قد يعتقد أغلب الناس أن الرجال طوال القامة يحظون بجاذبية أكبر، لكن الأمر قد يختلف عندما يتعلق الموضوع بالصحة.
في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، وجدت دراسة جديدة أن الرجال يزدادون طولاً؛ حيث كشفت سجلات الصحة العامة التاريخية من عشرات الدول أنه مع تحسّن الظروف المعيشية خلال المائة عام الماضية، ازداد طول الرجال بمعدلٍ أسرع بمرتين من النساء.
وقال لويس هالسي، الأستاذ في جامعة روهامبتون الذي قاد الدراسة: «في المملكة المتحدة، يعني هذا أن الرجال يزدادون طولاً بكثير، والنساء يزددن طولاً قليلاً. إذا كنتَ رجلاً طوله متران تقريباً اليوم، وعدتَ بالزمن إلى عام 1900، فربما كنتَ أطول رجل في الشارع».
ومع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الأشياء في الطبيعة، يأتي هذا أيضاً مع مفاجأة واضحة. فقد أظهرت الأبحاث أيضاً أن الأشخاص طوال القامة أكثر عرضة للإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، ربما لأن أجسامهم الأكبر تحتوي على خلايا أكثر، مما يعني ببساطة أن هناك احتمالاً أكبر لأن يصاب بعضهم في النهاية باختلالات أو طفرات تؤدي إلى ظهور ورم، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «تليغراف».
ووفقاً لدراسة جديدة، فإن هذا الخطر موجود في جميع أنحاء مملكة الحيوان؛ حيث تكون الأنواع الأكبر حجماً أكثر عرضة للإصابة بالسرطان. وقال جورج بتلر، الباحث في معهد السرطان بجامعة لندن: «تعتمد جميع الحيوانات على انقسام الخلايا، وهي عملية انقسام الخلية الواحدة إلى نصفين، لنمو الأنسجة وإصلاحها». وأضاف: «لكن الأخطاء التي تحدث أثناء عملية انقسام الخلايا يمكن أن تؤدي إلى طفرات أو تغيرات في الحمض النووي. ويمكن أن تتراكم هذه الطفرات بمرور الوقت، وقد تكون أساساً لظهور السرطان. ولأن الأنواع الأكبر حجماً تحتوي على عدد أكبر من الخلايا، يزداد احتمال حدوث خلل ما».
أمّا بالنسبة للبشر، فقد أصبح هذا الخطر مُدركاً له الآن في جميع أنحاء العالم. فقد ارتفع متوسط طول البالغين في كوريا الجنوبية بشكل كبير خلال القرن الماضي كجزء من تحولها من دولة فقيرة إلى واحدة من أغنى دول العالم، ومع ذلك، أظهرت دراسة سكانية أُجريت على 23 مليون كوري، أن طول القامة ارتبط بارتفاع خطر الإصابة بجميع أنواع السرطان تقريباً (باستثناء سرطان المريء).
وهذا دفع علماء الأوبئة إلى استنتاج أن زيادة الطول «أسهمت بشكل كبير» في ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان بشكل عام في كوريا الجنوبية خلال الخمسين عاماً الماضية.
وخلص الباحثون أيضاً إلى أن متوسط زيادة الطول بمقدار سنتيمتر واحد كل عقد في جميع أنحاء أوروبا خلال القرن العشرين قد يُفسر الزيادة المتزامنة بنسبة 10 - 15 في المائة في انتشار السرطان خلال الفترة نفسها.
هل يزداد طول النساء أيضاً؟
الإجابة هي نعم، وفي بعض البلدان، كان هذا أكثر أهمية من غيرها. ففي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، يزيد طول النساء اليوم بنحو 20 سم عن نظيراتهن قبل قرن من الزمان، بينما صنّفت دراسة أُجريت عام 2016 نساء لاتفيا بأنهن أطول نساء في العالم في المتوسط، وذلك بعد التحسينات الكبيرة في الصحة العامة خلال القرن العشرين، بما في ذلك إنشاء دولة الرفاهية.
في المملكة المتحدة، كان التغيير أكثر تواضعاً؛ إذ ارتفع متوسط طول النساء من 159 سم إلى 164.4 سم خلال المائة عام الماضية.
وفقاً للبروفسور هالسي، يُرجَّح وجود أسباب تطورية لعدم زيادة طول النساء بشكل كبير بنفس القدر الذي ينال به الرجال. بداية، يقول إن الرجال لا يُظهرون أي تفضيلات قوية لشريك أطول قامة كما تفعل النساء، مما يعني أن هذه السمة لا تنتقل عبر الانتقاء الطبيعي.
لكنه يُشير أيضاً إلى أن الحفاظ على جسم أكبر وأطول يتطلب طاقة أكبر، وقد يكون طول المرأة مُقيَّداً بشكل طبيعي، إلى حد ما، لأن جسمها مُبرمج بيولوجياً للحفاظ على استخدام الطاقة لعملية الحمل والولادة وإطعام الطفل المُرهقة. لذا، فإن النمو الكبير والطويل خلال فترة المراهقة لا يُمثل أولوية.
الطول لا يعني دائماً الصحة
لكن هناك بعض التنازلات لكون الشخص أطول قامة. فبالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان، وجدت دراسة جديدة من جامعة كوين ماري في لندن (QMUL)، باستخدام بيانات من 800 ألف شخص حول العالم، أن الأشخاص طوال القامة أكثر عرضة للإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في نظم القلب يبدأ في الحجرات العلوية للقلب، مما يزيد من خطر إصابتهم بقصور القلب.
وفقاً لإيريني مارولي، الباحثة في جامعة كوين ماري لندن، التي قادت الدراسة، فقد أظهرت الدراسة أيضاً وجود صلة بين زيادة الطول ومشاكل الغدة الدرقية، بالإضافة إلى مجموعة من الحالات المرتبطة بالاعتلال العصبي المحيطي، وهو مصطلح طبي يُشير إلى تلف الأعصاب المحيطية التي تمتد من الحبل الشوكي إلى الأطراف.
وقالت: «قد يكون الأشخاص طوال القامة أكثر عرضة لمضاعفات الاعتلال العصبي المحيطي. ومن الأمثلة الرئيسية خراجات الجلد، وقرح الساق المزمنة، والتهاب النسيج الخلوي (عدوى بكتيرية في الجلد)، والتهاب العظم والنقي (التهاب أو تورم في العظام)».
جوانب إيجابية للطول
ولكن ليس كل شيء سيئاً بالنسبة للأشخاص طوال القامة، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الأشخاص طوال القامة قد يكونون أكثر عرضة لامتلاك ميكروبيوم معوي أكثر تنوعاً نتيجة لامتلاكهم جهازاً هضمياً أطول قادراً على استيعاب مجموعة أوسع من الكائنات الدقيقة.
والأهم من ذلك، أشارت الأبحاث أيضاً إلى أن كلاً من الأطفال والبالغين الأطول من المتوسط أقل عرضة للإصابة بمرض الشريان التاجي أو السكتة الدماغية في مرحلة ما من حياتهم.
وقال توم ريتشاردسون، الباحث في جامعة بريستول: «نعتقد أن الأشخاص الأطول عادة ما يتمتعون بمستوى أفضل من الدهون في الدم، وضغط دم أقل».
وأضاف: «قد يؤدي الطول الأكبر أيضاً إلى مزايا ميكانيكية مثل توسيع تجاويف الشرايين (التي يقل احتمال انسدادها)، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».
كما أوضح باري بوجين، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة لافبره، إن هذا الانخفاض في خطر الإصابة ببعض أمراض القلب والأوعية الدموية يُرجَّح أيضاً أن يكون نتيجة للنشأة في عائلة تتمتع بفرص أفضل للحصول على التغذية والمحددات الرئيسية للصحة.
وقال: «على الأرجح، يتمتع الأشخاص الأطول بوضع اجتماعي واقتصادي أعلى، وتعليم أفضل، وأنظمة غذائية أفضل، وممارسة المزيد من التمارين البدنية، وحياة أقل إرهاقاً وأكثر أملاً».