مايكل شومان
TT

ما السبيل لكسر العوائق المصطنعة أمام التجارة؟

منذ بداية حملة دونالد ترمب الانتخابية الرئاسية، أعرب عن رغبته في أن يجعل التجارة «منصفة». ولفترة طويلة من الزمن، كما قال، عانت الشركات والعمالة الأميركية من الشركاء التجاريين الذين يستخدمون تكتيكات سرقة الوظائف، مما ألحق الأضرار الكبيرة بالصناعات الأميركية، وزاد من العجز التجاري.
وكان الأثر الضمني هو محاولته إزالة الرسوم المتبقية وغير ذلك من العقبات الأخرى التي شوهت ميدان العمل في المجال التجاري.
ونحن نشهد سياسة السيد ترمب الفعلية الآن، لقد اتضح أنه يفعل عكس ما صرح به مسبقاً. وهناك حالة واضحة في جوهر إدارته للبلاد، إذ بدلاً من إزالة العوائق التي تفرضها الحكومة، فهو يمارس الضغوط على الحكومات الأخرى للتدخل في إنجاز نتائج معينة، وهي في الأغلب، حماية أو مساعدة الصناعات والشركات الأميركية المعينة. ولم تكن النتيجة هي التجارة الحرة بحال، ولكنه المزيد من التجارة غير المنصفة.
ولنلقِ نظرة على العلاقات مع الصين. يهدد الرئيس ترمب بفرض رسوم كبيرة على الواردات لإجبار بكين على تخفيض الفائض التجاري مع الولايات المتحدة. والإنذار النهائي يقول: تدخلوا للسيطرة على التجارة لصالحنا، أو سوف نتدخل للسيطرة على التجارة لصالحنا. ويبدو أن المفاوضين الصينيين سوف يذعنون لهذه التهديدات من خلال عرض شراء المزيد من الولايات المتحدة، وعلى الأرجح من منتجات الطاقة والمنتجات الزراعية، رغم أن الخطوط العريضة للحل الوسط هي في حالة تغيير مستمر.
وصرح وزيرة الخزانة الأميركي ستيفن منوشين مؤخراً يقول: «هذا لا يعد أمر شراء كبير بين حكومة وأخرى». ولكن دعُونا لا نتظاهر بأن بكين ضالعة في الأمر بصورة مباشرة. فإن المسؤولين الصينيين يقدمون الوعود، وليست الأحزاب الخاصة، مما يعني أن أي صفقات سوف تكون تحت إشراف الحكومة الصينية، وليست قائمة على توجهات السوق. وتهيمن الشركات المملوكة للدولة على قطاع الطاقة، ولذلك فإن أي قرار يُتخذ لشراء المزيد من النفط الأميركي، على سبيل المثال، هو قرار خاضع للسياسات الوطنية لا للشركات الخاصة. وهناك بالفعل تقارير إخبارية تفيد بأن هذه الشركات الكبيرة يجري حضها وتحفيزها على شراء النفط وفول الصويا الأميركي.
ولقد فعلت الولايات المتحدة نفس الأمر مع كوريا الجنوبية، وهي الحليف الرئيسي لواشنطن. فلكي توافق واشنطن على مراجعة اتفاقية التجارة الحرة، تعرضت سيول لابتزاز فعلي وواضح بخصوص حصص تفرض نفسها على صادرات الصلب بغية تجنب التعرض للرسوم المرتفعة. ومرة أخرى، طلب السيد ترمب من الحكومة تحقيق نتيجة محددة لم تحققها السوق.
وتظهر المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية نفس الاتجاه. إذ طلب السيد ترمب من حكومة المكسيك إحداث تغييرات تجبرها على القيام بشيء لم يكن يفكر في فعله في بلاده أبداً؛ زيادة الأجور بفعالية إلى الحد الأدنى. وكان الهدف هو الضغط على الحكومة لزيادة تكاليف صناعة السيارات، وإجبار المصانع على العودة إلى الولايات المتحدة مرة أخرى. وصرحت حكومة المكسيك بأنها تلتزم حد المرونة في ما يتعلق بالأجور وصناعة السيارات.
وخلاصة القول: إن السيد ترمب يستفيد من النفوذ الذي توفره السوق العقارية الضخمة في أميركا في تغيير التجارة بأساليب تستفيد منها الصناعات المستهدفة، وهو الأمر الذي تفعله الصين. وهو يستخدم التدخل الحكومي لتوجيه مسار اللعب نحو الولايات المتحدة وبعيداً عن الدول التي تشمل أقرب حلفاء واشنطن.
ويشير نمط السيد ترمب في العمل إلى الدافع الحقيقي وراء سياساته التجارية أنه دافع سياسي وليس اقتصادياً، إذ إن القطاعات التي يستهدف على الدوام حمايتها –السيارات، والصلب، والزراعة، والطاقة– هي ذات أهمية قصوى لكل الولايات التي صوّتت لصالحه أو التي يحتاج إلى أصوات ناخبيها في المستقبل. وفي سعيه الدؤوب لحماية صناعة السيارات، فهو ينظر حتى في فرض الرسوم الجمركية الجديدة على واردات السيارات الخارجية، مما يؤكد وبكل سخافة أن تلك الرسوم ضرورية للغاية للأمن القومي الأميركي.
وإيجازاً للقول، وكما يبدو، فإن ترمب يستخدم السياسة التجارية في تعزيز طموحاته الذاتية وليس بالضرورة طموحات اقتصاد البلاد.
والطريق أمامنا للقضاء على تدخل الحكومة الذي يشوّه وجه الأسواق، وليس تشجيع وتعزيز المزيد من ذلك التدخل السافر. وذلك فقط عن طريق كسر العوائق المصطنعة حتى تصبح التجارة منصفة حقاً.
ومن خلال فتح الأسواق الأجنبية أمام الشركات الأميركية، سوف يعمل السيد ترمب على كسر القيود التي تَحول دون توسع الشركات الأميركية المنافسة، وزيادة المبيعات، والأرباح، والوظائف.
يقول السيد ترمب وأقرانه من الجمهوريين إنهم يفضلون الشركات الخاصة والأسواق الحرة التي تسمح بالنمو والازدهار. لكن السيد الرئيس يستغل السلطة في البلاد لصالحه تماماً. فهل يبدو ذلك منصفاً في شيء؟
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»