كيف تؤثر درجة الحرارة المرتفعة على صحتنا العقلية؟

زيادة حالات الاكتئاب والقلق وارتفاع معدلات الانتحار من بينها

سائحات في قبرص وسط درجات حرارة قياسية (أ.ب)
سائحات في قبرص وسط درجات حرارة قياسية (أ.ب)
TT

كيف تؤثر درجة الحرارة المرتفعة على صحتنا العقلية؟

سائحات في قبرص وسط درجات حرارة قياسية (أ.ب)
سائحات في قبرص وسط درجات حرارة قياسية (أ.ب)

عندما ترتفع درجة الحرارة، ترتفع أيضاً معدلات الانتحار والجريمة والعنف، كما رصد موقع «تويتر» أن تغريدات الكراهية والعدوانية عبر الإنترنت تزداد خلال موجات الحر، كما رصد باحثون ارتباط الشعور بالقلق والاكتئاب بدرجات الحرارة المرتفعة. ورصد تقرير لمجلة «تايم» الأميركية أن الأطباء والعلماء بدأوا في البحث عن التفاعل المعقد بين الحرارة الشديدة ونتائج الصحة العقلية السيئة.

وبينما تضرب موجة حارة أخرى مبكرة هذا الموسم النصف الشمالي من الكرة الأرضية؛ حيث يتوقع الخبراء ارتفاع أكبر في درجات الحرارة الصيف القادم، من الضروري بشكل متزايد فهم كيفية تأثير درجات الحرارة المرتفعة على الدماغ، والأهم من ذلك، كيف يمكننا حماية أنفسنا والآخرين.

يقول خبير الصحة العقلية في قسم الصحة العالمية بجامعة «جورج تاون» شباب وحيد: «من السهل أن نفهم كيف أن المرور بتجربة صادمة مثل الإعصار يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية؛ إذ إن العلاقة بين الحرارة والمرض العقلي ليست غريزية أو بديهية». وشارك وحيد مؤخراً في دراسة منشورة في دورية «ذا لانسيت بلانتري هيلث» تُظهر أنه حتى زيادة درجة واحدة في درجة الحرارة المحيطة أعلى من المعدل الطبيعي، تساهم في زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق.

درجة واحدة تفاقم الأزمة

وذكرت مجلة «تايم» أنه بينما ركزت دراسة الباحث على بنغلاديش، فإن النتائج تنطبق على مستوى العالم، كما يقول. كما أن هناك مجموعة متزايدة من المؤلفات العلمية التي تحدد هذه الصلة بين العوامل المتعلقة بالمناخ ومستوى الضرر الذي ينتاب الصحة العقلية. وكل مؤشر يشير إلى أنه مع استمرار تغير المناخ في التدهور، ستكتسب هذه الروابط قوة، وفقاً للباحث.

ووفقاً لدراسة أجراها عالم الاقتصاد بجامعة «ستانفورد» مارشال بيرك، عام 2018، ونشرت في مجلة «ناتشر»، فإن الزيادة في متوسط درجة الحرارة بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت (1 درجة مئوية) في الولايات المتحدة والمكسيك، ترتبط بزيادة قدرها 1 في المائة في حالات الانتحار؛ مما يفسر ازدياد الحالات الإضافية.

وتتوقع دراسة بيرك أنه إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع كما يتوقع علماء المناخ، فإن الزيادة الناتجة ستكون كافية لمحو الجهود المشتركة لبرامج منع الانتحار، وسياسات التحكم في الأسلحة في الولايات المتحدة.

مواطنون يبردون أجسادهم في طوكيو (أ.ف.ب)

وتزداد عدد أيام الحر الشديد كل عام بسبب تغير المناخ، كما أن التفاعلات الاجتماعية والرفاهية الشخصية والاستقرار العقلي في تهديد خطير، كما يقول روبن كوبر، الأستاذ المساعد في جامعة «كاليفورنيا- سان فرنسيسكو» ورئيس تحالف الطب النفسي المناخي. ويضيف كوبر: «علينا أن نبدأ التفكير في تغير المناخ باعتباره أزمة صحة نفسية. إذا تجاهلنا تغير المناخ باعتباره تهديداً للصحة العامة، فإننا نتخلى عن دورنا بوصفنا مقدمي رعاية صحية».

وعدَّ التقرير أنه على الرغم من أنه من المعروف جيداً أن الحرارة تؤثر على وظائف المخ، فإن الآليات الدقيقة غير مفهومة جيداً، إذ يشير العلماء إلى كثير من العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية المترابطة، التي تتراوح بين النوم المتقطع والوظيفة التي تتأثر، مروراً بتأثير ارتفاع درجات الحرارة على الناقلات العصبية والهرمونات الحيوية.

وأشارت المجلة إلى أن حالات الانتحار والأحداث المتعلقة بالهوس واضطراب ما بعد الصدمة، عادة ما تحدث في أواخر الربيع وأوائل الصيف، عندما تكون درجات الحرارة أكثر تقلباً، وفقاً لجوش وورتزل الذي يدرس تقاطع تغير المناخ وموجات الحرارة والصحة النفسية في جامعة «براون». ويقول وورتزل: «ليست بالضرورة الأيام الأكثر سخونة في العام هي التي ترتبط بأكبر عدد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار، ولكن في الواقع عندما تتغير درجة الحرارة بشكل كبير». وعادة ما تكون التقلبات الشديدة، مثل ارتفاع درجات الحرارة من 15 إلى 30 درجة فهرنهايت هذا الأسبوع في أجزاء من شمال غربي المحيط الهادئ، هي الأكثر خطورة.

تأثر النوم عامل جوهري

يمكن إرجاع كثير من ذلك إلى النوم؛ إذ يعرف أي شخص عاش في موجة حارة دون الاستفادة من تكييف الهواء أن النوم الجيد يصبح بعيد المنال. ومع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي الآثار التراكمية لقلة النوم إلى فقدان الذاكرة، وقلة التركيز، وزيادة حدة الطبع، كما يقول كوبر.

تؤثر الحرارة أيضاً على الناقل العصبي «السيروتونين»، أحد أهم منظمات الحالة المزاجية لدينا، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدل الغضب لدينا، وفقاً لوورتزل، إذ يساعد «السيروتونين» في نقل المعلومات حول درجة حرارة الجلد إلى منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، والتي تستمر في التحكم في استجابات الارتعاش والتعرق عند الضرورة.

مجموعة من المشردين يبردون أجسادهم من درجة الحرارة المرتفعة في أحد المراكز بالولايات المتحدة (أ.ب)

وغالباً ما يواجه مرضى الاكتئاب صعوبات في عملية التنظيم الحراري؛ إذ إن هذه المشكلات يمكن تخفيفها عندما يأخذ المرضى مضادات الاكتئاب، من مثبطات امتصاص «السيروتونين»، والتي تشير إلى وجود علاقة بين التعرض للحرارة وإنتاج «السيروتونين».

كما تلعب الصدمات المناخية دوراً مهماً أيضاً، كما يقول بريت وراي، مدير برنامج كلية الطب بجامعة «ستانفورد» حول تغير المناخ والصحة العقلية. ويتابع: «ليس الأمر كما لو أن كل من نجا من حرائق الغابات سوف يصاب باضطراب ما بعد الصدمة. ولكن الأمر يكون أكثر صعوبة عندما تتعامل أيضاً مع ضغوط اجتماعية أخرى، مثل أوضاع اقتصادية ضاغطة، أو ربما جائحة». ويضيف: «إن الضغوط المركبة على النظام العقلي تجعل من الصعب المرونة مع الضغوط الأخرى، مثل درجات الحرارة المرتفعة، ثم تضيف التأثيرات الفيزيائية العصبية للحرارة الشديدة على الدماغ، والتهديد الحقيقي لموجات الحرارة على المرضى الذين يعانون بالفعل من اضطرابات الصحة العقلية، وتزيد من تصاعد تداعيات الصحة العقلية، فيصبح الأمر كأنه (حلقة مفرغة)»، كما يقول راي، على هامش منتدى الحدود عام 2023، وهو حدث سنوي يركز على المجتمع والصحة والعلوم. ويستطرد: «لدينا بالتأكيد أزمة صحة نفسية ضمن أزمة المناخ التي نحتاج إلى استباقها، قبل أن يتراكم كثير من هذه الأحداث».


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
بيئة غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية وباء الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)

غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الخميس من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»، داعياً إلى اتخاذ إجراءات للحد من تأثيرات موجات الحر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
بيئة الميكروبات الموجودة داخل لحاء الأشجار أو في الخشب نفسه تزيل غاز الميثان وكذلك ثاني أكسيد الكربون (أ.ف.ب)

دراسة: لحاء الشجر يمكنه إزالة غاز الميثان من الغلاف الجوي

وجدت دراسة حديثة أن لحاء الأشجار يمكن أن يزيل غاز الميثان من الغلاف الجوي، مما يوفر فائدة إضافية في معالجة تغيُّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة مارة يحملون مظلات يسيرون تحت أشعة الشمس القوية في معبد سينسوجي حيث أصدرت الحكومة اليابانية تنبيهات من ضربة شمس في 39 محافظة من محافظات البلاد البالغ عددها 47 محافظة... الصورة في طوكيو، اليابان 22 يوليو 2024 (رويترز)

21 يوليو هو اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم

أظهرت بيانات أولية نشرها الثلاثاء مرصد كوبرنيكوس المناخي الأوروبي أن يوم 21 يوليو (تموز) كان اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مصر تستبعد حدوث تسونامي (الإدارة المركزية للسياحة والمصايف)

معهد الفلك المصري يحسم الجدل بشأن «تسونامي المتوسط»

حسم معهد الفلك المصري الجدل بشأن الإشاعات التي جرى تداولها حول «تسونامي المتوسط» مع تكرار ظاهرة انحسار المياه على شواطئ عدة بالبحر المتوسط.

أحمد عدلي (القاهرة)

اليابان: بدء التجارب على خلايا الدم الاصطناعية في مارس

تطوير خلايا الدم يأتي وسط توقع حدوث نقص في الدم بالمرافق الطبية (رويترز)
تطوير خلايا الدم يأتي وسط توقع حدوث نقص في الدم بالمرافق الطبية (رويترز)
TT

اليابان: بدء التجارب على خلايا الدم الاصطناعية في مارس

تطوير خلايا الدم يأتي وسط توقع حدوث نقص في الدم بالمرافق الطبية (رويترز)
تطوير خلايا الدم يأتي وسط توقع حدوث نقص في الدم بالمرافق الطبية (رويترز)

من المقرر أن تبدأ في اليابان في شهر مارس (آذار) المقبل، دراسة سريرية لخلايا الدم الحمراء الاصطناعية التي يمكن تخزينها لعمليات نقل الدم في أوقات الطوارئ، حسبما ذكرت جامعة نارا الطبية، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وكانت الجامعة قد ذكرت في بداية يوليو (تموز) الحالي أنها تستهدف البدء في استخدام خلايا الدم الاصطناعية بحلول عام 2030.

ويأتي تطوير خلايا الدم، المصممة للاستخدام في المناطق النائية وفي أوقات الكوارث، في ظل توقع حدوث نقص في الدم في المرافق الطبية بسبب انخفاض عدد المتبرعين، وسط تقلص عدد السكان في البلاد.

ونقلت وكالة أنباء «كيودو» اليابانية عن باحثين قولهم إنه في حين أن خلايا الدم الحمراء التي يتم الحصول عليها من دم تم التبرع به، ويمكن أن يتم تخزينها لأقل من شهر في درجات حرارة منخفضة، فإن خلايا الدم الاصطناعية يمكن تخزينها لمدة عامين في درجة حرارة الغرفة.

وأضاف الباحثون أنه نظراً لأن خلال الدم الاصطناعية يتم صنعها دون فصيلة دم، فيمكن استخدامها دون تأكيد فصيلة دم المريض ونقلها إليه بواسطة سيارة إسعاف.