مع بداية هذا العام، شهدت خدمة «آوتلوك.كوم» من مايكروسوفت اختراقاً كبيراً سمح للقراصنة بالوصول إلى حسابات المستخدمين للتراسل الإلكتروني طوال ستة أشهر. ولكن هذا الخبر لم يكن صادماً لأنّ خدمة «آوتلوك» كانت دائماً ولا تزال هدفاً للقرصنة.
بريد إلكتروني مخترق
«البريد الإلكتروني هو من أهمّ الخدمات على شبكة الإنترنت» هي حقيقة لا تحتمل الشكّ تماماً. ويعتبر البريد الإلكتروني من الخدمات التأسيسية في العالم الرقمي، حتى أنّه في الحقيقة، سبق الإنترنت ظهوراً بعقود، إذ أرسلت الرسالة الإلكترونية الأولى عام 1971. تصل نسبة استعمال البريد الإلكتروني بين مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة إلى 90.1 في المائة، مقابل 68 في المائة لمنصة «فيسبوك» و23 في المائة لمنصة «تويتر»، بالإضافة إلى كونه أداة الاتصال الأساسية في عالم الأعمال بنسبة استخدام بلغت 95 في المائة.
ويبقى عنوان البريد الإلكتروني الوسيلة الأولى التي تتيح لنا إنجاز الأعمال على الإنترنت، ولهذا السبب، تعتبر الرسائل الإلكترونية رابطاً ضعيفاً جداً في أمننا السيبراني الجماعي. قد لا يكون الأمر كذلك، ولكن كما قال الخبير يوجي بيرّا في إحدى المرات «لقد ارتكبنا الكثير من الأخطاء».
هذا التعوّد والاعتماد على الرسالة الإلكترونية جعلها هدفاً يتعمّد القراصنة اختياره، ما يرتّب مسؤولية كبيرة على عاتق الشركات والمستهلكين. وإنّ كنتم تعتقدون أنّ شبكات التواصل الاجتماعي وشركات تعدين البيانات تملك ثرواتٍ رقمية كبيرة، فكّروا للحظة بكمّية المعلومات التي تنتقل يومياً عبر الرسائل الإلكترونية، والتي تتنوّع بين الرسائل الحميمة ومعلومات الضرائب وخطط السفر والتحويلات المالية والصور ولوائح التبضع وبيانات في الوقت الحقيقي حول وضع المستخدم العاطفي وحالة علاقاته المهمّة.
إنّ عدم حذف الرسائل الإلكترونية غيابياً من معظم الخوادم يزيد سهولة وصول أي شخص إلى هذا المحيط الغني بالمعلومات الرقمية والذي يمثّل هدفاً للقراصنة، من خلال تسجيل دخول وكلمة مرور يحصل عليها المحتالون بالمليارات.
يتجاوز التهديد السيبراني الذي ينطوي عليه البريد الإلكتروني البيانات الحساسة المتراكمة غيابياً في خوادم الحساب، لأنّ الرسالة الإلكترونية هي الأداة المفضلة التي يستخدمها القراصنة للوصول إلى شبكات أهدافهم. وقد صرّحت 83 في المائة من الشركات عن تعرّضها لاعتداءات تصيّد عام 2018، مسجّلة ارتفاعاً من 76 في المائة عام 2017، وتجدر الإشارة إلى أنّ ثلثي البرامج الخبيثة يتمّ تحميلها من خلال النقر على مستند مرفق برسالة إلكترونية.
نقاط الضعف
يعرّض البريد الإلكتروني مستخدميه لنقاط ضعف خطيرة ولكن لما لا يزال الناس يستخدمونه؟ الجميع يعلم أنّ البريد الإلكتروني مريب بعض الشيء وأنّ أي بديل مناسب له سيكون محلّ ترحيب. وقد توقّع الكثيرون تقادم هذه التقنية، وحتى زوالها مع الوقت، خاصة بعد بروز لائحة طويلة من التقنيات الجديدة المنافسة مثل برامج «شير بوينت» و«سلاك» و«سكايب» و«مسنجر»، إلّا أنّ البريد الإلكتروني لا يزال اليوم مسيطراً على عالم التواصل.
تعود استمرارية البريد الإلكتروني رغم عيوبه الواضحة ومشاكله الأمنية الكبيرة إلى سبب غير منطقي، إذ يستخدمه الناس لأنّه غير آمن، ولهذا السبب، لم يكترث أحد لعدم نجاح بيل غيتس بتحقيق وعده بالقضاء على «البريد المزعج» (سبام) عام 2006. الجميع مستعدّ لتحمّل البريد المزعج كي لا يضطرّوا إلى التخلّي عن الإنترنت، وكأنه «بعوض العالم الرقمي».
إنترنت غير آمن
إليكم القصة الحقيقية التالية: عند اختراع الإنترنت، كان الهدف الأساسي منها، هو التواصل السريع، ولم يؤخذ موضوع الأمن في الحسبان. قد تبدو تركيبات الشبكة الأساسية مصممة لتشمل الجميع، ولكنّ ولا واحدة منها كانت متاحة لأفراد الجمهور، والهدف من أسماء النطاقات كان تأمين وسيلة لتحديد مواقع أكاديمية وعسكرية وحكومية بعيدة. في ذلك الوقت، لم تتجاوز عناوين بروتوكول الإنترنت الخاص المتوفرة 4 مليارات تبديل محتمل، أي أنّها كانت تكفي جميع سكان الأرض.
ولكنّ هذه التركيبة لم تتوقع أبدا تصاعد الأجهزة القابلة للاتصال بالإنترنت من هواتف ومكانس كهربائية ومفاعلات نووية وأجهزة مساعدة رقمية، ولم تتوقع أيضاً انتقال المجرمين من سرقة المتاجر وارتكاب جرائم التكسير والخلع إلى ممارسات أقلّ خطراً كحملات التصيّد عبر الرسائل الإلكترونية وارتكاب الجرائم المتصلة بالهوية.
والبريد الإلكتروني لا يمتلك الضوابط التي ربطها مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» بمعلوماتنا. وهو لا يملك شروطاً أو سياسات خصوصية قابلة للتغيير، ولا يتطلّب أي جهاز أو معدات أو برنامج ليتيح لنا الاستفادة من خدماته. وقد ظل الدعامة الأولى في عالم التواصل، على عكس جميع التوقعات وبالتعارض مع جميع المخاوف التي تصدر عن شركات تكنولوجيا المعلومات حول العالم.
وهكذا أصبح البريد الإلكتروني درساً في مستنقع الأمن السيبراني: نحن نبالغ في اعتمادنا على فكرة التقنية التي تمنحنا السيطرة بدل السعي لتغيير سلوكنا. لن ينجح «سلاك» أو «مسنجر» أو أي تطبيق متفوق آخر في حلّ مشكلة البريد الإلكتروني (رغم أنّ الإقبال على استبدال البريد الإلكتروني من خلال وسائل اتصال أخرى قد يستمرّ). إنّ الأمر الوحيد الذي قد يغيّر هذا الوضع، بحسب يوجي بيرّا، هو تغيير الوضع فعلاً.
*خدمات «تريبيون ميديا»
البريد الإلكتروني أكبر تهديدات عالم الأعمال
البريد الإلكتروني أكبر تهديدات عالم الأعمال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة