جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

غلَب في تشكيلته الأخيرة الفكر الفني والفلسفي على الفكر التجاري

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
TT

جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)

في الـ8 من شهر مارس (آذار) المقبل، سيصدر وثائقي عن المصمم جون غاليانو بعنوان High & Low—John Galliano، (جون غاليانو... الانتصار والانكسار) للمخرج كيفن ماكدونالد. الفيلم يتطرق لحياته ومسيرته الفنية بكل حلوها ومرها. كيف كانت البدايات، وكيف تحول بين ليلة وضحاها من مُدلل عالم الموضة إلى منبوذ يبحث عن بيت يحتضنه ليمارس فيه شغف الإبداع.

وبينما يشير الفيلم إلى عبقرية فرضت نفسها على ساحة الموضة وتجاوزت ثقافة الإلغاء بعد عملية إنقاذ تكاثفت فيها عدة جهات مؤمنة به، فإن أسبوع الأزياء الراقية «الهوت كوتور» الأخير شهد أخيراً تسلطنه على الساحة مرة أخرى منذ خروجه «مطروداً» من دار «ديور» في الواحد من شهر مارس 2011.

كان إلى عام 2011 مدلل الموضة. عرضه لـ«ديور» الأكثر إثارة وتشويقاً (صورة أرشيفية)

كان حديث أوساط الموضة وعشاقها ليس لغرابة العرض وفانتازيته فحسب، بل لأنه ذكَر الجميع بالأساسيات التي بُني عليها هذا الموسم. بالنسبة لزبوناته فهو موسم الأحلام، وتصاميمه الفريدة هي التي تُضفي على الأفراح والليالي الملاح جمالاً وتميزاً. أما بالنسبة للمصممين فهو مختبر الأفكار، الذي يمنحهم مساحة يشطحون فيها بخيالهم وأفكارهم من دون رقيب أو قيود. حتى من الناحية التسويقية، كان إلى نهاية القرن الماضي «بريستيجا» ما دام خط الأزياء الجاهزة يُترجم فنيته بأسلوب واقعي يحقق الربح إلى جانب الإكسسوارات والعطور ومستحضرات التجميل.

في العقدين الأخيرين، تغير هذا المفهوم. أصبحت المجموعات المالكة لبيوت الأزياء الكبيرة تتوقع أن يحقق لها الربح، وتتعامل معه بوصفه استثماراً يجب أن تحصد ثماره في آخر السنة. لم يكن أمام المصممين سوى الإذعان. متنفسهم الوحيد كان أن يُحققوا المعادلة الصعبة بين رؤيتهم الفنية وإرضاء متطلبات السوق. معادلة أكدت صعوبتها، وربما هذا ما جعل عرض جون غاليانو بمثابة «فلتة» أيقظت الحلم والأمل من جديد.

وراء الدراما المسرحية كانت هناك حرفية لن تلمسها سوى زبونة من زبونات الـ«هوت كوتور» (ميزون مارجيلا)

لا يختلف اثنان على أنه من الصعب أن يرى الإنسان العادي نفسه في أغلب الإطلالات التي اقترحها لربيع وصيف 2024. فهي تحتاج إلى الكثير من الترويض للتخفيف من جموحها الفانتازي وجُرأتها، حيث ظهرت العارضات وكأنهن دمى متحركة بأشكال تلعب على تضاريسهن الأنثوية بالكثير من المبالغة. يشرح المصمم أن المصور الفوتوغرافي براساي كان مُلهمه. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً، وهي صور تم تجميعها في كتاب بعنوان «الحياة الخفية في باريس الثلاثينات».

طبعاً لم يُكذِب غاليانو خبراً. فالحياة الخفية والتابوهات المسكوت عنها ملعبه، وهو ما جسَده بسريالية ورومانسية مثيرة. لكن من أهم شروط اللعبة، هو تجاوز أحجامها الكاريكاتورية، واستقبال كم المشاعر والعواطف التي تضمَنتها، لأنها ببساطة كانت بمثابة مسرحية تغوص في السيكولوجية الإنسانية وما يعتمل بداخلها ويُحركها من أفكار وغرائز. أقمشة أعاد تدويرها باحترافية وأشكال مبتكرة كانت لُغتها. مثلاً ظهر فستان من الموسلين تم تطريز حواشيه بالأحجار. عوض أن تتلألأ هذه الأحجار وتبرق إلى الخارج، دمجها مع خيوط لتخفي أي أثر للحياكة فيه، وكأن لسان حاله يقول إن ما خفي أعظم. هناك أيضاً معطف يبدو مصنوعاً من الصوف، يتبين أنه نتيجة طبقات متعددة من التول والأورغنزا تم مزجهما بطريقة أضفت عليه خشونة قبل أن يغلفه بالموسلين. فليس كل ما يُرى يُصدَق حتى نتأكد.

ميل المصمم إلى التاريخ كان واضحاً في الكثير من الإطلالات... أحياناً من خلال الماكياج وتسريحات الشعر (ميزون مارجيلا)

هذه التقنيات والتفاصيل التي لا تراها العين للوهلة الأولى تؤكد ما وراء الدراما المسرحية من حرفية لن تحظى بها أو تلمسها سوى قلة من النساء هن زبونات الـ«هوت كوتور».

أما بالنسبة للمتابع العادي، فقد عاد به غاليانو إلى التاريخ. إلى التسعينات وبداية الألفية، عندما كانت عروض «ديور» الأكثر إبهاراً في هذا الموسم. يخرج المرء منها وشريط من الصور والأفكار يمر ويتضارب بدرجة يحتاج فيها إلى أيام، إن لم نقل شهوراً، لكي يفك طلاسمها، ويتخفف من قوتها الآسرة.

كان واضحاً هنا أن غاليانو حصل على بطاقة بيضاء من «أونلي دي برايف» Only The Brave، المجموعة المالكة لـ«ميزون مارجيلا». ربما لأنها تريد أن تحتفل معه بمرور 10 سنوات على توليه قيادتها، أو ربما لأنها شجاعة كما يوحي اسمها.

ردود الفعل التي استقبلت بها التشكيلة حققت للمجموعة ما لم تكن تتوقعه. قد لن تُترجمها أرقام المبيعات وهي على شكلها الحالي، لكنها حتماً سلّطت الأضواء مرة أخرى على الدار التي أسسها مصمم رفض تماماً أن يكشف عن نفسه ووجهه طوال فترته فيها، ويتولاها الآن مصمم يحترم المؤسس، ولا يظهر حتى لتحية الضيوف في آخر العرض، وهو الذي كان يعشق الاستعراض وحب الظهور.

كان ينهي عرضه بتقمصه شخصيات متنوعة، فهو نابليون تارة أو قرصان أو رائد فضاء مرة أخرى (من الأرشيف)

كان يُتحفنا بتقمصه شخصيات غريبة أو بطولية خلال عهده في «ديور». لم يكن أي من الحضور يُفكر ولو لثانية في مغادرة القاعة بعد انتهاء العرض بسرعة لتجنب الازدحام. كانوا ينتظرون بصبر وترقب الجُزء الثاني من العرض، وهو خروجه لتحية ضيوفه. لم يخذلهم أبداً. كان يطل عليهم تارة في صورة نابليون، وتارة في صورة رائد فضاء أو مصارع ثيران أو قرصان. يختال على المسرح لدقائق مثل الطاووس، مقارنة بغيره من المصممين الذين يظهرون لثوانٍ ويختفون.

مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً حيث كان ملهم هذه التشكيلة الجريئة (ميزون مارجيلا)

لكن يبدو جون غاليانو «ديور» وجون غاليانو «ميزون مارجيلا»، وكأنهما من عالمين متوازيين. على الأقل لحد شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. صحيح أنه لم ولن يظهر بحكم الثقافة التي أرساها المؤسس مارجيلا بأن الأزياء واختبار الأفكار هما النجم الأول والأخير، إلا أننا رأينا بوادر عودة روحه الجانحة لاستعراض أفكاره بأي ثمن. لعشاقه على الأقل، كان الفارس الذي سيعيد لخط الـ«هوت كوتور» عُنصر الحلم، الذي قام عليه هذا الخط وذوَبته ثقافة العصر والعولمة بالتدريج.

في أحد لقاءاته الصحافية، صرح المصمم بيير باولو بكيولي، مصمم دار «فالنتينو»، بحسرة، بأن «المال فاز وفرض نفسه»، مضيفاً أنه «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، والمعارض أقوى من الرسامين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين».

بيير باولو بكيولي وقبله المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز كلهم صرحوا بقلقهم من ترجيح كفة الجانب التجاري، وكيف سيُفقد الموضة شيئاً أساسياً يصعب استعادته. قبلهم عبَر الراحل إيف سان لوران عن غضبه من سطوة المجموعات الكبيرة، عندما أعلن تقاعده، قائلاً إن الزمن تغير، وبأنه مُحبط لأن الـ«هوت كوتور» باتت تعتمد على العطور للبقاء.

في خضم كل هذا التضارب، كان جون غاليانو أكثر شجاعة ورغبة في إيقاظ الأحلام وفتح جدالات فكرية فلسفية وفنية، وهو ما تابعناه من خلال تشكيلة تغلَب فيها الفكر الفني على الفكر التجاري.

ترجم غاليانو الرومانسية ومفهوم الأنوثة بأسلوبه الخاص وبجمالية علينا تجاوز أحجامها الكاريكاتورية (ميزون مارجيلا)

ثم لا ننسى عامل التوقيت. صحيح أن احتفالية الدار بـ10 سنوات على توليه منصب مديرها الإبداعي هي السبب الظاهر، لكن هناك سبباً آخر وقوياً يُمثله وهو الزمن. كان كفيلاً بأن يُضمد جراح الماضي ويُنسيه آلام الإلغاء التي تعرَض لها لسنوات بسبب تفوهه بعبارات مضادة للسامية في فبراير (شباط) من عام 2011. كانت لحظة «شيطان» أدت إلى سقوطه وطرده من دار «ديور» في شهر مارس، تلاها إغلاق الدار التي كانت تحمل اسمه. فقد كانت هي الأخرى تابعة للمجموعة نفسها «إل في إم إش» التي تنضوي تحتها «ديور». تمت محاكمته ومعاقبته وإلغاؤه، واضطر للاعتذار والخضوع لدروس تأهيلية مع حاخام وغاب عن الساحة لسنوات. كان يمكن ألا يعود. لكنه عاد بفضل حب وسائل الإعلام والعاملين في مجال الموضة وإيمانهم بعبقريته، كان لها الدور الأكبر في عدم إلغائه تماماً.

كان أوسكار دي لارونتا أول من منحه طوق النجاة، ورانزو روسو من سلمه مقاليد «ميزون مارجيلا» في عام 2014. وهكذا تغلبت عبقريته على ثقافة الإلغاء. حتى سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لـ«ديور» آنذاك، الذي كان واحداً من بين الأشخاص الذين اضطروا لاتخاذ قرار الطرد في حقه، اعترف بأنه عندما خرج غاليانو منها في شهر مارس من 2011، انطفأ شيء ما.


مقالات ذات صلة

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات…

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.