العقوبات الأممية تزيد من احتمال تجدد الاحتجاجات في إيران

المواطنون يعانون بشكل متزايد من ارتفاع الأسعار وتقلص الدخل

إيرانيتان تمران أمام جدارية مناهضة للولايات المتحدة في أحد شوارع طهران(رويترز)
إيرانيتان تمران أمام جدارية مناهضة للولايات المتحدة في أحد شوارع طهران(رويترز)
TT

العقوبات الأممية تزيد من احتمال تجدد الاحتجاجات في إيران

إيرانيتان تمران أمام جدارية مناهضة للولايات المتحدة في أحد شوارع طهران(رويترز)
إيرانيتان تمران أمام جدارية مناهضة للولايات المتحدة في أحد شوارع طهران(رويترز)

يحذر خبراء ومسؤولون إيرانيون من أن اقتصاد البلاد يواجه مزيجاً خطيراً من التضخم المفرط والركود العميق، في وقت يحاول الحكام ضبط الأوضاع الداخلية في ظل محدودية الخيارات المتاحة لهم بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.

ويأتي ذلك بعد انهيار المحادثات الهادفة إلى تقييد أنشطة إيران النووية المثيرة للجدل وبرنامجها للصواريخ الباليستية. ورغم الجمود، يؤكد الجانبان الإيراني والأميركي أن الحل الدبلوماسي لا يزال ممكناً، لكن المرشد علي خامنئي، صاحب كلمة الفضل في إيران، رفض عرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لإبرام اتفاق جديد.

وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار لــ«رويترز»، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن طهران تعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وإسرائيل يشددون العقوبات بهدف تأجيج الاضطرابات الداخلية وتعريض وجود نظام الجمهورية الإسلامية للخطر.

وأوضح المسؤولون أنه منذ إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في 28 سبتمبر (أيلول)، عقدت السلطات سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى في طهران لمناقشة سبل تفادي الانهيار الاقتصادي، والالتفاف على العقوبات، واحتواء الغضب الشعبي المتصاعد.

وأدت الفجوة الاقتصادية المتزايدة بين الإيرانيين العاديين من جهة، والنخبة الحاكمة من جهة أخرى، إلى تفاقم السخط الشعبي، في ظل سوء الإدارة الاقتصادية، وتسارع معدلات التضخم، واستشراء الفساد الذي لم تعد تخفيه حتى وسائل الإعلام الرسمية.

وقال أحد المسؤولين الثلاثة لـ«رويترز»: «المؤسسة الحاكمة تدرك أن الاحتجاجات أمر حتمي، إنها مسألة وقت فقط... الأزمة تتفاقم، بينما تتقلص خياراتنا».

لوحة مناهضة للولايات المتحدة على أحد المباني في طهران (رويترز)

وتعتمد القيادة الإيرانية اليوم بشكل متزايد على ما تسميه «الاقتصاد المقاوم»، وهي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز التعاون التجاري مع الصين وروسيا ودول الجوار.

وتؤكد موسكو وبكين دعم حق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وقد ندد البلدان بالضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية في يونيو (حزيران) الماضي.

لكن محللين يحذرون من أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لحماية إيران، الدولة مترامية الأطراف التي يبلغ عدد سكانها نحو 92 مليون، من تداعيات الضربة الاقتصادية الجديدة.

وقال أُميد شكري، المحلل المتخصص في شؤون الطاقة والزميل الزائر البارز في جامعة جورج ميسون قرب واشنطن، إن تأثير عقوبات الأمم المتحدة سيكون قاسياً ومتعدد الأبعاد، إذ سيزيد من الاختلالات البنيوية والمالية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات طويلة.

وأضاف شكري أن «الحكومة الإيرانية تواجه صعوبات متزايدة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، مشيراً إلى أن العقوبات تعطل النظام المصرفي، وتقيد التجارة، وتحد من صادرات النفط — مصدر الدخل الرئيسي للدولة — مما يؤدي إلى تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية».

شريان الحياة النفطي تحت التهديد

تجنبت إيران الانهيار الاقتصادي الكامل منذ عام 2018، حين أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في ولايته الأولى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم بين طهران وست قوى عالمية عام 2015، وأعاد فرض العقوبات الأميركية الصارمة.

لكن أحد المسؤولين الإيرانيين الثلاثة الذين تحدثوا إلى رويترز قال إن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة الواسعة النطاق خلّفت صدمات اقتصادية أدت إلى إعاقة النمو، وتسريع وتيرة التضخم، وانهيار الريال الإيراني، مما يدفع الاقتصاد نحو دوامة ركود خطيرة.

وكان الاقتصاد الإيراني قد انكمش بشدة بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018، قبل أن يشهد انتعاشاً محدوداً في عام 2020 بفضل زيادة صادرات النفط إلى الصين.

غير أن توقعات البنك الدولي الأخيرة تشير إلى تراجع الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7 في المائة في عام 2025 و2.8 في المائة في عام 2026، وهو انخفاض حاد عن توقعاته في أبريل (نيسان) الماضي التي رجحت نمواً طفيفاً قدره 0.7 في المائة، خلال العام المقبل.

ورغم أن طهران ما تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط إلى الصين — أكبر زبائنها وأحد القلة من الدول التي تواصل التعامل معها رغم سياسة «الضغوط القصوى» التي انتهجتها إدارة دونالد ترمب — فإن الشكوك تتزايد حول قدرة هذه التجارة على الاستمرار في ظل تشديد العقوبات الدولية.

ورغم أن إيران تبيع نفطها الخام بأسعار مخفضة، فإنه ما يزال يشكل مصدراً حيوياً للدخل، إذ ساهم قطاعا النفط والبتروكيماويات بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

وبينما تؤكد السلطات الإيرانية علناً أن صادرات النفط إلى الصين ستتواصل، حذر أحد المسؤولين الإيرانيين من أن إعادة فرض العقوبات الدولية الأوسع قد تعرقل هذا التدفق الحيوي.

وقال شكري إنه في حال سعت الصين إلى تخفيف التوتر مع إدارة ترمب، فقد تتخذ موقفاً أكثر تشدداً تجاه النفط الإيراني، سواء عبر المطالبة بتخفيضات أكبر في الأسعار أو بوقف الواردات بالكامل.

وأوضح أن الكلفة على طهران ستكون مدمرة، مشيراً إلى أن كل دولار يُخصم من سعر برميل النفط يعني خسارة تُقدر بنحو نصف مليار دولار من العائدات السنوية.

وفي ظل هذه الضغوط، تراجع الريال الإيراني إلى نحو 1.115 مليون ريال مقابل الدولار بعد أن كان 920 ألفاً في أغسطس (آب)، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 40 في المائة، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.

ويفاقم انخفاض قيمة العملة واستمرار العقوبات التجارية من ارتفاع الأسعار وتآكل ثقة المستثمرين، ما يضع الاقتصاد الإيراني أمام دوامة من التدهور المالي والاجتماعي.

اتساع نطاق الصعوبات

لم يعد كثير من الإيرانيين قادرين على تجاوز الصعوبات المعيشية، إذ يسود شعور عام باليأس يمتد من أوساط المهنيين في المدن إلى تجار البازارات والمزارعين في الأرياف.

وقال علي رضا (43 عاماً) عبر الهاتف من العاصمة طهران: «إلى أي مدى يفترض أن نتحمل المزيد من الضغوط؟ إلى متى؟ أنا موظف حكومي، وأتقاضى 34 مليون تومان (عملة يستخدمها الإيرانيون) (نحو 300 دولار أميركي) شهرياً فقط». وكغيره، طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من انتقام السلطات.

وأضاف: «زوجتي بلا عمل. أغلقت شركة الاستيراد والتصدير التي كانت تعمل بها الشهر الماضي. براتبي فقط أنا وطفليّ، نحن نعاني حتى لدفع الإيجار ومصاريف المدرسة. ماذا عسانا أن نفعل؟».

رجال يتاجر بالعملات يعد أوراقاً نقدية من الريال الإيراني مع استمرار تراجع قيمته، في طهران (رويترز)

ويبلغ معدل التضخم الرسمي في إيران حوالي 40 في المائة على الرغم من أن بعض التقديرات تضعه عند أكثر من 50 في المائة. وأظهرت البيانات الرسمية في سبتمبر أيلول أن أسعار 10 سلع أساسية -من بينها اللحوم والأرز والدجاج- ارتفعت بنسبة 51 بالمئة في عام واحد.

كما ارتفعت تكاليف السكن والمرافق. ويصل سعر كيلو اللحم البقري الآن إلى 12 دولاراً، وهو سعر باهظ للغاية بالنسبة لكثير من الأسر.

احتدام الغضب الشعبي

وقال أحد المسؤولين الإيرانيين إن القيادة في طهران تشعر بقلق متزايد من أن يؤدي تفاقم الضائقة المعيشية إلى إشعال موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، مثل تلك التي اندلعت مراراً منذ عام 2017 بين شرائح الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.

ويخشى كثير من الإيرانيين أن تدفعهم العقوبات الموسعة إلى ما بعد نقطة الانهيار الاقتصادي، ومن بينهم سيما (32 عاماً)، وهي عاملة في مصنع بمدينة شيراز وسط البلاد، تقول إن سنوات من الضغوط المعيشية أنهكتها وجعلت الحياة اليومية أكثر قسوة.

وقالت سيما «يقولون الآن إننا نواجه عقوبات جديدة مرة أخرى، لكننا نواجه بالفعل صعوبات لإعالة أطفالنا الثلاثة. فالأسعار ترتفع كل يوم ولا يمكننا حتى شراء اللحم لهم مرة واحدة في الشهر».

جانب من الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني في طهران سبتمبر 2022 (أرشيفية - رويترز)

ويخشى الكثيرون من أصحاب الأعمال من تفاقم العزلة الدولية والمزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة النووية.

وقال مهدي، الذي يشحن الفاكهة إلى بلدان مجاورة: «مع الخوف المستمر من هجوم محتمل وعدم معرفة ما إذا كنت سأتمكن حتى من التصدير هذا الشهر أو الشهر المقبل، كيف يمكنني الحفاظ على استمرار تجارتي؟».


مقالات ذات صلة

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

شؤون إقليمية إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية مركز كيندي سيكون مقراً لسحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن (رويترز)

إيران ستحضر قرعة كأس العالم بعد التلويح بالمقاطعة بسبب التأشيرات

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم (الخميس)، أن وفداً إيرانيّاً سيحضر قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 غداً (الجمعة) رغم إعلان إيران سابقاً مقاطعة الحفل المقرر بواشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
TT

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

وأضاف التقرير، أن «الحرس الثوري» شبه العسكري أطلق الصواريخ من عمق البر الرئيسي في إيران، وأصاب أهدافاً في بحر عمان ومنطقة مجاورة بالقرب من مضيق هرمز في تدريبات بدأت الخميس، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

صورة نشرتها قوات «الحرس الثوري» 5 ديسمبر 2025 تظهر قارباً نفاثاً يشارك في مناورة عسكرية بالمياه قبالة سواحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

وحدد الصواريخ بأنها صواريخ كروز، طراز قدر 110- وقدر380- وغدير، يصل مداها إلى ألفي كيلومتر. وأضاف أن «الحرس الثوري» أطلق أيضاً صاروخاً باليستياً هو 303، من دون أن يدل بمزيد من التفاصيل.

وأظهرت لقطات تلفزيونية إطلاق الصواريخ وإصابة أهدافها.

صورة تم توزيعها 5 ديسمبر 2025 من قِبل «الحرس الثوري» الإيراني تظهِر صاروخاً يتم إطلاقه أثناء تدريب عسكري في المياه قبالة ساحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

والمناورات هي الثانية في أعقاب الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو (حزيران)، التي أسفرت عن مقتل نحو 1100 شخص في إيران، من بينهم قادة عسكريون وعلماء نوويون. وأسفرت الهجمات الصاروخية من قِبل إيران عن مقتل 28 شخصاً في إسرائيل.


تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
TT

تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)

قُوبل قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعيين سكرتيره العسكري، رومان غوفمان، رئيساً جديداً لـ«الموساد» بخيبة أمل داخل الجهاز، وفقاً لما قاله مسؤولون حاليون وسابقون على الرغم من أن كثيرين قالوا إن الاختيار لم يكن مفاجئاً، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

وقال المسؤولون إن نتنياهو تجاوز مرشحي «الموساد» المدعومين منه لتعيين رومان غوفمان، مما أثار مخاوف بشأن افتقاره للخبرة الاستخباراتية واحتمالية استقالته، بينما يقول حلفاؤه إن ولاءه وحكمته وفكره العدواني تناسب منصبه.

وبعد أن اختار نتنياهو شخصاً من خارج جهاز «الشاباك»، وهو ديفيد زيني، لقيادته في وقت سابق من هذا العام، توقع كبار مسؤولي «الموساد» أن يتبع نفس النهج: اختيار شخصيات من خارج الجهاز يراها عدوانية وموالية ومتوافقة آيديولوجياً معه.

ويقول المنتقدون إن هذه الخطوة تعكس معركة نتنياهو الأوسع ضد ما يسميه «النخب» و«الدولة العميقة»، ويقول المؤيدون إن غوفمان موثوق به، وكتوم، ومخلص.

وزعم بعض المسؤولين المطلعين على عملية التعيين أن غوفمان خضع لـ«مقابلة» غير رسمية مع زوجة نتنياهو، سارة، قبل اتخاذ القرار- وهو ادعاء نفاه مكتب رئيس الوزراء ووصفه بأنه «كاذب تماماً».

من اليسار إلى اليمين: وزير الدفاع يسرائيل كاتس والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء اللواء رومان غوفمان وبنيامين نتنياهو ورئيس ديوان مكتبه تساحي برافرمان والقائم بأعمال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يظهرون بمركز قيادة خلال الغارات في قطر (الشاباك)

وأشار آخرون إلى إتقانه للغة الروسية ولغته الإنجليزية المحدودة، مما قد يُعقّد التواصل الدبلوماسي، مع أن حلفاءه يجادلون بأن إتقان اللغة الإنجليزية ليس جوهرياً في مهام «الموساد» الأساسية وتوقع العديد من كبار مسؤولي الدفاع موجة استقالات داخل الجهاز عقب الإعلان.

وتجاوز نتنياهو المرشحين الذين أوصى بهم مدير الموساد المنتهية ولايته، ديفيد برنياع، واختار غوفمان بدلاً منه، الذي لم يرتقِ في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية. وقال المطلعون على تفكير رئيس الوزراء إن قراره كان مدفوعاً بولائه وحكمته ووصفه مسؤول دفاعي كبير سابق بأنه «مخلص بشدة لنتنياهو» ووصف التعيين بأنه «محير».

ويقول زملاؤه إن غوفمان ضابط جاد ومنضبط وقارئ نهم للتاريخ والاستراتيجيات العسكرية.

ولفت بعض مسؤولي الأمن السابقين إلى أنه قد يكون متهوراً أيضاً، وأشاروا إلى قضية من فترة عمله قائداً للفرقة 210 «باشان»، حيث زُعم أنه أذن باستخدام شاب مدني يبلغ من العمر 17 عاماً، يُدعى أوري ألماكايس، في عملية غير مصرح بها وهي قضية أدت لاحقاً إلى اعتقال المراهق واحتجازه لفترة طويلة قبل إسقاط التهم عنه.

بنيامين نتنياهو ومدير «الموساد» ديفيد برنياع في القدس (د.ب.أ)

وقال ضابط كبير سابق في الاستخبارات العسكرية إنه على الرغم من أن غوفمان «شخص ماكر وشجاع»، فإنه يفتقر إلى الخلفية الاستخباراتية العملياتية المتوقعة عادةً من مدير الموساد.

وأضاف المسؤول: «إنه يتحدث الروسية والعبرية فقط، ولا ينطق بكلمة إنجليزية واحدة لقد شغل منصب لواء لمدة عام واحد فقط ولم يسبق له إدارة منظمة بهذا الحجم».

وفي المقابل، رفضت مصادر مقربة من نتنياهو بشدة الانتقادات لتعيين غوفمان، واصفةً إياه بالتعيين الممتاز، وقالوا إن إتقانه للغة الروسية وفهمه الإقليمي جعلاه لا يُقدر بثمن في مهمات حساسة في موسكو، وأشاروا إلى أنه أصبح، بصفته السكرتير العسكري، أقرب مستشار أمني لنتنياهو، وأضافوا أنه لعب دوراً في عمليات سرية مهمة، بما في ذلك اغتيالات لكبار شخصيات «حزب الله»، ومهام موجهة ضد إيران خلال الصراع معها في وقت سابق من هذا العام.

ويصف المسؤولون الذين عملوا معه من كثب غوفمان بأنه مفكر عدواني وغير تقليدي «ويقاتل بسكين بين أسنانه ويتفوق في الخداع، ويُحاط بالمعلومات الحساسة، وهي سمات يعتبرونها أساسية للموساد»، وقال أحدهم: «إنه المساعد الأمني ​​الأكثر ثقة لرئيس الوزراء. ليس رئيس الأركان، ولا وزير الدفاع - بل كان غوفمان».

وفي حين يشير البعض إلى قلة لغته الإنجليزية كمصدر قلق، يجادل مؤيدوه بأن ساحات الموساد الرئيسية - إيران وسوريا ولبنان - لا تتطلب إتقان اللغة الإنجليزية بينما تعتبر لغته الروسية ميزة نظراً لعلاقات موسكو مع إيران وغيرها من الجهات المعادية.

وكان رئيس الأركان إيال زامير التقى بغوفمان هذا الأسبوع وهنأه، قائلاً إن الجيش سيدعمه في انتقاله إلى المنصب، وأكد «الموساد» أن برنياع تحدث مع غوفمان وتمنى له النجاح، فيما ذكر نتنياهو أنه اختار غوفمان بعد مقابلات مع عدد من المرشحين، وأشاد بـ«قدراته المهنية الاستثنائية»، مشيراً إلى دوره في مواجهة هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما غادر منزله لقتال مسلحي «حماس» وأصيب بجروح بالغة.


إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم (الجمعة)، أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 قد حُددت عند 112 مليار شيقل (34.63 مليار دولار)، بزيادة على 90 مليار شيقل كانت مُدرجة في مسودة سابقة، وفقاً لوكالة «رويترز».

واتفق كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إطار الإنفاق الدفاعي، حيث بدأ مجلس الوزراء مناقشة ميزانية العام المقبل، والتي تجب الموافقة عليها بحلول مارس (آذار)، وإلا قد تؤدي إلى انتخابات جديدة.

وبدأ الوزراء ما يُعرف بجلسة ماراثونية يوم الخميس قبل التصويت الذي قد يُجرى صباح الجمعة. وفي حال إقرارها، ستُعرض على البرلمان للتصويت الأولي.

وأكد كاتس أن الجيش سيواصل جهوده لتلبية احتياجات مقاتليه وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط.

ونقل مكتبه عنه قوله: «سنواصل العمل بحزم لتعزيز جيش الدفاع الإسرائيلي، وتلبية احتياجات المقاتلين بشكل كامل، وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط - من أجل ضمان أمن دولة إسرائيل على جميع الجبهات».

وكانت حرب غزة مكلفة لإسرائيل، التي أنفقت 31 مليار دولار في عام 2024 على صراعاتها العسكرية مع «حماس» و«حزب الله» في لبنان.

ومنذ ذلك الحين، أبرمت إسرائيل اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الجماعتين المسلحتين. وصرح مكتب سموتريتش بأن ميزانية الدفاع لعام 2026، شهدت زيادة قدرها 47 مليار شيقل مقارنة بعام 2023 عشية الحرب. وقال سموتريتش، وفقاً لمكتبه: «نخصص ميزانية ضخمة لتعزيز الجيش هذا العام، ولكنها أيضاً ميزانية تسمح لنا بإعادة دولة إسرائيل إلى مسار النمو والراحة للمواطنين».