عمليات نحت القوام ومقومات نجاحها

أنواعها وتوقيتها ومخاطرها

الدكتور وليد خاطر اختصاصي الجراحة الترميمية
الدكتور وليد خاطر اختصاصي الجراحة الترميمية
TT

عمليات نحت القوام ومقومات نجاحها

الدكتور وليد خاطر اختصاصي الجراحة الترميمية
الدكتور وليد خاطر اختصاصي الجراحة الترميمية

تُعدّ الجراحة الترميمية عنصراً حاسماً في العلاج الشامل للذين خضعوا لفقدان الوزن بإحدى وسائل إدارة السمنة. وقد ازدادت الحاجة، حالياً، إلى نحت الجسم بعد فقدان الوزن، ولم يعد هذا النوع من الجراحة تجميلياً فحسب؛ فهو يعالج الجلد الزائد ويعيد تشكيل الجسم، ما يساعد المريض على تحسين مظهر جسمه، وتعزيز صحته النفسية.

ويمتد الجانب الإيجابي لهذه الجراحة إلى ما هو أبعد من الجانب الجسدي؛ إذ يمكن للإجراءات الترميمية أن تؤثر بشكل كبير في احترام الفرد لذاته ونوعية حياته، وتلعب دوراً حيوياً في نجاح إدارة الوزن على المدى الطويل.

ترهلات بعد فقدان الوزن

يواجه كثير من الأشخاص تحدياً صعباً وجديداً يتمثّل في الشكل الخارجي لأجسامهم، نتيجة الجلد الزائد والترهلات التي تنتج عن فقدان الوزن، سواء من خلال النظام الغذائي والتمارين الرياضية أو عبر الجراحة البارياترية (bariatric surgery) بأنواعها المختلفة: البالون، وتكميم المعدة، وتغيير المسار. ولا تؤثر هذه المشكلة فقط في المظهر الجمالي، بل يمكن أن تؤدي أيضاً إلى مشكلات صحية، مثل: التهابات الجلد، وصعوبة الحركة، والتهابات المفاصل.

وهنا يأتي دور عمليات نحت القوام من شد وشفط واستئصال، بوصفها حلاً فعّالاً لتحسين جودة الحياة بعد فقدان الوزن الكبير، إذ يُزال فيها الجلد الزائد وتُشد الأنسجة المحيطة، ما يساعد على استعادة الشكل الطبيعي للجسم وتحسين الثقة بالنفس.

ونستعرض هنا أهمية عمليات نحت القوام، وفوائدها الصحية والنفسية، وكيفية التحضير لها لضمان أفضل النتائج. ونناقش أيضاً المخاطر المحتملة وكيفية التعامل معها لتحقيق تجربة آمنة وناجحة.

لقاء طبي

التقت «صحتك» الدكتور وليد خاطر، جراح تجميل وترميم، المتخصص في نحت القوام لما بعد عمليات السمنة، رئيس قسم جراحة التجميل في مستشفى «المانع» بالخبر، أحد المتحدثين في «مؤتمر الصحة والجمال» الذي عُقد أخيراً في المنطقة الشرقية من المملكة، الذي أوضح أن نسبة الدهون الحشوية هي العامل الرئيسي الذي يسبّب السمنة، في حين أن نسبة الدهون الموجودة تحت الجلد تُعدّ ضئيلة جداً، وليس لها وزن بالمعنى الصريح.

لهذا يُنصح مرضى السمنة بتنزيل الوزن أولاً، والتخلص من الدهون الحشوية، والوصول بمعامل كتلة الجسم (BMI) إلى الحد الطبيعي بقدر الإمكان، مع السماح ببقاء زيادة 10 في المائة أو ما شابه، وبعد ذلك يجري عمل نحت القوام الخارجي، مع نتائج مرضية ومستدامة ودون مضاعفات في أثناء الإجراء.

تعديل القوام

• شفط وشد أم استئصال؟ إن تحديد نوع العملية، هل هي شفط، أم شد، أم استئصال للجلد الزائد، يعتمد أولاً على كمية الدهون (بسيطة، ومتوسطة، وشديدة). وثانياً على وجود انفصال عضلي في جدار البطن مثلاً. وأخيراً يعتمد على وجود ترهل في العضلات الطرفية في الذراعين والفخذين مثلاً.

إذا كانت كمية الدهون بسيطة يجري تعديل القوام دون تدخل جراحي، وإذا كانت شديدة يجري عمل الشفط، مثلما يحصل بعد عملية التكميم؛ إذ يحصل ترهل في الجدار العضلي للبطن من الأمام، ومن الظهر في منطقة محيط البطن ومحيط الحوض، حيث تقل الكتلة العضلية وتصبح العضلات رقيقة، تستلزم عمل شد وأحياناً تستلزم استخدام شبكة تُثبّت بمثابة جدار صناعي يدعم جدار البطن الضعيف، وبعدها يجري عمل استئصال للجلد المترهل، حيث لا توجد أي تقنية لإعادة انكماش الجلد دون جراحة، وتكون النتيجة هي الحصول على محيط خصر قوي وصغير.

• التعامل مع الندبات. أوضح الدكتور وليد خاطر أنه لتلافي حدوث ندبات ظاهرة بعد العملية، يجري اختيار مكان ندبات مخفية، وهو خط طبيعي موجود بين البطن والحوض يُسمى «بكيني لاين». والندبات التي قد تظهر بعد العملية استجابة إلى سلوك الجسم لزيادة الالتئام وتكوين ألياف، وتصبح ندبة نافرة فوق سطح الجلد، يتم التعامل معها؛ إما بحقن الكورتيزون وإما بتقنيات الليزر وإما بمقشرات الجلد. بالنسبة إلى الندبات المصبغة، يُستخدم لها نوع يسمى «فراكشنل ليزر» مع إبر التفتيح.

• الانفصال العضلي بجدار البطن. الانفصال العضلي بجدار البطن الأمامي أمر وارد نتيجة استهلاك هذه العضلات، وهذا يحدث بسبب الحمل المتكرر الذي لا يعطي وقتاً لجدار البطن العضلي أن يتعافى، كما يمكن أن يحدث نتيجة فقدان نسبة كبيرة من الوزن في وقت قصير، وبالتالي ينتج فقدان الكتلة العضلية. يحدث هذا غالباً في منطقة ما فوق السرة أو حولها، ويمكن إصلاحه في أثناء عملية شد البطن.

التدخين وعمليات التجميل

أكد الدكتور وليد خاطر أن التدخين آفة يجب التخلص منها، خصوصاً قبل العمليات الجراحية. للتدخين تأثير كبير في نتيجة أي عملية، ومن الممكن أن يتسبّب في مضاعفات خطيرة. بالنسبة إلى عمليات التجميل مثل عملية شد البطن أو الشد الحزامي وغيرهما، فإن التدخين:

- يضعف الدورة الدموية الطرفية للجلد فيؤدي إلى عدم التئامه، بسبب تجمع السوائل تحت الجلد، وأخيراً يؤدي إلى «استماتة» الجلد واسوداده بسبب عدم كفاية الدورة الدموية الطرفية للجلد، وبالتالي تتأثر نتيجة العملية بسبب هذه المضاعفات، وبدلاً من خروج المريض إلى منزله معافى يجري نقله إلى قسم العناية المركزة أو أن يظل يتابع في العيادة لعمل غيارات الجرح لمدة طويلة.

- طبيعة جلد المدخن جافة، وستكون النتيجة ندبة واضحة قبيحة تؤثر في نتيجة العملية.

- لدى المدخن القدرة على تكوين جلطات أكثر من غير المدخن، وبالتالي يمكن أن تحصل بعد العملية جلطات دموية أو جلطات دهنية تؤدي إلى الوفاة.

الواجب إيقاف التدخين على الأقل شهراً قبل العملية، وشهرين بعد العملية، لضمان التئام كامل المنطقة؛ لأن الجروح في هذا النوع من الجراحة تُعد جروح منطقة، وليس خط الجلد الذي عُملت فيه الغرز. فمثلاً، التئام منطقة الجلد على طبقة غلاف العضلة سيتسبّب في تجمع سوائل بينهما، وهذه تُعد بيئة جيدة جداً لظهور تجمعات سوائل وكدمات صديد.

الجراحة الترميمية حل فعّال لتحسين جودة الحياة بعد فقدان الوزن الكبير

توقيت عملية نحت القوام ونجاحها

• التوقيت المناسب لإجراء العملية. القاعدة الذهبية لاستبعاد حدوث أي مضاعفات محتملة، أن يجري التخلص من السمنة أو زيادة الوزن قبل إجراء أي عملية جراحية، حتى لو كانت عملية المرارة.

- بالنسبة إلى عمليات نحت القوام، يجب أولاً التخلص من الوزن الزائد والحصول على أقصى ترهل؛ كي يتم الحصول على أقصى شدّ من جراح التجميل مع ضمان دوام النتيجة.

- من المعروف أنه يُفضّل إجراء عمليات نحت القوام في فصل الشتاء عنه في الصيف، لتجنّب التسلخات والتهابات الجرح، وضمان أن المريض نفسه سيحرص على لبس المشد؛ حيث تكون المضايقات أقل منها في الصيف.

• مقومات نجاح العملية. يجب أن يتمتع الجسم بلياقة صحية جيدة قبل العملية؛ عدم وجود فقر دم مثلاً، أو نقص فيتامين «د»، فقوة الالتئام بعد العملية تستهلك مخزون الهيموغلوبين وعناصر أملاح موجودة في البروتينات.

- ضرورة لبس المشد للتقليل من نسبة حدوث جلطات بعد العملية؛ إذ إن أكثر من 50 في المائة من نتيجة العملية متوقف على التزام المريض بلبس المشد لمدة 6 - 8 أسابيع.

إلا أن من مضاعفات المشد نفسه ضعف العضلات وكسلها بعد ارتدائه مدة شهرين، فلا بد من استعادة القوة والكتلة العضلية بعد انتزاع المشد.

-إجراء جلسات التصريف اللمفاوي، وهو نوع من أنواع التدليك العميق الذي يسرّع من التخلص من السوائل تحت الجلد، ما يساعد على تحسين مظهر الجسم، ويجعله يبدو بقوام ممتاز دون تعرجات أو انحناءات غير مرغوب فيها.

- التهوية السليمة، وممارسة تمرينات التنفس.

- من أهم عوامل ضمان استدامة النتيجة، التغذية السليمة وتغيير أسلوب الحياة والحفاظ على الوزن المثالي حتى لا يعود إلى دائرة السمنة مرة أخرى.

نسبة الدهون الحشوية العامل الرئيسي الذي يسبّب السمنة وليس الدهون تحت الجلد

المخاطر المحتملة

-الجلطات، يجري قياس نسبة التجلط والتخثر وسيولة الدم قبل العملية. إعطاء جرعات وقائية لمسيلات الدم لمدة زمنية محددة مع الحركة بعد العملية.

-ندبات ما بعد العملية. ضرورة استبعاد زيادة الوزن والسمنة المرضية، والتدخين، واستبعاد أي أمراض في الأعضاء الحيوية.

-مواجهة حالة استعجال بعض المرضى في إجراء العملية حتى قبل استيفاء الاشتراطات الطبية، تكثر هذه الحالة، خصوصاً من قبل الفتيات عند الارتباط للزواج، غير مدركات أن عملية نحت القوام تحتاج إلى وقت للتحضير قبل العملية وآخر بعد العملية لتمارين تقوية الكتلة العضلية، وعمل التدليك الطبي، وارتداء المشد لشهرين على الأقل. ويجب أن تعي كل فتاة مقبلة على الزواج أنها بحاجة إلى فترة كافية لا تقل عن أربعة إلى ستة أشهر قبل التفكير في أي ارتباطات اجتماعية.

وأخيراً يقول الدكتور خاطر إنه يجب التحكم في السمنة منذ الصغر، ويتم ذلك بتعويد الأطفال من البداية على اتباع نهج وأسلوب حياة صحي، ومنه اختيار وتقنين الأكلات ما بين الوجبات، ومزاولة الرياضة بانتظام واختيار أنواعها؛ سواء الفردية منها أو الجماعية. استشارة الطبيب عند تعرّض الطفل لزيادة الوزن لعمل الإجراء الطبي المناسب مبكراً، وعدم الانتظار إلى مرحلة البلوغ للمحافظة على صحته العامة جسدياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً، ومن ذلك تعرّضه للتنمر من أقرانه.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع