في مديح المهاجرين... مغربي نشر الدفء في البيوت الإنجليزية

هي من الصدف النادرة عندما نجد ذِكراً لمهاجر عربي مسجلاً على صناعة بارزة راجت في القرن الثامن عشر في بريطانيا، ففي أحد البيوت التاريخية في مقاطعة كِنت يتربع فرن أو مدفأة من الحديد الصب الأسود المزين بنقوش بديعة. القطعة الضخمة تتميز بأكثر من دور وطبقة سفلى مغلقة كانت مكاناً لحرق الخشب والفخم. إلى جانب الفرن، لوحة معنونة بـ«فرن بوزاغلو» تحكي تاريخ الفرن البديع التصميم وتنسبه للمهاجر المغربي اليهودي لبريطانيا في القرن الثامن عشر، والذي اشتهر بتصنيع الأفران، وسجّل اسمه في جانب من تاريخ الصناعة الإنجليزية.
نعرف من التوضيح أن اسمه إبراهام بوزاغلو (وعرف أيضاً باسم ويليام)، ولد في عام 1710 لموسى بوزاغلو، رجل الدين اليهودي في مدينة موكادور (الصويرة حالياً)، وقد استقر في إنجلترا في عام 1762، وحصل على حق امتياز ملكي لصنع نوع جديد من الأفران أو المدفآت سُمي باسمه.
من أضابير التاريخ يبرز اسم بوزاغلو، وفي وثائق متفرقة يأتي ذِكره وذِكر أخيه يوسف، الذي اخترع مدفأة محمولة توضع على العربات، ولاقى نجاحاً كبيراً في فرنسا حيث أقام.
وبالعودة لإبراهام بوزاغلو ومدفأته، فهو قد تخصص في صناعة تلك القطع الضخمة التي استخدمت لتدفئة البيوت الكبيرة وذاعت شهرته، حتى أنه بدأ في تصدير مصنوعاته لخارج إنجلترا، ولا تزال واحدة من تلك المدفآت تتخذ مكانها في أحد البيوت بولاية فرجينيا الأميركية.
ورغم أن اسمه ارتبط بهذه الصناعة، فإن هناك بعض المعلومات أيضاً، تفيد بأنه فيما يبدو استحدث علاجاً لمرض النقرس يعتمد على التمارين الرياضية، لكنه أصبح محلاً لسخرية رسامي الكارتون في هذا المجال.
ويبدو إبراهام بوزاغلو شخصية واثقة، بل وتحب التفاخر أيضاً، وربما يكون ذلك من باب الدعاية لمصنوعاته، فهو يفخر بكونه صانع مدفآت «للملك والملكة» حسب ما نجد على بطاقات الدعاية الخاصة به، وفي غيرها ممن استقرت في المكتبات البريطانية، يعرف عن نفسه بالتالي: «بوزاغلو حامل براءة الاختراع وصانع أجهزة التدفئة لأصحاب الجلالة، حي ستراند بلندن، أنتج أخيراً مدفأة ضخمة تعتمد على فرن واحد فقط ويمكنها تدفئة أكبر قاعة كنسية وغيرها».
في خطاب كتبه في 15 أغسطس (آب) عام 1770 لحاكم فرجينيا بأميركا، لورد بوتكورت، يوجه بوزاغلو الحديث لـ«سعادة اللورد»، ويذكر مميزات المدفأة التي اشتراها بوتكورت، وأرسل في طلب شحنها من لندن لفرجينيا: «إنها تتجاوز في فخامتها مثيلاتها، وهي قطعة ممتازة لا يوجد مثيلها في أوروبا»، ويرفق مع خطابه تعليمات لتركيب المدفأة والتي شحنت لفرجينيا في سبعة صناديق.
ويعدد موقع «History.Org» التفاصيل الجمالية التي تميز مصنوعات بوزاغلو: «من ناحية الحجم والزخرفة لا يوجد ما يضاهي ما يصنعه حداد لندن إبراهام بوزاغلو، وهو فرن ضخم مجمّل بنقوش على هيئة الأسود وثمرات الأناناس والآنية الإغريقية والأزهار، كلها محفورة على الفرن بطبقاته الحديدية الثلاث. ولا شيء يعدل فخر بوزاغلو بمصنوعاته حين كتب لأحد زبائنه أن مدفأته «تتفوق في فخامتها كل ما عداها، ولا يمكن أن تستوفي الإعجاب الذي تستحقه». أما عن سعر تلك القطعة الذائعة الصيت، فيذكر الموقع أنه سعر ضخم يماثل أجر مساعده لثلاثة أعوام.
«مدفآت بوزاغلو» أطلق عليها أيضاً «ماكينات التدفئة»، وكانت تتمتع بسمعة طيبة بوصفها ماكينات «فعالة ومشهورة، وأيضاً محدودة؛ نظراً لكلفتها العالية». تبقى اليوم من مدفآت بوزاغلو ثلاث، منها اثنتان معروضتان للجمهور، الأولى في بيت «نول هاوس» التاريخي بمدينة سفن أوكس بمقاطعة كِنت، حيث ما زال يتصدر القاعة الصيفية في حديقة المنزل الشاسع، أما الأخرى، فهي في مقاطعة فرجينيا. لكن بما أن بوزاغلو افتخر دائماً بأنه يصنع المدفآت للملوك والنبلاء فربما سيكون هناك المزيد من تلك القطع الفائقة مخبأة في قصر قديم أو بيت عريق.