كان من المفترض أن يكون عرضه لربيع وصيف 2026 احتفالاً بـ50 عاماً من العطاء، تُستعرض فيه ما جاد به خيال الراحل جورجيو أرماني على مدى خمسة عقود. لكن وبعد وفاته في الرابع من سبتمبر (أيلول) عن 91 عاماً، تحول العرض إلى ما يشبه حفل تأبين من نوع خاص يليق بمبدع أثرى ساحة الموضة، في حضور نخبة من النجوم الذين تعاونوا معه في فترة من الفترات، من بينهم غلين كلوز، وريتشارد غير، وكيت بلانشيت، وسامويل إل جاكسون، وجيمس نورتون، وتوني سيرفيلو، وتشانغ زيي، بالإضافة إلى المخرج سبايك لي الذي وصف أرماني بأنه «رجل عصر النهضة». كلهم حضروا بملابس سهرة من تصميم الدار الإيطالية.

كان مسرح العرض المكان الذي اختاره المصمم ليكون مسرحاً لعرضه الاحتفالي، ألا وهو متحف بيناكوتيكا دي بريرا، الذي افتُتِح فيه أيضاً معرض يضم أكثر من 120 قطعة من تصاميمه، إلى جانب أعمال فنية من عصر النهضة.
كل شيء جرى كما قرره، باستثناء الديكور، حيث تزين المكان بفوانيس ورقية في مشهد يستحضر الفوانيس في الكنيسة التي أُقيمت فيها مراسم جنازته. غاب أيضاً ترقب ظهوره لتقديم التحية بعد انتهاء العرض.

عوض ذلك، توجه الحضور إلى المعرض المجاور للاستمتاع بتصاميمه الشهيرة، مثل البدلة التي ارتداها ريتشارد غير في فيلم «أميركان جيغولو» عام 1980، وكانت نقطة تحوُّل في مسيرة كل من الممثل الأميركي والمصمم الإيطالي. الممثلة لورين هاتون التي شاركت ريتشارد غير بطولة الفيلم حضرت بدورها العرض، وهي تبدي إعجابها به بوصف أنه إنسان، ومصمم.
أما النجمة الأسترالية كيت بلانشيت، التي عملت معه بوصف أنها وجه ترويجي وكانت دائما تحضر عروضه، فعبَرت عن رأيها لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» قائلة: «هذه اللحظات، وهذه الأجواء تعبّر عن نفسها، هناك الكثير من الذكريات هنا الليلة». وأضافت: «إلى جانب كونه مصمماً رائعاً، كان إنساناً خيّراً، ومعطاء بشكل لا يصدق».

المخرج سبايك لي عبّر أيضاً عن رأيه في الراحل قائلاً: «يشرفني أن أتلقى دعوة للعودة إلى ميلانو للاحتفال بفخامته». المقصود بفخامته طبعاً أرماني الذي كان معروفاً في أوساط الموضة والفن بالملك.
أما بالنسبة للأزياء، فإنها كما قالت الدار تحمل لمسات الراحل، لأنه عمل عليها، وأشرف على كل تفاصيلها شخصياً وهو على فراش المرض. «إنها بمثابة تعبير عن أسلوب ونهاية دورة فنية لكي تبدأ دورات جديدة». وفق ما قالته العلامة التجارية في بيان صحافي.

بالفعل، كان كل شيء في العرض يُذكر بأسلوبه، وكأن روحه لا تزال تحوم حول المكان تُشرف على كل صغيرة وكبيرة. استُلهمت من مدينة ميلانو حيث كان يعيش مقابل متحف بيناكوتيكا، ومن بانتيليريا، وهي جزيرة بركانية إيطالية نائية تقع بين صقلية وتونس، حيث كان يملك منزلاً يمضي فيه عطلاته، ويشحذ أفكاره.

تضمنت العروض مجموعة من البدلات الكلاسيكية والفساتين اللامعة، بألوان محايدة من الأخضر والأزرق والأرجواني، مجسدةً الضوء والأرض والبحر. حرصت الدار أيضاً أن تستعين بعارضين وعارضات عملوا مع المصمم على مدى العقود الخمسة الفائتة، نذكر منهم أجنيسي زوجلا، إحدى العارضات المفضلات لدى المصمم. كان هذا ضرورياً «لتجسيد رؤيته للمرأة»، وفق البيان الصحافي.

انتهى العرض بلفتة درامية تمثلت في فستان طويل لامع باللون الأزرق الداكن، ومزيّن بصورة المصمم، انتزع تصفيقاً حارّاً من 700 ضيف، بينما خيّمت مشاعر التأثّر على غالبيتهم.
طوال حياته، حرص أرماني على فرض سيطرة تامة على إمبراطوريته التجارية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. لم يكن من السهل عليه أن يتخلى عنها لأحد حتى بعد تعديه التسعين من العمر. فقد بناها من الصفر، ولم يكن بيع حصة منها أو ترك شؤونها لغيره سهلاً. ظل على تواصل مع فريق العمل حتى آخر رمق من حياته، لهذا كان غريباً أن يترك وصية يطلب فيها من ورثته بيع حصة من إمبراطوريته، محدداً أسماء مجموعات عملاقة في مجال المنتجات الفاخرة، أو إدراجها في البورصة.
















