جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

غلَب في تشكيلته الأخيرة الفكر الفني والفلسفي على الفكر التجاري

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
TT

جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)

في الـ8 من شهر مارس (آذار) المقبل، سيصدر وثائقي عن المصمم جون غاليانو بعنوان High & Low—John Galliano، (جون غاليانو... الانتصار والانكسار) للمخرج كيفن ماكدونالد. الفيلم يتطرق لحياته ومسيرته الفنية بكل حلوها ومرها. كيف كانت البدايات، وكيف تحول بين ليلة وضحاها من مُدلل عالم الموضة إلى منبوذ يبحث عن بيت يحتضنه ليمارس فيه شغف الإبداع.

وبينما يشير الفيلم إلى عبقرية فرضت نفسها على ساحة الموضة وتجاوزت ثقافة الإلغاء بعد عملية إنقاذ تكاثفت فيها عدة جهات مؤمنة به، فإن أسبوع الأزياء الراقية «الهوت كوتور» الأخير شهد أخيراً تسلطنه على الساحة مرة أخرى منذ خروجه «مطروداً» من دار «ديور» في الواحد من شهر مارس 2011.

كان إلى عام 2011 مدلل الموضة. عرضه لـ«ديور» الأكثر إثارة وتشويقاً (صورة أرشيفية)

كان حديث أوساط الموضة وعشاقها ليس لغرابة العرض وفانتازيته فحسب، بل لأنه ذكَر الجميع بالأساسيات التي بُني عليها هذا الموسم. بالنسبة لزبوناته فهو موسم الأحلام، وتصاميمه الفريدة هي التي تُضفي على الأفراح والليالي الملاح جمالاً وتميزاً. أما بالنسبة للمصممين فهو مختبر الأفكار، الذي يمنحهم مساحة يشطحون فيها بخيالهم وأفكارهم من دون رقيب أو قيود. حتى من الناحية التسويقية، كان إلى نهاية القرن الماضي «بريستيجا» ما دام خط الأزياء الجاهزة يُترجم فنيته بأسلوب واقعي يحقق الربح إلى جانب الإكسسوارات والعطور ومستحضرات التجميل.

في العقدين الأخيرين، تغير هذا المفهوم. أصبحت المجموعات المالكة لبيوت الأزياء الكبيرة تتوقع أن يحقق لها الربح، وتتعامل معه بوصفه استثماراً يجب أن تحصد ثماره في آخر السنة. لم يكن أمام المصممين سوى الإذعان. متنفسهم الوحيد كان أن يُحققوا المعادلة الصعبة بين رؤيتهم الفنية وإرضاء متطلبات السوق. معادلة أكدت صعوبتها، وربما هذا ما جعل عرض جون غاليانو بمثابة «فلتة» أيقظت الحلم والأمل من جديد.

وراء الدراما المسرحية كانت هناك حرفية لن تلمسها سوى زبونة من زبونات الـ«هوت كوتور» (ميزون مارجيلا)

لا يختلف اثنان على أنه من الصعب أن يرى الإنسان العادي نفسه في أغلب الإطلالات التي اقترحها لربيع وصيف 2024. فهي تحتاج إلى الكثير من الترويض للتخفيف من جموحها الفانتازي وجُرأتها، حيث ظهرت العارضات وكأنهن دمى متحركة بأشكال تلعب على تضاريسهن الأنثوية بالكثير من المبالغة. يشرح المصمم أن المصور الفوتوغرافي براساي كان مُلهمه. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً، وهي صور تم تجميعها في كتاب بعنوان «الحياة الخفية في باريس الثلاثينات».

طبعاً لم يُكذِب غاليانو خبراً. فالحياة الخفية والتابوهات المسكوت عنها ملعبه، وهو ما جسَده بسريالية ورومانسية مثيرة. لكن من أهم شروط اللعبة، هو تجاوز أحجامها الكاريكاتورية، واستقبال كم المشاعر والعواطف التي تضمَنتها، لأنها ببساطة كانت بمثابة مسرحية تغوص في السيكولوجية الإنسانية وما يعتمل بداخلها ويُحركها من أفكار وغرائز. أقمشة أعاد تدويرها باحترافية وأشكال مبتكرة كانت لُغتها. مثلاً ظهر فستان من الموسلين تم تطريز حواشيه بالأحجار. عوض أن تتلألأ هذه الأحجار وتبرق إلى الخارج، دمجها مع خيوط لتخفي أي أثر للحياكة فيه، وكأن لسان حاله يقول إن ما خفي أعظم. هناك أيضاً معطف يبدو مصنوعاً من الصوف، يتبين أنه نتيجة طبقات متعددة من التول والأورغنزا تم مزجهما بطريقة أضفت عليه خشونة قبل أن يغلفه بالموسلين. فليس كل ما يُرى يُصدَق حتى نتأكد.

ميل المصمم إلى التاريخ كان واضحاً في الكثير من الإطلالات... أحياناً من خلال الماكياج وتسريحات الشعر (ميزون مارجيلا)

هذه التقنيات والتفاصيل التي لا تراها العين للوهلة الأولى تؤكد ما وراء الدراما المسرحية من حرفية لن تحظى بها أو تلمسها سوى قلة من النساء هن زبونات الـ«هوت كوتور».

أما بالنسبة للمتابع العادي، فقد عاد به غاليانو إلى التاريخ. إلى التسعينات وبداية الألفية، عندما كانت عروض «ديور» الأكثر إبهاراً في هذا الموسم. يخرج المرء منها وشريط من الصور والأفكار يمر ويتضارب بدرجة يحتاج فيها إلى أيام، إن لم نقل شهوراً، لكي يفك طلاسمها، ويتخفف من قوتها الآسرة.

كان واضحاً هنا أن غاليانو حصل على بطاقة بيضاء من «أونلي دي برايف» Only The Brave، المجموعة المالكة لـ«ميزون مارجيلا». ربما لأنها تريد أن تحتفل معه بمرور 10 سنوات على توليه قيادتها، أو ربما لأنها شجاعة كما يوحي اسمها.

ردود الفعل التي استقبلت بها التشكيلة حققت للمجموعة ما لم تكن تتوقعه. قد لن تُترجمها أرقام المبيعات وهي على شكلها الحالي، لكنها حتماً سلّطت الأضواء مرة أخرى على الدار التي أسسها مصمم رفض تماماً أن يكشف عن نفسه ووجهه طوال فترته فيها، ويتولاها الآن مصمم يحترم المؤسس، ولا يظهر حتى لتحية الضيوف في آخر العرض، وهو الذي كان يعشق الاستعراض وحب الظهور.

كان ينهي عرضه بتقمصه شخصيات متنوعة، فهو نابليون تارة أو قرصان أو رائد فضاء مرة أخرى (من الأرشيف)

كان يُتحفنا بتقمصه شخصيات غريبة أو بطولية خلال عهده في «ديور». لم يكن أي من الحضور يُفكر ولو لثانية في مغادرة القاعة بعد انتهاء العرض بسرعة لتجنب الازدحام. كانوا ينتظرون بصبر وترقب الجُزء الثاني من العرض، وهو خروجه لتحية ضيوفه. لم يخذلهم أبداً. كان يطل عليهم تارة في صورة نابليون، وتارة في صورة رائد فضاء أو مصارع ثيران أو قرصان. يختال على المسرح لدقائق مثل الطاووس، مقارنة بغيره من المصممين الذين يظهرون لثوانٍ ويختفون.

مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً حيث كان ملهم هذه التشكيلة الجريئة (ميزون مارجيلا)

لكن يبدو جون غاليانو «ديور» وجون غاليانو «ميزون مارجيلا»، وكأنهما من عالمين متوازيين. على الأقل لحد شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. صحيح أنه لم ولن يظهر بحكم الثقافة التي أرساها المؤسس مارجيلا بأن الأزياء واختبار الأفكار هما النجم الأول والأخير، إلا أننا رأينا بوادر عودة روحه الجانحة لاستعراض أفكاره بأي ثمن. لعشاقه على الأقل، كان الفارس الذي سيعيد لخط الـ«هوت كوتور» عُنصر الحلم، الذي قام عليه هذا الخط وذوَبته ثقافة العصر والعولمة بالتدريج.

في أحد لقاءاته الصحافية، صرح المصمم بيير باولو بكيولي، مصمم دار «فالنتينو»، بحسرة، بأن «المال فاز وفرض نفسه»، مضيفاً أنه «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، والمعارض أقوى من الرسامين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين».

بيير باولو بكيولي وقبله المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز كلهم صرحوا بقلقهم من ترجيح كفة الجانب التجاري، وكيف سيُفقد الموضة شيئاً أساسياً يصعب استعادته. قبلهم عبَر الراحل إيف سان لوران عن غضبه من سطوة المجموعات الكبيرة، عندما أعلن تقاعده، قائلاً إن الزمن تغير، وبأنه مُحبط لأن الـ«هوت كوتور» باتت تعتمد على العطور للبقاء.

في خضم كل هذا التضارب، كان جون غاليانو أكثر شجاعة ورغبة في إيقاظ الأحلام وفتح جدالات فكرية فلسفية وفنية، وهو ما تابعناه من خلال تشكيلة تغلَب فيها الفكر الفني على الفكر التجاري.

ترجم غاليانو الرومانسية ومفهوم الأنوثة بأسلوبه الخاص وبجمالية علينا تجاوز أحجامها الكاريكاتورية (ميزون مارجيلا)

ثم لا ننسى عامل التوقيت. صحيح أن احتفالية الدار بـ10 سنوات على توليه منصب مديرها الإبداعي هي السبب الظاهر، لكن هناك سبباً آخر وقوياً يُمثله وهو الزمن. كان كفيلاً بأن يُضمد جراح الماضي ويُنسيه آلام الإلغاء التي تعرَض لها لسنوات بسبب تفوهه بعبارات مضادة للسامية في فبراير (شباط) من عام 2011. كانت لحظة «شيطان» أدت إلى سقوطه وطرده من دار «ديور» في شهر مارس، تلاها إغلاق الدار التي كانت تحمل اسمه. فقد كانت هي الأخرى تابعة للمجموعة نفسها «إل في إم إش» التي تنضوي تحتها «ديور». تمت محاكمته ومعاقبته وإلغاؤه، واضطر للاعتذار والخضوع لدروس تأهيلية مع حاخام وغاب عن الساحة لسنوات. كان يمكن ألا يعود. لكنه عاد بفضل حب وسائل الإعلام والعاملين في مجال الموضة وإيمانهم بعبقريته، كان لها الدور الأكبر في عدم إلغائه تماماً.

كان أوسكار دي لارونتا أول من منحه طوق النجاة، ورانزو روسو من سلمه مقاليد «ميزون مارجيلا» في عام 2014. وهكذا تغلبت عبقريته على ثقافة الإلغاء. حتى سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لـ«ديور» آنذاك، الذي كان واحداً من بين الأشخاص الذين اضطروا لاتخاذ قرار الطرد في حقه، اعترف بأنه عندما خرج غاليانو منها في شهر مارس من 2011، انطفأ شيء ما.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.