ملتقى النص ينطلق بمناقشة التاريخ الأدبي والثقافي السعودي بين الشفاهية والكتابية

جانب من أحد ملتقيات النص التي عقدت في جدة في وقت سابق (النادي الأدبي)
جانب من أحد ملتقيات النص التي عقدت في جدة في وقت سابق (النادي الأدبي)
TT

ملتقى النص ينطلق بمناقشة التاريخ الأدبي والثقافي السعودي بين الشفاهية والكتابية

جانب من أحد ملتقيات النص التي عقدت في جدة في وقت سابق (النادي الأدبي)
جانب من أحد ملتقيات النص التي عقدت في جدة في وقت سابق (النادي الأدبي)

يعد التوثيق الشفهي جزءاً أساسياً من الإرث الثقافي للأدب السعودي، غير أنه ظل لفترات سابقة في الظل، دون اهتمام أكاديمي ولم يحظَ الأدب الشفهي في بداياته بالاعتراف الكافي داخل الأوساط الأكاديمية، أو أن يكون محوراً رئيسياً في الدراسات الأدبية، رغم دوره الجوهري في نقل الروايات والأشعار والأخبار التي شكّلت الموروث الثقافي السعودي.

وثمت أدب فُقدَ نتيجة التخلي أو الفراغ الكلي للمكتوب مع مجموعة من المعطيات الحضرية التي شغلت الباحثين، كما يقول الدكتور عبد الله السلمي، رئيس النادي الأدبي في جدة، والذي أشار إلى حالة الصدود وعدم الاهتمام، موضحاً أن الأدب السعودي يتمثل في حالتين رئيسيتين من التدوين والتناقل «الشفاهي والكتابي»، إذ استمر الأدب الشفوي لفترات طويلة مصدراً أساسياً لنقل الروايات، والأخبار، والأشعار، فيما أتى التوثيق الكتابي لاحقاً ليحفظ هذه المرويات بشكل أكثر ديمومة.

جانب من أحد ملتقيات النص التي عقدت في جدة في وقت سابق (النادي الأدبي)

ورغم فقدان بعض هذا الأدب فإن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً، حيث بدأ الالتفات الجاد إلى هذا الجانب، مدعوماً بمشروعات توثيقية طموحة، أبرزها مشروع «التوثيق الشفوي» الذي أطلقته دارة الملك عبد العزيز، الذي يُعدّ اليوم أحد أهم الجهود المؤسسية في هذا المجال، وهو ما أكده رئيس النادي الأدبي في جدة، قائلاً إن هذا المشروع أسهم في بناء أرشيف ضخم يضم لقاءات مع الرواة، وتسجيلاً دقيقاً للحكايات التاريخية، والسير الذاتية، في محاولة لجمع أكبر قدر ممكن من المعطيات الشفوية وتحويلها إلى وثائق مكتوبة، تحفظ للأجيال القادمة جزءاً مهماً من تاريخ الأدب السعودي.

د. عبد الله السلمي رئيس النادي الأدبي في جدة

هذا الحراك يتجلى في ملتقى قراءة النص «21» الذي تبدأ جلساته الأربعاء في مدينة جدة غرب السعودية، وينظمه النادي الأدبي الذي اختار «التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهيةِ والكتابيةِ» ليكون عنواناً في مناقشة جميع الجلسات التي تستمر على مدار يومين، فيما يكرم الملتقى الأديب المؤرّخ محمد عبد الرزاق القشعمي.

ويحلق الأدب السعودي بين محورَي النقل والكتابة، كما يقول السلمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الأدب في المملكة يسير في مسارين متوازيين: مسار شفاهي يعتمد على النقل من الرواة، ومسار كتابي يوثق هذه المرويات ويحوّلها إلى مادة بحثية وأكاديمية، موضحاً أن الملتقى الأدبي الذي يجري تنظيمه حالياً يهدف إلى دراسة العلاقة بين هذين المسارين، ومعرفة كيفية توثيق الأدب السعودي عبر الجمع بين الشفاهية والكتابة، وتحليل تأثير كل منهما على تشكيل الهوية الأدبية للمملكة.

وفي إطار جهود التوثيق، لفت السلمي إلى أن شخصية محمد عبد الرزاق القشعمي تمثل نموذجاً بارزاً في هذا المجال، لما له من إسهامات كبيرة في حفظ ونقل الأدب الشفهي السعودي، لافتاً إلى أن الأدب الشفهي كان مهدداً بالضياع نتيجة عدم توثيقه بالشكل الكافي، واعتماد الأجيال السابقة على الرواية المباشرة دون تحويلها إلى نصوص مكتوبة، إلا أن هذا الواقع بدأ يتغير بفضل جهود دارة الملك عبد العزيز، التي تبنّت مشروع التوثيق الشفوي، ونجحت في بناء قاعدة بيانات وأرشيف متكامل يضم مقابلات مع الرواة والمختصين.

ومع التطورات التقنية الحديثة، بدأ الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً في إعادة تقديم الأدب الشفهي بطرق مبتكرة، إذ أصبح بالإمكان استخدام التقنيات الذكية لتحليل النصوص المنطوقة، وتصنيفها، وتقديمها في سياقات متعددة، وهو ما ذهب إليه الملتقى من حيث وجود محور يناقش ذلك، والحديث للسلمي، الذي أشار إلى أن «الملتقى الأدبي يسعى إلى توظيف التقنيات الحديثة في نقل الأدب السعودي بزاويتين (الجناح الشفاهي، والكتابي)، و أبرز المعطيات العصرية الحالية التي يمكن أن توظّف ذلك هو الذكاء الاصطناعي وطريقة توظيفه وتقديمه للآخرين لأن بعض التقنية الاصطناعية يمكن أن تتحدث بجزء من آدابنا دون أن يكون مكتوباً».

ويشكل التوثيق الشفهي اليوم جزءاً أساسياً من الهوية الأدبية وحلقة وصل بين الماضي والحاضر. ومع استمرار المبادرات التي تقودها دارة الملك عبد العزيز، واهتمام المؤسسات الأكاديمية بهذا الجانب، يمكن حفظ ما فات من الأدب السعودي.

مع مطلع كل عام تشهد جدة حراكاً ثقافياً أدبياً ينظمه النادي الأدبي

ومن الأوراق المطروحة خلال جلسات الملتقى «من الشفاهية إلى التدوين - قراءة في جهود العقيلي في توثيق الأدب الشعبي في الجنوب»، وورقة بعنوان «مقدمة في النظرية الشفاهية»، ومشاركة أخرى عن «تقنيات المثل الحواري في الثقافة السعودية الشعبية»، فيما تُرصد «جهود محمد القشعمي في تدوين السير الذاتية السعودية الشفوية» بورقة خاصة، وأخرى عن «تجليات التاريخ الثقافي في يوميات الشيخ محمد العبودي»، و«جدلية الشفاهي والكتابي في ثقافة الصحراء – نار المرخ وتوطين الحكايات»، كما ترصد إحدى الأوراق «تحوّل الأنواع الأدبيّة بين الشفاهيّة والكتابيّة»، وأخرى تتحدث عن «التداخل السردي بين الشفاهية والكتابية ودلالاته الإبداعية في السير الذاتية - استراحة الخميس لغازي القصيبي نموذجاً».

وستكون الأوراق البحثية حاضرةً في الملتقى؛ ومنها: «الأمثال والحكايات الشعبية - مرآة التراث وميراث الثقافة»، و«السرد الشعبي السعودي من الشفاهة إلى الكتابة»، وكذلك ورقة بحثية عن «الحكاية الشعبية من الشفاهة إلى التدوين: التبات والنبات نموذجاً»، و أخرى عن «المعنى الأدبي بين سلطة الشفوية وهامش الكتابة»، وبحث عن «النقوش الصخرية الأثرية والتاريخ الثقافي البعيد في مركز قنا عسير - عرض وقراءة أولى بتوظيف الذكاء الاصطناعي».


مقالات ذات صلة

دول الخليج تفرض رسوماً لمكافحة الإغراق على صفائح وأشرطة الألمنيوم من الصين

الاقتصاد يعمل الموظفون في خط إنتاج لفائف الألمنيوم في مصنع بزوبينغ لدى مقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

دول الخليج تفرض رسوماً لمكافحة الإغراق على صفائح وأشرطة الألمنيوم من الصين

أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي، الأربعاء، فرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على واردات صفائح وأشرطة الألمنيوم من الصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي خلال لقائه رئيس الاتحاد الأوروبي في بروكسل (مجلس التعاون)

تأكيد خليجي – أوروبي على ضرورة إنهاء أزمة غزة

أكد الجانبان الخليجي والأوروبي على ضرورة إنهاء الأزمة في قطاع غزة وفقاً للقرارات الدولية والأممية.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الخليج المشاركون في «مؤتمر بروكسل التاسع بشأن سوريا» بالعاصمة البلجيكية (مجلس التعاون)

«التعاون الخليجي»: استقرار سوريا ضرورة إنسانية وأمنية للمنطقة بأسرها

عدَّ مجلس التعاون الخليجي إعادة إعمار سوريا واستقرارها «ضرورة إنسانية وأمنية للمنطقة بأسرها»، مؤكداً استمرار دعم المبادرات التي تضعها على مسار التعافي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
يوميات الشرق عدد من الفتيات والشباب يقومون بتوزيع وجبات الإفطار على المارة في منطقة الكورنيش (تصوير: عدنان مهدلي)

مبادرات شبابية للفوز بإفطار الصائمين على الطرقات في جدة

درج الصائم أن يُردد مع رفع أذان المغرب وقبل أن يتسلل الطعام إلى جوفه «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»، هذه هي الحالة التي يخرج بها الصائم من يوم

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج جانب من المحادثات الأميركية - الأوكرانية في جدة الثلاثاء (د.ب.أ)

تأكيد عربي على محورية السعودية في صناعة السلام

أكد مجلس التعاون الخليجي، أن استضافة السعودية للمحادثات الأميركية - الأوكرانية تعكس مكانتها المحورية كدولة رائدة في صناعة السلام وحل النزاعات عبر الحوار.

«الشرق الأوسط» (جدة)

«طلعت حرب» يعيد التلفزيون المصري إلى ساحة الإنتاج الدرامي

مؤلف المسلسل خلال لقائه مع المسلماني في القاهرة (الهيئة الوطنية للإعلام)
مؤلف المسلسل خلال لقائه مع المسلماني في القاهرة (الهيئة الوطنية للإعلام)
TT

«طلعت حرب» يعيد التلفزيون المصري إلى ساحة الإنتاج الدرامي

مؤلف المسلسل خلال لقائه مع المسلماني في القاهرة (الهيئة الوطنية للإعلام)
مؤلف المسلسل خلال لقائه مع المسلماني في القاهرة (الهيئة الوطنية للإعلام)

يعود التلفزيون المصري للإنتاج الدرامي من خلال تقديم مسلسل «طلعت حرب»، الذي يتناول سيرة «رائد الاقتصاد المصري» محمد طلعت حرب، والمقرر عرضه في رمضان 2026، ليكون المشروع الذي يستأنف التلفزيون المصري من خلاله مسار الإنتاج الدرامي بعد 10 سنوات من التوقف، وفق بيان للهيئة الوطنية للإعلام، الأربعاء.

وأعلن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أحمد المسلماني، الاتفاق مع مدينة الإنتاج الإعلامي، التي تُعد الهيئة المالك الأكبر لها، على إنتاج المسلسل وبدء الاتفاق على تفاصيله قريباً، مؤكداً خلال لقائه مؤلف العمل محمد السيد عيد، الاتفاق على تواصل التحضيرات للمشروع.

وقال مؤلف المسلسل إن «المشروع كُتب بالفعل قبل عدة سنوات بمبادرة لتقديم عمل درامي يرصد رحلة طلعت حرب ومسيرته، بدعم من بنك مصر، الذي قام بتأسيسه، على أن تتولى مدينة الإنتاج الإعلامي مسؤولية إنتاجه، لكن المشروع تأجل خروجه للنور».

وأضاف عيد لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل مكتوب في 30 حلقة، وتم الانتهاء منه بشكل كامل، وأُعيد إحياؤه مجدداً في الأيام الماضية»، لافتاً إلى أن «المشروع يلقى دعماً كبيراً من (الهيئة الوطنية للإعلام)، مع رغبة في تقديمه بصورة جيدة وبشكل يناسب القيمة التاريخية لطلعت حرب.

وجاء الإعلان عن المشروع بعد أيام من حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أهمية الدراما وضرورة مناقشتها لقضايا تعزز القيم الاجتماعية، وعلى أثر ذلك أعلنت «الوطنية للإعلام» تنظيم مؤتمر حول «مستقبل الدراما» الشهر المقبل، بجانب إعلان الشركة «المتحدة» تشكيل لجنة متخصصة للمحتوى الدرامي، ضمن الاستراتيجية القائمة على تحقيق التوازن بين الإبداع والمسؤولية الاجتماعية.

وأكد رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، عبد الفتاح الجبالي، لـ«الشرق الأوسط»، اعتزامهم إقامة مؤتمر صحافي موسع بعد إجازة عيد الفطر، من أجل الكشف عن تفاصيل مسلسل «طلعت حرب» بشكل كامل والإعلان عن فريق العمل.

تسهم الهيئة الوطنية للإعلام بالحصة الكبرى في ملكية مدينة الإنتاج الإعلامي (مدينة الإنتاج الإعلامي)

وحسب محمد السيد عيد، فإن المسلسل يرصد، من خلال حياة طلعت حرب وسيرته، الفترة التي عاش فيها، عبر استعراض كثير من الأحداث التاريخية المهمة التي عاصرها.

ويشكل المسلسل الجديد عودة للتلفزيون المصري لساحة الإنتاج الدرامي، بعد 10 سنوات من توقفه بشكل كامل عن الإنتاج منذ عام 2015، بعدما قدم مسلسل «دنيا جديدة» للمخرج عصام شعبان، بسبب تراكم المديونيات على الأعمال التي أنتجها، وعدم القدرة على سدادها.

ويشيد الناقد الفني محمود قاسم بخطوة عودة التلفزيون للإنتاج الدرامي، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار سيناريو «طلعت حرب» ليكون أول عمل، خطوة تبدو موفقة في ظل سابقة أعمال مؤلفه التاريخية المميزة، على غرار (مشرفة... رجل لهذا الزمان» و«علي مبارك».

وأضاف قاسم أن «التليفزيون قدّم، على مدى عقود، روائع درامية بكوادر لا يزال بعضها موجوداً في الوقت الحالي، وأن توقفه خلال السنوات الماضية لم يكن قراراً صائباً، باعتبار أن الأعمال التي يقدمها من الصعب إنتاجها عبر القطاع الخاص، إلى جانب طبيعة القضايا التي يطرحها، مما يستلزم ضرورة التشجيع على الاستمرارية وزيادة الأعمال التي يجري إنتاجها».

وتعد شركة «صوت القاهرة»، التي أسسها الفنان محمد فوزي عام 1959، من أذرع التلفزيون الإنتاجية في الدراما التلفزيونية، والمتوقفة عن تقديم أعمال جديدة منذ سنوات، في وقت يعمل فيه القائمون على الشركة للعودة والانخراط في تقديم أعمال جديدة قريباً، حسب رئيسة الشركة الإعلامية نادية مبروك.

وقالت مبروك لـ«الشرق الأوسط» إن «الشركة لديها بالفعل كثير من السيناريوهات الدرامية الجيدة التي يمكن تقديمها، لكن هناك مشكلات مالية يجري العمل على معالجتها من أجل إعادة الشركة كجهة منتجة للأعمال الدرامية»، مشيرةً إلى أن هدفهم هو العودة لتقديم أعمال جيدة درامياً، لا سيما أن نجاح الدراما اليوم لم يعد مرتبطاً بوجود النجوم بقدر ما يعتمد على الفكرة التي يقدمها العمل».

عاجل دوي صفارات إنذار في عدة مناطق بإسرائيل بسبب مقذوف أطلق من اليمن