخر تسعينات القرن الماضي، وهي تعتبر تهديداً مباشراً للإتقان البارع الذي تنظم به مسابقات ويمبلدون قبل كل شيء. وكان ذلك عندما تواصل نادي «أول إنغلاند» مع واين ديفيس، وشركته المسماة «أفيان للاستشارات البيئية».
وأطلقت الشركة اثنين من الطيور للقيام بدوريات طيران في سماء ويمبلدون، ثم تولى روفس الصقر المهمة من بعدهما، حتى صار كمثل الأيقونة الإنجليزية المعروفة للجميع.
ومنذ الفجر حتى مغيب الشمس، يحلق الصقر الماهر ويرتفع كي ينقض مجدداً على فرائسه من الحمام، وهو لا يتعمد قتلهم، بل إنه يلاعبهم فقط، ينطلق من أعلى، ويلف دورته في السماء، وينقلب منقضاً، ضارباً على أجنحتهم، معلناً للجميع أن سماء ويمبلدون تحت حمايته!
يقول واين ديفيس: «علمت الحمائم أنه يسيطر على الأجواء. وباستثناء بعض الحمائم العنيدة، توقف ظهور كثير منهم، كما كانوا يفعلون من قبل؛ إنه يخيفهم فلا يقتربون من الأجواء فحسب».
كان من شأن روفس أن يكون طائراً مفترساً مخيفاً في الغابات والبرية. ورغم أنه لا يزيد وزنه على رطل واحد و6 أوقيات، فإنه يظهر في هيئة كبيرة للغاية، مع فعاليته الأكيدة عبر خفقان أجنحته العريضة.
ويمكن لروفس الصقر أن يمد مخالبه بطول أصابع أيدي الإنسان، وهو يملك مقدرة على الرؤية والإبصار تفوق بعشر أضعاف مقدرة البشر، ويمكنه التركيز على حمامة تطير على بعد ميل كامل.
ويطعمه ديفيس وابنته (إيموجين) بأيديهم لأنه من المهم الحفاظ على وزنه، فهو يزن أقل من رطل ونصف الرطل، وربما يشعر بالجوع في أثناء الطيران، فيتجه لالتهام إحدى الحمائم لغدائه، ويكون ذلك أمام المقصورة الملكية في المباريات!
ولقد دربوه على المجيء فور الاستماع للصفير، وهو ينفذ ذلك في أغلب الأحيان. وفي إحدى المناسبات، قبل 3 سنوات، اضطرت إيموجين ديفيس لملاحقة الصقر روفس في ملعب غولف قريب. ولقد انطلق مرة أخرى، ثم عبر الطريق، واختفى عن الأنظار، وما كان منها إلا أن تابعت صوت الجرس البرونزي الصغير المعلق بأحد مخالبه، ثم عثرت عليه أخيراً في وسط بركة مائية، واقفاً على حزمة من الأعشاب، حائماً فوق بطة قد فارقت الحياة لتوها. ولم تكن إيموجين لتسمح له بتناولها، فإن امتلاء بطنه على آخرها يعني عدم عودته إلى المنزل حتى يشعر بالجوع مرة أخرى.
فما كان منها إلا أن خاضت بقدميها في وحل البركة حتى غطت المياه وسطها. وعندما عادت إلى ويمبلدون، مرت بحشود المشجعين الذين جاءوا لمتابعة مباريات التنس النهائية وهي تمسك بالصقر روفس بكلتا يديها.
وذات مرة، اختفى روفس تماماً بين عشية وضحاها.
كان ديفيس قد تركه في سيارة العائلة المتوقفة خارج الشقة التي يستأجرونها في أثناء البطولات. ووضعه ديفيس في القفص الأسود الذي يعتبر غرفة نومه، ثم فتح نافذة السيارة ليسمح له بالتنفس. وفي الصباح، اكتشف اختفاء روفس وقفصه.
شخص ما قد اقتحم السيارة وسرقه.
تقول إيموجين ديفيس: «كاد قلبي أن يتوقف»، كانت العائلة قد ابتاعت روفس من أحد مربي الصقور عندما كان يبلغ من العمر 16 أسبوعاً، وصار من وقتها فرداً من أفراد الأسرة. وأضافت إيموجين تقول: «لقد كانت حادثة مفجعة، وبكيت لأجل فقدانه كثيراً».
وبحلول ذلك الوقت، كان روفس يحظى بمكانة مرموقة، لدرجة وجود حساب على «تويتر» باسمه. ومن ثم، كانت سرقة روفس الصقر تتصدر عناوين الأخبار. وقالت الشرطة إنها تتوقع اتصال شخص ما مطالباً بفدية لاسترجاع الصقر.
وبعد مرور 3 أيام، اتصل شخص من كشك هاتفي في الشارع بالجمعية الملكية لمكافحة القسوة ضد الحيوانات، ولا يعلم أحد ما الذي حدث على وجه التحديد، ربما حاول روفس الفرار من أحد صيادي الطيور، أو ربما قرروا التخلي عنه بعد اصطياده؛ خلاصة الأمر أنه شوهد في إحدى الحدائق.
وتمكنت الجمعية الملكية الخيرية من التقاطه، ثم عاد روفس إلى العمل مجدداً، ولم يفوت يوماً من العمل منذ عودته.
قالت إيموجين ديفيس إنها تعلمت دروساً مهمة من روفس الصقر. مثالاً: ذات يوم، قرر الطيران إلى العوارض الخشبية في الملعب المركزي بالمدينة، واستقر هناك. وبعد مرور ساعتين، ثم 5 ساعات، ثم 10 ساعات، كان لا يزال في مكانه لا يتحرك. تقول إيموجين: «من حسن الحظ أن ذلك لم يحدث خلال البطولة الفعلية»، في إشارة إلى أن روفس يحلق في سماء ويمبلدون على مدار العام. فما كان من إيموجين ووالدتها إلا أن قضيا الليلة الباردة قبالة الملعب المركزي لمراقبة الصقر.
وقالت إيموجين: «لم نتمكن من النوم في المقصورة الملكية. لم نتمكن من النوم ليلتها أبداً».
وفي اليوم التالي، هبط روفس الصقر. وكان الدرس الذي تعلمته إيموجين أن الصقر لا يثير حفيظته شيء على الإطلاق، فهو يفعل الشيء المناسب في الوقت المناسب، وفق تقديره الذاتي.
وقالت إيموجين ديفيس رداً على سؤال: هل سبق للصقر أن طار واستقر على العوارض الخشبية للملعب المركزي في أثناء المباريات؟ «أبدا. ولكن إن فعل ذلك، فسوف يظل واقفاً عليها غير عابئ بأحد على الإطلاق، ولسان حاله يقول: أنا روفس الصقر، ولا أعرف من هو روجر فيدرر هذا الذي تتحدثون عنه!».
- خدمة «نيويورك تايمز»
روفس الصقر... وحماية سماء ويمبلدون من الحمائم
روفس الصقر... وحماية سماء ويمبلدون من الحمائم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة