الميكروبات المعوية... بين الصحة والمرض

خطوات وقائية لتعزير البكتيريا النافعة

الميكروبات المعوية... بين الصحة والمرض
TT

الميكروبات المعوية... بين الصحة والمرض

الميكروبات المعوية... بين الصحة والمرض

يسكن الجسم البشري ملايين الكائنات الحية الدقيقة، والتي تسمى، مجتمعة: «الميكروبات البشرية human microbiota». والبكتيريا هي ميكروبات موجودة على الجلد وفي الأنف والفم وخاصة في الأمعاء، ويكتسبها الإنسان أثناء الولادة وخلال السنوات الأولى من حياته. وتعيش هذه الكائنات المجهرية معنا طوال حياتنا، فتشاركنا في نمونا صحيا، وتحمي أجسامنا من العدوى، وتساعدنا في الهضم وتنظيم المزاج. وقد تحدث بعض التغييرات في الميكروبات أثناء نمونا في رحلة الحياة، اعتماداً على الأطعمة التي نأكلها، والبيئة التي نعيش فيها، والأشخاص والحيوانات التي تتفاعل معنا وحتى الأدوية التي نتناولها مثل المضادات الحيوية.
إننا بحاجة إلى رعاية هذه الميكروبات جيدا كي نتجنب الإصابة بالكثير من الأمراض الجسدية والنفسية مثل السمنة والاكتئاب النفسي، وذلك بتناول أطعمة صحية تسهم في تطوير كائنات حية دقيقة صحية.

- ميكروبات حيوية بشرية
فما هي فوائد الميكروبات النافعة في الجسم؟ ومتى تتحول من ميكروبات حيوية نافعة إلى ضارة؟ وما هي الأمراض التي تنشأ نتيجة هذا التحول؟ على هذه التساؤلات أجاب الأستاذ الدكتور عبد المعين عيد الأغا استشاري الغدد الصماء والسكري لدى الأطفال والبروفسور بكلية الطب - جامعة الملك عبد العزيز -موضحا في البداية أن هذه الميكروبات الحيوية الدقيقة توجد وتتكاثر في جميع أجهزة جسم الإنسان، وأكثرها وجودا هو في الأمعاء الدقيقة (التي تسمى أحيانا النبيت الجرثومي المعوي) بنحو تريليون ميكروب. وتصل نسبة وجودها في الجهاز الهضمي إلى نحو 29 في المائة، يليها الفم 26 في المائة، ثم الجلد 21 في المائة، والشعب الهوائية 14 في المائة، والجهاز التناسلي 9 في المائة.
أوضح البروفسور عبد المعين أغا أن لهذه الميكروبات النافعة فوائد كثيرة على الجسم، من أهمها ما يلي:
- تحمي الإنسان من أمراض الجهاز الهضمي ومن الكثير من الأمراض المزمنة.
- تحفظ الجهاز المناعي من التغيرات الناشئة عن بعض العوامل البيئية والتي قد يترتب عنها ظهور أمراض المناعة الذاتية.
- تساعد في إفراز هرمونات الجهاز الهضمي البيبتيدية والتي لها دور مهم في جسم الإنسان.
- تساعد على تصنيع فيتامين (كبه) وحمض الفوليك وفيتامين (بي 12).
- تشارك في إنتاج الدهون القصيرة التي قد تساعد على الحماية من بعض الأمراض.

- بكتيريا ضارة
عندما تتحول البكتيريا النافعة إلى الضارة بسبب عوامل كثيرة منها بيئية أو جينية ينتج عنها الكثير من الأمراض المزمنة، وتسمى هذه العملية «DYSBIOSIS».
وهناك عوامل جينية وبيئية تؤدي للتغيير:
- الاستعداد الجيني: أثبتت الدراسات أنّ العامل الجيني يعتبر من العوامل الأساسية لنشوء كثير من الأمراض المزمنة فهو يغير التركيب الجيني لهذه الميكروبات النافعة ويحولها إلى ميكروبات ضارة.
- الولادة الطبيعية: تعتبر أفضل من العمليات القيصرية في تقوية الميكروبات النافعة وحمايتها للطفل مستقبلاً.
- البيئة المحيطة بالطفل: البيئة الحيوية تختلف عن البيئة الملوثة في دعم البكتيريا النافعة.
- الرضاعة الطبيعية: أثبتت الدراسات أنّ الرضاعة الطبيعية لها دور كبير في تعزيز الميكروبات النافعة والتقليل من الميكروبات الضارة ليس فقط خلال فترة الرضاعة وإنما على مدار حياة الطفل مستقبلا.
- استخدام المضادات الحيوية: يقلل من الميكروبات النافعة ويزيد من الميكروبات الضارة.
- صحة الأم خلال فترة الحمل: يؤدي ازدياد وزن الأم قبل أو خلال فترة الحمل ذلك إلى تغيير الميكروبات الخاصة بالجنين وهو داخل رحم أمه من نافعة إلى ضارة.
- تنويم الطفل في المستشفى: الأطفال الذين يمكثون في المستشفى تكون الميكروبات النافعة لديهم أقل بكثير من الأطفال الذين لا يمكثون في المستشفى.
- الغذاء الصحي: الغذاء الصحي الغني بالألياف له دور في حماية الإنسان من الأمراض، وذلك لأنه يعزز من الميكروبات الحيوية النافعة ويقلل من الميكروبات الضارة على عكس الأكل الغني بالسعرات الحرارية والدهون.
- الإصابة بالأمراض المزمنة، تقلل من الميكروبات النافعة.
- التقدم في العمر يقلل من الميكروبات النافعة ويزيد من الميكروبات الضارة وبالتالي عندما يتقدم عمر الإنسان يكون معرضا للأمراض أكثر وخصوصاً السرطانات والحساسية والسمنة والسكري.
- الرياضة لها دور كبير في المحافظة على الميكروبات النافعة وعدم تحولها إلى ميكروبات ضارة.
وأضاف البروفسور عبد المعين أغا أنه ثبت، علمياً، أن الميكروبات المعوية تتحول من كونها نافعة إلى ضارة بسبب العوامل السابق ذكرها، وقد تم الحصول على هذه الأدلة، حديثا، من عدة دراسات حول استنساخ الجينات المتسلسلة ونماذج الفئران، وأظهرت هذه الدراسات أن جسم الإنسان والميكروبات المعوية لديها تفاعلات مفيدة على قدم المساواة مع الميكروبات الضارة بمعنى أن الجهاز الهضمي للإنسان يحتوي على الميكروبات النافعة والميكروبات الضارة، فإذا زادت نسبة الضارة ظهرت الأمراض المزمنة ومنها (السمنة، السكري سواء كان النمط الأول أو الثاني، متلازمة الأيض، أمراض المناعة الذاتية، الأمراض النفسية والسلوكية وغيرها من الكثير من الأمراض التي يُعتقد أن منشأها من الجهاز الهضمي).

- الأمعاء والأمراض
ومن أهم الأمراض التي يكون منشؤها الأمعاء والتي تنتج عندما تتحول الميكروبات النافعة إلى ضارة في الجهاز الهضمي ما يلي: السمنة وداء السكري، بعض أنواع السرطانات، الاكتئاب النفسي، التوحد، أمراض الحساسية، حساسية الأمعاء من الغلوتين، أمراض التهاب الجهاز الهضمي المزمن، أمراض القلب المزمنة وسرطانات الكبد والقولون، الأمراض المناعية الذاتية مثل السكري النمط الأول والروماتيزم والذئبة الحمراء وغيرها.
وتناول البروفسور عبد المعين أغا مرض السمنة كمثال على تلك الأمراض التي يكون منشؤها الأمعاء وتنتج عندما تتحول الميكروبات النافعة إلى ضارة في الجهاز الهضمي. فلقد ازداد انتشار السمنة لدى الأطفال والبالغين في جميع أنحاء العالم، وقد تبين في السنوات الماضية العوامل الكثيرة المسببة لهذا المرض والفسيولوجية المرضية للسمنة ومع ذلك فإن هنالك الكثير من العوامل لم تتضح بعد.
ويزيد النظام الغذائي الصحي المعتمد على كثرة الألياف من نشاط تكوين الميكروبات الحية النافعة وبالمقابل فإن الغذاء غير الصحي الذي يحتوي على سعرات حرارية عالية ودهون يقلل من الميكروبات النافعة في الجهاز الهضمي.
وقد أظهرت نماذج الفئران للبدانة تحولات النسب الشاملة للميكروبات النافعة حيث إن الفئران البدينة تكون لديها قلة في الميكروبات النافعة وزيادة في الميكروبات الضارة.
وعندما تتغير الميكروبات النافعة إلى الضارة يزيد إنتاج الأحماض الدهنية القصيرة واستقلاب البروتينات الدهنية في الأمعاء مما ينتج عنه قمع تعبيرات جينية معينة والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى الالتهابات المرتبطة بالمجهرات الميكروبية المعوية.

- خطوات وقائية
> يؤكد البروفسور عبد المعين أغا على القاعدة الطبية الذهبية بأن الوقاية خير من العلاج والتي تتمثل في هذا الموضوع بالقواعد التالية:
1- على المرأة أن تعتني بوزنها قبل بداية الحمل، وأن تلتزم بالنظام الغذائي الصحي قبل وخلال فترة الحمل، فهو يلعب دورا مهما، وفقا لما أثبتته الدراسات، في المحافظة على الميكروبات النافعة لجنينها. وعليها أن تختار الولادة الطبيعية وليست القيصرية (إلا إذا استدعى الأمر طبياً). وأن تقوم بالرضاعة الطبيعية وخصوصاً خلال الـ6 - 12 شهراً الأولى من عمر المولود. ولكن يجب أن ننبه الأمهات أن من الضروري إعطاء الطفل الخضراوات والفواكه الغنية بالألياف اعتبارا من الشهر السادس.
- من الضروري زيادة كمية الألياف في الوجبات الغذائية لجميع الأعمار وخصوصا الأطفال والبالغين، فالألياف الطبيعية غنية بالكثير من الفوائد وخصوصاً للجهاز الهضمي والميكروبات الحيوية في الجهاز الهضمي.
- التقليل من الوجبات الغنية بالدهون والسعرات الحرارية.
- التقليل من استخدام المضادات الحيوية إلا في الضرورة القصوى حيث إنها تقلل من الميكروبات النافعة.
- الإكثار من الرياضة البدنية حيث إنها تعزز من نشاط وتكاثر الميكروبات النافعة.
- تناول بعض المحفزات لزيادة ميكروبات الأمعاء النافعة والتي تسمى بروبيوتيكس أو بريبيوتكس (probiotics & prebiotics) والتي تساعد على المحافظة على تركيبة الميكروبات المعوية النافعة.


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

العيش بالقرب من المطارات يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

التعرض للضوضاء الصادرة عن الطائرات قد يزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية (رويترز)
التعرض للضوضاء الصادرة عن الطائرات قد يزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية (رويترز)
TT

العيش بالقرب من المطارات يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

التعرض للضوضاء الصادرة عن الطائرات قد يزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية (رويترز)
التعرض للضوضاء الصادرة عن الطائرات قد يزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية (رويترز)

كشفت دراسة جديدة أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من المطارات قد يكونون أكثر عُرضة لخطر ضعف صحة القلب.

وحسب الدراسة، التي نقلتها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فإن التعرض للضوضاء الصادرة عن الطائرات في أثناء الإقلاع أو الهبوط، قد يزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية، والاضطرابات في ضربات القلب المهدِّدة للحياة، والسكتات الدماغية.

وقد بحثت الدراسة في بيانات تصوير القلب بالموجات فوق الصوتية لـ3635 شخصاً يعيشون بالقرب من مطارات هيثرو أو غاتويك أو برمنغهام أو مانشستر. وقارن الباحثون هذه البيانات بتلك الخاصة بأشخاص يعيشون في مناطق ذات ضوضاء طائرات أقل.

وحسب النتائج، كان لدى الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات ضوضاء أعلى عضلات قلب أكثر تصلباً وسماكة، تتقلص وتتمدد بصعوبة، وكانت أقل كفاءة في ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم.

كان هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة إلى أولئك المعرَّضين لضوضاء الطائرات العالية في الليل، وهو الأمر الذي يعتقد الباحثون أنه قد يكون بسبب تأثير الضوضاء سلباً على نومهم.

وقال كبير المؤلفين الدكتور غابي كابتور، من معهد علوم القلب والأوعية الدموية في جامعة لندن واستشاري أمراض القلب في مستشفى «رويال فري» في لندن: «نتائجنا تضيف إلى مجموعة متزايدة من الأدلة على أن ضوضاء الطائرات يمكن أن تؤثر سلباً على صحتنا بشكل عام، وعلى صحة القلب بشكل خاص».

وقد ربطت دراسات سابقة التعرض لمستويات عالية من ضوضاء الطائرات بارتفاع ضغط الدم والسمنة.

وأكد فريق الدراسة الجديدة الحاجة إلى مزيد من البحث للتحقيق في الآثار الأطول أمداً لضوضاء الطائرات على صحة أولئك الذين يتعرضون لأعلى قدر من التعرض.