ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

لماذا يقترح بوتين خطة المناطق الآمنة؟

في أتون الحرب السورية المهلكة، طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحا جديداً للسلام يتمحور حول إنشاء المناطق الآمنة في غير موضع من البلاد، وتحييد القوات الجوية الحكومية السورية، وربما أيضا إنشاء مناطق عازلة بين الأطراف المتناحرة تشرف قوات حفظ السلام الدولية على مراقبتها.
وقال مصدر دبلوماسي مطلع، إن الرئيس الروسي أعرب عن خطته تلك في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً. وجاءت تلك المكالمة الهاتفية بطلب مباشر من الرئيس الروسي الذي هيمن على جُل الحديث خلالها. ولم يُعلن البيت الأبيض سوى عن القليل من التفاصيل بشأن هذا الأمر، ولكن الإدارة الأميركية وافقت على إرسال مبعوث رسمي عن وزارة الخارجية الأميركية إلى محادثات السلام الجارية في الوقت الحالي في العاصمة الكازاخية آستانة.
ومن المحتمل لمقترح الرئيس الروسي أن يكون بمثابة محاولة لملء الفراغ الظاهر عن أي استراتيجية دبلوماسية واضحة من جانب إدارة الرئيس ترمب حيال الأزمة السورية. على غرار الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي جعل من نفسه شريكا مباشرا مع السيد ترمب في التعامل مع ملف كوريا الشمالية، فربما يحاول الرئيس الروسي أن يلعب دورا مماثلا بشأن سوريا. والمكاسب المتوقعة لموسكو جراء ذلك تتمثل في التقليل من حالة العزلة الدبلوماسية الراهنة، والعمل على تحسين صورتها بعد تورطها المخجل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام الماضي.
ووفقا للمصدر الدبلوماسي المذكور، أوضح الرئيس الروسي لنظيره الأميركي خطة إنشاء «مناطق فصل النزاع» في أربع مناطق سورية: محافظة إدلب في شمال البلاد، ومنطقة إلى شمال مدينة حمص في أواسط سوريا، ومنطقة إلى الشرق من العاصمة دمشق والمعروفة باسم الغوطة الشرقية، ومنطقة جنوبية على الحدود مع الأردن. وتدور الخطة المقترحة إلى الفصل المادي الفعلي بين القوات المتحاربة في هذه المناطق، وتسمح بإمكانية إنشاء المناطق العازلة التي تشرف عليها قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أو غير ذلك من قوات المراقبة الدولية الأخرى.
ومن الأنباء السارة بالنسبة لقوات المعارضة السورية في معرض المقترح الروسي تحييد دور القوات الجوية الحكومية السورية أثناء تنفيذ عملية الفصل بين القوات المتحاربة. وتقول قوات المعارضة السورية إن القصف الجوي السوري كان، ولا يزال، السبب الرئيسي في الفظائع المريعة التي شهدتها هذه الحرب، بما في ذلك الهجوم بالأسلحة الكيماوية على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب الشهر الماضي.
ومن شأن المقترح الروسي أن يلقى دعما محتملا من جانب المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية المعنية، حيث إن الخطوة الدبلوماسية الروسية جاءت من دون تأييد يُذكر من الجانب الإيراني. ومن شأن تلك الخطوة أن تُحدث ثُلمة في العلاقات الثنائية الروسية الإيرانية، الأمر الذي طالما تاقت إليه الدول العربية المعنية بالأزمة السورية.
كما شارك الزعيم الروسي مقترحه المشار إليه أيضا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الثلاثاء الماضي، وفي يوم الأربعاء كذلك مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وكان الرئيس الروسي يحاول عبر الشهور الماضية استمالة الرئيس التركي إلى درجة أوثق من التعاون حول الأزمة السورية.
كانت الإدارة الأميركية بطيئة في وضع ملامح استراتيجيتها الخاصة بشأن سوريا، مما أتاح الفرصة أمام الجانب الروسي لتشكيل معالم دبلوماسيته حيالها. وقال البيت الأبيض في بيانه يوم الثلاثاء: «اتفق الرئيسان ترمب وبوتين على أن المعاناة السورية قد استمرت لفترة طويلة للغاية، وأنه يتعين على جميع الأطراف المعنية أن تبذل كل ما في وسعها لإنهاء أعمال العنف هناك».
ومن شأن خطة صنع السلام الروسية المقترحة أن تواجه العراقيل نفسها التي واجهتها الجهود الأميركية من قبل، لوضع حد نهائي لأعمال العنف الجارية في سوريا. فأقدام الرئيس السوري بشار الأسد راسخة فيما تبقى من بلاده، وحلفاؤه من إيران يقاومون وبشدة كل محاولات التوفيق بين مختلف الأطراف المتناحرة، والمعارضة السورية تعاني من انقسام بيني شديد، وهي خاضعة تحت تأثير الجماعات المتطرفة، وتعارض أي جهود لاتفاقات السلام التي لا تنتهي برحيل الأسد عن دمشق.
وكان إنشاء المناطق الآمنة من المطالب الرئيسية لقوات المعارضة السورية خلال السنوات الماضية. ويبدو أن مقترح الرئيس الروسي هو من قبيل التنازلات السياسية حول هذه المسألة، غير أن الشيطان يكمن في التفاصيل غير المعلنة.
ومع سؤال كثير من الدبلوماسيين لبسط رأيهم حول مقترح الرئيس الروسي الأخير ألقت إجاباتهم الضوء على تفسيرات عدة. يساور الجانب الروسي القلق الشديد من تفويض الرئيس الأميركي بشن الضربات الصاروخية العاجلة على القاعدة الجوية الحكومية السورية في الشهر الماضي في أعقاب الهجوم بالأسلحة الكيماوية أثناء الشهر ذاته. كما ينتابهم القلق أيضا، وعلى نطاق أوسع، حول تدهور حالة العلاقات الأميركية الروسية الثنائية في ظل إدارة الرئيس ترمب التي كانوا يأملون في أن تخفف كثيرا من حدة التوترات البينية القائمة.
وقد لا يشعر السيد بوتين بالارتياح كذلك حال رؤيته للتقارب الصيني الأميركي الأخير، والموقف الذي تحاول الصين احتلاله بصفتها شريكا مباشرا لدى الولايات المتحدة في قارة آسيا. إن خطوة الرئيس الروسي انتهازية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولكن من باب التغيير، أصبح هو الذي يحاول إبرام الصفقات الآن بشأن الأزمة السورية، في حين أن الولايات المتحدة تراقب الأمر في تأن وانتظار.
* خدمة «واشنطن بوست»