معرض «ساعات وعجائب 2025» يعيد عقارب الساعات إلى «الزمن» الجميل

إصدارات تتبرك بأيقونات قديمة... وتستهدف جيل الشباب

لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)
لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)
TT

معرض «ساعات وعجائب 2025» يعيد عقارب الساعات إلى «الزمن» الجميل

لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)
لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)

«ساعات مُستوحاة من الزمن الذهبي ولا تلتزم بقيوده»... جُملة تُلخّص توجه صناع الساعات الفاخرة في معرض «ساعات وعجائب» لعام 2025. أغلبهم أعادوا صياغة أيقونات قديمة وكأنهم يتبركون بسحرها وما حققته من نجاحات، لكن بلغة شبابية واضحة.

هذا التوجه ليس جديداً أو غريباً في عالم المال والجمال عموماً، يظهر دائماً في أوقات الأزمات الاقتصادية؛ لما تتطلبه من حذر ولعب على المضمون. فالمعرض الذي تحتضنه جنيف السويسرية سنوياً، انطلق في أجواء غير عادية هذه المرة في العالم؛ إذ كل ما فيه يدعو للقلق، من فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية زلزلت صناع الترف، كما المستهلكين والمستثمرين، وتباطؤ نمو أسواق كانت الآمال معقودة عليها قبل جائحة «كورونا» مثل الصين.

افتتاح المعرض السنوي «ساعات وعجائب» لعام 2025 (ساعات وعجائب)

وفقاً لاتحاد صناعة الساعات السويسرية، فإن صادرات الساعات السويسرية تراجعت في العام الماضي بنسبة تقارب 10 في المائة، لتصل إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، في حين انخفضت الإيرادات بنسبة 2.8 في المائة. ورغم أن السوق مستقرة إلى حد ما، فإن هذا لا يعني أنها تبشّر بالخير.

لحسن الحظ أن الإصدارات التي استُعرضت في المعرض تؤكد أن الحذر يقتصر على الاستراتيجيات التسويقية والترويجية. فيما يتعلق بالجانب الإبداعي، فماكينته لم تتوقف أو تضعف، بدليل أن المنافسة محتدمة بين الكل لطرح ابتكارات قد تؤهلهم للحصول على براءات اختراع.

كما تنافس صناع الساعات على حصصهم السوقية تنافسوا على الدقة والابتكار (آي دبليو سي شافهاوزن)

ثم إن الأزمات المتتالية علّمتهم أنه عندما يُغلق باب لا بد أن تُفتح منافذ جديدة، وهذا وجدوه في الشرق الأوسط؛ سوق منتعشة اقتصادياً، وزبائنها من الشباب تحديداً يقدرون كل ما هو فريد، ويمكنهم الاستمتاع به والاستثمار فيه في آنٍ واحد. لهذا كان من الطبيعي أن تدور المنافسة حالياً على استقطاب شريحة الشباب، من كل أنحاء العالم، بابتكار ساعات تلمس القلب والعقل، بعد أن انتبهوا أن هذا الزبون متطلب بقدر ما هو حذر؛ أي إنه يميل إلى ساعات بوظائف وتعقيدات سابقة لأوانها. انتبهوا أيضاً إلى أنه في وقت الأزمات الاقتصادية يثق أكثر في العلامات التجارية التي يرى أن «ثمنها فيها»، مثل ساعات «روليكس» و«باتيك فيليب» و«كارتييه» وما شابهها من أسماء سويسرية. واحد من التحديات بالنسبة لهم تكسير هذه القناعات وإقناع هذا الزبون بإصدارات كلاسيكية تفوح منها روح المعاصرة.

دار «كارتييه» عادت إلى ساعتها الأيقونية «تانك» لتوجهها لفئة شبابية جديدة (كارتييه)

العديد منهم اعتمدوا على تصاميم مجربة ولها تاريخ لا يزال يدغدغ الخيال. استخرجوا من أرشيفهم جواهر من الزمن الجميل، وأعادوا صياغتها بلغة العصر. طوروا وظائفها، ولعبوا على المعادن النفيسة والألوان التي تبث السعادة في النفس، وحتى إضافة أحجار كريمة، من دون المساس بكلاسيكيتها. فما يبدو كلاسيكياً الآن كان في عصره ثورياً وجريئاً يعكس الحقب الزمنية التي وُلد فيها. «بياجيه» مثلاً عادت إلى الستينات من خلال ساعتها «سيكستي»، وهي حقبة شهدت عدة تغيرات اجتماعية؛ تحررت فيها المرأة من الكثير من القيود، وظهرت فيها حركة شبابية مثيرة تجلت في الكثير من مناحي الحياة، بما فيها فن «البوب آرت»، كما تغير فيها وجه الموضة على يد أمثال إيف سان لوران وماري كوانت وغيرهما. مثل «بياجيه» عادت «كارتييه» إلى «تانك» الساعة المفضلة لدى النجوم والعائلات المالكة، وهلم جرا من أمثال:

«SIXTIE» من «بياجيه»

«SIXTIE» من «بياجيه»

وُلدت في 1969 الذي كان عاماً مهماً في تاريخ الدار؛ رسمت فيه حدوداً غير مسبوقة بين صناعة الساعات والمجوهرات، متأثرة بالحركات الشبابية التي ظهرت في تلك الحقبة وتمردهم على كل ما هو تقليدي، فضلاً عن تأثير فنّ «البوب». نسخة هذا العام جاءت بنفس الجرأة التي تصورها مصممها الأول جان-كلود غيت في أواخر الستّينات من القرن الماضي، بدءاً من سوارها العريض وحلقاته المنحرفة والمتداخلة، وساعات «سوتوار» المتدلّية ذات الأشكال المنحرفة وباقي التفاصيل، بدءاً من أضلاعها المنحوتة برقّة على الإطار، ومؤشراتها الذهبية وعقاربها التي هي على شكل أسهم فتنصهر مع الأرقام الرومانية.

«TORIC QUANTIÈME PERPÉTUEL» من «بارميجياني فلورييه»

«TORIC QUANTIÈME PERPÉTUEL» من «بارميجياني فلورييه»

تم طرحها في نسختين: الأولى مصنوعة من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً، والثانية من البلاتين، بكمية محدودة لا تتجاوز 50 قطعة لكل منهما. شجع نجاحها في عام 2024 على تطويرها، معتمدة على واحد من أبرز التعقيدات الكلاسيكية في عالم صناعة الساعات الراقية، وهو التقويم الدائم (Quantième Perpétuel). فمنذ البداية أظهر ميشيل بارميجياني شغفاً بالتقاويم، بوصفها لغة شاعرية تتحكم في الزمن وتحاكي أبعاده الرمزية والوجدانية؛ لهذا لم يكن غريباً أن توظف الدار هذا الشغف وتُقدّم تجربة بصرية تتّسم بالنقاء وإحساس عاطفي بالزمن.

أما وجهها ذو التصميم المحوري (coaxial) فيتيح بدوره عرضاً هندسياً دقيقاً للعناصر الزمنية، لا يؤثر على نقاء الميناء وبساطة الخطوط، وهو ما يُعد إنجازاً بحد ذاته. فغالباً ما تكون واجهة ساعة اليد المزوّدة بآلية التقويم، سواء كان الغريغوري أو الصيني أو الهجري، مزدحمةً بالمعلومات المرتبطة بهذه الوظيفة الزمنية المتقدمة. لكن الدار خلقت توازناً بين الجانب الجمالي، والبُعد التقني المعقّد بشكل مريح للعين.

ساعة «إنجنيور أوتوماتيك 35» من «آي دبليو سي شافهاوزن»

ساعة «إنجنيور أوتوماتيك 35» من «آي دبليو سي شافهاوزن»

شهد عام 2023 إطلاق أول نسخة من «إنجنيور أوتوماتيك 40»؛ التحفة الرياضية بسوار مدمج مستوحى من التصميم الأيقوني لساعة «إنجنيور إس إل» التي أبدعها جيرالد جنتا في سبعينات القرن الماضي. هذا العام تضيف الدار السويسرية ساعة «إنجنيور أوتوماتيك 35» بسمك لا يتجاوز 9.44 ملم، ومع ذلك تحافظ على كل السمات التصميمية الأصيلة لساعات «إنجنيور»، بدءاً من الإطار المرصع بـ5 من البراغي الوظيفية، والسوار المثبت بحلقاته الوسطى، إلى الميناء «الشبكي» بمؤشراته البارزة المثبتة يدوياً والمطبوعة بمادة «Super-LumiNova» وخطوطه المربعة. تم تجهيز جميع إصدارات ساعة «إنجنيور أوتوماتيك 35» الثلاثة بظهر شفاف يكشف عن العيار «47110» ذي التعبئة الأوتوماتيكية ومخزون الطاقة الذي يمتد حتى 42 ساعة.

«Alpine Eagle Flying Tourbillon» من «شوبارد»

«Alpine Eagle Flying Tourbillon» من «شوبارد»

ساعة رياضية تنضم إلى مجموعة «ألباين إيغل» حازت لحد الآن على شهادتَي امتياز، ليكون معمل «شوبارد» الوحيد الذي تحمل ساعات التوربيون المحلّق لديه شهادة «الكرونومتر» و«دمغة جنيف للجودة». استُوحيت مجموعة «Alpine Eagle» من موديل إحدى ساعات «شوبارد» التاريخية التي أعيدت صياغتها على يد ثلاثة أجيال لتصل إلى تعقيد التوربيون المُحلّق، حيث ابتكار أول عيار في عام 1997 لا تتعدى سماكته 3.30 ملم، مما أتاح تحسين حجم هذه الساعة. فالعلبة مثلاً لا تتعدى سماكتها 8 ملم، مقارنة بغيرها من النماذج السابقة. مثل باقي ساعات مجموعة «Alpine Eagle» تضم آلية «flyback» الارتجاعية، لكن بسمك لا يتعدى 3.30 ملم، وعلبة قطرها 41 ملم مع سوار مدمج فيها، وقد صُنعت الساعة بالكامل ضمن ورشات الدار من معدن «لوسنت ستيل TM» باعتباره سبيكة معدنية استثنائية حصرية لـ«شوبارد»، فائقة المقاومة وقابلة للتدوير.

ساعة «Big Crown Pointer Date» من «أوريس»

ساعة «Big Crown Pointer Date» من «أوريس»

طُرحت أول مرة في عام 1938 خصيصاً للطيارين؛ إذ تم تزويدها بمستويات عالية من الدقة والمتانة مع سهولة الاستخدام، وهو ما تمثّل في تاج كبير الحجم يسهل التحكم به عند ارتداء القفازات، وأرقام عربية واضحة عند مواضع الساعة 12 و3 و9، ونافذة مخصصة لعرض التاريخ. في عام 2025، وبعد 90 عاماً، أعيد طرحها بسوارٍ معدني وتوليفة من الألوان الحيوية بمقاسات علب متنوعة وحركة أوتوماتيكية. عُلبتها بقطر 40 ملم مثلاً تأتي باللون الترابي الدافئ والأخضر، وهي مزودة بحركية كاليبر أوريس 403، ومؤشر صغير للثواني عند موضع الساعة 6، في حين تتميز الساعة بقطر 34 ملم باللون البيج أو الأسود، ومرصعة بـ12 ألماسة. من الناحية التقنية، تضم أكثر من 30 عنصراً مقاوماً للتأثيرات المغناطيسية، واحتياطي طاقة لمدة 5 أيام يضمن استمرار عمل الساعة حتى بعد مرور فترة على عدم ارتدائها.

«Arceau Le temps suspendu» من «هيرميس»

«Arceau Le temps suspendu» من «هيرميس»

في هذه الساعة عادت الدار الفرنسية إلى مجموعة «آرسو لو تون سيسبوندي» التي أصدرتها أول مرة في عام 2011. لعبت على أسطح ثنائيّة الأبعاد تختبئ عقاربها في بروش يمكن أن يُزيّن سترة رجل أنيق، أو قلادة تزيّن عنق امرأة. الجديد في إصدار عام 2025 هيكله البالغ قطره 39 ملم من الذهب الأبيض أو الذهب الوردي، والذي يترافق مع ثلاثة ألوان تُبرز جمال الطبيعة وتنوعها من خلال تدرج زمني يبدأ من شروق الشمس إلى غروبها، فضلاً عن خطوطها الحادّة وهندستها الجريئة. مؤشر التشغيل الذي يدور بعكس اتجاه السّاعة يضيف بدوره لمسة منعشة من المرح والأناقة، لا سيما في ساعة المعصم المرصعة بأحجار الألماس والتورمالين.

«The Excalibur Biretrograde Calendar» من «روجيه ديبوي»

«إكسكاليبر بايرتروجراد كاليندر» من «روجيه ديبوي»

على غرار الساعة التي طرحتها «روجيه ديبوي» في عام 1996، ينفرد هذا الإصدار بتقنية تراجعية مزدوجة تشتهر بها الدار منذ 1995. هذا العام 2025 جاء بمثابة احتفال بمرور ثلاثين عاماً على بدايتها. ويجسد تصميمها اتصالاً وثيقاً بين الماضي والحاضر. من أهم سمات الساعة قطرها البالغ 40 ملم، باحتياطي طاقة يبلغ 60 ساعة، ويمكن رؤية وزنها المُتأرجح عبر الجزء الخلفي المصنوع من كريستال السافير، بهيكل من الذهب الوردي يزدان بميناء من عرق اللؤلؤ الأبيض. وتجدر الإشارة إلى أن «روجيه ديبوي» من أوائل صانعي الساعات الذين أدخلوا الذهب الوردي وعرق اللؤلؤ في الساعات الرجالية في مطلع الألفية، ليُصبح هذان العنصران جزءاً لا يتجزأ من هوية الدار.


مقالات ذات صلة

«GemGenève»... من التهميش إلى العالمية

لمسات الموضة قطع تاريخية من حقبة الآرت ديكو ولا تزال تُلهم لحد الآن (خاص)

«GemGenève»... من التهميش إلى العالمية

رغم أنها صُممت في حقب قديمة بتقنيات تقليدية فإن الزمن لم ينل من بريقها، بل بالعكس لا تزال تُلهم الحاضر والمستقبل.

جميلة حلفيشي (جنيف)
لمسات الموضة «باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

«باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

ليلى يوسال، اسم يستوقفك لعدة أسباب، الأول أنها امرأة تنافس الرجال في صناعة الساعات الفاخرة، وثانياً أنها تتعامل مع إرثها الكردي كقضية وجودية لتمكين المرأة.

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة يصور الجدار الرئيسي «بانتيرا» يتحرك برشاقة بين الأزهار المتفتحة ووسط الكثبان الرملية كأنه يتوجه إلى واحة هادئة (كارتييه)

«كارتييه» ترسخ أقدامها في الرياض لرابع مرة

وأصبح للترف عنوان جديد في قلب الرياض: «سوليتير مول». هذا ما تقوله بيوت أزياء كبيرة مثل «شانيل» و«فندي» و«لويس فويتون» و«ديور»، ودور مجوهرات عالمية مثل «كارتييه…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ميسيكا فاليري (تصوير أليكس روسو)

فاليري ميسيكا تتوج نجاحها بانضمامها إلى لجنة «كولبير»

ليس كل من هب ودب يمكنه الانضمام إلى «لجنة كولبير» (Comité Colbert)؛ فهي تنتقي أعضاءها بدقة وبشروط كثيرة ما يجعل كل من يسعفه الحظ ويتم قبوله فيها يشعر بالفخر…

«الشرق الأوسط» (لندن)

عرض «زينيا» لصيف 2026... صُنع في إيطاليا وعُرض في دبي

أسلوب الطبقات والأقمشة المبتكرة كان لها حضور قوي في هذه التشكيلة (زينيا)
أسلوب الطبقات والأقمشة المبتكرة كان لها حضور قوي في هذه التشكيلة (زينيا)
TT

عرض «زينيا» لصيف 2026... صُنع في إيطاليا وعُرض في دبي

أسلوب الطبقات والأقمشة المبتكرة كان لها حضور قوي في هذه التشكيلة (زينيا)
أسلوب الطبقات والأقمشة المبتكرة كان لها حضور قوي في هذه التشكيلة (زينيا)

إقامة عرض ضخم ولأول مرة على الإطلاق خارج حدودها الإيطالية ذروة الصيف أثارت استغراب بعض الضيوف الآتين إلى دبي من أنحاء بعيدة من العالم. لكن سرعان ما تبخر استغرابهم. فدار «زينيا» لم يكن أمامها خيار آخر. كان لا بد أن يتزامن توقيت عرض تشكيلتها هذه لربيع وصيف 2026 مع انطلاق أسبوع ميلانو للموضة الرجالية في ميلانو، التي كانت جزءاً لا يتجزأ منه لحد الآن.

تحولت أجواء دار الأوبرا بدبي كلياً لتعكس أجواء «فيلا زينيا» برمالها وأشجارها (زينيا)

دار الأوبرا في دبي كانت مسرح الحدث. تحوّلت إلى واحة حقيقية: فُرشت أرضيتها برمال ناعمة، وأحيطت بأشجار خضراء وارفة تم اختيارها بعناية لما ترمز إليه من صمود وتجدد، كالنخيل وشجرة الغاف، الشجرة الوطنية لدولة الإمارات، ذات الرمزية الثقافية والبيئية العميقة.

هنا تناثرت أيضاً عناصر مستوحاة من حدائق قصر مؤسس الدار في تريفيرو الإيطالية، لتأخذنا إلى قصة بدأت أكثر من قرن، حين راود إرمينجيلدو زينيا، الجد، حلمٌ تجسّد لاحقاً في «واحة زينيا” Zegna OASIS الواقعة في جبال بييلا؛ حيث أسّس أول معمل للصوف في عام 1910. رؤيته كانت سابقة لأوانها في مجالي الاستدامة وحماية البيئة؛ فمنذ ذلك الحين، زرعت زينيا أكثر من 500 ألف شجرة في المنطقة، محوّلة إياها من بيئة جرداء إلى ما يشبه الغابة.

نادي «فيلا زينيا» دبي

في دبي، تكرّرت التجربة بإطلاق فعالية «Villa Zegna Club» ضمن عرض أزياء غامر يجسّد رؤية المؤسس «Ermenegildo Zegna»، التي يحرص أحفاده على نشرها إلى العالم كمفهوم يتجاوز الجغرافيا. مفهوم تتماهى فيه الطبيعة مع الإنسان كما أكده عرض الدار لربيع وصيف 2026.

لم يكن اختيار دبي لتكون التجربة الثالثة بعد شانغهاي ونيويورك، مجرد استعارة، بل خطوة استراتيجية مهمة تعكس أهمية المنطقة وعلاقة الدار بها، كما قال جيلدو زينيا، حفيد المؤسس ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمجموعة: «فهناك نحو 200 جنسية تقيم في دبي. ونستقبل نحو 100 مليون زائر في محلنا الواقع في (دبي مول) وحده... ربما يكون هذا هو أسرع الأسواق نمواً على مستوى العالم».

تلمس صحة قوله يوم العرض من خلال نوعية الضيوف. 600 شخصية بارزة من كبار عملاء الدار، من المنطقة ومن الصين إلى المكسيك، ومن ألمانيا إلى تايلاند. بعضهم ارتدى ملابس تقليدية وإكسسوارات محلية، وآخرون تصاميم من «زينيا»، في إعلان واضح عن ولائهم للدار، وما تحظى به من احترام ومكانة مرموقة.

تحمل التشكيلة إرث الدار وحرفيتها بأسلوب عالمي (زينيا)

السؤال الذي خامر البعض هو ما إذا وظَف مصممها أليساندرو سارتوري عناصر تقليدية مستلهمة من تراث المنطقة بحكم وجوده فيها؟ جوابه كان بالنفي. فهو يعلم جيداً أن زبون المنطقة يتوق للتجديد. والأهم من هذا يُقدّر مفهوم «صُنع في إيطاليا»، بمعنى كل ما هو مبتكر ومترف وأنيق. وهذا ما قدّمه مع إضافة جرعة منعشة عالية تستهدف التخفيف من حرارة الشمس وتحرير الجسم. اختزلها المصمم في خفة القطع، وفي لوحة لونية تغلب عليها الدرجات الترابية والزيتونية، خضعت لمعالجات خاصة لتبدو وكأن شمس دبي الحارقة قد لوّحتها.

تعكس الألوان أجواء الصيف من دون أن تتوهج حتى تحافظ على روحها الرفيعة (زينيا)

بين الكلاسيكي والكاجوال

ومع ذلك، يبقى الأمر مجرد قراءة شاعرية، لأن أليساندرو وضَّح في لقاء استباقي أجراه مع وسائل الإعلام، صباح يوم العرض، أن هذه الألوان كانت دائماً جزءاً من هوية الدار، مستشهداً بمعظم تشكيلاتها السابقة. أما من ناحية التصميم، فشرح أن نقطة انطلاقه كانت تلك المساحة الواسعة، والأقرب إلى الثغرة، بين الأزياء الرجالية الكلاسيكية والكاجوال بالمعنى الحداثي. «كونها لم تُستكشف بالكامل بعد، وبالتالي تتيح فسحة كبيرة للتفنّن فيها».

والنتيجة كانت أزياء تفيض بخفّة ظاهرية ولامبالاة أنيقة بتفاصيل تعطي الانطباع أنها غير مكتملة وبكرمشات وألوان باهتة، لكنها تنضح بفخامة تخرج عن صمتها عندما تتمعن في كل غُرزة أو تفصيل.

الموسيقي جيمس بلايك وهو يغني ويعزف على البيانو قبل العرض (زينيا)

العرض الموعود

مساء يوم الأربعاء الماضي كان الموعد المرتقب. شخصيات مهمة، محلية وعالمية، ونجوم من أمثال ظافر العابدين ومحمد فراج وقيس الشيخ وعائلة المصمم العالمي إيلي صعب وغيرهم، لم يخفوا انبهارهم بالديكور وكيف تم تحويل دار الأوبرا كلياً إلى واحة غناء.

ثم في لحظة انتقالية درامية، تغيّرت الأجواء. أُطفئت الأنوار وساد صمت مهيب. وفي ظلمة شاعرية، لم تخترقها سوى أضواء عالية تحاكي النجوم، انطلق صوت الموسيقي جيمس بلايك وهو يعزف على البيانو، مضيفاً بعداً حسياً للحظة يصعب نسيانها.

قمصان طويلة بياقات نهرو وإكسسوارات تضفي عليها أناقة هادئة (زينيا)

ثم بدأ العرض في تسلسل سردي يستحضر «الحياة اللذيذة»، وذلك الأسلوب الإيطالي المتحرر الذي جسّده الملياردير جياني أنييلي. كان معروفاً بأناقته الرفيعة وأسلوبه المتمرد على إملاءات الموضة وقواعدها التقليدية. أمر أكده المصمم أليساندرو سارتوري قائلاً إن الرجل كان ولا يزال البطل الحقيقي في كل قَصة ينسجها، لأنه هو مَن يُضفي على القطعة نكهتها وواقعيتها، مضيفاً: «نحن كمصممين نبتكر ونقترح أفكاراً جديدة، لكن التفاعل الخاص مع القطعة، من خلال طريقة تنسيقها وارتدائها، هو ما يمنحها معناها الحقيقي في الواقع».

ظهر بعض العارضين حفاة وهم يحملون أحذيتهم المطاطية بأيديهم (زينيا)

58 قطعة تُشعرك أن لكل واحدة طابعها الفردي، وكما لو أنها رافقت صاحبها عبر الزمن، واكتسبت ملامح تجربته الشخصية. صورة يُرسخ واقعيتها وعفويتها لامبالاة مقصودة، يظهر فيها بعض العارضين حفاة وهم يحملون أحذيتهم المطاطية بأيديهم.

كل تفصيل في التشكيلة بدا متجدّداً يتوجه نحو المستقبل: جلود قابلة للغسل، بدل حريرية بخفة الهواء، أكتاف لا تجلس في مكانها المعتاد، جيوب واسعة، وعارضون من مختلف الأعمار، أراد المصمم من خلالهم إبراز التجاعيد كجزء من الحياة. تطبع الوجوه كما تطبع الأقمشة.

كما تنوعت الأقمشة والتصاميم تنوعت أعمار العارضين (زينيا)

انعكس هذا التنوّع أيضاً على الألوان التي شملت الأبيض، الرمادي الفاتح، البيج الدافئ، الرمادي المائل للبني، الكاكي، الزيتوني، البني المحمّر، النحاسي المائل إلى البرتقالي، الأخضر النباتي، الوردي المائل إلى الأرجواني، والأحمر القرمزي.

لعبة الأقمشة

لكن في لعبة خاضها أليساندرو سارتوري بجرأة لصياغة مفهوم جديد للأناقة الرفيعة والمريحة، كانت ورقته الرابحة هي الأقمشة. خضعت في معامل الدار لغسلات متكررة، أكسبتها كرمشات وألواناً باهتة مقصودة. لم ينسَ ولو للحظة أن إرث زينيا متجذّر في صناعة الأقمشة، وأن معاملها بمثابة مختبرات لا تتوقف عن استكشاف الإمكانات اللامحدودة لتطويرها. طوَعها لخلق خطوط واسعة ومرنة، فكّك فيها السترات لتكون أخف وزناً بعد أن استغنى فيها عن التبطين.

الأخضر كان حاضراً بقوة بكل درجاته في هذه التشكيلة (زينيا)

استغناء طال أغلب الإطلالات، بغضّ النظر إن كانت من الكتان أو الجلد أو غيرهما. المهم أن تحقق الهدف: تُخفف أكتاف الرجل من ثُقلها وجسده من سُمكها. الحرير مثلاً استعمل في بدلة كاملة بوزن لا يتجاوز 300 غرام، والجلد خضع لمعالجة رائدة جعلته قابلاً للغسل وناعماً كأنّه حرير. وكأن هذا لا يكفي، كشف المصمم عن إضافة نسبة من الورق المعالَج إلى القطن، لتعزيز خفة القماش وملمسه وقوامه، مع الحفاظ على متانته وجودته.

أسلوب الطبقات والأقمشة المبتكرة كان لها حضور قوي في هذه التشكيلة (زينيا)

كان واضحاً أن المصمّم في رحلته لتصميم تشكيلة تتسم بالعفوية والواقعية صال وجال في تلك المساحة التي لم يتم الاقتراب منها من قبل. فحتى تصميم«Il Conte»، بكل كلاسيكيته وارتباطه بمؤسس الدار، الذي تجدر الإشارة إلى أنه كان يحمل لقب «كونت» في الواقع، لم يسلم من التحديث. تمت صياغته بشكل مربع أكثر رحابة مع جيوب سخية لرجل معاصر.

لهذا الرجل أيضاً اقترحت الدار قمصاناً تجاوزت دورها التقليدي لتحل محل الجاكيت أو السترة، حسب ذوق صاحبها والمناسبة. جاء بعضها طويلاً بياقات «نهرو» (Nehru)، ودائماً بلمسة انسيابية شأنها شأن السراويل القصيرة التي يمكن ارتداؤها تحت المعاطف الصيفية الرسمية أو السترات الضيقة.

القمصان لم تعد مجرد مكمل بل أخذت دور سترة في هذه التشكيلة (زينيا)

هذا التفاعل العفوي والمنطلق الذي خلقه أليساندرو بين الرجل والأزياء واستهدف محاكاة الحياة اليومية، رآه البعض رسالة حب للمنطقة العربية، إلا أنه كان في المقام الأول رسالة وفاء لرؤية زينيا ومؤسسها. رؤية لا تقتصر على نشر الأسلوب الإيطالي الأنيق للعالم، أو تدعو لاحتضان الاختلاف بكل ألوانه وأعماره، بل تُحيي روح الشغف والمسؤولية تجاه الأجيال المقبلة، بزرع الجمال كما بزرع الشجر في كل مكان.

فأشجار النخيل والغاف ليست مجرد ديكور عابر وفقاً لفعاليات «Villa Zegna» لحد الآن، ستعاد زراعتها كالعادة بعد انتهاء الحدث، بما ينسجم مع فلسفة الدار في الاستدامة واحترام الطبيعة.