يعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان انتشاراً لدى النساء في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية (WHO). ووفقاً للصندوق الدولي لأبحاث السرطان WCRF فقد تم تشخيص ما يقرب من 1.7 مليون حالة جديدة في عام 2012، ما جعله ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً. ويمثل هذا نحو 12٪ من جميع حالات السرطان الجديدة، و25٪ من جميع أنواع السرطان لدى النساء. كما وأن سرطان الثدي هو السبب الخامس الأكثر شيوعاً للوفاة. ويعتبر هذا الشهر شهر التوعية بسرطان الثدي.
وتختلف معدلات البقاء على قيد الحياة لسرطان الثدي من دولة لأخرى، ولكنها بشكل عام قد تحسنت في العقد الأخير. ويرجع ذلك إلى أن سرطان الثدي بات يشخص في مرحلة مبكرة من الإصابة في الدول التي توفر لسكانها إمكانية الحصول على الرعاية الطبية، ولديها تطوير مستمر في استراتيجيات العلاج. ونجد، الآن، في كثير من البلدان التي لديها رعاية طبية متقدمة، أن معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات من الإصابة بسرطان الثدي في مرحلة مبكرة يصل إلى 80 - 90 في المائة، وينخفض إلى 24 في المائة للحالات التي يتم تشخيصها في مرحلة أكثر تقدماً.
وسجل أعلى معدل لسرطان الثدي في بلجيكا، تليها الدنمارك وفرنسا ثم أميركا الشمالية وأوقيانوسيا. وأقل معدل في آسيا وأفريقيا، ويتم تشخيص حالات الإصابة بسرطان الثدي بشكل طفيف في البلدان الأقل نمواً (53 ٪). وتشير التقديرات الوقائية إلى أن نحو 22٪ من حالات سرطان الثدي في البرازيل يمكن الوقاية منها بعدم شرب الكحول، والنشاط البدني، والحفاظ على وزن صحي.
وفي السعودية، بلغ عدد حالات سرطان الثدي 1853 حالة في عام 2013، حسب إحصاءات السجل السعودي للأورام، الذي أشار إلى أن معدل الإصابة كانت 25 لكل 100.000 نسمة، ومتوسط العمر 50 سنة.
مسببات السرطان
نشر في مايو (أيار) 2017 آخر التقارير الرسمية التي صدرت حول سرطان الثدي من الصندوق الدولي لأبحاث السرطان. ويعتبر هذا التقرير الأكثر دقة ومنهجية وتحليلاً علمياً من بين البحوث العلمية المتاحة حالياً، وقد ركز على علاقة النظام الغذائي والوزن والنشاط البدني بسرطان الثدي، وتحديد أي من هذه العوامل تزيد أو تقلل من خطر الإصابة بهذا السرطان. وللتوصل إلى نتائج هذا التقرير، قام فريق بحث من كلية إمبريال كوليدج في لندن، بجمع وتحليل بيانات 119 دراسة من جميع أنحاء العالم، شارك فيها أكثر من 12 مليون امرأة وأكثر من 260000 حالة سرطان ثدي، ثم تم تقييمها بشكل مستقل من قبل لجنة من كبار العلماء الدوليين.
وبناءً على نتائج هذه الدراسة، تم تحديث قسم سرطان الثدي في التقارير السابقة، وتم تصنيف حالات سرطان الثدي عن طريق «حالة انقطاع الطمث» إلى سرطان الثدي قبل انقطاع الطمث وبعد سن اليأس.
إن من المستجدات في سرطان الثدي، ما خلصت إليه اللجنة المختصة بالتحديث المستمر لمؤشرات سرطان الثدي الأميركية (The Continuous Update Project Panel) من وجود أدلة قوية على أن استهلاك المشروبات الكحولية، وزيادة الوزن عند الولادة، وزيادة الطول عند الولادة، هي من أسباب وعوامل الخطورة لسرطان الثدي الذي يحدث قبل انقطاع الطمث، وأن النشاط البدني العنيف وزيادة الدهون في الجسم تعتبر من عوامل الحماية ضد سرطان الثدي الذي يحدث أيضاً قبل انقطاع الطمث.
أما بالنسبة لسرطان الثدي الذي يحدث بعد سن اليأس، فقد رأى أعضاء فريق اللجنة أن هناك دليلاً قوياً على أن استهلاك المشروبات الكحولية، وزيادة الدهون في الجسم طوال مرحلة البلوغ، وزيادة الوزن والطول عند الكبار هي من أسباب سرطان الثدي بعد سن اليأس. وأن النشاط البدني (بما في ذلك النشاط البدني القوي) وزيادة دهون الجسم في سن البلوغ يحمي من سرطان الثدي بعد سن اليأس. وبالإضافة إلى ذلك، رأى الفريق أيضاً أن هناك أدلة قوية على أن الرضاعة الطبيعية تحمي من سرطان الثدي، بغض النظر عن وقت حدوثه قبل أو بعد سن اليأس.
عوامل الخطر
تشير معظم الدراسات والبحوث التحليلية حول الوقاية من السرطان والبقاء على قيد الحياة الصادرة عن مركز التحديث المستمر (continuous update project, CUP) لدراسات السرطان إلى أن معظم أنواع سرطان الثدي تكون ذات صلة بالهرمونات، وأن التاريخ الطبيعي للمرض يختلف من مريضة لأخرى، وفقاً للتشخيص ما إذا كان قد تم قبل أو بعد انقطاع الطمث، وقد يكون بسبب أنواع مختلفة من الورم، وربما أيضاً لتأثيرات مختلفة من عوامل أخرى كالتغذية وتأثيرها على الهرمونات اعتماداً على حالة انقطاع الطمث. وإلى جانب ذلك فهناك عوامل خطر أخرى يرتبط سرطان الثدي بها، مثل البلوغ المبكر قبل عمر 12 سنة، وحدوث أعراض سن اليأس متأخراً بعد عمر الـ55، وعدم الحمل أو إنجاب الطفل الأول بعد سن الثلاثين. كل هذه الحالات تعرض المرأة إلى زيادة سنوات التعرض لهرمون الإستروجين والبروجسترون، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. والعكس ينطبق أيضاً: فتأخر بداية الحيض، وانقطاع الطمث في وقت مبكر، والحمل والولادة قبل سن 30 كلها عوامل تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي.
إن التعرض الإشعاعي المتأين خلال العلاج الطبي مثل الأشعة السينية، وخصوصاً أثناء سن البلوغ، يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، حتى مع الجرعات المنخفضة منه. وكذلك العلاج الهرموني الذي يحتوي على هرمون الإستروجين مع أو من دون البروجسترون يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، ويكون الخطر أكبر عند استخدام الاثنين معاً. إن وسائل منع الحمل التي تحتوي على كل من هرمون الإستروجين والبروجسترون، وتؤخذ عن طريق الفم هي أيضاً ترفع خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى الشابات، ولكن بنسبة بسيطة.
درء الإصابة
• هل يمكن التحكم في عوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي؟
هناك عوامل ثابتة لا يمكن التحكم بها، ومنها:
- الجنس، النساء معرضات لخطر الإصابة أكثر من الرجال.
- العمر، التقدم في العمر أحد أكثر عوامل الخطورة تأثيراً حيث تم تسجيل غالبية حالات الإصابة بهذا المرض لدى النساء اللاتي بلغن سن 55 عاماً أو أكثر.
- العوامل الوراثية، فوجود جينات محددة عند البعض يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة.
- التاريخ العائلي، وجود تاريخ عائلي في شجرة العائلة وخصوصاً «الأم، الأخت، الابنة» بإصابتهم بسرطان الثدي أو سرطان المبيض.
- وجود تاريخ مرضي بالإصابة، يعرض المرأة إلى خطر أكبر للإصابة مرة أخرى.
- البلوغ المبكر، قبل سن 12 سنة أو تأخر انقطاع الطمث بعد سن 55 سنة.
- عدم الإنجاب، أو الإنجاب بسن متأخر فوق الـ30.
وهناك عوامل يمكن التحكم فيها وتقليل خطر الإصابة:
- أنماط الحياة الصحية، بترك حياة الركود، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام بمعدل نصف ساعة يومياً، وتناول غذاء صحي يتضمن الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، وإتباع الرضاعة الطبيعية فهي تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتجنب السمنة والمحافظة على الوزن المثالي.
- الفحص والاكتشاف المبكر، إن من المهم أن تكون كل امرأة هي طبيبة نفسها، وعليها التعرف على شكل الثديين وملمسهما في حالتهما الطبيعية، واكتشاف أي تغيرات مهمة في الثديين، وإبلاغ الطبيب فوراً عند ظهور أي عوارض مرضية على الثدي.
- ممارسات يمكن تطبيقها أو تفاديها، مثل: الإرضاع الطبيعي، وممارسة الرياضة، واستخدام حبوب منع الحمل، والمعالجة الإشعاعية على الصدر لسرطان سابق بعمر مبكر، والعلاج ببدائل الهرمونات لمرحلة انقطاع الطمث، ومحاربة السمنة.
الأعراض والكشف المبكر
إن 90 في المائة من الكتل في الثدي هي كتل حميدة، قد تكون أوراماً ليفية أو تكيسات أو غيرها. كما أن معظم تغيرات الثدي هي بسبب التغيرات الهرمونية التي تصاحب المرأة خلال نموها، خصوصاً في مراحل البلوغ، والحمل، والرضاعة، وفترة ما قبل الدورة الشهرية وبعدها، وأخيراً مرحلة انقطاع الطمث.
أما علامات وأعراض المرض فتتمثل في ظهور:
- ورم في منطقة الثدي أو تحت الإبط.
- تغير في حجم أو شكل الثدي.
- تغير في لون أو مظهر جلد الثدي أو الحلمة (إحمرار - سماكة).
- إفرازات غير طبيعية من الحلمة، كالإفرازات الدموية.
- انكماش أو انقلاب الحلمة.
- ألم في الحلمة أو الثدي.
أما الكشف المبكر لسرطان الثدي فيتم عند طريق تنفيذ:
- الفحص الذاتي للثدي، إذ ينصح بتعلم الفحص الذاتي لزيادة الوعي بالأعراض وعلامات المرض في المراحل المبكر.
- الفحوص الروتينية أو الإكلينيكية، من عمر 30 - 40 كل ثلاث سنوات.
- التصوير بالأشعة السينية (الماموغرام)، من عمر 40 - 69 سنة. وينصح بعمله في عمر أبكر من 40 سنة في حالة وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي أو المبيض، والتعرض لمعالجة إشعاعية في عمر صغير، ووجود أعراض وعلامات الإصابة بسرطان الثدي.
ومن الضروري فحص الثدي عند الطبيبة كل ثلاث سنوات منذ بلوغ السيدة سن العشرين، ويصبح إجراء الفحص أمراً ضرورياً مرة كل عام عند بلوغها الأربعين، مع تصوير الثدي بالماموغرام. وكلما اكتشف السرطان مبكراً كلما زادت فرص الشفاء منه لأكثر من 95 في المائة.
كما أن الإصابة بسرطان الثدي لا تعني أبداً استئصال الثدي، إلا إذا كان الورم عميقاً أو كبيراً جداً، أو بدأ في الانتشار.
دراسات عالمية حديثة حول سرطان الثدي
أشارت دراسة صينية نشرت الأسبوع الماضي إلى أن دولة الصين تشهد زيادة كبيرة في معدلات سرطان الثدي، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع خلال العقود الثلاثة المقبلة، وأن أعلى المعدلات تكون في المناطق الحضرية في الصين منها في المناطق الريفية. وكشف تحليل البيانات أن السرطان قد ارتفع بمعدل نحو 3.5٪ سنوياً من 2000 إلى 2013، مقارنة بانخفاض قدره 0.4٪ سنوياً خلال نفس الفترة في الولايات المتحدة. كما أشارت الدراسة إلى العلاقة بين الكثافة السكانية ومعدل الإصابة، وأنها علاقة تزايد مضطردة.
واستنتجت الدراسة أن من المرجح أن يكون للتحضر تأثير كبير على الإصابة، وعزت أسباب ارتفاع الإصابة بسرطان الثدي في الصين إلى: قلة الإنجاب لطفل أو اثنين، وتأخر إنجاب الطفل الأول لما بعد عمر 35 سنة، وتأخر الحمل، وعدم الإرضاع الطبيعي، والتعرض للإجهاد، وقلة النشاط البدني، والسمنة، وتناول الكحول، والشيخوخة، حيث تعيش المرأة الصينية لفترة أطول، فيزيد الضرر الجيني، وتقل القدرة على إصلاحه. وتشهد الهند وضعاً مماثلاً مثيراً للقلق.
> أشارت دراسة بريطانية جديدة، نشرت الأسبوع الماضي، إلى أن النساء اللاتي كثيراً ما يصبغن شعرهن قد يتعرضن لخطر أكبر للإصابة بسرطان الثدي. وقد قام بهذه الدراسة البروفسور كفاح مقبل، جراح سرطان الثدي بمستشفى الأميرة غريس في لندن، مستعرضاً دراسات حول ما إذا كانت هناك صلة بين أصباغ الشعر وسرطان الثدي، ووجدت زيادة بنسبة 14 في المائة في المرض بين النساء اللاتي يلون شعرهن.
وذكر الباحث أنه على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات التأكيدية في هذا المجال، فإن نتائج الدراسة تشير إلى أن التعرض لأصباغ الشعر قد تسهم في خطر الإصابة بسرطان الثدي، وقدم نصيحته بألا تصبغ النساء شعرهن أكثر من خمس مرات في السنة، وأن يستعملن منتجات ذات مكونات طبيعية مثل نبات البنجر.
وفي دراسة منفصلة، وجد باحثون فنلنديون أن النساء اللواتي يستخدمن صبغ الشعر أكثر عرضة لتطوير سرطان الثدي، بغض النظر ما إذا كانت المنتجات هي السبب المباشر للمرض. وذكرت سانا هيكين من سجل السرطان الفنلندي، أن النساء قد يكن، على سبيل المثال، يستخدمن أصباغ الشعر مع مستحضرات تجميل أخرى أكثر من النساء اللواتي لم يستخدمن أبداً أصباغ الشعر.
* استشاري في طب المجتمع