الكومبيوتر اللوحي أحد الأسباب الرئيسية لآلام الرقبة والكتفين

وضعية الجسم غير الصحية أهم عوامل الخطورة

الكومبيوتر اللوحي أحد الأسباب الرئيسية لآلام الرقبة والكتفين
TT

الكومبيوتر اللوحي أحد الأسباب الرئيسية لآلام الرقبة والكتفين

الكومبيوتر اللوحي أحد الأسباب الرئيسية لآلام الرقبة والكتفين

كشفت دراسة طبية حديثة لباحثين من جامعة نيفادا الأميركية في لاس فيغاس أن العامل الأهم في تسبب استخدام الكومبيوتر اللوحي Tablet Computer للآلام في الرقبة أو الكتفين ليس هو طول المدة الزمنية التي يقضيها المرء في استخدامه، بل إن السبب الرئيسي هو نوعية وضعية الجسم التي يكون المرء فيها حال ذلك الاستخدام، خصوصاً الجلوس دون دعم الظهر ومع انحناء للعنق. كما لاحظت الدراسة في نتائجها أن الإناث هن الأعلى عُرضة للإصابة بتلك الآلام، وتحديداً كانت احتمالات معاناة الإناث من آلام الرقبة أو الكتفين هي ضعف احتمالات معاناة الذكور من تلك الأعراض، حال استخدام الكومبيوتر اللوحي.
- آلام الكومبيوتر
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 12 يونيو (حزيران) الحالي من مجلة «علوم العلاج الطبيعي» Journal of Physical Therapy Science، قال الباحثون من جامعة نيفادا إن غايتهم من إجراء الدراسة كانت «التحقيق في مدى انتشار أعراض آلام العنق والكتف في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي، وتحديد عوامل الخطورة المرتبطة بهذه الأعراض».
ويعتبر ألم العنق للكومبيوتر اللوحي، أو ألم «عنق آي باد» iPad neck، أحد المصطلحات الطبية الآخذة في الانتشار لوصف أعراض تلك الآلام العضلية - العظمية الناجمة عن الانحناء والتحدّب في أثناء استخدام أجهزة الكومبيوتر اللوحية المحمولة أو الهواتف الجوالة. ووفقاً لما قاله الباحثون، فإن هذا الأمر أصبح اليوم مشكلة صحية شائعة.
وتفيد الرابطة البريطانية لعلاج وتقويم العمود الفقري British Chiropractic Association بأن أعداد الشباب الذين يشكون من آلام الرقبة والظهر ارتفعت خلال السنوات الماضية بنسبة 60 في المائة، وربعهم يشكو من ذلك بشكل يومي، وأن نسبة من الناس يقضون في غالبية الأيام نحو ساعتين في النظر إلى شاشة الهاتف المحمول، ونحو 3 ساعات ونصف الساعة باستخدام الكومبيوتر، ونحو 3 ساعات في مشاهدة التلفزيون.
وأضاف الباحثون أنه «تم إجراء مسحٍ شمل 412 شخصاً من بيئة جامعية، أي طلاب وموظفين وأعضاء هيئة التدريس وخريجين، وذلك لدراسة مدى استخدامهم للكومبيوتر اللوحي بشاشة اللمس، ونوعية وضعية الجسم في أثناء الاستخدام، ومدى الشكوى والمعاناة من أعراض آلام الرقبة والكتف. ومن هذا، تم تحديد عوامل خطورة رئيسية للمعاناة من أي أعراض عضلية عظمية Musculoskeletal Symptoms في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي».
وقال الباحثون في نتائجهم إن «معدل انتشار الأعراض العضلية العظمية في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي لدى شريحة المشمولين بالدراسة بلغت 78 في المائة. وكانت أعراض الرقبة والأطراف العلوية، بما يشمل الكتفين، هي الأعلى، وتحديداً بلغت نسبة الشعور بأعراض الرقبة 85 في المائة، وأعراض الكتف والطرف العلوي 66 في المائة».
وأضاف الباحثون في نتائجهم: «كانت أهم عوامل الخطورة ذات الصلة بتلك الأعراض الناجمة عن استخدام الكومبيوتر اللوحي هي: وجود أعراض عضلية - عظمية بالأصل لدى المرء، ونوع الجنس، ونوعية وضعية الجسم في أثناء ذلك». وأوضح الباحثون أن نوعية وضعية الجسم السيئة شملت: «الجلوس دون دعم للظهر، والجلوس مع الجهاز في الحضن أو الحِجْر، والاستلقاء على الجانب وعلى الظهر في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي».
- عوامل الخطورة
ولخص الباحثون نتائجهم بالقول: «كشفت النتائج أن جنس الإناث، وعوامل وضعية الجسم، كانت مرتبطة بشكل كبير بالشعور بأعراض عضلية عظمية في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي. ومن بين جميع العوامل الوضعية، تم تحديد الجلوس دون دعم الظهر على أنه أهم عامل خطورة لوجود أعراض العضلات والعظام».
وبشيء من التفصيل، لاحظت الدراسة في نتائجها أن:
• ألم «الرقبة اللوحية» هو عادة ما يكون مرتبطاً بالجلوس من دون دعم خلفي، مثل أن يكون على مقعد أو على الأرض، أو الانزلاق على الكومبيوتر اللوحي في أثناء وجوده في حضن المستخدم. وشملت المواقف الأخرى المرتبطة بشكل كبير مع الألم استخدام الكومبيوتر اللوحي حال الرقود على الجانب أو الظهر.
• الحالة أكثر انتشاراً بين الشباب مقارنة بكبار السن.
• كانت النساء أعلى عرضة بنسبة مرتين لأعراض الجهاز العضلي العظمي في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي، وذلك مقارنة بالرجال.
• أولئك الذين لديهم تاريخ سابق للشعور والشكوى من آلام الرقبة والكتف يعانون من زيادة أعراض العنق والكتف في أثناء استخدام الكومبيوتر اللوحي.
وقال البروفسور زو - بينج لي، أستاذ العلاج الطبيعي في جامعة نيفادا، الباحث الرئيسي في الدراسة، إنه قلق من هذه النتائج، خصوصاً بالنظر إلى تزايد انتشار استخدام أجهزة الكومبيوتر اللوحية وقارئات الكتب الإلكترونية E - Book Readers، وغيرها من أجهزة الاتصالات المستخدمة لأغراض شخصية أو مدرسية أو تعليمية أو تجارية.
وأضاف أن «مثل هذا الانتشار المرتفع لأعراض العنق والكتف، خصوصاً بين فئة الشباب، يمثل عبئاً صحياً كبيراً على المجتمع»، وتابع: «لقد تمكنا من تحديد مدى انتشار تلك المشكلة، وما هي العوامل المشتركة التي تساهم فيها». وكان عامل الخطورة الأعلى إثارة للدهشة هو ما علق عليه بالقول: «نظرياً، يُفترض أنه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها المرء في استخدام جهاز الكومبيوتر اللوحي، زادت آلام الرقبة والكتف التي يتعرض لها، ولكن ما وجدناه هو أن الوقت ليس هو عامل الخطر الأكثر أهمية، وإنما هو نوع الجنس ووضعيات معينة للجسم».
- وضعيات الجسم السيئة
وكانت الأعراض الأكثر شيوعاً هي صلابة التيبس، أو الألم العضلي، أو الألم المزمن في الرقبة، أو في أعلى الظهر ما بين الكتفين، أو في الذراعين واليدين، أو في الرأس. وأفاد 55 في المائة منهم أن غالب شكواهم هو درجة متوسطة من عدم الشعور بالراحة، لكن أفاد 10 في المائة منهم أن الأعراض لديهم كانت شديدة، وقال 15 في المائة إنها تؤثر على نومهم.
ووضعيات الجسم التي أدت إلى الألم شملت تلك التي تتسبب في هبوط وتراجع جسم المستخدم اللوحي مع التحديق، وذلك في حالات:
•الجلوس دون دعم الظهر، وهو ما يؤدي إلى زيادة احتمالات الألم بنسبة الضعف.
• الجلوس مع وضع الجهاز اللوحي في الحضن.
• الجلوس على كرسي مع وضع الجهاز اللوحي على سطح مكتب مسطح، بما يؤدي إلى ثني العنق إلى الأمام لفترات طويلة، والضغط في الوقت نفسه على العمود الفقري، مما يؤدي إلى إجهاد الرقبة والكتف.
وتفيد المصادر الطبية بأن مجرد النظر إلى الأمام، وزاوية انحناء الرقبة صفر، يضع عبئاً على العمود الفقري في الرقبة، بما يُوازي 5 كيلوغرامات. وعندما ينحني المرء بزاوية 15 درجة فقط ليشاهد شاشة الكومبيوتر اللوحي، فإن ذلك العبء يرتفع إلى 12 كيلوغراماً. ومع انحناء الرقبة للنظر إلى الهاتف المحمول بزاوية 30 درجة فقط، فإن العبء يرتفع إلى ما يُعادل 18 كيلوغراماً من الضغط على العمود الفقري. ومع بلوغ درجة زاوية الانحناء إلى 60 درجة، فإن العبء يصل إلى حد 27 كيلوغراماً.
ولاحظ الباحثون أن 46 نفس فقط ذكروا أنهم كانوا يتوقفون عن استخدام الجهاز اللوحي عند الشعور بالألم أو عدم الراحة، بينما البقية كانوا يستمرون على الرغم من ذلك.
- نصائح لدرء المعاناة من آلام العنق
قدم البروفسور لي هذه النصائح لمنع المعاناة من ألم العنق للكومبيوتر اللوحي:
• اجلس على كرسي مع دعم الظهر. وقال البروفسور لي: «وربما هذا شيء يجدر التفكير فيه: تركيب المقاعد أو الكراسي من دون دعم للظهر تدفع الإنسان إلى وضعية الانقضاض على أجهزة الآيباد في حضنه، مما يسهم في مشكلات الألم المرتبطة بوضعية الجسم».
• استخدام «جهاز تذكير الوضعية» Posture Reminder Device، وهي أجهزة صغيرة قابلة للارتداء مباشرة على الجلد، أو تثبّت على الملابس وتُصدر صوتاً لتخبر مرتديها عندما يرتخي في وضعية جسمه، وهي التي تُعرف أيضاً باسم «مدرب الوضعية» Posture Coache.
• اتخذ وضعية الوقوف، وضع الكومبيوتر اللوحي على منصة بدلاً من الطاولة ذات السطح المستوى.
• مارس تمارين لتقوية عضلات العنق والكتف، هذا مهم بشكل خاص للنساء اللواتي يعانين من آلام الرقبة والكتف، كما قال البروفسور لي.
وأضاف: «إن استخدام هذه الأجهزة الإلكترونية أصبح جزءاً من حياتنا العصرية. ومن أجل تقليل مخاطر نشوء مشكلات طويلة الأمد في الرقبة والكتف، نحتاج إلى التفكير في كيفية تأثير التكنولوجيا، مثل الكومبيوتر اللوحي، على وضعية الجسم».

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع